المحرر السياسي لـ"وفا":
نطالب بتحقيق دولي

غزة - وفا- كتب المحرر السياسي لوكالة الأنباء الفلسطينية "وفا":

والآن أيضاً ونحن نلتقط أنفاسنا بعد أن ودعنا الرئيس القائد الرمز الشهيد، وبعد أن ثبنا إلى وعينا الذي تزلزل بفعل الصدمة، فإن من حق ياسر عرفات علينا أن نفتش كل صغيرة وكبيرة لنعرف كيف مات؟ أي مرض أدى إلى وفاته؟ لماذا مرض أصلاً؟ وكيف تدهورت به الحال وهو وسط أعلى الكفاءات الطبية، ثم لماذا مات؟ هذا ليس اعتراضاً على حادثة الموت فالكل مرشح لها، غير أن هناك غموضاً، وثمة شكوك كبيرة، وأسئلة تفتح الباب على احتمالات لا تليق بالعادي فكيف تليق بياسر عرفات. هل قتلوه بطيئاً بطيئاً بسمّ أو بتوجيه من أشعة الليزر؟ هل فعلوها عن بعد أو فعلوها عبر أشخاص تسربوا إلى قلعته ودسوا له ما شاءوا؟ هل كان السم عبر الدواء أم عبر الطعام أم عبر الهواء الخاص به حين كان يتنفس أوكسجيناً مضافاً بآلة تنتجه؟
هل وهل وهل؟ عشرات الأسئلة الداهمة التي يطرحها الغموض الكثيف الذي تحجبه أسوار مستشفى بيرسي العسكري في باريس!.
لو كان ياسر عرفات من العامة لكانت الأسئلة صغيرة ومحدودة ولا يطرحها سوى نفر أو عدد من أصدقائه ومحبيه أو من أقاربه، وبالطبع من عائلته.
لكن لأن ياسر عرفات ليس من العامة، ولأنه على مدى أكثر من أربعين عاماً كان في مركز الحدث والقرار الفلسطيني والإقليمي معاً، ولأنه مثل خلال هذه السنوات النضالية الكبرى رمزاً وقائداً وحامياً وحادياً وممسكاً بقضيةٍ لا مثيل لها في التاريخ، ولأنه الختيار الذي يعني بالفلسطينية الأب الشامل، فإن كل الأسئلة تصبح مشروعة، ولكل فلسطيني أن يوجهها ويطلب إجابات شافية، بل وتفصيلية عنها.
لذلك لن نهدأ حتى نتلقى إجابات تشفي الغليل وتقنعنا وتخرجنا من شكوكنا ودوران المؤامرة، وتجعلنا نفيء إلى يقين يطرد من أمامنا الريبة ويبدد الوساوس والشائعات.
من حق عائلته الصغيرة أن تستأثر به لو كانت هي عائلته وحسب، نحن الفلسطينيون كلنا عائلته، لذلك نضم صوتنا جميعاً ونطالب بلجنة دولية فنية وسياسية وإنسانية لكي تفصل في أمر هذا الرحيل المسربل بالغموض. الأنكى أنه لم يكن رحيلاً مفاجئاً حتى يمكن لنا أن نفتح أسئلة أقل أو لا نفتحها أصلاً.
إنه رحيل متسلسل مجحف وسري ويثير حفيظتنا. وفوق ذلك فإن الظروف التي أخضعوه لها، والمعلومات الشحيحة التي كانوا يبلغوننا بها قطرة قطرة، والغموض الذي أمطرونا به ليس نحن وحسب، وإنما وسائل الإعلام في العالم كله، كل هذا كان ينال من كبريائنا وكان يغضبنا.
كل الفلسطينيين أحبوا فرنسا كما لم يحبوها من قبل، في مشارق الأرض ومغاربها رفعوا لشيراك القبعة وللحكومة وللجمعة الوطنية الفرنسية، وقبل ذلك لهذا الشعب الفرنسي الأصيل الذي أثبت أن تاريخ الثقافة والأصالة هما اللذان يعليان القيم الإنسانية الكبرى، وليس الحداثة السطحية والشعارات الكاذبة المستدعاة لخدمة المصالح والمطامع والسلب والنهب.
لذلك، فإن على فرنسا قبل غيرها، والتي هي في عيون الفلسطينيين ساحرة، أن تكمل مشوارها دون حسبة سياسية، فتطلعنا على التفاصيل المتعلقة بحياة رئيسنا وقائدنا ورمز كفاحنا وحياتنا. وعليها من باب الشفافية أن تشرك آخرين من أهل البيت الفلسطيني ومن خارجه، ولكي يمسي كل شيء واضحاً، ولتظل صورتنا في فرنسا وصورتها فينا مثلما غادرناها وهي تودع شهيدنا بالدفء الذي شاهده العالم كله، والاحترام الذي يأسرنا ويطوق أعناقنا.
أبو عمار هو أبو عمار، وهو لا يرحل سراً، ولن ندعه يترجل ويغيب كل هذا الغياب الأبدي دون أن يحاسبه حبنا، ويسأله لماذا لم تبح لنا؟ ومن هم الذين وقفوا بينا وبينك؟ وهل هو القدر خالص أم سمٌ وقدر؟


الخميس 18/11/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع