''الخدمة الوطنية'' في خدمة من؟

بين حين وآخر، بين فترة واخرى، تلجأ سلطة التمييز والقهر القومي الى محاولة فرض شكل من اشكال "الخدمة الوطنية" على المواطنين العرب، كشرط "للمساواة المدنية" بين مواطني الدولة وكمحك "لاخلاص" المواطنين العرب للدولة. فتارة تأتي المحاولة تحت يافطة "خدمة مدنية" وتارة تحت يافطة "اعمال تطوعية" وتارة اخرى تحت يافطة "شرطة جماهيرية". وعادة ما يجري الترويج لهذه الاشكال من الخدمة في اوقات تعاني فيها الجماهير العربية من تصعيد منفلت العقال للسياسة العدوانية التمييزية السلطوية الممارسة وبهدف تبرير مصداقية التمييز القومي ضد الاقلية القومية العربية الفلسطينية الذي تمارسه السلطة بمنهاجية.

لقد رفضنا ونرفض مختلف اشكال الخدمة العسكرية والمدنية من منطلقات مبدئية سياسية ووطنية وضميرية وانسانية. والربط السلطوي بين الحقوق والواجبات هو ربط ديماغوغي تضليلي لا يستند الى خلفية قانونية ولا يستهدف سوى تبرير سياسة التمييز القومي الممارسة. فحق الانسان بالمساواة القومية والمدنية وبغض النظر عن هوية انتمائه القومي او الديني او العائلي او الجنسي هو حق مطلق تقره وثيقة حقوق الانسان ومختلف المواثيق الدولية ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالواجبات التي تحددها قوانين الدولة وطابع النظام القائم. وطابع النظام القائم في اسرائيل يعكس من خلال السياسة الرسمية المنتهجة، من خلال حكومات اسرائيل المتعاقبة منذ قيام اسرائيل وحتى يومنا هذا ان الدولة غير مخلصة لمواطنيها العرب ونظامها عنصري تمييزي ضد المواطنين العرب. فاعتبار الدولة "دولة اليهود" يعني من حيث المدلول السياسي الانتقاص من حقوق المواطنة، من حقوق المساواة القومية والمدنية لغير اليهود، للمواطنين العرب. وهذا ما تواجهه جماهيرنا العربية خلال الست والخمسين سنة الماضية منذ نكبة شعبنا العربي الفلسطيني وقيام دولة اسرائيل. ففي اطار مدلول "دولة اليهود" يصادر حقنا بالحقوق القومية حيث تجيز سلطة القهر القومي لنفسها بمصادرة حق العرب بملكية اراضيهم وتهويد ارض العرب من خلال مخططات وبرامج السلب والنهب "تهويد الجليل" "تطوير الجليل" "تركيز اراضي النقب" ومؤخرا "خطة الطوارئ لانقاذ الجليل والنقب" الذي يستهدف اساسا مصادرة اراضي القرى العربية غير المعترف بها في الجليل والنقب وترحيل اهلها وبناء المستوطنات اليهودية عليها. في اطار مدلول "دولة اليهود" تحرم الاقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل من حقها، بحكم المواطنة، من المشاركة في صياغة القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعلقة بتطور المجتمع الذي تعيش بين ظهرانية، او حتى المشاركة في صياغة القرارات التي تتعلق بحياة وتطور الجماهير العربية.
وفي اطار المدلول السياسي "لدولة اليهود" يجري التمييز المنهجي السلطوي الصارخ ضد العرب في شتى مجالات الحقوق المدنية، في مجال العمل والتعليم والصحة والسلطات المحلية وغيرها.

نحن نرفض مختلف اشكال الخدمة العسكرية والمدنية من منطلق مبدئي وسياسي لانه من غير المنطق الخدمة في اجهزة واطر تخدم في نهاية المطاف سياسة العداء والقمع والعدوان ضد شعبنا الفلسطيني وضد جماهيرنا العربية. فالخدمة المدنية بمختلف اشكالها، جزء عضوي من الخدمة العسكرية وجاءت " للتعويض" عن عدم خدمة العرب في الجيش بخدمة السياسة القائمة في المجال المدني. وقد اثبتت التجارب المرة زيف مقولة وادعاءات السلطة حول العلاقة الجدلية، بين الحقوق والواجبات. ففي اطار سياسة "فرق تسد" فرض التجنيد الاجباري القسرى على اخوتنا من ابناء الطائفة العربية الدرزية. فهل تجنيد الابناء الدروز في الجيش ومحاولة درزنة هوية قومية درزية لسلخ الدروز عن قوميتهم العربية الاصلية قد اخرجا الطائفة المعروفية من القاموس الممارس لسياسة التمييز القومي السلطوية؟ هل نجت القرى العربية الدرزية من انياب المصادرة ونهب الاراضي؟ اسألوا اهالي بيت جن وجولس ويانوح وجت ويركا وكسرى وحرفيش كم بقي لهم من اراضيهم بعد المصادرة السلطوية الغاشمة. اسألوا اهالي القرى العربية الدرزية عن وضع مجالسهم المحلية المأزومة، عن حالة الخدمات الاجتماعية والجماهيرية ووضع التعليم وعدد الاكاديميين. الاجوبة تجدونها لدى لجنة المبادرة العربية الدرزية المناضلة منذ عشرات السنين لالغاء قانون التجنيد الاجباري المجحف. الجواب تجدونه لدى مئات رافضي الخدمة الاجبارية من الشبان العرب الدروز الذين فضلوا غياهب السجن على الخدمة في جيش الاحتلال والقهر القومي.

ومن المخجل قوميا ووطنيا ان يتطوع للخدمة في جيش الاحتلال والعدوان عناصر وفئات من جماهيرنا من مختلف هويات الانتماء، من العرب البدو ومن المسيحيين والمسلمين، وحتى من القرى العربية غير المعترف بها من قبل السلطة، من القرى المهددة بالترانسفير وتعيش بسبب سياسة الخنق السلطوي حياة العصور الوسطى بدون شوارع او ماء او كهرباء او عيادة او مدرسة.

ويلاحظ في الآونة الاخيرة، في السنوات الاخيرة، في ظل الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة للجماهير العربية، في ظل البطالة الواسعة وزيادة حدة الفقر، في ظل تخاذل الانظمة العربية وتصعيد العدوان الهمجي على شعب الانتفاضة الفلسطينية، يلاحظ بروز ظاهرة انخراط عدد من ضعاف النفوس تطوعا في الجيش وحرس الحدود وفي الشرطة. لا كانت لقمة العيش اذا كانت مجبولة بالاذلال القومي وبخدمة جلاد شعبنا وجماهيرنا. اننا نحذر من مغبة هذه الظاهرة وندعو شباننا الى اليقظة وعدم السقوط في المصيدة السلطوية المنصوبة. فتحسين ظروفنا المعيشية وانجاز حقوقنا الشرعية بالمساواة القومية والمدنية وبالمواطنة الكاملة لا يتأتى بخدمة سياسة القهر والتمييز والعدوان، بالخدمة العسكرية او المدنية لهذه السياسة، بل بمواجهة هذه السياسة الغاشمة، وباوسع وحدة صف جماهيرية مكافحة عربية- عربية وعربية- يهودية.
واخيرا، كل الاحترام والتقدير لرافضي الخدمة في جيش الاحتلال من الشبان اليهود الذي لم يسمح لهم ضميرهم الانساني وشعورهم الانساني بالمشاركة في جرائم قمع وارهاب الشعب الفلسطيني الذي يناضل من اجل التخلص من براثن ذئب الاحتلال وانجاز حقه الشرعي بالحرية والاستقلال الوطني.

وسؤالي هل تجري دماء الانسانية في شرايين عربي يتطوع للخدمة، مدنية كانت ام عسكرية، في وقت يواجه فيه شعبه وجماهيره جرائم الاحتلال والسلطة التي لم يعد باستطاعة اصحاب الضمير الانساني من اليهود وغيرهم تحمل مصائبها وينطلقون لمواجهتها بالرفض القاطع للخدمة.
آن الاوان لتصعيد الحملة الجماهيرية السياسية لالغاء التجنيد الاجباري عن "الشبان العرب الدروز ولنسف قواعد ظاهرة التطوع في الجيش ومختلف اشكال الخدمة الوطنية".



د. أحمد سعد *
الأحد 9/1/2005


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع