الـــجـــبـــل



غزة28-10-2004وفــا- كتب المحرر السياسي لوكالة الأنباء الفلسطينية " وفا":

ما يزال الحديث يدور متضارباً حول صحة الرئيس ياسر عرفات، متراوحاً بين التمنيات الطيبة والتطمنيات المؤسسة على الأمل والحب والوفاء لهذا الرجل الزعيم الرمز، الذي ظل على امتداد المسيرة الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني الحديث، يملأ الدنيا ويشغل الناس، وبين التمنيات الخبيثة والمراهنة على تدهور يذهب أية غاية ولا يملك له أحد رداً.

ولأن الأخ أبو عمار رجل مؤمن وقدري وأن الأعمار بيد الله، فإن جبهته صافية ليس فوقها ما يشغلها أو يقلقها فيما تشتغل الجبهتان الأخريان: جبهة الشعب الذي أحبه دائماً وعشقه ومضى معه في مسيرات شكلت أحياناً سياجاً حامياً وفي أحيان أخرى شكلت انتصاراً له في الملمات والمحن، وكلما اشتد الخطب وتكاثف الإرهاب الإسرائيلي وأطبق الحصار.
أما الجبهة الثانية، فهي الأعداء والخصوم الذين يقلقهم ويقهرهم مجرد وجود الرجل الذي صدّ وما زال يصدّ كل الأخطار الفادحة المحيطة بمصير الشعب الفلسطيني والمتعلقة بثوابته الوطنية، ولعلنا أثناء هذه الجبهة لا نجانب الصواب حينما ندرج أصحاب الطموحات والمطامع، والذين تعلو مصالحهم على كل اعتبارات أخرى.
ولم يكن أبو عمار عابثاً عندما أطلق صرخته الشهيرة في بدايات الحصار، " يريدونني قتيلاً أو طريداً أو أسيراً، لا بل شهيداً شهيداً شهيداً….، بهذه العبارة الصرخة التاريخية يصبح توصيف إيمانه وقدريته تحصيل حاصل، لذلك فإنه أثار الأطراف كلها في جبهة الأعداء والخصوم وأن هذه الأطراف لم تستطع تحقيق فعل حاسم، فإن الرهان استقر على صحته التي ظل الحديث حولها يتراوح بين الاحتمال والقطع، والتي أصبحت مادة دسمة ومثاراً للشائعات وبالونات الاختبار.
ولقد قرأنا وسمعنا يوم أمس سيناريوات مختلفة عن صحة الرئيس متفائلة أحياناً ومتشائمة أخرى، حتى أن بعض هذه السيناريوات ذهبت حد تسليم الأمانة أو استردادها: لقد كانت هذه أحد أشرس البالونات التي أطلقوها، علّهم يظفرون بما يشفى غليلهم ويطفئ أحقادهم !
وفي كل مرة كنا نجري اتصالاتنا بمكتب الرئيس، نحاول الوقوف على ما هو حق وصواب، فليس هناك ما يمكن إخفاؤه ولو إلى حين في أمر يتعلق بزعيم في مثل ثقله، وفي كل مرة لم نكن نكتفي بما يتلقاه من ردود وإنما نشغِّل إحساسنا حتى آخر يقظته، لنحرر ما بين نبرة الصوت ونبرته، وفي كل مرة نخرج بانطباع بأن الوضع الصحي للرئيس لا يدعو لقلق، وإن كان يتطلب متابعة وعلاجاً وراحة هو في الأساس في حاجة لها منذ سنوات، وبخاصه سنوات هذا الحصار الإرهابي الإسرائيلي، الذي لم تخل آثاره من تلوث بيئي جعل مقره المحاصر في حاجة إلى الأوكسجين الذي هو عماد الحياة! مما اضطر الأطباء منذ زمن إلى تركيب آلات ضخ لهذا العنصر الأساس في مكتبه وغرفة نومه.
الكل قلق على حياة الرئيس، شعبه الذي يشعر أنه بحاجة إليه هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى، ورفاقه الذين عاصروه ورافقوه وعرفوا معه مذاق النصر ومرارة الخيبة وعهدوه قائداً ورمزاً قادراً وحكيماً وببعد نظر سياسي، يجعله مركز الحب وعنوان الوفاء.
والكل يتابع تطور حالته الصحية، ويصلي إلى الله في هذا الشهر الرمضاني الكريم أن يمن عليه بالشفاء، ولا يهم الذين يتمون له الاختفاء، فهؤلاء هم في الأساس أعداء الشعب الفلسطيني وخصومه، والذين يظنون أن غيابه يقدم لهم بديلاً، يسهل عليهم المهمة، ويزيح من أمامهم جبلاً، ثبت بكل المقاييس أنه لا تهزه ريح.


المحرر السياسي - وفا
الخميس 28/10/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع