مكانة اللغة العربية في اسرائيل

اللغة العربية هي لغة السكان العرب الاصليين في هذه البلاد ومع قيام دولة اسرائيل بقي العرب يتكلمون لغتهم بعكس الجزائر حيث نسي سكانها العرب لغتهم وتكلموا الفرنسية حتى سنين طوال بعد التحرير لتصبح اللغة الرسمية هناك.

العرب حافظوا على لغتهم ودينهم وثقافتهم وتراثهم العربي ولم تتصد لهم الحكومة بذلك، بالعكس اعترفت بلغتهم بوثيقة اعلان استقلال الدولة وبقوانين اخرى معتمدة على دستور فلسطين الانتدابي.

برز كتاب وشعراء عرب كمحمود درويش، راشد حسين وسميح القاسم وكثيرين غيرهم.
اعترفت الدولة برسمية اللغة العربية ولكن لا زلنا نترجم المستندات العربية للعبرية ونتقاضى امام المحاكم باللغة العبرية. انتبهت "عدالة" المركز القانوني للدفاع عن الاقلية العربية في اسرائيل وقدمت قبل عدة سنوات دعاوى لمحكمة العدل العليا ونجحت بذلك. "عدالة" نجحت باستصدار قرار من المحكمة العليا بضرورة كتابة اللافتات بين المدن ايضا بالعربية بالاضافة للعبرية ونجحت ايضا بان تنشر المناقصات الحكومية في جريدة عربية.
في الاسابيع المنصرمة فاجأنا عضو كنيست يهودي يميني متطرف باقتراح قانون تلغي بموجبه الكنيست اللغة العربية كلغة رسمية، ومن هنا جاءت فكرة كتابة هذا المقال. برأينا ان الاقتراح سيسقط لان العرب يشكلون خمس السكان وبناء على ذلك فأصوات يهودية كثيرة تطالب اليوم بتعليم اللغة العربية في جميع المدارس اليهودية وفعلا طبقت بعض المدارس ذلك.
قضية اللغة العربية كلغة رسمية في البلاد قد ظهرت مؤخرا في المحاكم واصدر القاضي بنيامين آربل من المحكمة المركزية في الناصرة قرارا مطولا بتاريخ 30/9/2004 اثبت فيه ان اللغة العربية هي لغة رسمية ومساوية للغة العبرية امام القضاء والدوائر الحكومية ولا حاجة إلى ترجمة المستندات العربية للعبرية. ومن هنا نستنتج ايضا بانه قانونيا يمكن تقديم لوائح دعاوى ودفاع وغير ذلك من طلبات للمحاكم باللغة العربية. ولكي يتم ذلك يستوجب الامر توظيف عرب بشكل اكبر وواف في المحاكم حتى يستقبلوا الدعاوى بالعربية.
صحيح ان المحامين العرب يفضلون الآن تقديم الدعاوى باللغة العبرية وذلك لانهم تعلموا في الجامعات العبرية ولو كانت هناك ولو جامعة واحدة في اسرائيل تدرس القانون بالعربية لتسنى لهم تقديم دعاواهم ودفاعهم بالعربية. اما الذين تعلموا القانون في الاردن، وعددهم قليل، فهم ملزمون بتعلم القانون الاسرائيلي بالعبرية لان امتحان الحصول على شهادة المحاماة من قبل نقابة المحامين هو بالعبرية. يقول القاضي آربل بقراره:
"مكانة اللغة العربية كانت قد تحددت قبل قيام الدولة بموجب المادة 82 لدستور فلسطين من سنة 1922 والذي ينص على أن "جميع القوانين والانظمة والأوامر اثر رسمية للحكومة والانظمة المحلية للبلديات في المنطقة، التي تصدر عن المندوب السامي يجب ان تنشر في الانجليزية، العربية والعبرية ويمكن استعمال اللغات الثلاث تحت اشراف أي تعليمات تصدر من قبل المندوب السامي في الدوائر الحكومية وفي قانون المحاكم.
في حالة وجود تناقض بين النصوص العربية والعبرية والانجليزية تعمل بالنص الانجليزي.
هذه المادة المذكورة تنص بشكل واضح جدا بان اللغة العربية هي لغة رسمية والجدير بالذكر ان مكانة اللغة الانجليزية هذه قد أُبطلت بموجب المادة 15 (ب) لقانون أنظمة السلطة والقانون من سنة 1948 وبقيت اللغة العربية رسمية في دولة اسرائيل".
"مصدر حق استعمال العربية تحدد ايضا في وثيقة اعلان قيام الدولة ومبدأ المساواة الذي احتوته والذي بموجبه دولة اسرائيل تنفذ مساواة حقوق اجتماعية وسياسية لكل مواطنيها بدون تمييز دين وعنصر وجنس وتؤمن حرية الدين والضمير واللغة والتعليم والثقافة...."
ومن هنا حرية استعمال اللغة هي احدى المبادئ الاساسية في وثيقة اعلان قيام الدولة ولذا اعطي لكل انسان حق حرية التعبير بلغته شفويا او كتابيا وعليه فكل مواطن يتكلم العربية له الحق ان يستعمل هذه اللغة بدون ان يلزم باستعمال غير لغته وحتى وان كانت لغة الاغلبية ايضا هي رسمية.
القاضي بنيامين آربل يستند ايضا على نصوص بعض القوانين الاسرائيلية بالامثلة الآتية:
أ‌- قانون التعليم الالزامي لسنة 1953، الذي ينص في مادته الرابعة بان المؤسسات التعليمية التي ليست يهودية يطبق بها برنامج التعليم الخاص بظروفها وبعد ذلك بسنين تعدل هذا بمادة 2 (11) للقانون واعترف باللغة والثقافة والتاريخ والتراث الخاص بالسكان العرب.
ب‌- حسب أنظمة التعليم الرسمية (مجلس استشاري للتعليم العربي) لسنة 1996 تأسس المجلس للبحث في وضع التعليم العربي ضمن اطار التعليم الرسمي. المادة الخامسة تشير بان المجلس يقدم توصية للتعليم تؤمن مساواة مواطني اسرائيل العرب أخذا بعين الاعتبار خصوصياتهم اللغوية والثقافية والتراثية".
ج- قوانين الانتخابات المختلفة سمحت للعرب بالتصويت باوراق اقتراع كتبت ايضا باللغة العربية، مادة 76 (ب) لقانون انتخاب الكنيست ورئيس الحكومة لسنة 1969، مادة 51 (ب) لقانون السلطات المحلية لسنة 1965، مادة 184 لأمر المجالس المحلية (انتخاب رئيس السلطة ونوابه) لسنة 1975.
د- على وسائل الاتصال الحكومية واجب الاهتمام بالاذاعة باللغة العربية، مادة 3 (د) لقانون سلطة البث سنة 1965، ومادة ه (5) لقانون سلطة التلفزيون والراديو لسنة 1990.
واضيف من عندي بان قانون كاتب العدل يلزم في حالة تصديق أي امضاء او تصديق ترجمة مستند باللغة الاجنبية بان يكون التصديق وتكون الترجمة بالعبرية ولغة ثانية حسب الاختيار اما عربية او انجليزية.
القاضي بنيامين آربل يستند ايضا الى سوابق قانونية صدرت في محكمة العدل العليا تثبت بان اللغة العربية رسمية ويعطي بعض الامثلة كالآتي:
أ‌- في قضية محكمة العدل العليا رقم ? 99/41، عدالة المركز القانوني ضد بلدية تل ابيب – يافا نجد ما يأتي: "ما الذي يميز اللغة العربية ولماذا حكمها يختلف عن احكام اللغات الثانية بالاضافة للعبرية التي يتكلمها الاسرائيليون؟ ألم تأت جماعات اقلية ثانية تتكلم لغات مختلفة بطلب ان تكون اللافتات في مدنهم مكتوبة ايضا بلغتهم.
الجواب سلبي، لان تلك اللغات ليست كالعربية لان الخاص بهذه مضاعف: اولا العربية لغة الاقلية الكبرى التي تقيم في اسرائيل منذ القدم، وثانيا هذه لغة مرتبطة بمميزات اجتماعية وتاريخية ودينية لمجموعة الاقلية العربية في اسرائيل هذه لغة المواطنين الذين رغم النزاع العربي – الاسرائيلي يطالبون بان يكونوا في اسرائيل مواطنين مخلصين ومتساوين في الحقوق مع احترام لغتهم وثقافتهم.... العربية هي لغة رسمية في اسرائيل، لغات عدة يتكلمها الاسرائيليون ولكن فقط العربية بجانب العبرية هي لغة رسمية في اسرائيل، اذن للعربية مكانة خاصة في اسرائيل.
ب‌- في قضية محكمة العدل العليا: رام مهندسون ومقاولون م. ض ضد بلدية الناصرة العليا، نجد:
هذا القرار يستند على حرية المتكلم بان يختار بموجب رغبته كل لغة كاداة تعبير وفكر، لذا لا حاجة لبحث مكانتها الخاصة للعربية كلغة رسمية.
هذه المكانة معترف بها في اسرائيل يستند على الواقع القانوني المنصوص عليه بمادة 82 لدستور فلسطين يعتمد على الواقع الاجتماعي لاقلية كبيرة من مواطني الدولة تتكلم العربية.
حسب المادة 82 من دستور فلسطين لسنة 1922، اللغة العربية لها مكانة خاصة محترمة، وهناك من يعتقد بانها لغة خمس سكان الدولة – لغة المخاطبة ولغة الثقافة ولغة الدين ولهذه الاقلية الكبرى واجب علينا ان نحترمها ونحترم لغتها.
دولة اسرائيل هي دولة يهودية دمقراطية وبكونها كذلك زاما علينا ان نحترم الاقلية التي فيها ومن كل ما ذكر نتعلم بان اللغة العربية هي لغة حية ورسمية كالعبرية.
ويسأل القاضي آربل، هل على مقدم بينات خطية في العربية ان يقدمها للمحاكم مترجمة للعبرية ويجيب على ذلك بالنفي القاطع، وعلى الطرف المعتاد ان يترجمها حتى يفهمها ويفهمها القاضي الذي لاي تكلم العربية.
القاضي آربل يقول انه عندما رأى المشرع الاسرائيلي واجب الترجمة نص على ذلك صراحة، وعلى سبيل المثال: انظمة ارسال مستندات بالعبرية الى الاراضي المحتلة لسنة 1969 الذي يلزم ترجمتها للعربية، وهكذا ايضا انظمة السماح بالزواج (حالات خاصة) لسنة 1984 الذي يلزم بتقديم الطلب بان يرسل للطرف المضاد ترجمة تصادق عليها من قبل نوطريون لاي مستند ليس بالعبرية، ومثالا آخر موجود في المادة الخامسة من انظمة المساعدة القانونية للدول الاجنبية لسنة 1959 ضرورة الترجمة للعبرية من العربية لم تدرج بأنظمة اصول المحاكمات حسب القانون المدني الا بالعكس فمثالا في انظمة الوراثة مادة 54 (أ) لسنة 1998 تنص على:
ان كان المستند مقدما لمسجل الوراثة والمحكمة مكتوبا بلغة اجنبية، ما عدا الانجليزية يرفق له ترجمته بالعبرية او العربية مصادقة من قبل نوطريون.
ويستنتج القاضي من كل ما ذكر من قوانين بان اللغة العربية متساوية للغة العبرية وانه لا حاجة لترجمة مستندات للعبرية لتقديمها للدوائر الحكومية والمحاكم وانه لواضح حسب تعبيره بان استعمال اللغة العربية في المحاكم مسموح كالعبرية بالضبط.
ونهاية المطاف فقد حدث لي شخصيا مرة بان طالبت بتأجيل البت في قضية معينة لتقديم البينات وفي اليوم المحدد لذلك وبسبب طارئ رفض القاضي الطلب فلجأت لحيلة بان طلبت من موكلي ان يصعد الى منصة الشهود وبدأت اسأله بالعربية بدون أخذ اذن من القاضي فأنتفض هذا وزمجر وغضب ولكني لم اهتم وواصلت مناقشة موكلي بالعربية وعندها انتبه القاضي ولم يكن له مفر ومخرج الا ان وافق على طلبي وذلك لان اللغة العربية هي رسمية ويصح ويجوز التداول بها في المحاكم رسميا وقانونيا بعكس الجاري والمتبع.
مكانة اللغة العربية ليس في اسرائيل فقط مهمة وانما ايضا في العالم اجمع حيث ان هيئة الامم المتحدة قد اجرت مؤخرا استطلاعا للرأي ثبت بموجبه ان العربية هي من اللغات الخمس الاكثر انتشارا وتداولا في العالم ومحبوبة.
نقول للنائب اليميني المتطرف ان اقتراحه لالغاء اللغة العربية كلغة رسمية سيفشل ولن ينوبه الا الخزي والعار وبهذه المناسبة اطالب المهتمين واستاذة اللغة العربية والدولة باقامة مجمع لغوي عربي يبحث في اللغة ويطورها ويجد مصطلحات باللغة العربية للمصطلحات العلمية الجديدة والحديثة التقنية باللغة الانجليزية.

(أم الفحم)


المحامي رفيق جبارين *
الأربعاء 26/1/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع