خريفيّات (3)
الصواريخ ام الخبز؟!

ان موردي السلاح (تجار السلاح) يذكون المنطقة في تزويدها بالسلاح والصواريخ لقدوم الحرب، ويبقى سباق التسلح وتقوم بتثبيط همة القوى السياسية الداعية للحد من التسلح في الشرق الاوسط.

ومن الصعب التوفيق بين اصرار اسرائيل على التفوق الاستراتيجي المطلق وبين مطالب العرب الخاصة بالدفاع الوطني ذي المصداقية".
لن ندخل في تحليل قضية سباق التسلح في الشرق الاوسط: ولا اسبابها ودواعيها ومبرراتها والمسؤولين عنها والمستفيدين منها، الاعتبارات الامنية الحقيقية في ضوء المتغيرات الجديدة والتي تتمثل في "عملية السلام" العربي والفلسطيني - الاسرائيلي، والتطورات التي طرأت على مراكز القوى الاقليمية الرئيسية بعد احتلال العراق وافغانستان، وأخيرا التغيير في ميزان القوى العالمي.
 فهذه "المنطقة النفطية" لا يهدأ لها بال والاحتكارات الامبريالية الامريكية تعشش فيها، وهي التي تدفع بها الى سباق التسلح، بالاستفادة من هذه السوق وهذا الصراع طويل الاجل والامد.
وهذا لا ينفي ايضا مسؤولية الصراعات الناشئة في هذا الشرق اوسط الجريح لاسباب كثيرة، واهمها دور اسرائيل في اشعال هذا السباق واصرارها على التفوق والصدارة، ولتكون الاداة والذراع الطولى لتنفيذ مشاريع الاستعمار الامريكي الجديد تحت يافطة وشماعة "محاربة الارهاب" وهذه فرصة سانحة لتجار السلاح لإذكاء حدة سباق التسلح تحقيقا لمكاسبهم المالية الخرافية.
وألا يفكر زعماء الدول النفطية الثرية في الشرق الجريح ان الموارد مستقبلا ستقل ومطالب الناس بالتطور والتحضر ستزيد فلذا سيصبح الاختيار بين الصواريخ او الخبز امرا ملحا خاصة في ضوء التحول النفسي (واتمنى تسارعه) لشعوب المنطقة والتي يجعلها الآن مستعدة اكثر من أي وقت مضى لتحدي المسلمات القديمة بشأن الانفاق على الجانب العسكري لمحاربة "العدو الصهيوني" الخطير.. مع ان هذه الدول المخذولة تجنح نحو السلام على اساس الاملاءات والشروط الامريكواسرائيلية في الشرق الاوسط.
لذا فامامها خيار صعب
فبدل الصواريخ التي كنتم تخزنونها والتي اتضح انها ليس ضد اسرائيل فقط، بل ضد شعوبكم ايضا.. جاء الوقت لابادتها وتحويل موارد الجهد العسكري الى موارد الجهد المدني في بناء حياة عصرية متطورة دمقراطية في هذا الشرق الجريح.. وهذه مهمة القوى الثورية اليسارية التقدمية الغائبة والمغيبة، بعد مراجعة نقدية وتصحيحية لاساليبها النضالية وطروحاتها الفكرية السياسية وبرامجها القديمة واعادة تشكيلها وصياغتها مجددا لتوازي مهمات وتحديات المرحلة والازمة الحالية، في طرح الاصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي في العالم العربي المستند على معطيات ومقدمات التحول الثوري الخاصة بكل دولة وبلدة على حدة.
فالشعب الذي يريد التحرر والتطور والكفاح واللحاق بركب الحضارة الهادر والسائر دائما الى الامام.. يريد الخبز اولا والمياه الحرة الكريمة العزيزة والدمقراطية المستقاة من ارادة شعوبها حتى تستطيع ان تنتصر حتى ولو "بشبرية" دون الصواريخ؟!
ولا نريد تحويل "الجيوش العربية" المجيشة الجياشة الى "جيوش حراسة" لحدودها من شعوبها وليس خوفا من تهديد اسرائيل ولحراسة المصالح الامريكية في المنطقة. ان هذه الجيوش دائما تصلح للسيطرة على احداث "الشغب" وليس لاستخدامها في حرب عصرية ولمعارك التحرير.. هكذا بناها زعماؤها وعرابوها من البنتاغون.
فباعتقادي ان الامن القومي يتحقق لجميع الاطراف اولا في تزايد الضغط والالحاح المدني المتنامي على توجيه نصيب اكبر من الميزانية الوطنية لكل دولة الى برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
فامريكا تعطي اسرائيل مليارات الدولارات وتذهب هذه الى التسلح والاحتلال الغاشم لا الى التنمية.. وان اخطر سباق تسلح هو ما تقوم به اسرائيل في امتلاك القنبلة الهيدروجينية حسب ما نشر في اكثر من تقرير في الصحف والمجلات العالمية المتخصصة بالتسلح والاسلحة والمعدات والابحاث النووية وما صرح به اسير الدعوة للحد من سباق التسلح النووي "فعنونو" لخير دليل على خوف اسرائيل من انكشاف امرها ومخططاتها الجحيمية الخطيرة في امتلاك هذه الاسلحة.
وما الدعوات التي بدأت تظهر لخير دليل، على الاستعداد النفسي عند الاطراف المعنية للحد من سباق التسلح واستغلال تكاليفها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فدعوة مصر للحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل، وعلى رأسها الاسلحة النووية، ودعوة الجامعة العربية للاصلاح في مبنى واهداف وبرامج الجامعة العربية وعلى رأسها بناء نظام دفاعي مشترك حقيقي للجامعة.. والدعوة للحد من انتشار اسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها اسرائيل، والمبادرة الاردنية الداعية الى اجراء "مقايضة للاسلحة مقابل الديون" من شأنها مكافأة الدول التي اقدمت على الحد من انفاقها العسكري بالغاء جزء من الديون الخارجية التي تثقل كاهلها.
وقد انفتح سباق تسلح جديد يضع العقبات امام الحد من هذا السباق.. هذا السباق المركز الآن بيد اسرائيل وايران.. لانهما من جديد تقدحان زناد سباق التسلح وهذه المرة "اسلحة الدمار الشامل" والتطوير النووي لبرامجهما مع ان ايران تؤكد وللمرة الالف ان هدف برنامجها النووي هو استخدامه في التطوير الصناعي والمدني للشعب الايراني أي للاستخدامات المدنية، وليس كمركب استراتيجي للردع النووي في حال تعرضها لهجوم من دولة معادية كما تعرف اسرائيل امتلاكها لهذا السلاح "كعامل ردع"ّ
فاسرائيل تضطلع وهي اكثر الدول تطورا تقنيا واقواها عسكريا في المنطقة بدور خطير في سباق التسلح الذي ابتليت المنطقة منذ قيامها فالاسرائيليون يخافون الهزيمة في ارض المعركة، في ساحة القتال وهم مقتنعون ان هزيمتهم مرة واحدة في المعركة ستهدد صميم وجود دولتهم. فلذلك ونتيجة لتفكيرهم العسكري والكولونيالي مستعدون لالتضحية الاقتصادية الضخمة في سبيل المحافظة على هامش ضخم من التفوق العسكري على خصومها العرب.
فالمعركة الصعبة والرقم الصعب في انجاح الحملة التي عليها ان تبدأ بها حالا للحد من انتشار الاسلحة النووية والدمار الشامل هي اسرائيل وعلى كل القوى الدمقراطية والمحبة للسلام ان تشمر عن سواعدها من اجل الامن والسلام والخبز!

(عبلين)


يوسف حيدر
الثلاثاء 7/12/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع