ما هو المدلول الحقيقي لتعيين الامريكي ستانلي فيشر مديرًا لبنك اسرائيل؟

تم الاعلان رسميا في مطلع هذا الاسبوع عن اتفاق بين رئيس الحكومة ارئيل شارون ووزير المالية، بنيامين نتنياهو على تعيين الاقتصادي الامريكي المعروف، ستانلي فيشر، مديرا عاما للبنك المركزي – بنك يسرائيل، بعد موافقة الاخير على التعيين. ويدعي كل من شارون ونتنياهو ان اختيار فيشر جاء "كحل وسط" بعد ان لم يتوصلا الى اتفاق في الرأي بينهما حول أي من المختصين الاقتصاديين الاسرائيليين الذين تقدموا بطلب اشغال هذا المنصب الرفيع!!

ان تبريرات شارون ونتنياهو حول دافع اختيار فيشر لا تقنع طفلا، فاللجوء الى هذه السابقة بتعيين مواطن اجنبي في مركز رسمي رفيع المستوى له تأثير على صياغة القرار المتعلق بطابع التطور والمعيشة في اسرائيل وبعلاقات اسرائيل الاقتصادية والمالية وحتى السياسية دوليا، لم يكن دافعه ابدا حل اشكال الخلاف بين شارون ونتنياهو من جراء عدم التوصل الى مرشح متفق عليه. وبرأينا ان اختيار ستانلي فيشر يندرج في اطار التنسيق الاستراتيجي بين تحالف الشر الامريكي – الاسرائيلي في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية وذلك لدفع عجلة المخطط الاستراتيجي الامبريالية حول "الشرق الاوسط الكبير" وتسريع خطوات النيولبرالية في اسرائيل.
والسؤال الذي يطرح نفسه تلقائيا، كيف يمكن تفسير ان ستانلي فيشر الذي يشغل اليوم نائب المدير العام لمجمّع "سيتي غروف" اكبر مجموعة بنكية عالمية، حصته من حزمة الاسهم في هذا المجمّع اثنين وخمسين الف سهم تبلغ قيمتها اكثر من اثنين ونصف مليون دولار، ويتلقى راتبا شهريا صافيا يبلغ مائة الف دولار، هذا اضافة الى ارباح اخرى يجنيها من املاكه الطائلة تقدر بحوالي ثلاثة ملايين دولار، كيف يمكن تفسير الاستغناء عن منصبه هذا وعن مصادر الدخل هذه وقبوله ان يكون مديرا لبنك اسرائيل بمعاش شهري يبلغ اثنين وثلاثين الف شاقل شهريا" الاجرة غير الصافية – بروطو!!
برأينا ان التفسير المنطقي لما يحصل هو الاستفادة من فيشر لتعزيز روابط التبعية الاقتصادية والمالية الاسرائيلية بالامبريالية الامريكية وبسوقها المالية، والاستفادة من علاقات وخبرة فيشر الدولية – حيث اشغل مناصب رفيعة في صندوق النقد الدولي وفي البنك الدولي – للاسهام في دفع عجلة "الشرق الاوسط الكبير" لضمان الهيمنة الاقتصادية الامريكية والاسرائيلية على مقدرات شعوب الشرقين الادنى والاوسط وحتى حدود الصين.
لا يغيّر من تقييمنا هذا ان فيشر سيصبح بين ليلة وضحاها مواطنا اسرائيليا، يسري عليه قانون العودة الصهيوني العنصري، وانه صهيوني حتى العظم ومتحزب لاسرائيل العدوان. والسؤال لماذا لم يجر اختياره لهذا المنصب الرسمي الرفيع قبل عشر سنوات او خمس سنوات مثلا، ولماذا في هذا الوقت بالذات، وفي يوم الانتخابات للرئاسة الفلسطينية وعشية تقديم شارون لحكومته الجديدة مع حزب "العمل" للتصديق عليها في الكنيست؟ هذا مع العلم ان لفيشر علاقات عمل مع حكومات اسرائيل منذ اكثر من ثلاثة عقود. ففي العام 1985 وبناء على توصيات فيشر بنيت الخطة الاقتصادية او الصفقة الثلاثية بين الحكومة والهستدروت وارباب العمل تحت يافطة محاربة التضخم المالي منفلت العقال حيث وصلت نسبة التضخم في العام 1984 الى اربعمائة في المئة، محاربة التضخم من خلال سحق الامور وزيادة البطالة.
برأينا ان المدلول الحقيقي والاساسي لتعيين البروفيسور ستانلي فيشر مديرا عاما لبنك اسرائيل يتلخص في امرين اساسيين مترابطين عضويًا.
* الاول: توجيه دفة التطور الاقتصادي في اسرائيل، طابع التطور، وفقا للنهج النيوليبرالي "اقتصاد السوق" وبشكل يجعله اكثر ملاءمة للاندماج في قطار العولمة الامريكية. فمدير بنك اسرائيل يعتبر المستشار الاقتصادي للحكومة، فبنك اسرائيل هو من يحدد نسبة الفائدة على القروض كل شهر، وبناء على هذه الفائدة تحدد البنوك التجارية نسبة الفائدة على القروض التي تقدمها للزبائن مع اضافة واحد ونصف في المئة. ومن خلال تحديد نسبة الفائدة تؤثر توصيات مدير بنك اسرائيل على مستوى الاسعار وسوق العمل وعلى مجال التنمية الاقتصادية. ويتوقع بعض الاقتصاديين ورجال البنوك الاسرائيليين امثال الاقتصادي امير حييك، الاقتصادي المركزي في بنك "ايجود" ان فيشر سيعمل على تخفيض نسبة الفائدة البنكية مما سيؤدي الى ارتفاع سعر صرف الدولار. فمدير بنك اسرائيل له صلاحية رسم سياسة السعر التبادلي للعملات، ولا نستغرب، خاصة على ضوء انخفاض سعر صرف الدولار في الاشهر الاخيرة، ان يلجأ فيشر الى تخفيض سعر الفائدة البنكية مما يؤدي الى رفع سعر صرف الدولار. كما انه من خلال فيشر يتوقع رفع مكانة اسرائيل في سلم تدريج القروض لدى المؤسسات الامريكية والعالمية الواقعة تحت الهيمنة الامريكية، كما ستُفتح افاق اوسع للرأسمال الاسرائيلي في البورصة الامريكية.

* والثاني: التوسع الاخطبوطي في ظل السلام الامريكي. ليس من وليد الصدفة انه في اليوم الذي اعلن فيه عن فوز محمود عباس بالرئاسة الفلسطينية من خلال انتخابات دمقراطية، وفي اليوم الذي يطرح فيه شارون حكومته الائتلافية الجديدة امام الكنيست، في هذا اليوم بالذات وبعد ان اعلن عن فيشر المدير الجديد لبنك اسرائيل جرى نشر مقابلة اجرتها صحيفة "يديعوت أحرونوت" مع فيشر قبل سنتين، ففي تلك المقابلة اكد فيشر "ان الاقتصاد الاسرائيلي لن يسترد أنفاسه من الدرك الأسفل الذي ينوجد فيه الا باستئناف العملية السلمية مع الفلسطينيين". وفي رأيه ان استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين تقود الى منعطف في الاقتصاد الاسرائيلي "فاندماج اسرائيل في السوق الشرق أوسطية أسهمت نسبيًا بالقليل للناتج القومي الاسرائيلي. ولولا الانتفاضة والحرب لكان الاقتصاد الاسرائيلي منتعشًا اقتصاديًا". لا نقاش لنا مع البروفيسور فيشر حول العلاقة العضوية بين السلام والانتعاش الاقتصادي، بين الاستقرار السياسي والاستقرار الاقتصادي. فهذا ما نؤكده دائمًا في نضالنا ضد سياسة حكومة الاحتلال والعدوان والافقار. ولكن كثيرا ما كانت مثل هذه التصريحات لا تعدو كونها "كلمة حق يراد بها باطل". فما هو مضمون وطابع وحدود السلام الذي تحدث عنه فيشر؟ انه لا يختلف جوهريًا عن هوية وطابع السلام الذي يتحدث عنه جورج دبليو بوش ويتشدق به اريئيل شارون الذي يهرول خادم الطغمة المالية والامبريالية ستانلي فيشر ليكون بمثابة المستشار الاقتصادي لحكومته.
لقد جاء تعيين البروفيسور فيشر مديرًا لبنك اسرائيل في ظروف "العهد الجديد" كما يطلق عليه أرباب التحالف الاستراتيجي العدواني الامريكي – الاسرائيلي، في ظروف تهيئة المناخ للهيمنة الاستراتيجية والاقتصادية الامريكية – الاسرائيلية في اطار ما يعدون له من شرق أوسط كبير. واتفاقيات التطبيع الاسرائيلية – العربية – الامريكية الاخيرة، اتفاقيات المناطق الصناعية المؤهلة – الاسرائيلية – المصرية – الامريكية والاسرائيلية – الاردنية – الامريكية – تندرج في اطار هذا المخطط الاستراتيجي. كما تندرج مؤشرات هرولة تطبيع علاقات عدد من الأنظمة العربية، في المغرب العربي والخليج الفارسي - العربي، مع اسرائيل قبل الحل العادل للقضية الفلسطينية في اطار هذا المخطط الاستراتيجي. ولهذا، فانه من الأهمية بمكان أن يكون مستشار حكومة العدوان الاسرائيلي الاقتصادي انسانًا ضليعًا وعلى مستوى عال من الخبرة في خدمة مصالح أرباب الرأسمال الكبير والشركات الأجنبية الأمريكية عابرة القارات التي ستسرح وتمرح في رحاب الشرق الأوسط الكبير، وستانلي فيشر أهل للقيام بهذه المهمة.



د. احمد سعد
الأربعاء 12/1/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع