وراء أكمة الخدمة ''الوطنية''

*علينا مواجهة ظاهرة التغرير بشبان وصبايا من أبناء شعبنا من خلال تطميعهم بامتيازات شخصية في سبيل تجنيدهم الى الخدمة "الوطنية" وسلك الشرطة الجماهيرية والحرس المدني*

منذ ان اعلن عن قيام دولة إسرائيل تنفيذاً لجزء من قرار الأمم المتحدة القاضي بإقامة دولتين على أرض فلسطين الإنتدابية، ومنذ حلول نكبة شعبنا الفلسطيني وتقطيع أوصاله نتيجة مؤامرة الثالوث الدنس المكون من الحركة الصهيونية والإستعمار والرجعية العربية جرى تقسيمه الى شتات شعب يعيش في المنافي؛ وقسم اخر يعيش في المناطق التي سوف تحتل لاحقاً في العام 67؛ والقسم الأخير الذي بقي متشبثاً بأرضه وترابه رغم كل المؤامرات التي حيكت من قبل مختلف الحكومات الإسرائيلة.
حتى بعد أن نال أبناء شعبنا، المواطنة الإسرائيلية بعد معركة شعبية وقضائية ، وحتى بعد ان اصبحوا نظرياً مواطنين متساوين في اسرائيل إلا ان أساس الفكر العنصري للمؤسسة الصهيونية لم يستطع التخلص من رؤيتة العدائية للأقلية القومية العربية في اسرائيل. وعلى هذا الأساس بدأ المخطط لتقسيم أبناء الشعب الواحد من خلال محاولة سلخ أبناء الطائفة العربية الدرزية عن بقية أبناء الجماهير العربية في البلاد من خلال فرض قانون الخدمة العسكرية الإلزامية عليهم وبالتواطؤ من قبل قسم من القيادة التقليدية الرجعية للطائفة العربية الدرزية؛ وهو الأمر الذي لم يمنع أحرار الطائفة العربية الدرزية من رفض الخدمة الإجبارية وأن يقبعوا بالسجون فترات مختلفة كثمن لرفضهم هذا، وعلى رأس هذه المجموعة من الأحرار كان رفاق الحزب الشيوعي وأصدقاؤه الوطنيون.
المخططات الصهيونية لم تتوقف عند هذا الحد، ولكن تم إبتداع شتى الأساليب لتصفية الأقلية القومية العربية من ماضيها ومن ذاكرتها الجمعية كأقلية قومية موحدة، وذلك دون نية المؤسسة بالفعل لتحويل الأقلية القومية العربية الى مواطنين متساوين بالكامل، بالفعل لا بالقول فقط.

الخدمة "الوطنية"

قانون الخدمة الوطنية جاء بالأساس ليس لفرضه على المواطنين العرب ولكن لإعطاء الصبايا المتدينات اليهوديات واللواتي لا يردن الإنخراط في الجيش (وبالأساس الحديث هنا عن صبايا حزب المتدينين-القوميين "المفدال") بديل لخدمتهم في الجيش، من خلال خدمة الدولة عن طريق الخدمة الوطنية والتطوع في مجالات التربية والتعليم والصحة والعمل الإجتماعي، هذا من ناحية. كما انه وفي الأعوام الأخيرة أصبح يعطى لقسم من الشبان والشابات غير المتدينين في الوسط اليهودي إمكانية التطوع للخدمة الوطنية مكان الخدمة في الجيش. وللحقيقة فإن هنالك قطاعًا من الشبان والشابات اليهود غير المؤمنين بالخدمة العسكرية وبالجيش، وجدوا في الخدمة الوطنية أحد ملاذاتهم للتعبير عن رفضهم للعسكرة وللخدمة الإجبارية في جيش الإحتلال.
في السنوات الأخيرة زادت وتيرة المطالبة من قبل مؤسسات وحركات يمينية و"يسارية" صهيونية بإشتراط الحصول على حقوق متساوية للأقلية القومية العربية، بخدمة الدولة من خلال الخدمة الوطنية.
السؤال الذي يُطرح هنا: لماذا ترفض الشبيبة الشيوعية كغالبية الجماهير العربية هذه الخدمة الوطنية؟ (على الرغم من الاحتمال النظري بأنه قد يكون وجه إيجابي لهذه الخدمة - على سبيل المثال التطوع داخل قرانا نفسها في مجالات التربية والتعليم والصحة).
- نحن في الشبيبة الشيوعية ننظر الى القضية من ناحيتها المبدئية وكذلك العملية؛ فطرح قضية الخدمة الوطنية بالشكل الذي تطرح به من قبل المؤسسات المشبعة بالعقلية العنصرية، وبشكل إشتراطي، وكأن كل من يريد حقوقه عليه أولاً أن يخدم الدولة، هو طرح مرفوض؛ وكأن على الجماهير العربية أن تعلن صباح مساء بأنها "أمينة للدولة ومتعاطفة معها".
نحن في الشبيبة الشيوعية نرى أن السؤال المطروح معكوس ومقلوب؛ الجماهير العربية أثبتت وخلال 57 عاماً انها لم تكن خطراً على الدولة وقد حان الوقت ومنذ زمن أن تثبت الدولة انها أمينة بالفعل لا بالقول لمواطنيها كافةً، بمن فيهم الجماهير العربية. خصوصاً ان الجهات المسيطرة على الدولة تدعي بأن الدولة قائمة على أساس الفكر الليبرالي- ديمقراطي، الأمر الذي يتناقض كلياً مع اشتراط إعطاء الحقوق بتنفيذ الواجبات، وبشكله المطروح. هذا من الناحية المبدئية.
أما من الناحية العملية، فللجماهير العربية تجارب طويلة وكثيرة مع الفكر العنصري المسيطر على مؤسسات الدولة. وهذه الجماهير وبضمنها الشبيبة الشيوعية تنظر بالريبة والحذر لدعوات مزينة ومبهرجة مثل تقديم الخدمة داخل قرانا ومدننا العربية. لأنه دائماً كان وراء الأكمة ما وراءها من سموم عنصرية تحاول محو الهوية المميزة للجماهير العربية، بدل احترام هذه الهوية وقبول هذه الجماهير بكل احترام الى جانب الجماهير اليهودية كمواطنين متساوين دون شروط أو تقييدات. ومن هنا فنحن ننظر بخطورة الى ظاهرة التغرير بشبان وصبايا من أبناء شعبنا ومن خلال تطميعهم بامتيازات شخصية في سبيل تجنيدهم الى الخدمة الوطنية، وفي أحيان كثيرة الى سلك الشرطة الجماهيرية والحرس المدني والجيش.

ختامًا

الشبيبة الشيوعية ترى أن طرح صيغة الخدمة الوطنية كشرط لقبولنا مواطنين كاملي الحقوق هو أمر مرفوض. ومن ناحية اخرى ترى الشبيبة الشيوعية انه علينا إستحضار وبناء المشاريع الوطنية التطوعية من خلال دعم مؤسسات عربية ويهودية ديمقراطية، تخدم بالفعل أبناء شعبنا وتعيد مفهوم التطوع الحقيقي الى مجتمعنا العربي من دون الشعور بالدونية ومن دون محاولة الإثبات في كل مرة بأننا "أطفال جيدون".
فقط عندما تتخلص الأوساط الحاكمة من جرثومة العنصرية المسيطرة عليها وعندما تطرح القضية بشكل موضوعي وبعد أن تحصل الجماهير العربية على كامل حقوقها غير مشروطة، فقط عندها يمكن دراسة القضية بعين إيجابية.

(عرابة)

هذه الورقة قدمت كمساهمة في الأيام الدراسية التي أقامتها منطقة الناصرة للشبيبة الشيوعية




عبد كناعنة
الثلاثاء 1/2/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع