الركائز الأساسية في أسباب رفض "الخدمة المدنية"

علينا أن نعلم اولا أن حقوق الإنسان وحقوق المواطن تعتبر من عائلة الحقوق الطبيعية، بمعنى ان هذه الحقوق هي حقوق اساسية غير قابلة للإلغاء، لا "تمنحها" السلطة أو الحكومة للمواطنين بل هي نابعة من انسانية الانسان.

ثم علينا ان نعلم ان اشتراط احقاق اي حق من الحقوق الطبيعية بتنفيذ واجبات معينة (ليست من جنس هذا الحق)، او حرمان المواطن من احد حقوقه الطبيعية بحجة عدم تنفيذه لواجبات معينة (هي ليست من جنس هذا الحق) هما اشتراط وحرمان مرفوضان في كل ادبيات حقوق الانسان.

وعلينا ان نعلم ايضا ان حق الجماهير العربية بالمساواة التامة، اليومية والقومية، هو حق اساسي من الحقوق الطبيعية آنفة الذكر، وبناء عليه نقول ان اشتراط الحق في المساواة بتنفيذ واجبات ليست من جنسها – اي لا علاقة موضوعية مباشرة لها بالحق في المساواة – (كالخدمة العسكرية او القومية او المدنية ... الخ ) هو اشتراط مرفوض رفضا قاطعا من حيث المبدأ ولهذا نقول ان الحقوق مطلقة بينما الواجبات ليست كذلك.

وبناء عليه ايضا تطالب الجماهير العربية بإصرار بحقها الطبيعي في المساواة التامة، ملىء الفم والرئتين، وبأعلى الصوت امام السلطة وفي كل المحافل المحلية والدولية، ومطلبنا هذا يحظى بتأييد قطاعات واسعة من اليسار اليهودي الاسرائيلي وانصار العدل وحقوق الانسان في العالم اجمع.

ان الموقف اعلاه هو ليس اختراع من عندنا او فلسفة سياسية جديدة ابتكرناها، بل هو موقف مؤسس على ادبيات الديمقراطية وحقوق الانسان الاساسية، وهذه الادبيات معروفة جيدا للنخب الاسرائيلية وهم يتشدقون بها في المحافل المحلية والدولية، بسبب وبدون سبب.
لا شك لدي ان المدعو دافيد عبري، والذين عينوه في رئاسة اللجنة التي تحمل اسمه، يعرفون تمام المعرفة ان المساواة التامة، اليومية والقومية، هي حق من الحقوق الاساسية الطبيعية
(غير القابلة للالغاء او للاشتراط) كما اسلفنا، ومع ذلك فان احدى توصيات لجنة عبري هي، بشكل او بآخر، اشتراط المساواة بالخدمة المدنية.

وهنا يسأل السؤال الكبير لماذا هذا السعي المحموم من قبل السلطة واقامة اللجان الحكومية والجمعيات لفرض شكل من اشكال الخدمة على الشباب العربي؟
استبق الاجابة بالقول باننا لسنا ضد التطوع في خدمة المجتمع بل على العكس تماما فلقد كانت الجبهة الديمقراطية سباقة في اجتراح اصناف من العمل التطوعي الناجح في خدمة المجتمع، الا ان المخططات السلطوية في هذا الخصوص هي كمن يقول كلمة حق يريد بها باطل، فظاهر هذه المخططات هو الحث على التطوع والتبرع ومساعدة الغير (وهي قيم سامية بدون شك) اما باطن هذه المخططات فينطوي على امور غاية في الخبث والخطورة.

أعتقد أن مخطط "الخدمة المدنية" يريد ان يحقق للسلطة عدة اهداف اساسية: الهدف الأول هو تبرير التمييز اللاحق بالجماهير العربية والقول بان سبب ذلك ليس السياسة الحكومية بل تصرف هذه الجماهير التي ترفض الخدمة العسكرية وترفض بدائلها ولأن الجماهير العربية لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب.
الهدف الثاني هو شق صفوف الجماهير العربية وضرب جاهزيتها الكفاحية واصطياد الافراد من بينها (وتوجيههم لخدمات اخرى!) , وهذا الهدف واضح في نص التوصيات بقولهم ان على الحكومة التوجه للافراد (من العرب) وليس لقيادة الجماهير العربية وان الافراد سيتمردون على هذه القيادة (في مصلحة من هذا؟).

والهدف الثالث وهو الأخطر يرمي الى تخفيض سقف مطلب الجماهير العربية العادل بالمساواة التامة ومحو البعد القومي الجماعي (وهو الاهم) لهذا المطلب ومسخ مطلب المساواة السامي بامتيازات هنا وهناك لبعض الافراد المغرر بهم.

ان موقفنا إزاء مخطط ما يسمى بالخدمة المدنية هو موقف الهجوم وليس الدفاع، فمطلبنا بالمساواة التامة دون قيد او شرط هو موقف قوي ومسنود بالحجج السياسية والقانونية والفلسفية القوية جدا.

ثم اذا وافقنا معهم (لغرض الجدال فقط) ان عدم الخدمة هو السبب في التمييز اللاحق بجماهيرنا العربية، فماذا يقولون فيما حصل مع الطائفة العربية الدرزية التي فرضوا عليها جبرا الخدمة العسكرية الكاملة، هل شفعت لهم هذه الخدمة في شيء؟ ام ان قراهم تعاني من نفس التمييز العنصري الذي تعاني منه الجماهير العربية كافة بل اشد منه، اولم تصادر اراضيهم بالجملة كما حصل مع اخوانهم الآخرين ؟ ... ان التعامل مع ابناء الطائفة العربية الدرزية يكشف بوضوح زيف ادعاءات السلطة التي من الأصل لا تنطلي على أحد.

وإذا قلنا لهم (لغرض الجدال أيضا) : اذا كنتم تقولون حقوق مقابل واجبات , طيب هذه الواجبات عرفناها (الخدمة العسكرية او القومية او المدنية) فتعالوا نفتح
دفتر الحقوق، من اول صفحة في هذا الدفتر، هل انتم مستعدون فعلا لاحقاق المساواة الحقيقية التي تنص على توزيع موارد الدولة بشكل متساو بين المواطنين, يعني الميزانيات والارض والموارد الاخرى وتوزيعها واعادة ما صودر منها ويعني ايضا الموارد المعنوية: العلم والشعار والنشيد وجعل الدولة دولة مدنية طبيعية وفض الارتباط بينها وبين الصهيونية العنصرية؟ هل انتم فعلا مستعدون لذلك ؟؟

اما نحن فنقول: هذه حقوقنا الطبيعية لا نقبل بالغائها ولا اشتراطها, والمشكلة عندكم وليست عندنا .. فكفاكم مخططات تعتقدون انها جهنمية لكن الطفل عندنا يفهم معناها ومغزاها بالفطرة.



(كفرياسيف)


بقلم : المحامي شادي زيدان شويري
السبت 12/2/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع