التلفزيون في رمضان - تلخيص

*الدراما المصرية لم تتعد كونها اذاعة مصورة*قدرات ملحوظة للفنان الاردني!*وتبقى الدراما السورية سيدة الموقف دائما*عش ايامك عار على نور الشريف ويحيى الفخراني مصرّ على كونه ضحية للمجتمع*

سميرة احمد – نور الشريف – جمال سليمان – امل عرفة – حسين فهمي – يحيى الفخراني – الهام شاهين.
كلها اسماء باتت تتنافس فيما بينها وتنافس نفسها ايضا لاجل الحصول على اكبر نسبة من المشاهدين العرب في شهر رمضان الذي على ما يبدو بات المكان والزمان الوحيد لنشر آخر اختراعاتنا العربية التي يراد لها ان تنحصر في المسلسلات السطحية المملة ويفضل لو انها بلا مغزى او فحوى.. اعمال درامية تناسبنا كمجتمع مستهلك كمتلق سخيف بل وغبي احيانا تكفيه الوجوه الجميلة، الالبسة الانيقة والبيوت الفخمة وكل ما يعلم به في واقعه الاليم فلا يجده الا عبر الشاشات التي تسمح له الاستمرار في الحلم والتمني ولا تساعده على الاجتهاد والتفكير.
كما في كل رمضان تثقل شاشاتنا ما يسمى بـ الدراما الاجتماعية التي تبالغ في طرح الشخصيات المثالية التي تجعلك تنفر منها احيانا لانها غير واقعية وفي كل عام تتجسد هذه المثل في سميرة احمد ويسرى بشكل خاص فجاءت الوزيرة فريدة صدقي لتظهر نموذجا سلبيا برأيي عن المرأة ذات المنصب العالي، فرغم منصبها فأنت تراها ساذجة طيبة لا تفقه من امور الحياة العملية والاقتصادية شيئا رغم كونها وزيرة للمالية شخصية ضعيفة امام زوجها حسين فهمي المحامي المشهور الانتهازي والخائن. لا تملك قرارات حياتها الشخصية لا زالت تسعى لان تكون طباخة ماهرة لتنال رضى الزوج والرجل لا اعرف ما حاجة ان تكون وزيرة طالما لم يتعرض العمل للمصاعب التي تواجهها المرأة والتحديات التي تجابهها من اجل اثبات الذات والمقدرة والامكانيات العالية للمرأة. لست ادري ما الهدف من كونها وزيرة في مسلسل طالما لم يتعرض للتغييرات والتحسينات الممكن اجراؤها على وضع المرأة عموما في المجتمع العربي من خلال الوزيرة المرأة.
سميرة احمد فقدت ألقها الذي ميزها في مسلسل اميرة في عابدين مثلا وبدت في (يا ورد مين يشتريك) سطحية مبتذلة الاداء.
أما يسرى فقد بدت على الاقل اكثر قوة ومساهمة في التغيير وقدرة على مجابهة الاخطار ورمزا للتدعيم النسائي مع عدم التنازل طبعا عن الاناقة والجمال لتبقى الطف واقرب النجمات على قلوب المشاهدين.
لا اظن ان اختيار مهنة المذيعة التلفزيونية جاء صدفة في هذا العمل (لقاء ع الهواء) كما في (الخيط الابيض) فان ذلك دليل على اهمية المهنة مهنة المتاعب وعلى ضرورة ان يعود الاعلام ليأخذ دوره كسلطة رابعة وهو امر اخذ يتناساه اصحاب الفضائيات على وجه الخصوص، فقد جاء ليحث الاعلاميين لاداء واجباتهم على اكمل وجه، كما اظهر لنا اللعبة التلفزيونية والطبخات الانتاجية التي تحركها المصالح المادية والذاتية فقط، لقد ادى جمال سليمان دوره الاذاعي على اكمل صورة واجاده لدرجة اظنه سيرشح بعدها لتقديم احد البرامج على احدى الفضائيات لكنه هو الآخر بدا غير متألق كما رأيناه في ذكريات الزمن القادم في العام الماضي، وربما يكون ذلك من كثرة الاعمال المشارك بها في آن معا فنراه مبدعًا بكل ما في الكلمة من معنى في دور (ابو صالح) بالتغريبة الفلسطينية، سيناريو د. وليد سيف اخراج حاتم علي، فحين ترى هذا العمل لا ينتابك شك في انه مجاهد واب فلسطيني بحق، وكلمة يجب ان تقال لصالح هذا العمل الذي تشعر في اثناء مشاهدته بانك تعيش الوجع الفلسطيني في المكان والزمان – اللهجة – المخيمات – المعاناة – تصوير الفرح احيانا – والمصداقية في عرض الوقائع التاريخية والانسانية، واعتقد ان حاتم علي تعلم هذه المصداقية والتلقائية من المخرج المبدع هيثم كما اصاب في اختيار الممثلين جميل وجولييت عواد خالد تاجا يارا صبري كما اسند بطولتين في القسم الثاني من المسلسل لوجهين جديدين اديا الادوار باتقان.
بعد ان تواصلنا بشكل كبير مع "ابناء القهر" في رمضان الماضي اتحفنا هذا العام المؤلف السوري هاني السعدي بمسلسل متميز يعالج مشكلات الشباب اليومية بعنوان "لا تقتلوا الربيع" والذي يقصد به ليس فقط زهرة العمر وانما كل مشاعر جميلة وصادقة علينا المحافظة عليها والاعتناء بها كما يسلط الاضواء على تربية الاولاد وعجلة الحياة اليومية المتسارعة التي تشغلنا عنهم احيانا فلا ندرك الامر الا بعد فوات الاوان.
ونبقى في الدراما السورية ونتوقف عند امل عرفة في  عشتار من تأليفها للمرة الثانية بعد دنيا وكلمة حق تقال لهذه الفنانة الملتزمة والاستعراضية في آن معا، فان موافقتها على تبشيع نفسها في القسم الاول من المسلسل تعتبر جرأة قل ان توافق عليها ممثلات اخر حين يسعى معظمهن للبقاء في اجمل وابهى صورة حتى لو تمت المبالغة في ذلك، يقدم هذا المسلسل نقدا استعراضيا لواقع نفسية البشر في تعظيم الغني والمشهور والتجميل والابتعاد عن الطيب الفقير والنفور من غير الجميل، كم تتطرق لقضية صناعة النجوم والنجمات وما يختبىء في كواليسها.
طبعا عشتار كغيره من مسلسلات رمضان لا يخلو من المشاهد المطولة والمكررة وهي قضية انتاجية ربحية معروفة لن نعلق عليها الآن – نراها بشكل خاص في الاعمال المصرية مثل "عش ايامك" بطولة نور الشريف وهو مسلسل لا هدف منه سوى التفاهة – قضاء الوقت الفارغ واظهار العائلة العربية بكل افرادها متخلفة معتوهة تتفكك وتنهار لابسط المشكلات تولول وتصرخ لاتفه الاسباب – يظهر رجل في منتصف العمر فاقدا لرزانته ومكانته وامرأة هذه المرحلة العمرية ايضا لا عقلانية طائشة غير متزنة، للمرة الثالثة يثبت نور الشريف انه يبحث وراء النجومية السلبية والربح المادي وارى انه من العار على عملاق مثله ان يقدم هذه المناذج الفردية والعامة.
لا يزال التنافس بين الهام شاهين ونادية الجندي شديدا على لقب نجمة الجماهير، وتظهر الجندي في دور المرأة القوية العنيدة المستعدة لكل التحديات في سبيل تحقيق مآربها.
اما يحيى الفخراني كعادته في السنوات الاخيرة مصرّ على ان يكون دائما ذلك الوديع الطيب ضحية المجتمع بل وضحية اقرب المقربين اليه ونجاحه في هذا الاداء المقنع لتقاسيم وجهه المعبرة لا تعني اننا نريد ان نراه في نفس الشخصية دائما لانها اصبحت مملة، رغم ما تحمله من مبادىء ومعايير اخلاقية انتقدناها في حياتنا.
على كل وباختصار فان الدراما المصرية لم تقدم أي جديد لا في الفحوى ولا الاخراج ولا حتى الانتاج ولم تتعد كونها اذاعة مصورة تبالغ في فخامة البيوت والاثاث وتنحصر احداثها داخل الفيلا والمكتب الشاليه والنادي، وقد يكون المتميز الوحيد هو احمد صبحي في ملح الارض اخراج احمد صقر لكن سلبيته الوحيدة المبالغة في الرمزية وعدم الوضوح لدرجة تحول بين المشاهد وبين فهم ما وراء الكلام والاحداث احيانا فيفقد المصداقية والهدف ولكنه يبقى احد القلائل المتعاملين معنا بذكاء وكمتلقين على الاقل وهي نقطة لصالحه كفنان ملتزم.
وعلى سيرة الذكاء لا بد من التحدث عن المتميز ياسر العظمة المصر على تقديم طبق رمضاني كل عام مع اسرة مرايا التي اخذت هذه السنة اسم عشنا وشفنا ليقدم نقدا اجتماعيا يتأرجح بين الاستعراض – الطرح وتقديم بعض الحلول – لهذا البرنامج الذي تمول لحاجة رمضانية ننتظرها كل عام لنرى ما بانفسنا – علنا نستفيق.
لكن وللسنة الرابعة على التوالي جاء فريق بنقطة ضوء ليتفوق في كثر من الاحيان على اسرة مرايا في الموضوعات – الجرأة والمقدرة على التعامل والتوجه الينا بمنتهى الحنكة والذكاء – الادراك والغيرة على المصلحة العامة والمشاعر الانسانية بطولة باسم ياخور ايمن رضا – اخراج الليث حجو.

الاعمال التاريخية

ليس نهجا جديدا الاكثار من الاعمال التاريخية في رمضان مع اضافة بعض الرؤى الجديدة او المجددة للشخصيات ما يميز التاريخي لهذا العام هو المشاركة العربية في كل الاعمال وهو الامر الذي ميز نجدة انزور في السابق فممثلون من سوريا، مصر، لبنان، تونس والمغرب وغيرها من الدول شاركوا في عمل واحد فيبدو كأن الوحدة العربية غير الممكنة الآن فلم يجد العرب سوى الاتحاد والتوحد في التاريخ مثل الطارق – فارس بني مروان – الخلفاء الراشدون وغيرها من اعمال تحمل في طياتها اسقاطات على الحاضر بناء على تداعيات الماضي لانه على ما يبدو من الصعوبة بمكان انتاج مسلسل سياسي له علاقة بالحاضر لانه سيلاقي نفس مصير الطريق الى كابول الذي تم ايقاف بثه لاسباب ستكون لنا معها ومعه وقفة خاصة لكنها ان دلت على شيء انما تدل على ضيق الافق – والمتاجرة بالارض والعرض والتاريخ ليس الا، وقد يكون الطارق أفضلهم جميعا حيث جاء باسلوب تاريخي عصري مقبول فلم يفقد الشخصية من فحواها ولم يخرج باسلوب قديم وممل وقد يكون افضل الاعمال المصرية عموما لهذه السنة قام بالبطولة ممدوح عبد العليم.

شهرزاد تؤكد: بجانب كل عظيم امرأة

من اكثر الاعمال اللافتة للنظر شهرزاد من انتاج تلفزيون قطر اخراج شوقي الماجدي اما السيناريو والحوار وللاردني وهو نفس كاتب الطريق الى كابول – تميز هذا العمل بانتاج ضخم فر مبتذل باخراج راق متميز غير ممل رغم تكرار بعض الاحداث وباداء هادىء محترف لسلاف فواخرجي جهاد سعد وفايز قزق الذي ابدع في دور الوزير – اضافة لنخبة مميزة من الممثلين السوريين والاردنيين.
في هذا العمل اسقاطات سياسية ذكية تتطرق لعلاقة الحاكم بالمحكوم للفجوة الكبيرة بينهما، الظلم والاستبداد المخفي وراء الدمقراطية المدعوة – يظهر الطاقات الفكرية والابداعية لدى الشعوب لكنها مطموسة على يد الحكام – عن دور الوزراء والبيروقراطية السائدة في الانظمة العربية، ولعل اهم من كل ذلك هو انحياز هذا العمل لصالح المرأة حيث تظهر فيه عدة نماذج نسائية ايجابية من اهمها طبعا المرأة المثقفة الواعية التي تجسدت في حنكة شهرزاد التي حصلت عليها من المطالعة والاطلاع، وهكذا تمكنت من انقاذ نفسها فوطنها وزوجها من نفسه من ظلمه وجبروته – ليست المرة الاولى التي تنتج فيها الف ليلة وليلة على شكل مسلسل لكنها هذه المرة متميزة راقية تخاطبنا بذكاء وهو اشد ما نحتاج اليه كمتلقين فمتى يدرك المنتجون اننا لسنا حيوانات تجتر ما يقدم لها سنة تلو الاخرى، فيكفي هذا الاستغباء ورحمة بنا يا اصحاب الفضائيات، وارحمونا من تكرار المواضيع وتكرار الوجوه في اكثر من مسلسل يعرض في نفس الفترة فلم نعد نميز بين الاعمال، فحبذا لو تعودون للنهج القديم بانتاج اعمال من 13 حلقة بدل 30 مما يعود بالفائدة على المشاهد وعلى المتنبع حيث بامكانه انتاج عملين قصيرين ستتهافت الفضائيات على شرائها.
وفي النهاية لا بد من التنويه لمقدرة الفنان الاردني بشكل عام الذي بقي مدة طويلة مظلوما لا مجال لاظهار قدراته فجاءت اعمال هذه السنة بالذات لتنصفه، حيث شارك عدد كبير من الفنانين الاردنيين في المسلسلات وأسندت اليهم ادوار البطولة التي ادوها باتقان مثل لارا الصفدي نضال ووائل نجم – عاكف نجم – نادرة عمران – وغيرهم.
على الفضائية الاردنية قدم هذا العام عملان نقديان اردنيان الاول لأمل الدباس هشام يانس زهير النوباني والثاني نقطة وسطر جديد للممثل المعروف سمعة قدمت من خلالهما لوحات نقدية اجتماعية جديرة بالمتابعة والتقدير، على امل ان يتم التعامل معنا في الاعوام القادمة بشكل افضل وبمستوى ذكاء اكبر، اتمنى للجميع اوقاتا ممتعة ومتابعة مفيدة واتمنى للفضائيات وشركات الانتاج صفقات مربحة شريطة ان لا نكون من المتلقين الهدف السهل لهذه الارباح والاختراعات العربية الفذة.


رندة زريق صباغ
السبت 20/11/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع