بعد رحيل القائد الرمز
هل من جديد في الموقفين الامريكي والاسرائيلي حول مفهوم الحل للصراع؟

منذ الاعلان عن الحالة الصحية الصعبة للرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، وابان وجوده طريح فراش العلاج المكثف في المستشفى الفرنسي وبعد وفاته، رددت الاوساط الرسمية الاسرائيلية والامريكية ووسائل اعلامهما المختلفة وخدام سياستهما مصطلح بداية "عهد جديد"!

وحاولت تلك الاوساط من خلال هذا المصطلح الايحاء انه برحيل ياسر عرفات زالت العقبة التي تعترض طريق التسوية السياسية وان الآمال اصبحت كبيرة، وارتفعت كثيرا اسهم احتمالات التسوية السلمية للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني؟! فهل يا ترى من جديد في الموقفين الامريكي والاسرائيلي حول مفهوم الحل للصراع؟ هل غيرت كل من الادارة الامريكية وحكومة الاحتلال والاستيطان والمجازر اليمينية الشارونية سياستها العدوانية المتنكرة لثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف بعد رحيل ابو عمار ام ان ما يقصدونه ويتمنونه ويعملون من اجله ان يكون "العهد الجديد" تغييرا في الموقف الفلسطيني مدلوله الاساسي التفريط بالعديد من الثوابت الوطنية الفلسطينية والرضوخ لاملاءات شارون التصفوية المدعومة امريكيا؟
في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الامريكي، جورج دبليو بوش، يوم الثلاثاء 16/11/2004 واعلن من خلاله عن تعيين كوندوليزا رايس وزيرة للخارجية خلفا لكولن باول، صرح بما يلي:
"ان الولايات المتحدة لبت نداء التاريخ لمساعدة قوى الاصلاح والحرية في الشرق الاوسط الكبير من اجل ان تتمكن هذه المنطقة من تحقيق نموها في اجواء من الامل وليس الغضب. اننا نتبع طريقا جديدا لحل النزاع الاسرائيلي – العربي، نهجا يأخذ بعين الاعتبار تطلعات الفلسطينيين السلمية في اطار دولة دمقراطية مع ضمان امن اصدقائنا الاسرائيليين"!!
ماذا يعني هذا التصريح من حيث مدلوله السياسي الحقيقي؟ برأينا هذا يعني ما يلي:
* اولا: ان بوش في ولايته الثانية للرئاسة سيواصل بشكل اعنف استراتيجية عولمة ارهاب الدولة الامريكية، المنظم لفرض الهيمنة الامريكية على بلدان الشرق الاوسط الكبير ونهب ثرواتها وخيراتها النفطية وغيرها.
ولعل ما يجسد مصداقية هذا التقييم هو بروز معالم بعض مؤشرات السياسة المنهجية لادارة بوش الجديدة. ولعل تصعيد جرائم الحرب والمجازر الهمجية التي ترتكبها قوات الاحتلال الامريكي في العراق، قتل المدنيين والاجهاز بقتل الجرحى وتدنيس حرمة المساجد وهدمها في الفلوجة خاصة وغيرها، هدم وتدمير احياء سكنية على رؤوس اهاليها في المدن العراقية تعكس طابع "المساعدة الامريكية لقوى الاصلاح والحرية" في العراق، وتشير الى ما تخططه ادارة المحافظين الجدد من تصعيد استراتيجية العدوان ضد بلدان وشعوب الشرق الاوسط الكبير. كما ان تعزيز الادارة الامريكية الجديدة للرئيس بوش بممثلي صقور القوى الرجعية المغامرة من المحافظين الجدد وتطهير الادارة ممن يتهمون باللبرالية امثال كولن باول لا يعني سوى تصعيد السياسة العدوانية الامريكية كونيا وفي الشرق الاوسط الكبير، تصعيد العمل بمبدأ استراتيجية القوة والتدخل الامريكي احادي الجانب في الشؤون الداخلية للبلدان الاخرى وتوجيه ضربات استباقية تحت اليافطة التضليلية "محاربة الارهاب" و"الحفاظ على مصالح القطب الواحد في العالم" ومن خلال الاستهتار بهيئة الشرعية الدولية والقانون الدولي والرأي العام العالمي. حتى وزير الخارجية السابق، كولن باول اعترف بانه كان يشعر داخل ادارة بوش "مثل الحمامة في قفص الصقور".
* ثانيا: يدعي بوش انه سيتبع طريقا جديدا لحل النزاع الاسرائيلي، العربي نهجا يأخذ بالاعتبار تطلعات الفلسطينيين السلمية في اطار دولة دمقراطية! لا يمكن تفسير مدلول الطريق الجديد والنهج الجديد سوى بتشغيل مكبس الضغط على القيادة الفلسطينية لابتزاز تنازلات سياسية منها لصالح المحتل الاسرائيلي، الحليف الاستراتيجي لاستراتيجية العدوان الامريكية في المنطقة وكونيا. فبوش لم يعلن في تصريحه هذا عن تغيير جذري في الموقف الامريكي المنحاز الى جانب اسرائيل الاحتلال والعدوان. لم يعلن مثلا عن الغاء الادارة الامريكية لمكتوب التعهدات الامريكية لشارون والذي بموجبه تؤيد ادارة بوش ضم كل المستوطنات الى اسرائيل وتتنكر لحق العودة للاجئين الفلسطينيين وتغض الطرف عن جدار الضم الابرتهايدي. واخذه بعين الاعتبار تطلعات الفلسطينيين الى دولة دمقراطية مغلفة بالضباب الكثيف، فلم يعلن لا عن موعد اقامتها ولا حدود الاستقلال الفلسطيني. وفي لقاء بوش مع رئيس الحكومة البريطانية، طوني بلير يومي الخميس والجمعة الماضيين (11-12/11) رفض بوش اقتراح بلير بعقد مؤتمر دولي لدفع عجلة العملية السياسية في المنطقة، وعاد وأكد على تأييده لخطة شارون فك الارتباط (اعادة الانتشار أ.س) من طرف واحد مع قطاع غزة، والتي تعني عمليا منع قيام دولة فلسطينية ذات مقومات للحياة.
لقد صدق كولن باول في تأكيده لوزير خارجية حكومة اليمين، سلفان شالوم بان السياسة الخارجية الامريكية نحو اسرائيل لن تتغير في ولاية بوش الثانية. فالعلاقة القائمة بين نظام بوش اليميني وحكومة اليمين الاسرائيلية مبنية على تجانس في الهوية الايديولوجية وهوية الاستراتيجية العدوانية في المنطقة وعالميا.
ويجري التنسيق بين النظامين لبلورة الموقف من الشعب الفلسطيني وحقوقه الشرعية. وبرحيل الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، لم يتغير موقف شارون وحكومته من حيث المدلول السياسي المتنكر لثوابت الحقوق الشرعية الفلسطينية. فتحديد الموقف من ياسر عرفات باعتباره "ليس بذي شأن" "وارهابي" كانت تتخذه حكومة اليمين الشارونية ذريعة لمواصلة جرائمها في المناطق المحتلة ودفن اية مبادرة دولية او جهد عالمي لاستئناف العملية السياسية. واليوم بعد موت عرفات تحاول حكومة شارون تغيير اللهجة وليس الموقف لزرع الوهم التضليلي بان حكومة الاحتلال والاستيطان والمجازر مستعدة لتغيير سياستها بالجنوح نحو خلق الظروف لاستئناف العملية السياسية!! ففي لقاء رئيس الحكومة، ارئيل شارون، مع الصحفيين في القدس مساء الثلاثاء (16/11/2004) صرح انه قد يفكر في تنسيق الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة مع القيادة الفلسطينية الجديدة اذا ابدت هذه القيادة تصميمها على مكافحة الارهاب. وقال بالحرف الواحد انه "اذا تبين لنا، مع الوقت، ان القيادة الفلسطينية الجديدة مستعدة لمكافحة الارهاب.
اتفاق لربما يمكننا التوصل الى اتفاق تنسيق امني في شأن الاراضي التي يجب اخلاؤها
ان شارون ينطلق في تحديد الموقف من نقطة وكأن المشكلة الاساسية للصراع الاسرائيلي الفلسطيني وسبب الصراع هما "الارهاب الفلسطيني" وليس الاحتلال الاستيطاني الغاشم الجاثم على صدر الشعب الفلسطيني والارض الفلسطينية منذ سبع وثلاثين سنة. انه يخلط عمدا بين الارهاب والمقاومة الشرعية للاحتلال وللمحتلين. ولهذا فان شارون يشترط على القيادة الفلسطينية الجديدة "شهادة حسن سلوك" ترجمتها على ارض الواقع زرع الفتنة بين صفوف الفلسطينيين وتفجير حرب اهلية فلسطينية – فلسطينية تحت يافطة تجريد فصائل المقاومة من السلاح والقضاء على الارهابيين. واذا نفذت القيادة الفلسطينية الجديدة هذه الاملاءات الشارونية "فلربما" يمكن التوصل الى اتفاق تنسيق امني!! ولا يتحدث عن تنسيق سياسي، فما يقصده بالاساس ان يوافق الفلسطينيون، القيادة الجديدة على خطته الكارثية لاعادة الانتشار في قطاع غزة دون ربط ذلك بمصير الضفة الغربية التي يستهدف ضم اكثر من نصف مساحتها الى اسرائيل.
لسخرية القدر ان شارون يلبس قناع الدمقراطية ويعلن انه سيعمل على تسهيل عملية انتخاب رئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية خلفا لخالد الذكر ياسر عرفات، وحتى انه يعطي مؤشرات الموافقة على مشاركة اهالي القدس الشرقية المحتلة في عملية الانتخابات! وخلق الظروف المناسبة نسبيا لاجراء الانتخابات يتطلب اولا انسحاب قوات الاحتلال من جميع مناطق السلطة الفلسطينية، كما يتطلب وقف جرائم الاحتلال من مداهمات وملاحقات وقتل وتصفيات للفلسطينيين. وتوفير هذه الظروف يستدعي ضمان مراقبة دولية لمراقبة سلوك المحتلين.
ان شارون واسياده الامريكان يبنون الآمال على "العهد الجديد" ويتوهمون ان القيادة الفلسطينية الجديدة ستكون "اكثر مرونة" من الرئيس الراحل ياسر عرفات، واكثر مرونة تعني في قاموسهم الرذيل استعداد القيادة الفلسطينية الجديدة للتنازل عن بعض ثوابت الحقوق الوطنية الفلسطينية. وما نود تأكيده انه، وهذا ليس غريبا وشرعيا، ان يكون للقيادة الجديدة من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، محمود عباس (ابو مازن) الى ابو العلاء (احمد قريع) وغيرهما اسلوب آخر، توجه آخر دبلوماسيا في ادارة المفاوضات مع اعداء الشعب الفلسطيني وحقوقه الشرعية، ولكن لنا كل الثقة بوطنية واخلاص محمود عباس وغيره من القيادة الفلسطينية لقضية شعبهم الوطنية وعدم تفريطهم باية ثابتة من الثوابت الاساسية للحقوق الوطنية الشرعية الفلسطينية، فتغيير التكتيك في ظل الواقع ومتغيراته لا يعني ابدا التخلي عن الاهداف الاستراتيجية التي مركزها دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران السبعة والستين وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الشرعية الدولية. هذه الثوابت التي تمسك بها الرئيس الراحل ابو عمار ولم يفرط باي منها وصمد في وجه عواصف الضغوط الامريكية والاسرائيلية ولم يحن هامته الشامخة ولم يخنع. ولن يتجرأ كان من كان بالتراجع قيد انملة عن ثوابت حقوق شعب مهرها باغلى الثمن من دماء شهدائه وجرحاه ودموع ثكلاه. وليكن العهد الجديد مكللا بتعزيز الوحدة الوطنية الكفاحية الفلسطينية والتقدم الجدي نحو تحقيق الامل المنشود بالدولة والقدس والعودة.


د. أحمد سعد
السبت 20/11/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع