الحلقة - 2
هنا كوبا


*مخول: موقف اسرائيل من الحصار الامريكي على كوبا موقف تبعي. وفي هيئة الامم المتحدة يتجلى كممارسة ارهابية تقوم بها اسرائيل تجاه كوبا. لقد جاء الوقت لرفع صوت واسع في اسرائيل ضد هذه الممارسات. وحول هذا الموضوع تداولنا مع الرفاق الكوبيين عدة آليات عمل، منها فرض التواصل بين الشعبين الكوبي والاسرائيلي عن طريق تنظيم السياحة التضامنية أو تقديم منح للطلاب الجامعيين في اسرائيل*

كانت كوبا سيدة الحدث والحديث،  ولا زالت كذا في هذه الحلقة الثانية والاخيرة حول زيارة وفد الحزب الشيوعي الاسرائيلي اليها، برئاسة سكرتير الحزب العام، النائب عصام مخول ومشاركة عضوي اللجنة المركزية للحزب د.عفو اغبارية وأفرايم قصاب، وكان من المفروض أيضا، ان تقتصر هذه الحلقة على لقاء مطول مع النائب مخول للاطلاع على ما قام به الوفد وأهمية الزيارة ومدلولاتها، بعدما أخذنا الحديثُ في الاسبوع المنصرم عن كوبا الجزيرة الحرة الثائرة.
هذا ما كان مفترضا ولكنني مضطر أولا الى التطرق الى حدثين متصلين بذات السياق، هنا والان.

ملاحظة عن الحصار وحصاره..

الحدث الاول هو صدور تقرير في صحيفة هارتس، يوم الثلاثاء 19.10 تحت عنوان "من ناحية بوش، لا زالت الحرب الباردة مستمرة في كوبا". يتطرق هذا التقرير إلى المحاولات الامريكية الممجوجة الفاشلة لاجهاض الثورة الكوبية وإخضاعها، منذ سطوعها قبل 45 عاما بقيادة الثنائي الثائر، فيدل كاسترو وتشي جيفارا. يتحدث التقرير عن أكثر من مائة محاولة اغتيال تعرض لها فيدل كاسترو بتخطيط أمريكي سافر مفضوح.
وكل هذا ليس جديدا بيد نه من الواضح ان هذا التقرير قد جاء نتيجة تطور ما في تلك الجزيرة.
"حتى الان، غضت واشنطن النظر: 40% من 85 الف زائر أمريكي لكوبا، وصلوها بشكل غير قانوني. مؤخرا، أعلن النظام (الامريكي، أ.ش.) على تشديد التقييدات والرقابة. العلاقات بين واشنطن وهافانا اليوم فاترة كما كانت في أسوأ ايام الحرب الباردة". إلى هنا هذا الإقتباس الحرفي من التقرير، حول التصعيد بما أسماه التقرير "الحصار الاقتصادي الاطول، الذي تشهده دولة منذ الحرب العالمية الثانية"،  ويتطرق التقرير الى معاناة الشركات الامريكية والسياح الامريكيين أيضا من هذا الحصار، وليسوا هم فحسب "طلاب طب (أمريكيون، أ.ش.) حصلوا مؤخرا على تصريحات خاصة لاستكمالٍ مدته أربعة اسابيع في المستشفيات الكوبية، لا يستطيعون الان البقاء أكثر من اسبوع". إلى هنا اقتباسنا الحرفي الثاني من التقرير الذي أشار كذلك الى المعاناة اليومية للمواطنين الكوبيين، خاصة جراء فرض القطيعة بين أجزاء العائلة الواحدة في كوبا وأمريكا.

 الى جانب هذا التقرير تورد هارتس خبرا منقولا عن صحيفة نيويورك تايمز، حول منع النظام الامريكي لـ "صندوق الحفاظ على تراث همنغواي" من ترميم المنزل الايل للسقوط والذي صدرت من أروقته أروع مؤلفات الكاتب الامريكي، ارنست همنغواي، والذي انتقل للعيش في كوبا عام 39 من القرن المنصرم، وأبدع فيها روايته الغرّاء "الشيخ والبحر".
 وبم عللت ادارة بوش قرارها المانع؟
 "بحجة ان الامر قد يشجع السياحة للجزيرة ويدعم اقتصاد الدولة الشيوعية". انتهى الاقتباس وحان وقت الغثيان من دولة تتنازل عن كبار مبدعيها للمماحكات البائسة!!

الى هنا عن القسم الاول في هذا التقرير واما الاخر والاكثر اشراقا والذي لن نتعمق فيهه لضيق المساحة، فيشير الى ردتي فعل عكسيتين للعربدة الامريكية: الاولى من جيل الكوبيين الشباب المهاجرين الى امريكا، فهؤلاء وبعكس الجيل السابق لا يتطلعون الى اخماد الثورة والانقلاب عليها، انما يعبرون عن اكتفائهم ببعض التعديلات السياسية مما يعد نصرا لنهج الثورة بين الشباب. وأما ردة الفعل الثانية فمصدرها الدول المجاورة في كوبا اللاتينية والتي تصبو نحو علاقات اقوى مع كوبا. جاء في التقرير "رئيس الارجنتين سيزور كوبا، رئيس فنزويلا يوفر للجزيرة النفط، ورئيس البرازيل يرغب باعادة كوبا الى "تنظيم دول أمريكا" بعدما جمدت عضويتها عام 1962 اثر ضغوط أمريكية".

وأما الحدث الاخر الذي أردت التطرق اليه باقتضاب هو وقوع فيدل كاسترو أرضا قبل اسبوع ويوم، بعيد القاء خطاب أمام 30000 كوبي. لن أتطرق الى الحدث نفسه فهو عادي قد يحدث مع أي انسان، كما من الطبيعي جدا ان يموت فيدل كاسترو في أي لحظة، تماما كأي انسان فينا. المهم هو ردة فعله تلك الواثقة وطمأنة الناس الى نوع اصابته بعدما فرت الدموع الصادقة من عيونهم. ردة فعله جاءت لتقول بكل حزم: من امن بفيدل كاسترو، فهو ميت لا محالة ومن امن بالثورة فهي حية لا تموت!

نحو جبهة يسارية أممية!

يتحدث مخول عن عدد كبير من اللقاءات والمحاضرات التي قدمها وفد الحزب الشيوعي الاسرائيلي في كوبا، برفقة تغطية اعلامية واسعة "كانت اجتماعاتنا على المستويين، الدولي والحزبي فقد كان هنالك إجتماعان رسميان مع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي، واجتماعات على مستوى الدولة. عقد لقاء مع نائب وزير الخارجية الكوبي ومع رئيس البرلمان الكوبي وعقدنا اجتماعا في مركز الاقتصاد العالمي وهو مركز أساسي لتحليل الوضع العالمي والاستراتيجي للدور الامريكي، واجتماعا اخر في مجلس السلام العالمي في كوبا ورئيسه الذي يشغل منصب رئيس مجلس السلم العالمي. كما استضافنا "معهد القارات الثلاث"، الرامي الى خلق جبهة واسعة لضحايا الدول الراسمالية في اطار االدول والشعوب في اسيا، افريقيا وامريكا اللاتينية"

"الاتحاد": بأي المحاور تلخصت مباحثاتكم في هذه الاجتماعات؟!!

يتعلق أين يدور النقاش، ففي معهد البحث العلمي الكوبي المركزي وهو أكبر مؤسسة أبحاث علمية قامت في كوبا مع فيام الثورة لاعطاء أجوبة علمية وتكنولوجية لحاجان كوبا، وجدنا الكوبيين فخورين جدا باقدام شركات أجنبية على استيراد الاكتشافات العلمية من الجنوب، فهنالك تطوير لأدوية لمعالجة مرض الايدز مثلا، لا يقل قيمة عن الادوية الاوروبية او الامريكية لكنه متوفر باسعار ملائمة لدول العالم الثالث، التي تستورده من كوبا. وقد وجدنا ان الهم الاساسي هنا هو العمل على كسر المعادلة وتصدير العلم من الجنوب الى الشمال". (حول نفس الموضوع بتوسع، انظر ملحق الاتحاد 22.10.04).
ويردف مخول "في كافة اللقاءات كانت هنالك محاولة للاطلاع عن كثب على الاوضاع الداخلية في اسرائيل، ولهذا الغرض قامت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي بدعوتنا الى جلسة ثانية. وفي لقائنا برئيس مجلس السلم العالمي، طرحت قضايا تخص الحاجة لتطوير الضغط على اسرائيل ضد دورها في دعم المخططات الاستراتيجية الامريكية والحصار على كوبا.

"الاتحاد": وماذا عن تطوير العلاقات بين الحزبين الشيوعيين، الكوبي والاسرائيلي؟

"هذه القضية تناولناها باسهاب في اجتماعينا باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الكوبي وأكدنا على تطوير العلاقة بين الحزبين لا سيما وانهما في منطقتين تتعرضان لاستغلال امريكا للحرب على الارهاب لتشن حربها الارهابية ضد الشعوب والديمقراطية. يجمعنا بالرفاق الكوبيين النظر الى هذه الحرب كمحاولة أمريكية مستميتة لصياغة استغلال السنوات القريبة، حوالي 20 عاما، لن تكون فيها قوة منافسة للولايات المتحدة وهذه السنوات فرصة سانحة لفرض قواعد جديدة للعبة التي تشتم فيها رائحة النفط بشكل خاص من أجل دحر أوروبا والصين، كما ان تجمعنا الصعوبة بفهم الموقف الاسرئيلي التبعي من الحصار، فنحن ننظر الى الموقف الاسرائيلي في هيئة الامم كممارسة ارهابية تقوم بها اسرائيل تجاه كوبا وهي محاولة للدوس على أبسط قواعد اللعبة الدولية. نرى ان الوقت قد جاء لرفع صوت واسع في اسرائيل ضد هذه الممارسات، وحول هذا الموضوع تداولنا عدة آليات عمل ومنها فرض التواصل بين الشعبين الكوبي والاسرائيلي عن طريق تنظيم السياحة التضامنية أو حتى تقديم منح للطلاب الجامعيين في اسرائيل.."

مخول يشير أيضا الى لقائين هامين جدا عقدهما وفد الحزب الشيوعي، الاول هو الاجتماع بالسفير الفنزويلي في كوبا وتهنئته على المواقف الفنزويلية المشرفة، وأما عن اللقاء الثاني فيقول مخول "في طريق عودتنا الى اسرائيل إجتمعنا في باريس الى الكتلة الشيوعية في البرلمان الفرنسي ومجلس الشيوخ. تركز حديثنا حول الترسانة النووية الاسرئيلية وقد أستمعوا بافواه فاغرة، الى معلوماتنا حول قيام المانيا ببيع اسرائيل ثلاث غواصات تحمل الرؤوس النووية. ورأوا المسؤولية ملقاة على اوروبا لمساءلة المانيا عن دورها هذا وادارة معركة لتجاوز الصمت الاوروبي في هذا المجال. كما تحدثنا عن الافاق الساسية في منطقتنا وجرى الحديث عن ضرورة بلورة مبادرة سلامية بديلة لمبادرات شارون الهادفة الى قتل الوقت. نطمح الى مبادرة أكثر جرأة من مبادرة جنيف ونطمح الى مشاركة اليسار الاسرائيلي وفي صلبه حزبنا الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة الى جانب قوى تقدمية فلسطينية وأوروبية.

عن التنكر الاسرائيلي غير اللائق

هكذا اذن عاد الوفد من كوبا مشبعا بالاحلام والطموحات التي، وكي لا نخدع أنفسنا، لا يكون تحقيقها قاب قوسين أو أدنى وقد يبدو بعضها أبعد مما نتصور أو يتصورون، الا ان مخول اليوم أكثر وثوقا من ذي قبل "هذه زيارتي الثالثة الى كوبا، أول مرة كانت عام 78 ثم في العام 97، وقد لاحظت هذه المرة ان كوبا تجاوزت مصاعب جمة بالرغم من الحصار اللئيم. من البارز ان مؤسسات الدولة والحزب في كوبا لا تشعر بضرورة اخفاء هذه الصعوبات بل على العكس، فهي تستغلها لتجند الشعب الكوبي للمواجهة وليكون أكثر قدرة على تسجيل الانجازات".
مخول الواثق من ان الشعب الكوبي لن يفرط بسهولة بالثورة ومنجزاتها، "لأنه سعيد بما لديه من حياة كريمة، لأنه سعيد بأوضاعه مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة ومقارنة ببقية دول العالم الثالث"، يبدو مغتاظا من تعامل وسائل الاعلام الاسرائيلية مع تلك الدولة وتجندها للدعاية الامريكية. "إستضافني يارون لوندن وموطي كرشنباوم في برنامجهما في القناة العاشرة حول زيارة الوفد الى كوبا، وكانا قبل البث منفعلين جدا من حديثي، الا انهما انقلبا وقت البث الى تبني الدعاية الامريكية والتحريض على كوبا حتى انني قلت لهما انهما ليس بحاجة الى وجودي معهما ليقدما على تحريضهما."
"ما أريد تأكيده هنا ان هذا التنكر، بالذات من دولة يضطر مواطنوها الى الاختيار المر بين لقمة الخبز أو الدواء، تجاه دولة توفر لمواطنيها كافة احتياجاتهم، هو تنكر، أقل ما يقال فيه بانه غير لائق"!

(انتهى)

كوبا:

الاسم الرسمي: الجمهورية الكوبية.
المساحة: 110860 كم مربع.
السكان: 11224321 (معطيات 2002).
التكاثر الطبيعي: 0.35% (معطيات 2002).
العاصمة: هافانا.
اللغة الرسمية: الاسبانية.
نسبة الفقراء: 0.
الموارد الاقتصادية: السياحة، التبغ، السكر، النيكل والقهوة.
تحررت كوبا من نظام الديكتاتور والعميل الامريكي، باتيستا، في شباط 1959، تتويجا للثورة الكوبية العارمة بقيادة فيدل كاسترو تشي جيفارا، واقيمت على الجزيرة الكوبية دولة ثورية ذات نظام شيوعي تقدمي.
العلاقة مع اسرائيل: كنّت اسرائيل العداء للثورة الكوبية، اسوة بولية نعمتها الامريكية، وقد فترت العلاقات بين الدولتين جراء عدوان 67 وقطعت نهائيا بعد حرب 73.


أمجد شبيطة
السبت 30/10/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع