"بنت عدنان" ما زالت مشمخرة

نعم "بنت عدنان" اللغة العربية ما زالت ولم تزل الى ان يرث الله الارض ومن عليها ناعمة البال مصونة الذمار شامخة الحصون، طالما انها كانت وعاء للقرآن الكريم ولذلك البحر الطامي من التراث الحضاري العربي والاسلامي منذ عهود سحيقة وحتى اليوم. انها عزة وتشريف وكرامة لمن ينطق بها ويكتب بها بشكل سليم ملتزما نحوها وصرفها وفلسفة دلالاتها اللفظية. وهي لغة البيان – ولغة الجمال الشعري والنثري – نطلق القول في ذلك اطلاقا – والى جانب ذلك هي لغة صديقة لاكثر من ثلاثين لغة اعطتها واخذت منها ومعنة ذلك ان اهلها وحملة الويتها عزفوا عن التقوقعات والتشنجات العنصرية البغيضة هذه واحدة – وأخرى لا يقلق هذا التحصيل الحضاري العملاق "بنت عدنان" ولا ينغصّ عليها وجودها اذا حاولت بعوضة في الكنيست ان تدمي مقلتها فان كان الأمر.. فلها من فرسانها الشجعان من يمتلك "المبيدات الكلامية" الكافية والشافية كالأخ عصام مخول.
نقول ذلك بغضب ساخر وقد قرأنا عن اقزام يحاولون المس بها ولم يعلموا انهم ان امتلكوا كل معادلة القتل والغرور والصلف العسكري والفكر المجبول بطين العنصرية كريه اللون والرائحة نعم ان امتلكوا ذلك لن يستطيعوا النيل من "بنت عدنان" فهم يشرفون بها ولا تشرف بهم، ولكن ما يؤلم حقا ظلم ابنائها وجفوتهم لها في مثل هذا الليل البهيم في كل بلاد العرب فمنهم من يستسيغ الانجليزية فيلقيها حملا سخيفا فوق اصالة لغتة وفيهم من يستسيغ غيرها.
ومصيبتنا في بلادنا اليمة وبشعة. فالمربي او المعلم في المدرسة يجرجر على مسامع طلابه وعلى ابصارهم مسبوكات لغوية تنوء قبحا وبشاعة حين "يتشدق
ويتفيهق" ولعن الله المتشدقين والمتفيهقين" باعاجيب من خلط اللغتين العربية والعبرية، وفي احيان يجلس الفعل العبري في الميزان الصرفي العربي فيقول مثلا "بدنا اندون" يعني نبحث او نتباحث "وشحروره" بدل حرّروه وغير ذلك كثير جدا.
لقد بدأت بالمربي لانه لو انصف لفهم انه صاحب رسالة قومية اولا ويتحتم عليه ان يعمل على تقوية الانتماء القومي ثم الانساني لدى طلابه.
والانكى من ذلك ان يتم التفاهم الرسمي في المؤسسات ومنها المدارس بواسطة اوراق رسمية وباللغة العبرية، ونرى كذلك سيارات تابعة لبلديات عربية او مؤسسات اجتماعية تغرق واجهاتها بكلمات باللغة العبرية وكذلك الامر المحالّ التجارية والمؤسسات الاقتصادية الاخرى كالبنوك ومحطات الوقود وشركات التأمين. والسؤال متى نعمل لتعريب افواهنا وتوثيق انتمائنا ومتى تبزغ علينا شمس الامويين لنتخلص من لغة "الداصة" هذه لنرى ونتذوق حقيقة تكويننا العربي ونقاء انحدارنا من يعرب بن قحطان.
يا قوم! لنا من التراث العربي الثمين ما يملأ الدنيا ويشغل الناس ولا مراء في ان سلفنا وضع بصماته على منطلقات الحضارة ودوافعها ومظاهرها ولا يضير عمالقة الفكر كأبن رشد وابن سينا والبيروني والجاحظ والمتنبي والخوارزمي وابن يونس وابن النفيس وابن البيطار وابن ماجد والقائمة طويلة جدا بمثل هؤلاء النجوم الذين شعوا في حلكة سديم البشرية. نقول لا يضير هؤلاء العمالقة اننا نتخلى عنهم اليوم ونلهث وراء عبقرياتهم ان كنا نعرف عنهم شيئا او اشياء بقدر ما فقد قالوا كلماتهم ومشوا، اما نحن فقد حشرنا فكرنا وثقافتنا ولغتنا في زوايا التبعية والتلاشي امام الغير وتلهينا متشدقين بتراكيب مبتذلة لزجة وسمجة كنغف الانف من خلط قبيح نشوه به "بنت عدنان" تشويها لا يليق بها ولا يضيف لها عزة او شرفا.
لقد قال "شارون" ان كلمة "شالوم" اجمل من تعبير "يالله باي" وقد سمعنا اقتراح الغباء العنصري من فم عضو الكنيست "اياه" الذي يعمل لاستخراج قانون يخول ازاحة وازالة الكلمات العربية من اليافطات الرسمية. الا يكوّن مثل هذا التوجه اللئيم والعنصري لدينا اصرارا على الاعتزاز باللغة العربية ومناصرتها بكل قوة وثبات بدل ان نقعر انتماءنا العربي او نحدّبه الا من صحوة ضمير تخلصنا من هذه التراكيب الهزيلة. نوجه الكلام الى المعلم في المدرسة او المعلمة والى مدير المدرسة وسكرتيرها والى جمهور العاملين في البلديات من الرؤساء وحتى اصغر موظف وموظفة، والى التجار والاطباء والمهندسين والمحامين والى مديري البنوك وغيرهم وغيرهم ان يعتمدوا لغتهم العربية "بنت عدنان" فهي اجمل نطقا وافصح تعبيرا.
بقي ان نضيف انه يجب الا يفهم من هذه الخاطرة ان فكرنا يتعمد المس بلغات اخرى لا، لم يجر ذلك في حسابي ابدا فكل لغة لها مقوماتها ورسالتها وكل لغة تحمل من فكر وشعور قومها ما يحملونها ولكنني لا اوافق التشويه للعربية ولا لغيرها، كذلك فمن اراد من ابناء العرب ان يتحدث الانجليزية او الفرنسية او العبرية فله ذلك على ان يبتعد عن الخلط والخبط لما في ذلك تشويه وتقبيح.

* لغة الداصة: هي اللغة المشوبة التي تكلم بها اهل الاندلس غير العرب وهي لغة اخلاط من عدة لهجات ولغات.

(الطيبة)


عبد الرحيم الشيخ يوسف *
الثلاثاء 18/1/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع