رسالة لا يمكن إيصالها إلا عبر أبو عمار

الأخ المناضل،
ياسر عرفات – أبو عمار
رئيس منظمة التحرير الفلسطينية
رئيس دولة فلسطين الأول



أوجه لك هذه الرسالة، التي تبدو للوهلة الأولى عادية، لتنقلها إلى الزعيم الخالد جمال عبد الناصر بعد أن تلتقي به في العالم الآخر، وليس هناك من يقدر أن يوصل هذه الرسالة إلا أنت.
يا أبا عمار: هنالك زعيمان عربيان صانا محبة شعوبهم لهم وضحّوا بكل ما أتيح لهم أن يضحوا فيه من اجل صيانة كرامتهم والحفاظ على حقوقهم، هذان الزعيمان هما أنت يا أبو عمار وأبو خالد، وبما أن أبا خالد قد سبقك إلى تلك الدنيا سوف ابعث رسالتي معك .
حدثه يا أبا عمار عن السنوات الأربع الأخيرة التي عشتها والتي عاشها الشعب الفلسطيني والأمة العربية، وبدوره سوف يتمكن من تصوير الوضع الذي تتواجد فيه الشعوب والبلدان العربية في ظل الزعامات الهزيلة منذ وفاته حتى الآن.
حدثه عن انتفاضة الأقصى الباسلة، عندما قرر المجرم شارون تدنيس حرمة المسجد الأقصى ودخل إليه على الرغم من انه على دراية تامة بالعواقب الوخيمة لمثل هذا العمل إلا انه أصر على القيام به وبدون أية معارضة من حكام إسرائيل آنذاك، عندها لم يبق للشعب الصامد في وطنه إلا أن ينتفض كجبل من نار من اجل الدفاع عن مقدساته الإسلامية والمسيحية .
خبره عن ملحمة الكرامة والكبرياء في مخيم جنين الصامد عندما قام جيش الاحتلال تحت غطاء "ضمان الأمن لإسرائيل" باجتياح مدن وقرى الضفة الغربية من جنين إلى نابلس وحتى رام الله ظنا منه انه عندما يقوم بمثل هذه العملية التي سميت ب "السور الواقي" سوف يكسر صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته التي تأبى أن تعيش تحت الاحتلال. ولكنه لم يكن يعرف أن لهذه المدن شبان بواسل يدافعون عنها ويضحون حتى آخر قطرة دم، وهذا ما حصل في مخيم جنين عندما قام أبطال المقاومة بالدفاع عن بيوتهم ووطنهم وكرامتهم بشجاعة لا مثيل لها حتى أنهم كادوا يقهرون " الجيش الذي لا يقهر".
حدثه يا أبا عمار عن الحصار في رام الله عندما لم يكن بينك وبين المحتلين أعدائك سوى جدار واحد إذا هدم كانت المواجهة، والاهم هو أن تقول له انك صمدت كما شعبك صامد في وجه هذا المحتل البغيض، مع من كانوا يرافقونك في غرفتك في المقاطعة، على الرغم من أن توقعات المحتلين كانت غير ذلك وهذا هو اكبر برهان على أن صمود شعب عانى عشرات السنين من اجل أن ينال حريته واستقلاله لا يمكن أن يكسر باجتياح أو حصار أو عدوان.
قل له يا أبا عمار أن العراق يغتصب يوما بعد يوم وان شعب العراق الأصيل هو الآخر لا يقبل الاحتلال كما لم يقبله الشعب المصري الذي تخلص منه والشعب الفلسطيني الذي يقاومه من اجل التخلص منه. قل له أن هذه الحرب المجرمة التي شنت على العراق العربي، من اجل نفطه وكنوزه الحضارية ومن اجل تحقيق مآرب أمريكا العظمى وتحقيق شهواتها في الشرق الأوسط ، هي الدلالة الأوضح على أن من اخترع كلمة "إرهاب" وجعل لها قوائم ونصّب نفسه لمقاومتها هو أول من يقوم بالأعمال الإرهابية. ربما "ضمان امن إسرائيل" هو أيضا احد دوافع هذه الحرب.
لا تنس يا أبا عمار أن تضعه في صورة ما يحدث في غزة، قل له أن إسرائيل اجتاحت قطاع غزة وحجتها "ضمان الأمن لإسرائيل". هدمت البيوت، سوت أشجار الزيتون بالأرض، قتلت الأبرياء ونسفت أي أمل لهذا الشعب الصامد في أن السلام سوف يعم يوما على هذه البلاد. قل له أن جنود "الجيش الذي لا يقهر" قتلوا الطفلة إيمان في الطريق من المدرسة بعشرين رصاصة "لضمان امن إسرائيل" وقتلوا الطفلة غدير على مقعد الدراسة "لضمان امن إسرائيل".
حدثه يا أبا عمار ولا حرج، عن جدار الفصل العنصري الإسرائيلي الذي يمزق المدن والقرى الفلسطينية إلى أشلاء ويقطع أوصال العائلات، يبعد الطبيب عن عيادته والعامل عن عمله والطالب عن مدرسته والمزارع عن زيتوناته.
قل له أن حجة هذا الجدار هي انه جدار امني من اجل "ضمان امن إسرائيل" مرة أخرى، ولكن الحقيقة ان هذا الجدار يهدف إلى خلق واقع جديد يضع الفلسطينيين في سجن كبير ببوابة واحدة مفتاحها مع إسرائيل، هذا الجدار سيقطع التواصل بين أنحاء فلسطين ويتيح لإسرائيل أن تستولي على الأراضي الفلسطينية التي تقع خارج هذا الجدار كما هي الخطة.
قل له يا أبا عمار انك بعدما أصبت بالوعكة الصحية الأخيرة كانت هناك مقابلة في إحدى المحطات الفضائية "العربية" مع احد الزعماء العرب الذي سئل عما إذا كانت مستشفيات بلاده مستعدة لاستقبالك، فكان جوابه أن منشآت بلاده الطبية، التي يعتبرها متطورة، مستعدة لتقديم كافة المتطلبات التي تفي بعلاجك ( وهذا كلام سليم) ولكن، إذا سمحت لك إسرائيل بمغادرة رام الله ( وهذا كلام سقيم).
أي زعيم هذا الذي لا يخجل بان يدلي بمثل هذا الكلام، يتهزهز أمام سماع اسم إسرائيل أو أمريكا ويلازم الصمت إذا توجب الأمر. والله يا أبا عمار اصح الأمور الذي حدثت هو انك تلقيت العلاج في بلد أجنبي لأنك إذا تلقيته في بلد عربي كان من الممكن أن يكون لذلك مس ب "امن إسرائيل".
أكد له يا رمز الشعب الفلسطيني وثورته الباسلة أن هنالك أمور لا تعد ولا تحصى للحديث عنها غير "ضمان الأمن لإسرائيل"، ولكن لا داع لذلك لان زعماء الأمة العربية يحرصون على أن يتواجدوا في أي حدث على الأرض المحتلة في فلسطين والعراق.
نعم إنهم هناك ولكن ليس من اجل دعم الشعوب المقاومة للاحتلال إنما من اجل المحافظة على تبعيتهم لأمريكا ومن اجل الإعلام والمحافظة على ماء الوجه، ففي نهاية الأمر فهم "عرب" يجب أن يكون لهم ما يقال.

أكّد وأكّد يا أبا عمار،

أن الشعب الفلسطيني بريء كل البراءة من زعماء العرب
وان الشعب العراقي بريء كل البراءة من الزعماء العرب

لان زعماء العرب لا علاقة لهم بكل ما ذكر طالما أن هذه الأمور بعيدة عنهم ولا تمسهم، ولان هؤلاء الزعماء يتراكضون الواحد تلو الآخر للحاق بأذيال أمريكا وابنتها إسرائيل بهدف إرضاء الأم العظمى بأي ثمن لئلا ينقطع الدعم الأمريكي أو ربما لتجنب زج بلادهم في القائمة الأمريكية للدول المساندة لل "إرهاب" هذه الكلمة السحرية التي يدمغون بها كل من يجرؤ على مخالفة املاءات أمريكا ويعارض رغباتها.
أو ربما لأنهم لا يريدون المس ب "امن إسرائيل".
وفي النهاية، سلام عليك وعلى ابي خالد من بلد وشعب اصيل يرفض السير الا قدما في اتجاه تحرير كافة الاراضي المحتلة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس العربية.

ملاحظة: من لديه علم عن الثمن الذي يجب أن تدفعه الشعوب العربية من اجل الحفاظ على "امن إسرائيل" فليطلعنا عليه.



بقلم ساهر ابو دبي
الثلاثاء 16/11/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع