عن مخطط "الخدمة المدنية" السلطوي:
المواجهة ليست أمام السلطة فقط

*أحد أخطر المطبات

قد نقع فيها في خضم المواجهة هو اعتماد صيغة "الوحدة بكل ثمن"، فمثلما نواجه من يروّج لهذا المخطط السلطوي، ومن يثير الفتنة الطائفية، ومن يسخـّف عقول شبابنا، علينا، أيضا، مواجهة عقلية البرجوازية الصغيرة التي تنخر في المجتمع*


يقينا أن النقاش الذي نحن في صدده اليوم، حول مخطط "الخدمة المدنية/ القومية/ الوطنية" السلطوي، هو نقاش متعدد الأبعاد يحتاج الى تحليل متعمّق وجهد جماعي، ومن هنا أهمية تبنّي الجبهة الدمقراطية للسلام والمساوة لهذا المشروع، وهو إن دلّ على شيء فعلى قدر المسؤولية وبعد النظر وشمولية الرؤية.
وبالتالي سأحاول من خلال مساهمتي هذه الإشارة الى عدد من الأمور التي ألحظها، خصوصا في المحيط الذي أعيش فيه، سواء أكان هذا بين الأجيال الشابة عموما وفي مدينتي حيفا على وجه التحديد، آملا أن تغني هذه الملاحظات النقاش:
1. أرى أن التساؤل حول إذا ما كنا مستعدين للخدمة (بما فيها العسكرية) في حال وجود مساواة مدنية (دولة المواطنين مثلا)، أو حتى مساواة قومية ومدنية، هو تساؤل مشروع الإجابة عليه غير سهلة.
2. أعتقد أن منطلقنا الأساس يجب أن يكون في وثيقة السادس من حزيران، وأقصد تحديدا النص (المؤسّس حقا) الذي يعالج هويتنا المركبة كفلسطينيين من جهة وكمواطنين من جهة أخرى. وفي الإمكان الاستعانة بذوي الاختصاصات المهنية والأكاديمية المختلفة وأصحاب الرأي، وإن كان هذا لا يغني عن دور الأحزاب والحركات السياسية (والتي، إذا استثنينا الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية نجد إنها غارقة في سبات عميق) وكذلك لجنة المتابعة العليا التي يقع على كاهلها جزء هام من المعركة، خاصة في ظل احتوائها مركب السلطات المحلية التي قد تكون إحدى القنوات المركزية لتمرير هذا المخطط مقابل مغريات مواردية وأخرى.
3. الظاهرة موجودة بكثافة في المدن المختلطة (بحسب ما أرى في مدينتي حيفا على سبيل القياس)، وأعتقد انها موجودة بين أبناء الطائفة المسيحية أكثر من سواهم (نسبيا). ولا يختلف اثنان على العلاقة بين هذه الحقيقة الأخيرة وبين الأحداث ذات الصبغة الطائفية التي وقعت في عدة مدن وقرى عربية في السنوات الأخيرة. وبرأيي يتوجب مطالبة القوى السياسية الفاعلة في المجتمع العربي والتي تعرّف نفسها كقوى وطنية، بالكـفّ الفوري عن الاستثمار في بورصة الطائفية لتحقيق مآرب انتخابية. سواء أكان ذلك باستخدام خطاب طائفي مباشر وفظّ كما تفعل "الحركة الإسلامية" في الناصرة وغيرها، أو بالغمز والهمس الأقل مباشرة ولكن ليس أقل فظاظة كما يفعل "التجمع" في شفاعمرو والمغار وغيرهما.
4. ننكـّت أنا وأصدقائي، أحيانا، على ان سائق دورية الشرطة التي تجوب شوارع وادي النسناس وتزعج الأهالي بصفارة إنذراها وأضوائها (السيرينا) هو عربي حتما. وفي الشرطة نفسها ينكتون على "المتطوعين" العرب مشبهين فرحتهم بقيادة دورية شرطة بفرحة الفائزين بسحب "اللوطو". ما أقصد قوله هو ان هذه الظاهرة مرتبطة بحالة الفراغ الثقافي وتشوّه الوعي السياسي بين الجيل الشاب، خاصة غير المتواجدين منهم في أي إطار تربوي أو مكان عمل. ومواجهة هذا تتطلب تنظيم حملة إعلامية لتوعية الشبان أنفسهم أولا وذويهم وبيئتهم الاجتماعية ثانيا. ولكن قبل ذلك يجب دراسة الموضوع والتعمّق فيه، لأن علينا مخاطبة الشباب بالعقل وليس بالعواطف فقط. التخجيل قد يجدي نفعا على المدى القصير ولكن الأفضل هو ترسيخ قناعات عقلانية ضد هذا المخطط وتوضيح إسقاطاته السلبية على قضية المساواة، ببعديها الفردي والجماعي، بما في هذا المصلحة الشخصية المباشرة للشاب نفسه. وأعتقد ان التركيز يجب أن يكون على محور المساواة وليس محور مناهضة الاحتلال (الذي تخدمه هذه الخدمة بطريقة أو بأخرى).
5. بالمقابل، يجب العمل على تعزيز روح العطاء والتطوّع في مجتمعنا. ولعلّ الصيغة القديمة لمخيمات العمل التطوعي التي نظمها الشيوعيون والجبهويون في الناصرة قد استنفذت نفسها ولكن المهم هو طرح مشاريع شبيهة في الجوهر. وفي هذا السياق يمكن الاحتذاء بفعاليات قامت بها حركة "تعايش" العربية اليهودية في السنوات الأربع الأخيرة في النقب وفي قرى غير المعترف بها وحتى في أحياء عربية فقيرة في المدن المختلطة.
6. مناقشة هذا المخطط لا بد ان تؤدي بنا الى نقاش أوسع وأكبر، هو النقاش حول تفشـّي الفردانية في مجتمعنا (بالمفهوم الأناني-المنفعي للكلمة لا مفهوم نمو قيمة ومسؤولية الفرد في المجتمع). وللأسف هناك بين ظهرانينا من يساهم في هذا، جزء يقوم بهذا عن وعي وآخر يقوم به عن غير وعي. ومن الواجب تعرية الجزء الأول وتحجيم الثاني. وعموما أرى ان أحد أخطر المطبات هو اعتماد صيغة "الوحدة بكل ثمن"، فمثلما نواجه من يروّج لهذا المخطط السلطوي، ومن يثير الفتنة الطائفية، ومن يسخـّف عقول شبابنا، علينا مواجهة عقلية البرجوازية الصغيرة التي تنخر في المجتمع، وتحديدا في أوساط الطبقة التي تعتبر نفسها مثقفة.

*الكاتب ناشط سياسي، وعضو هيئة تحرير صحيفة "الإتحاد"


رجا زعاترة*
السبت 12/2/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع