رائعة ميلينا ميلاني
" أحببت في موسكو"

توافَق هذه الفترة ترجمة سربية " أحببت في موسكو" من الايطالية للعربية، منشورات الزيتونة، مع ترجمتها بالروسية من قبل آكاديمية روسية. 

إستخلاص وقرار العرب بأن الشعر ديوانهم، منذ فجر التاريخ، ينبع من القناعة، بعد التجوال والتمحيص في إرثهم والأبعاد الحضارية، من مصداقية رؤية وبصيرة الشاعر والذي تصدّر أرقى المواقع الإجتماعية. فالمخاطبة العذبة، حُسن الإستماع، الشورى  والنقاش، لدى شرقنا،هي الأسس للتفاهم ولإنجاز التحولات والتقدم. وليس صدفةً إنتشار وإحتلال تعاليم المسيحية،النابعة من تاريخنا، قلوب البشرية عن طريق الإصحاحات . كذلك الأمر نجاح الفتوحات الإسلامية التي أعتمدت الكلمة، القرآن الكريم، في تحقيق أطول وأعرض حضارة شهدتها الإنسانية . يُجسد الشعر أرقى وسائل التعبير ذلك لسحرية ألموسيقى التلقائية المنبعثة منه وفوق كل شئ لأصالة وصدق الأحاسيس، ذاتية كانت أو موضوعية، ألمنقولة عن ذاك الوسيط القسري  المُسمى بالشاعر. الشاعرة الإيطالية المخضرمة ميلينا ميلاني، بديوانها " أحببت في موسكو" تُشكل هذه الأيام شاهداً فريداً وغير مألوف لوضعية سياسية تهافت الكثيرللإحتفاء بسقوطها والبعض في الخذول لمشاعر الإنتكاس والإحباط لأرشفتِها.

 تتواجد الشاعرة في موسكو الشيوعية وبالتحديد في نوفمبر عام 65. هناك تُحب أمريكياً وتكتب في هذا،وقتذاك،سربية. تمر العقود، تُنفذ البيريسترويكا، يتفرقع الإتحاد السوفييتي والمنظومة الإشتراكية، يتخبط العالم وما زال الخصم الرأسمالي في نشوة، أقرب منها للغيبوبه لإصراره على إستهلاك نصرِهِ وجهلِه بهزيمته الجدلية عند إعلان البيريسترويكا المُفسرة لدى السطحيين بإنهيار الشيوعية.
لكن لحسن حظنا نؤمن بأن الشعر ديواننا وبالكلمة الحقة وخاصة عندما تقول " وأما ما ينفع الناس فيمكث في ألأرض "، ولُحسنه أيضاً نحن في صدد سربية حب بين إيطاليا وأمريكي كُتبت أبياتها في مضمون الثورة الحمراء:/ في موسكو/ أحببت ريتشارد/ أحببت / كما أحب في روما/لكن الحب في موسكو/كان يجرفني في الكلام/في الهرولة في شوارع المدينة/ في الهبوط والصعود تكراراً/الأدراج المتحركة/ في وداع محطات القطار/في موسكو/حيث لا مكان للوحدة/أحببت ريتشارد اليهودي الأمريكي /ذا أطراف لاعب البيسبول/ذا البشرة الشقراء المُنمَشة/.
الحب، أسمى الأحاسيس وهدف كل الإجتهادات، يجد له رونقاً  ونكهةً رائعة في ذاك الظرف،المحيط حيث كل شئ : الشارع، المحطات ألادراج،ينبض فرحاً لتلك القصة،  بعيداً عن العلاقة الوظيفية والأبتذال في تسخير المشاعر لروابط مُصطنعة غير متكافئة.
يساهم المواطن المحلي، الطبيعة، والأبنية في تتويج هذا اللقاء رعشات ذهنية هائلة في سخائها بالطمأنينة الوجودية: تَدفقنا مع نهر من البشر/داخل الكرملين/ في رحاب الكنائس/في محطات المترو/في نوفمبر/حيث يتساقط الثلج بغزاره/ينتشر البرد/تحضننا زوايا كثيرة/ للخلود/للهجيعة/في موسكو/للحياة معانٍ كثيرة/يستحيل التفكيربالموت/.
في ظل هذا تكتب الشاعرة أبياتاً واضحة وصريحة وتعترف أنها، على شرفة تطل على الكرملين، مع ريتشارد الأمريكي:/نعيش لحظات /غير منسية/لن تتكرر لنا/نحن الغربيين/القادمين من /بلاد بعيدة/للبحث عن أحاسيس/ جميلة ونادرة/.
وبقدر صراحتها في التعبير عن حقيقة لواعجها في العشق الانساني فإنها أيضاً تُعلن خصوصيتها ككاثوليكية وتتقي من التذيل الببغاوي الأيدولوجي الصابغ للكثير من رواد موسكو في تلك الحقبة، لا بل ترصد ثوابت الجمال الإنساني، ولِرَد الجميل والتشكر فإنها ببراءة وبشجاعتها الشعرية تتضرع:/إلهي /إله الحب والعطاء/ إمنحني قليلاً من القوة/.../لمؤازرة الشعب السوفييتي المُنهك/.../أوهبني القدرة/لأراه منتصراً/رافع الجبين/متحلياً بالذهب/هذا الشعب/ذو القلب النابض/والخيال الشاهق/.
لا تخوض ميلينا نقاشاً فكرياً، لا تدافع عن نظرية أو تُفند موقفا. لا
تبحث عن أسباب الظواهر وتفسيراتها، بل تنقل انطباعات تجربة وجودية بحسٍ طليق حيث تفرض الصور نفسها لتتحول وتتبلور كأبيات:/تحت سماء موسكو العظيم/في هذا البلد العتيق/الوضّاح/لا مواراة في إلتواء المغازي/هناك قلبٌ/عظيم نابض/.
في سربيتها تسترسل في الحديث عن الشوارع، هدوء الباعة،براءة الشعب، دقة حراس مقر لينين، زيارتها للكولوخوز، السلام والحرب. تتذكر زيارتها للطلاب في المدارس، العمال بعيونهم المتقدة حيوية، الثروة الفنية، عن الريح، الشمس،الثلج والغيوم. في كل هذه المواصفات نشتم عبيق حب إنساني . ينصهر الفرد، دون تردد، في الجماعة وفي كل جماليات المحيط :/في صباح السابع من نوفمبر/سطعت أشعة الشمس/ في سماء موسكو/عِمْنا في ساحات المدينة/مع الشعب السوفييتي/هنا يجرفنا مُجون واحد/ضمير حي واحد/نعيش فرحاًواحد/حباً واحد/وفجأةً/ خجلنا أنا وريتشارد من ملابسنا الغربية/تمنينا أن ننسجم/في روح واحدة مع الشعب السوفييتي/ذي الجلدة الطاهرة/العيون الوضاءة/ألأغاني الوضاحة/مُلهمة القلوب/.
إذا كان لأي وضعية سياسية هدف ما فروْعة المشاعر في هذه السربية تشير الى محيط خلقه الإنسان الروسي إثر ثورة ما زالت أبعادها باقية في الأرض وتحث التاريخ لمسار بشري كريم.
./ في صباح السابع من نوفمبر/كان الثلج يتساقط/وتارةً تأتي الشمس ساطعةً/الشوار نشطة/بأواراق ملونة/أعلام وصور/ آه / كم أحببت موسكو/ متوهجة/بنفس واحد/نبض واحد/ إحتفال واحد/ كانت موسكو / توهب نفسها/ وكنا كأليفاع /أنا وريتشارد/ نرفرف أغصان الورود/أوراقاً مُلونة/.     

(ايطاليا)


بقلم د. صلاح محاميد-أيطاليا
الثلاثاء 25/1/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع