لنقل لا لمفهوم العسكرة ومشتقاته

لماذا يخدم شبابنا في الجيش، لا اظن ان خدمتهم تاتي بسبب حبهم وولائهم الشديدين لدولة اسرائيل، ولا في رغبتهم في الدفاع عنها، انما هنالك برايي عدة اسباب اشير الى بعضها من وجهة نظري طبعًا، بعض الشباب الذي ينهي دراسته الثانوية لا يجد اطر تستوعبه، فتاتي الخدمة العسكرية كاطار، اجتماعي على الاقل، وفي العديد من الاحيان اقتصادي، فعندما يفقد شبابنا الامل في ايجاد عمل، وحين يجدون ان ابواب العمل مسدودة امامهم بسبب عدم قيامهم بالخدمة العسكرية، والذي يندرج في العديد من المصالح والشركات كشرط اساسي للمتقدمين، فان الامر يتحول لدى الشباب كحاجة لبناء مستقبلهم ولضمانه. بعض الشباب وبسبب الوعي المشوه والمتاثر بالعولمة التي تجتاح بيوتنا بشكل مرعب، هذا الوعي الذي يرتكز على ان القوة هي امر هام لكي نستطيع البقاء والدفاع عن انفسنا، وان لغة القوة هي التي تجعل الناس تخشاك وتحترمك، الامر الأخر والمرتبط ايضًا بوعينا المشوه، ان بعض الشباب يعتقدون ان البزة العسكرية والسلاح في الخصر يمنحان صاحبهما رتبة اجتماعية لا بأس بها او تتركن انطباعًا خاصًا حول صاحبهما. الامر الاكثر خطورة بعيني هو ان هنالك ظاهرة غير ملموسة وهي فقط نظرية خاصة بي، لا اعتقد انها درست بعد وهي ان بعض شبابنا يقررون الالتحاق بالجيش بعد ازمة طائفية او حمائلية في بلدتهم تعزز لديهم الشعور بالحاجة الى الحماية فيأتي التجند كوسيلة لحمايتهم.

لماذا نحن ضد الخدمة العسكرية؟ هل لاننا لا نريد ان نساهم في قمع شعبنا الفلسطيني الذي يرزح تحت الاحتلال الاسرائيلي؟ هل لاننا نرفض محاربة اخوتنا العرب؟ الجواب طبعًا نعم، ولكن لا يمكنني أن اتجاهل سؤالًا اخر، لنفرض ان الاحتلال انتهى غدًا، وقامت دولة اسرائيل بالتوقيع على اتفاقيات سلام مع 22 الدول العربية في اليوم التالي، هل سنلتحق بالجيش الاسرائيلي في اليوم الثالث؟ برأيي ان الموقف يجب ان يكون مطلقًا ضد الخدمة العسكرية، ضد العسكرة، ضد الجيش، ضد العنف، ضد لغة القوة.... وليس فقط ضد الاحتلال.

مع ان الحديث يدور حول الخدمة المدنية وليست العسكرية الا اني ارى ان بلورة موقف ضد الاولى هو مرتبط كليًا بموقفنا ضد الثانية.
اولاً دولة اسرائيل تحاول ان تطرح خدمتنا المدنية كبديل للخدمة العسكرية، وهذا هو احد الاسباب الرئيسية التي تجعلنا نرفض الخدمة المدنية ايضًا، فنحن نرفض الخدمة العسكرية على جميع بدائلها، وخاصة في سياق كون اسرائيل دولة محتلة لشعبنا الفلسطيني، ولكن، للوهلة الاولى يبدو ان الامر يتعارض مع الموقف الذي طرحته مسبقًا باننا ضد العسكرة والجيش، حتى لو لم تكن اسرائيل دولة محتلة. باعتقادي لا يوجد تضارب، فالمؤسسة الاسرائيلية الحاكمة تحاول ان تطرح الخدمة المدنية على انها تفهم لموقعنا الخاص وعدم رغبتنا في المشاركة في قمع شعبنا، ولهذا فهي مستعدة للتسوية معنا. ولكن الامر هو مختلف، فالمؤسسة الحاكمة وبواسطة طرح الامور على هذا النحو فهي تكرس سياسة ربط الحقوق بالواجبات، وبالتالي تبرر قيامها بالتمييز ضد الاقلية العربية في الدولة. ولهذا علينا اولاً مواجهة شعار "ربط الحقوق بالواجبات" وذلك من خلال حملات اعلامية وجماهيرية ترسخ القيم الحقيقية لدولة ديمقراطية.
معركتنا هي ليست فقط امام المؤسسة الحاكمة بل هي امام الرأي العام الاسرائيلي، وهي الاصعب برأيي.

الامر الاضافي والذي علينا ان لا نتجاهله اطلاقًا، يتعلق بمجتمعنا، وليس صدفة انني ابتدأت به مقالتني، وهو شبابنا. علينا ان نهتم بايجاد اطر وطنية لشبابنا، مؤسسات اجتماعية وتثقيفية، داعمة ومساندة لهم/ن، وذلك لسد الفراغ الذي يدفعهم للتجند.
بقلم: عبير قبطي(*)
السبت 12/2/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع