النص الكامل للقاء الذي أجرته صحيفة العين مع سكرتير عام الجبهة عودة بشارات:
الجبهة تطرح نهجاً يعتمد وضع مصلحة الجماهير اساس مصلحة الجبهة

في لقاء شامل مع عودة بشارات، السكرتير العام للجبهة، عشية الذكرى الرابعة لهبة اكتوبر، حيث استشهد 13 من خيرة ابنائنا، وجدنا من الواجب اثارة العديد من الاسئلة االفكرية والسياسية التي تواجه جماهيرنا العربية.

عودة بشات هو سكرتير عام الجبهة منذ تموز 2002، وله تاريخ حافل بالعمل الجماهيري منذ ان كان رئيس اللجنة القطرية للطلاب الثانويين العرب، ورئيس لجنة الطلاب العرب في جامعة حيفا، وسكرتير عام الشبيبة الشيوعية، ورئيس تحرير الغد.

وما يميز عودة بشارت هو استعداده لابداء رأيه حتى وان ظهر ذلك مخالفا ًللاراء السائدة. وفي حينه اثار زوبعة حول موقفه المؤيد لمظاهرات الطلاب في الصين، وجعل من الغد منبراً للفكر المطالب بمزيد من الدمقراطية في الحركة الشيوعية.

اليوم بمواقفه يثير بشارات العديد من الاسئلة حول مجمل نضالنا ويطالب بقراءة جديدة تضع الامور في نصابها في المواجهة الفكرية مع المؤسسة الاسرائيلية.

وداخل الجبهة يطرح بشارات مواقف تثير الكثير من النقاش. حول هذه الامور التقته العين، والمادة التي بين ايديكم هي نتاج عدة جلسات اثرنا فيها العديد من القضايا الهامة ومن خلال اسئلة صعبة.

- "المنتفض"  ضد طريق الحل السلمي هو براك ومن "انتفض" على القانون هو الشرطة التي اقترقت مذبحة ضد شعبنا في اكتوبر 2000

- الجبهة لم تنتظر لجنة المتابعة من اجل اعلان حملة اغاثة قطرية الى رفح

- هنالك من يريحهم انتقاد لجنة المتابعة لتبرير قصورهم وعدم قدرتهم على التجنيد الجماهيري

- ولهذا كان التأييد والاحترام للحزب الشيوعي من مختلف الاوساط لأنه عرف كيف يحترم قدرة الناس على العطاء, وعرف كيف يحترم الوطنية الصادقة وأن ينتظر اللحظة المناسبة من أجل إطلاق طاقات هذا الشعب بأقل ما يمكن من خسائر

- بدون تفاؤل لا يمكن لحركة ثورية أن تنتصر. ماذا تقترح اليوم تيارات أخرى سوى المزيد من التقوقع والتعصب، واليأس؟ وماذا نقترح نحن: نقترح عالماً رحباً, إنسانياً متفائلاً, عالماً يجمع التقدميين على اساس احترام الواحد انتماء الاخر القومي والفكري

- المعلم القومي الأول الذي تم تنظيمه على المستوى القطري للجماهير العربية في اسرائيل وربما لمجمل الشعب الفلسطيني بعد نكبة شعبنا في العام 48 هو يوم الأرض الذي كان بدعوة وتنظيم الحزب الشيوعي

- الطروحات القومية بمواقفها الحزبية المحددة والضيقة لا يمكن أن تكون مهداً للقومية وحتى لا يمكن أن تكون  وداعية لها. إذا كان المقصود قومية مفصلة على  مقاس هذا الحزب أو ذك، كما هو الامر في عدة بلدان عربية فهذه هي سيطرة حزبية أكثر بكثير من اعتبارها اتجاه قومي

- فقط قوانين الغاب هي التي تفترض ان مصلحة شعب يجب ان تكون على حساب شعب آخر

- من الضروري التأكيد هنا أن قوة الحزب (والحركة الثورية) لا تكون فقط بمدى الانجازات التي تحققها على المستوى الانتخابي المحض, إنما تكون أيضاً بمدى انتشار أفكار هذا الحزب  وتبني هذه الافكار من قبل هيئات سياسية وإجتماعية

- عندما تكون المعلومات في حوزة الجميع ستنشأ هنالك قيادة من نوع اخر، قيادة واعية، وهذه القيادة قادرة أن تصحح نفسها، بسرعة أكبر وخسائر أقل

- الشعار هو المشاركة، ليس المساواة. المساواة هامة ولكنها من حيث الفعل خاملة، المشاركة هي العامل المنشّط، هي العامل المحفز. المشاركة تكون أولاً بتقاسم المعلومات. هل هو الطبع الانساني فقط؟ أم هنالك حاجة مادية لمشاركة الجميع في اي عمل أو في اية مبادرة من أجل انجاحها؟ عندما يأتي القرار من فوق، حتى وان كان صائباً، يغيب الحماس لدى تنفيذه، عندما يُتخذ القرار بمشاركتك، فلديك دوافع أخرى لتنفيذه؟ لماذا؟ لان القرار اصبح جزءاً منك، وانتهت حالة الاغتراب بينك وبين القرار.

- امتحان الجبهة هو في قدرتها على جذب كوادرها الى العمل الحزبي والجماهيري.

- يوجد وحد حال بين الجبهويين الحزبيين واللاحزبيين.

- في اطار القضية المتفق عليها، والموقف الجبهوي فيها واضح، هنالك مستجدات تطلب الرد اليومي، وهنا يمكن بل ومن الضروي أن ينشأ نقاش لدينا لاستيضاح المواقف. وهذا بالتالي ما يميز الموقف الجبهوي عن الاحزاب الاخرى

- التعددية في هذا الاطار لا تعني تعددية المبدأ بل هي الاجتهاد في قراءة الصورة بشكل صحيح وبالتالي اتخاذ الموقف الصحيح

- في الجبهة نسجل موقفاً ايجابياً من العديد من الجمعيات التي تنفذ دورها باخلاص في خدمة الاهداف التي وضعتها. ولكن هنالك جمعيات تقوم بدور اخر، بالاضافة للدور المعلن، وهو خدمة حزب سياسي بشكل سافر

- اليوم من حيث الواجبات، لا يختلف عضو الحزب عن اللاحزبي في الجبهة

- تاريخ الحزب الشيوعي المجيد ترك بصماته على نضال الجماهير العربية ولذلك كل طرح حول خطر موهوم  بالغاء هذا الحزب يمس بهيبة الحزب وبنضاله

- رفاق قياديون في المكتب السياسي الحالي للحزب الشيوعي تبنوا حتى فترة قريبة فكرة توحيد الاطارين- الجبهة والحزب.


• بعد فترة قصيرة سنحيي الذكرى الرابعة لاحداث اكتوبر، وهنالك انتقادات حول دور قيادة الجماهير العربية في اسرائيل تجاه هذه الاحداث؟

في بداية اكتوبر 2000 اعلنت الجماهير العربية في اسرائيل الاضراب الشامل تضامناً مع شعبها الفلسطيني في مواجهة المذبحة التي تمت في الاقصى الشريف، وذلك بعد يومين فقط من "زيارة" شارون الاستفزازية لها. ويجب الاشارة هنا الى الخطوة الاستثنائية للرئيس عرفات بزيارته الى كوخاف يئير لتحذير براك من مغبة زياة شارون. ومن المهم الانتباه، ان الزيارة هي زيارة شارون والعنف الذي حذر "المحللون" منه كان عنف براك. براك حذر من موجة العنف الفلسطيني، بينما هو الذي بدأ بموجة عاتية من العنف، وفيما بعد تم قتل اكثر من مئة فلسطيني اعزل من السلاح، دون ان تقع اية ضحية في الجانب الاسرئيلي.

اي اذا قمنا بوضع "التهويش" الاسرائيلي جانباً وتجاهلنا الاعلام العربي المتشح بالفخامة والكلمات الكبيرة، فان "المنتفض"  على طريق الحل السلمي هي اسرائيل وبراك، وانذاك قام براك، وتحت غطاء ان عرفات رفض اقتراح السلام الاسرائيلي، بموبقات لم يجرؤ احد على القيام بها، ولهذا نحن بحاجة لقراءة موضوعية للاحداث، من اجل وضع الامور في نصابها. وفقط للتدليل على العبث في تقييم الاحداث من قبل الجانب العربي، فقد تبجح براك ان خلال الاشهر الستة الاولى للانتفاضة قُتل 400 فلسطيني مقابل 39 اسرائيلياً ولذلك من الجدير التساؤل اليوم من "انتفض" على الاخر: الجيش الاسرائيلي المدجج بالسلاح من قمة الرأس حتّى اخمص القدمين، ام الشعب الفلسطيني الاعزل الا من صوته وحقه بالتظاهر والاحتجاج.   

• ونعود للجماهير العربية؟

الامر لا يختلف من حيث الجوهر، الجماهير العربية وقيادتها لم تعلن انتفاضة. قيادة الجماهير العربية اعلنت الاضراب العام الذي سمّي لاحقاً "يوم القدس والاقصى"،  وقيادة الجماهيرالعربية قررت اجراء مسيرات سلمية، في اطار القانون، للتعبير عن غضبها على الاقتحام الاستفزازي للاقصى الشريف وبسبب الجريمة المروعة التي ارتكبت غداة الزيارة، وفي اليوم التالي استشهاد الطفل البريء محمد الدرة بشكل مروع اثار غضب انساني عارم.

وما جرى لدينا، في الناصرة وسخنين وعرابة وام الفحم وكفرمندا وغيرها، هو عدوان بوليسي ارعن غير مسبوق منذ يوم الارض في العام 76. لا توجد حادثة واحدة كان فيها شرطي او جندي حرس حدود في موضع الخطر او الدفاع عن النفس. كل عمليات القنص جرت بدم بارد، وعن بعد. وهذا الامر اشارت اليه لجنة اور وبشكل واضح. واتضح، وهذه هي الحقيقة ان الجماهير العربية تصرفت بما يتوافق والقانون، وحيث كانت تجاوزات وهذه التجاوزات تحدث في كل عمل جماهيري، اذا كانت بين العرب او اليهود، كان من الممكن علاج هذه التجاوزات بطرق سلمية ولم تكن هناك حاجة لاستعمال الرصاص.

اذاً هنا ايضاً من "انتفض" على القانون هو الشرطة التي اقترقت مذبحة ضد شعبنا ومن هنا، ومن اليوم الاول كان موقفنا في الجبهة مطالباً باقامة لجنة تحقيق رسمية، وباعتقادنا ان تقرير هذه اللجنة، مع رفضنا لعدد من استنتاجاته، هو ادانة لسياسة حكام اسرائيل، وهذا لتقرير هو سلاح بأيدنيا في المحاكم وفي النضال الجماهيري والبرلماني للحصول على حقوقنا.

• وماذا مع مواقف القيادات العربية؟

نحن منذ اليوم الاول اشرنا الى ان ما حدث لم يكن نتيجة زيادة "فَلَسطنة" الجماهير العربية، كما حاول البعض اقناعنا. قلنا ان الحديث بهذا الشكل هو اهانة للجماهير ووطنيتها وانتمائها. ورفضنا منذ اليوم الاول الحديث عن "الصعود درجة" في سلم التطرف العربي، كما روج الاعلام العبري المجند لتبييض صفحة اليك رون وغيره.  
  وارتفعت اصوات "فخمة"، حاولت تصنيف الانتماء الفئوي لضحايا العدوان البوليسي الاجرامي، وكأننا في ساحة وغى او كأن هناك تكافؤاً بين المتظاهر الاعزل وبين الجندي المدجج بالسلاح. وهنالك "من طاش على نقطة ماء" وطالب بقوات ردع دولية، وهنلك من صال وجال في الفضائيات وغاب عن الساحة الفعلية تماماً.

الجبهة بحضورها الميداني وبمواقفها وبادبياتها، من خلال قياداتها ونوابها وضعت الامور في نصابها، من حيث كشف ما جرى بانه عدوان بوليسي اجرامي على شعب اعزل، وكان لنا الدور الهام في كشف موبقات السلطة. وقلنا ان نضالنا لم يبدأ اليوم. كانت لنا ايام نضالية: في المظاهرات الصاخبة في اعقاب صبرا وشاتيلا وكانت تلك المظاهرات اعنف واقسى، وكنا في مظاهرات صاخبة وعنيفة في اعقاب مجزرة الاقصى المروعة حيث سقط 20 شهيداً وكنا في المظاهرات الصاخبة وكنا ايضاً امام اعمال غير مسؤولة من حرق متاجر وبنوك، في اعقاب مجزرة ريشون لتسيون، ولم تقع ضحايا، ولذلك من الواضح ان في اكتوبر 2000، كما هو الحال في المناطق الفلسطينية كان هنالك قرار سياسي وليس عسكرياً فقط، بانزال ضربة قاسية بالجماهير العربية، ومن المؤسف ان لجنة اور لم تتوصل الى هذه النتيجة، وهذا الامر احد مآخذنا على اللجنة بالرغم من اهمية قراراتها الاخرى.

• ولكن منذ ذلك الوقت لم يتم تغيير بما يتناسب والتحديات المطروحة؟

نحن عملنا بشكل منهجي على اساس فضح الممارسات السلطوية وفضح الجريمة المدبرة جيداً في اكتوبر، ومن هنا كان مطلبنا المنهجي باقامة لجنة تحقيق رسمية، وانا اعتقد ان  تقرير اور وضع الامور في نصابها من خلال انتقاد غير مسبوق لعمل الشرطة، ومن خلال وضع اللوم على الحكومات المتعاقبة التي انتهجت سياسة تمييز ايضاً في قضية الاراضي وغير ذلك.
في المقابل نحن ننتهج توجهاً سياسياً يخاطب الشارع اليهودي، ويحاول منع عزل نضالنا من قبل اليمين ووصم هذا النضال بالتطرف والعداء لليهود.

• مع الاهمية لتقرير لجنة اور، لكن لم يتم حتى الان تنفيذ اي قرار؟

هذا صحيح. ومن يعتقد ان اصدار تقرير لجنة اور سيعني تلبية كافة مطالبنا هو مخطىء. تقرير اور هو نقطة اخرى هامة ونوعية اكتسبناها في مواجهتنا الشاملة مع السلطة، ونضالنا ضد سياسة التمييز لن ينتهي بضربة واحدة، هو نضال طويل، يتطلب النضال المتواصل، وهذا هو الامتحان الان من اجل تنفيذ قرارات اور.

• ولكن ماذا مع اداء لجنة المتابعة؟

لجنة المتابعة تقوم بدور بالغ الاهمية في رسم سياسة الجماهير العربية في البلاد، وهنا لا بد من وضع الامور في نصابها، لجنة المتابعة ليست حزباً وليست جمعية مهنية في هذا الموضوع او ذك. لجنة المتابعة هي اطار يضع موقف الجماهير العربية في البلاد في القضايا المختلفة. وقيادة اللجنة تتحمل مسؤولية كبيرة في طرح موقف صحيح للجماهير العربية، موقف يضع مطالبها بكل قوة وبدون تأتأة في مختلف القضايا المدنية والقومية، ومن جهة اخرى موقف قادر على استثمار كل امكانية متاحة، في الظرف السياسي الصعب الذي نعيشه لصالح جماهيرنا. وهكذا فقد شهدنا مثلاً الموقف الواضح بضروة اقامة لجنة تحقيق رسمية في جرائم الشرطة في يوم القدس والاقصى، وفي المقابل الموقف الحاسم وغير المتهادن في رفض لجنة لبيد.

اليوم لجنة المتابعة من خلال دراساتها الجدية ومن خلال مواقفها هي عنوان للجماهير العربية وهي عنوان تضطر السلطة ان تتعامل معه عند مخاطبتها للجماهير العربية، وهذا الامر هو انجاز كبير للجماهير العربية ولوحدتها.
من يريد ان يفهم لجنة المتابعة ذات الامكانيات المادية الضئيلة جداً وكأنها هي التي ستنظم المظاهرات والاعتصامات والاضرابات، لا يصيب كبد الحقيقة ويظلم اللجنة. اللجنة تضع السياسة العامة ووظيفة الاحزاب والجمعيات واللجان الشعبية ان تقوم بدورها، وان لا تنتظر الاشارة من فوق.

الجبهة لم تنتظر لجنة المتابعة من اجل اعلان حملة اغاثة قطرية الى رفح. الجبهة لم تنتظر لجنة المتابعة من اجل اقامة سلسلة من الفعاليات تضامناً مع اضراب السجناء السياسيين، الجبهة لم تنتظر المتابعة من اجل خوض نضالات اجتماعية وسياسية. هنالك من يريحهم انتقاد لجنة المتابعة لتبرير قصورهم وعدم قدرتهم على التجنيد الجماهير.

• ماذا يميز الجبهة عن الاخرين في الموقف من القضية الفلسطينية؟

لا شك ان هنالك ثوابت اساسية يتبناها الجميع وهي بالاساس موقف الحزب الشيوعي وخاصة في حق تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة وحل عادل لقضية اللاجئين. ولكن هنالك الممارسة السياسية المميزة للجبهة في دفع قيادة الشعب الفسطيني نحو مواقف واقعية نستطيع من خلالها تحقيق اهدافه العادلة.

اليوم بعد 4 سنوات على الانتفاضة يتضح ما قلناه ان انتظار الفرج من العالم العربي، بالرغم من التعاطف مع قضية الشعب الفلسطيني، هو امر غير واقعي، ولا طريق امام الشعب الفسطيني سوى الاعتماد على نضاله العادل، نضال يستطيع من خلاله كسب التعاطف الدولي، وان يبتعد عن ممارسات لا تجلب له سوى نفور الرأي العام العالمي والاسرائيلي، وفي المقابل نرى ان العامل الثاني في المعادلة هو العمل الحثيث من اجل احداث تغيير داخل الرأي العام الاسرائيلي لصالح مواقف سلامية باتجاه الحل العادل.
ونقوم بهذا التوجه بكل قوة، من خلال تحذيرنا منذ اليوم الاول من الاعمال الانتحارية التي رفضناها واعتبرناها مسيئة وتجلب النتائج المأساوية لنضال هذا الشعب العادل. في المقابل دعمنا بكل قوة اي توجه فلسطيني باتجاه تقويض جبهة الرفض الاسرائيلية امام شعبها.

• بعد سنتين كيف يمكن ان تقيم عمل الجبهة؟

انا اعتقد ان ما تم خلال السنتين الماضيتين هو استمرار لنشاطاننا وابداعنا في الفترة السابقة، ولذلك كل تقدم في عملنا الجبهوي هو نتيجة العمل الجماعي المميز للجبهة من قبل كافة الجبهويين.
خلال هذه الفترة تم تقديم موعد الانتخابات للكنيست، مع كل الجو العاصف الذي جرت فيه هذه الانتخابات، وبعد ذلك بعدة شهور دخلنا انتخابات السلطات المحلية. وهذا امتحانان كبيران جداً، وبرأيي ان الجبهة خلال هذه الفترة حققت انجازات كبيرة.

وبالرغم من عدم حصولنا على المقعد الرابع، فقد حصلنا على 30% من اصوات الناخبين العرب، واصبحنا القوة الاولى في الشارع العربي، بعد ان كانت نسبتنا 21%. في المقابل تعزز التمثيل الجبوي بقوة في المجالس المحلية، حيث اصبحنا في قيادة 9 مجالس محلية (منها ثلاث مدن) بالاضافة الى المجالس التي نشارك في قيادتها. (وهذه الزيادة اتت بعد 20 عاماً من التراجع في العمل المحلي).

انا اعتقد ان سبب هذا التقدم هو نهجنا الجبهوي الداعي الى اوسع التحالفات، ومن جهة اقتناع اوساط اوسع واوسع من الناس، بعد ان جربت، ان خط الجبهة ومناخها هو الطريق الاسلم لتحقيق المكاسب.  والاهم ان الناس بحسها الوطني تدرك المسؤولية الكبيرة التي تقوم الجبهة بموجبها بدورها السياسية، وكما قال رئيس الجبهة، محمد بركة، انها قيادة تضع المواقف والسياسة "لتحمي الناس" لا مواقف وساسة " تحتمي بالناس". 

• هنالك انتقاد حول التحالفات التي تقومون بها ؟

اولاً دعنا نحدد الموقف المبدئي الذي انتهجه الحزب الشيوعي والجبهة وهو مثبت في الادبيات الماركسية واساسه، اننا لا نستطيع ان نصل الى المراكز القيادية في المجتمع دون اقامة تحالفات. وهذه التحالفات تعني في نهاية الامر ان قوى ذات منطلقات فكرية مختلفة تلتقي حول نقاط مشتركة، وكل من هذه القوى يجب ان يكون اميناً للمواقف المتفق عليها، وفي المقابل ان يحافظ على استقلاليته التنظيمية ومواقفه في القضايا غير المختلف عليها.  لا يمكن فهم التحالف على اساس ذوبان احد الاطراف في الاخر. هذا ليس تحالفاً.
وهذا الامر هو اساس الفكر الجبهوي. وهذا الامر نفعله بكل قوة ومبدئية من خلال التقائنا مع حركات سياسية واجتماعية في الشارع اليهودي، وعشية الانتخابات السابقة اجرينا عدة جولات من المفاوضات مع حركات سياسية وشخصيات يهودية من اجل اقامة تحالف، وللا سف كان الهدف لدى البعض من اجراء المفاوضات معنا هو "رفع السعر" لدى اطراف اخرى، وآخرون ونتيجة الاجواء المعادية للعرب، ابتعدوا عنا، وهنالك من كان همهم فقط قضايا اجتماعية وبيئية محددة ورفضوا ان "يُزج" بنشاطهم في قوائم سياسة، بسبب الرد السلبي من قبل ناخبيهم.
بطبيعة الحال هذا الامر تم من خلال قناعة تامة منا بضرورة ان تكون الجبهة البديل لليسار الصهيوني، الذي يحن للحضن الدافىء للاجماع القومي.

بين الجماهير العربية تحظى الجبهة بمكانة مرموقة وبرصيد كبير من الاحترام وبمصداقية عالية. ونحن في الجبهة بصفتنا تيار دمقراطي وطني رافض للتقوقع وللانعزال القومي، رافض للتعصب الطائفي وللحركات الاصولية، واجبنا نحن في خضم المعركة على وجه الجماهير العربية ان ننشىء اوسع التحالفات من اجل صيانة وجه دمقراطي وطني لهذه الجماهير. هذا الف باء العمل السياسي، لا يمكن لحركة سياسية مسؤولة ان تتصرف بضيق افق، نحن في معركة على وجه ووجهة الجماهير العربية، وباعتقادنا ان من واجبنا التحالف مع كل قوة توافقنا هذا التوجه.
من جهة اخرى سيبقى كل حديث عن استعدادنا للتحالفات فارغ من المضمون اذا لم نقم بترجمة ذلك الى ارض الواقع، من خلال المعطيات الموجودة على ارض الواقع...

المعارضون يقولون مثلاً ان الطيبي لا يملك القاعدة الشعبية؟

اولاً من حيث الحقائق فهذا التحالف مع العربية للتغيير، هو الان القوة الاولى بين الجماهير العربية، وكما ذكرت فقد حققنا نسبة 30% من الاصوات، مع فارق كبير، بالاصوات،  مع القائمة التي تلينا- التجمع.
من جهة اخرى فحين اقمنا هذا التحالف، كان همنا ايضاً منع بعثرة الاصوات العربية التي تصب موضوعياً في خانة التصدي لليمين، ويمكن تقدير الخسارة الفادحة التي تسببت للنضال الدمقراطي اليهودي العربي بسبب ضياع اكثر من عشرين الف صوت ذهبت الى قائمة لم تنجح. اننا نتحمل مسؤولية كبيرة ايضاً في موضوع استثمار وزن الجماهير العربية في صالح النضال الدمقراطي في اسرائيل.
في عدد كبير من الفروع ارتفعنا بنسب عالية جداً، وحتى في اماكن لم نكن نحصل فيها الا على نسبة منخفضة.
الامر الهام الذي تجدر الاشارة اليه ان بهذه النسبة من الاصوات التي حصلنا عليها، حصلت الموحدة في الدورة الماضية على 5 مقاعد، ولكن للاسف فنتيجة الاجواء الانتخابية التي اكدت صعود اليمين، فقد تراجعت نسبة المصوتين العرب وهذا الامر اسفر للاسف على اضعاف وزن الجماهير العربية بمجملها، وفقط بضع مئات من الاصوات فصلتنا عن المقعد الرابع.

ونعود للتحالف، فلا يمكن الاعلان عن تأييد التحالفات وتأييد شعار اوسع وحدة صف ولدى الترجمة الفعلية لهذه المواقف يتم اتخاذ موقف سلبي. من يقول ان الطيبي لا يملك قاعدة شعبية وبالتالي لا يمكن التحالف معه، يمكن ان يقول اشياء اخرى عن اي حليف ممكن اخر وبالتالي اجهاض اي تحالف. هل تحالفنا مع شارلي بيطون كان "ام التحالفات"؟ هل تحالفنا مع التجمع في ال96 كان هو التحالف المثالي، حيث شهدنا غداة الانتخابات مواقف معادية للجبهة؟ اذا كان الطيبي لا ينفع للتحالف، واذا هذا الحزب او ذك لا ينفع. اذن مع من نتحالف؟

أعرف أن هنالك من يسعى بكل قوة لتفكيك هذا التحالف، ويريد أن يجعل منه لحظة عابرة. وهذا الأمر هو خطير لعملنا المشترك، والحديث حول القاعدة الجماهيرية مستقى من طروحات مغرضة. ولا أعرف ما هي القاعدة الجماهيرية لأصحاب هذا الطرح. هل هي القاعدة الجماهيرية أم هي شاشات الفضائيات. على كل حال - نحن نعتزبهذا التحالف الذي أثبت أهليته في الانتخابات الأخيرة.

من جهة اخرى، اننا نرى ان هذا التحالف  في الكنيست يتم بصورة جيدة من حيث تنسيق العمل ومن حيث نشاط كتلتنا وادائها، وكتلتنا هي من انشط الكتل البرلمانية واكثرها حضوراً، وقبل ان نتحالف مع العربية للتغيير كان هنالك تنسيق وعمل مشترك، وعلينا توطيد هذا التحالف وتوسيع رقعته.
وبالنسبة لنتائج لانتخابات فلا يمكن اخفاء الحقيقة بالغة الاهمية ان تلفزيون دولة عربية- المستقبل- بكل ما يحمل من تأثير وحضور كان متجنداً لصالح قائمة "التجمع"..

الا تعتقد ان هذا الامر هو محاولة للتقليل من شأن انجاز التجمع؟

انا اضع حقائق من الجدير مناقشتها. عشية الانتخابات الاخيرة قام رئيس لجنة الانتخابات، القاضي ميشيل حيشين، بسابقة لم يشهدها التلفزيون الاسرائيلي في تاريخه، حين قطع البث المباشر عن مؤتمر صحفي اقامه رئيس وزراء اسرائيل، وهو الرجل المتحكم في اضخم جيش في الشرق الاوسط، والرابع او الخامس في العالم، وفعل حيشين ذلك لأن شارون انتقل، في هذا المؤتمر الصحفي، الى الدعاية الحزبية المباشرة، بشكل خالف القانون.
لو ما جرى لنا عشية الانتخابات مع حزب التجمع، كان قد جرى لحزب الليكود او حزب العمل او الاحزاب الروسية لقامت الدنيا ولم تقعد، بسبب هذه الصفاقة- التدخل الخارجي، وبسبب ساعات البث، وليست دقائق البث، التي منحت له. ماذا يمكن القول عن منح 4 ساعات ذهبية "سولو" لعزمي بشارة في تلفزيون المستقبل، خلال مقابلتي بلاط مع زاهي وهبة في برنامج "خليك بالبيت"؟ هذا عدا عن عشرات مقاطع "البرومو" قبيل البرنامج. وعندما لم يكفِ التجمع ذلك وزيادة في الاقناع، بات الجمهور العربي في اسرائيل، في ليلة الانتخابات ذاتها، على وجوه مرشحي التجمع وهي تحتل شاشة قناة "المستقبل"، وعندما ذهب الناخبون الى صناديق الاقتراع، لم تفارق اذهانهم صور هؤلاء المرشحين. فهل يمكن يمكن الاستهانة بذلك؟

ولكن الا تعتقد ان ما جرى اضر العمل اليهودي العربي، احد اهم اسس العمل الجبهوي؟

هنالك نظرة خاطئة حول مفهوم العمل اليهودي العربي المشترك.
اولاً من مصلحة الشارع اليهودي الدمقراطي، بالذات، ومن مصلحة النضال الدمقراطي اليهودي العربي ان يكون وجه الاقلية المضطهدة وجهاً دمقراطياً.
ومن جهة اخرى كل دمقراطي يهودي وكل اممي في العالم يجب ان يشجع وحدة الجماهير المضطهدة.
لا يمكن للاممي الحقيقي ان يقف موقفاً سلبياً من وحدة الجماهير المضطهدة، هذا هو الف باء الموقف الماركسي، فكم بالحري اذا كانت هذه الوحدة هي وحدة على اسس دمقراطية تقدمية مناوئة للانغلاق والتعصب القومي والديني والطائفي.
وثانياً اذا كان المقصود بالاخوة اليهودية العربية هو الامر الشكلي فهذا الامر لا يمكن لنا القبول به. محمد بركة يمثل الجبهويين اليهود، بالضبط كما يمثل ايلان بابي الجبهويين العرب.
وثالثاً، ممنوع ان يكون العمل اليهودي العربي المشترك عائقاً امام توسيع رقعة تأثيرنا في الشارع العربي او في الشارع اليهودي، واذا اتجهنا للتقوقع، والى اقامة توازنات، فهذا الامر مخالف للتوجه الثوري، من يريد ان ينضم الينا على اسس مشتركة نرحب به، اذا كان في الشارع العربي ام الشارع اليهودي.

ولكن الا تعتقد ان عدم وضع شخصيات يهودية في مكان متقدم ادى الى التراجع في الشاع اليهودي؟

لنضع الامور في نصابها، لا يمكن الحديث بأي شكل من الاشكال ان السبب هو عدم اشغال الرفاق اليهود مواقع قيادية في الجبهة في الكنيست والهستدروت. حتى سنة 1992 كان هنالك عضوا كنيست يهود (فلنر وبيطون) من 4 اعضاء كنيست- في المكان الاول والثالث- (وشارلي بيطون قبل توفيق زياد)، ومع ذلك لم يحدث "الاختراق" المنشود للشارع اليهودي. وحتى الدورة الاخيرة في الهستدروت كان بنيامين غونين رئيس قائمة الجبهة. وعندما نختار المرشحين فالمرشد لدينا وليس الانتماءالاقومي.
السبب الاساسي لعدم توسعنا هو حالة القطيعة بين الشعبين، هذه  الحالة التي تنمو على خلفية الحرب والاحتلال والاضطهاد.

الان حول الجبهة، الا تعتقد ان هنالك حاجة للتفكير في عملكم وخاصة ان الجبهة ما زالت على نفس قوتها منذ سنوات طويلة؟

قوة الجبهة تكمن في أنها استطاعت التواصل والاستمرار خلال عشرات كثيرة من السنين، وهذا الامر يعكس صلابة الفكر الوطني التقدمي المتنور المنحاز للجماهير الشعبية، ويعكس تجذره في أوساط جماهيرنا.
ولذلك حين يُطرح من حين لآخر التساؤل عن نجاح بعض الحركات الفتية بالحصول على انجازات انتخابية مقابل الجبهة التي نسبة لعمرها وتاريخها الطويل يجب أن تحصل على نسب مضاعفة، أمام ذلك يجب القول ان الانجاز الحقيقي هو باستطاعة هذا الجسم صاحب الرؤية المبدئية ان يصمد ويتواصل طوال هذه السنين، أمام الكثير من المتغيرات التي يشهدها كل مجتمع.
هذا النضال جعل من الجبهة القوة المركزية بين الجماهير العربية، قوة متنورة، دمقراطية، رافضة للتعصب القومي والديني. لا توجد مجموعة سكانية في العالم العربي ذات موقف تقدمي اجتماعي سياسي كما هو الحال لدى الجماهير العربية.

ما هو برأيك سبب ذلك؟

هنالك الكثير من الامور التي تميز الجبهة وتفسر سبب قدرتها على الاستمرار: الجبهة تطرح فكراً واضحاً يعتمد وضع مصلحة الجماهير اساس مصلحة الجبهة، واذا كان هنالك تناقض بين مصلحة الكفاح وبين المصلحة الانية للحركة الثورية، فهو تناقض اني لأن اتخاذ الموقف الصحيح، في نهاية الامر، هو رصيد الحركة الثورية حتى وان كلف الحركة الوطنية آنياً فقدان بعض الشعبية.
في العام 48 وبالرغم من الرفض الجماهيري لقرار التقسيم وبالرغم من العزلة الجماهيرية المفروضة على مؤيدي قرار التقسيم لم يتردد الشيوعيون الفلسطينيون أن يُبدوا تأييدهم لقرار التقسيم، لادراكهم بالمؤامرة الكبرى المحاكة ضد الشعب الفلسطيني.
كان يمكن للشيوعيين أن يتخذوا موقفاً مغايراً وأن لا يتكلفوا هذه المعاناة والسباحة عكس التيار. ولذلك في عملية الاختيار بين مصلحة الحزب الانية برفض التقسيم وبين مصلحة الجماهير بالموافقة على التقسيم اختار الشيوعيون الموقف الصحيح المكلَف على المدى الآني القصير، ولكنهم كسبوا المصداقية خلال عشرات السنين فيما بعد.

هذا الامر جزء من التاريخ..؟

نعم، ولكنني احاول ان اشرح سبب رسوخ هذا الفكر بين جماهيرنا، وفي هذا الاطار من المهم التأكيد ان قوة الجبهة, وقبل ذلك الحزب الشيوعي, نتج عن أنها طرحت نهجاً فكرياً مرتبطاً بالعمل, واساس هذا النهج هو موقف ثوري رافض للظلم ولكنه, مؤمن حتى النخاع بقدرة الجماهير. ولذلك كان النهج الجبهوي شجاعاً وجريئاً وكان واقعياً حتى النهاية. وفي الأيام التي كان الحزب يحصل فيها على عدة أصوات في هذه البلدة أو تلك لم يفقده ذلك ولو للحظة واحدة الثقة بالجماهير, وفي أحيان كثيرة تعلم من الجماهير وفهم أشكال نضال الجماهير,  وقدّر في كل مراحل نضاله أن لا يحمّل الجماهير فوق طاقتها وبما هي غير مستعدة له.
ولهذا كان التأييد والاحترام للحزب من مختلف الاوساط لأنه عرف كيف يحترم قدرة الناس على العطاء, وعرف كيف يحترم الوطنية الصادقة وأن ينتظر اللحظة المناسبة من أجل إطلاق طاقات هذا الشعب بأقل ما يمكن من خسائر. هذا الأمر دفع بالجماهير أن تثق في قدرة هذا النهج على صقل الوعي النضالي التقدمي لأبنائهم دون إيقاعهم في مطبات ومواقف تقود, هكذا ببلاش, لأفعال تضر بقضيتنا العادلة.

والأمرالثاني الذي لا يقل أهمية أن الحزب الشيوعي ارتبط في تلك الايام بحركة ثورية طرحت أفقاً متفائلاً,  وبدون تفاؤل لا يمكن لحركة ثورية أن تنتصر. ماذا تقترح اليوم تيارات أخرى سوى المزيد من التقوقع والتعصب، واليأس. وماذا نقترح نحن: نقترح عالماً رحباً, إنسانياً متفائلاً, عالماً يجمع الوطنيين والتقدميين على اساس احترام الواحد انتماء الاخر القومي والفكري والايدلوجي.

يوجد في الجبهة شخصيات, على مستوى البلدة وعلى مستوى المنطقة, وهؤلاء اكتسبوا ثقة الجماهير من خلال معارك ومواقف جريئة، ومن خلال نهج حياة متواضع ومستقيم. من الضروري احترام مسيرة هذه القوى ومن الضروري أن نهيىء ظروفنا وتنظيمنا من أجل أن تتسع الجبهة لهذه الشخصيات الأصيلة لكي تدفع بمجمل عملنا إلى الأمام. 

الطروحات التي المطروحة اليوم من قبل حزب التجمع تطرح تحدياً على الجبهة في ايجاد الاجوبة الفكرية لذلك، وخاصة في مسألة "دولة كل مواطنيها"؟

من الضروري وضع الامور في نصابها. فالحزب الشيوعي منذ البداية طرح الموقف المبدئي الصحيح في هذه المسألة: الحقوق القومية والمدنية للجماهير العربية في اسرائيل.
هذا الامر من المهم عرضه اليوم, لأن هنالك طروحات قد تظهر وكأنها متقدمة عن الطرح الجبهوي ولكنها في حقيقة الامر فهي ربما تكون مغلفة جيداً ولكن في مضمونها متخلفة أكثر بكثير من طرحنا من حيث الإلمام بأمرين أساسيين الاول هو أن الجماهير العربية هي أقلية قومية ومن الضروري الاعتراف بها والتعامل معها وفق ذلك،  والأمر الثاني كونها مواطنة في دولة اسرائيل وتناضل من اجل الحقوق المدنية.

لا توجد مؤسسة قومية جدية بين الجماهير العربية الا وكان الحزب الشيوعي المبادر أو من المبادرين لتأسيسها، من مؤتمر الجبهة الشعبية في نهاية الخمسينات الى لجنة الدفاع عن الاراضي الى تحويل لجنة الرؤساء لتنظيم وطني يعالج القضايا اليومية للجماهير العربية في اسرائيل. وبالطبع نذكر جميعاً المؤتمر المحظور في العام 80.
يكفي ان نشير الى ان المعلم القومي الأول الذي تم تنظيمه على المستوى القطري للجماهير العربية في اسرائيل وربما لمجمل الشعب الفلسطيني بعد نكبة شعبنا في العام 48 هو يوم الأرض. في يوم الارض دعا الحزب الشيوعي الجماهير العربية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة وبلدات الساحل، ان تعلن الاضراب العام احتجاجاً على مصادرة الاراضي.

اين هو طرح "دولة كل المواطنين" اليوم؟  لماذا لم نعد نسمع به في السنوات الاخيرة. هل كان شعاراً انتخابياً ام هو موقف استراتيجي؟. اليوم برنامج الجبهة هو القاعدة الصلبة التي ترتكز عليه الجماهير العربية، من اجل السلام والمساواة والعدالة الاجتماعية.

كيف لكم ان تردوا على "الطرح القومي للتجمع"؟

ومن الضروري حين مناقشة ما يسمى "الطرح القومي" وضع الامور في نصابها، فالطرح القومي لا يعني بأي حال  الطرح الحزبي. هنالك النظرة المصلحجية، في رؤية مصلحة وتصرف الشعب بما يتوافق مع المصلحة الحزبية الضيقة لهذا الحزب أو ذك.
الطرح القومي في المعنى الصحيح يجب أن يكون طرحاً واسعاً. ولكن إذا كان القصد من هذا الطرح هو استثناء هذه المجموعة أو تلك يكون الطرح أنذاك مغرقاً في الفئوية وفي السطر الاخير يكون طرحاً معادياً للقومية ومعادياً للجماهير التي ينوي هذا الحزب خدمة مصالحها.

الطروحات القومية بمواقفها الحزبية المحددة والضيقة لا يمكن أن تكون مهداً للقومية وحتى لا يمكن أن تكون  وداعية لها. إذا كان المقصود قومية مفصلة على  مقاس هذا الحزب أو ذك، كما هو الامر في عدة بلدان عربية فهذه هي سيطرة حزبية أكثر بكثير من اعتبارها اتجاه قومي. حزب البعث مهما تغنى بالقومية فهو لا يستطيع أن يتحدث عن تمثيله للقومية وإلا أصبحت القومية، في نهاية الأمر، مقتصرة أو متجسدة في حزب البعث الذي لا يسمح لأية حركة سياسية اخرى بالعمل.

يجب التعامل مع القضية القومية أو ما يُسمّى الطرح القومي بالمعنى الواسع للكلمة, والجبهة في ممارستها تطبق ذلك. الجبهة لا تدعي انها الاطار الوطني الوحيد  والفهم الوطني الشمولي يكون باحترام التيارات السياسية والفكرية في المجمتع. والمعركة الحقيقية هي بيننا وبين السلطة واحزابها ومؤسساتها، وفي العمل على إقناع الاتجاهات السياسية -على مستوى الحركات السياسية والاجتماعية وعلى المستوى الفردي- أن مكانهم مع شعبهم ومع أنصار السلام والديمقراطية بين اليهود,  وكلما كان المناخ اكثر ديمقراطية بين الحركات السياسية لدى جماهيرنا, وكلما تغلبت لغة الحوار على لغة "الاستفراد"  بالوطنية والقومية, وكلما كان المناخ العام أقل تشنجاً  وكلما ازدادات الامكانيات على إدارة الحوار, مهما كان صعباً... كلما كان الأمر كذلك يمكن الحديث آنذاك عن وحدة وطنية أو قومية في اطار كفاحي تقدمي.
ولذلك عند وضع الأمور في نصابها الصحيح فالقومية هي المبتدأ في الجملة, وهذا المبتدأ يتطلب الخبر. فإذا كان البعض قد اكتشف حديثاً أنه فلسطيني فمبروك عليه هذا الاكتشاف, لأننا جميعاً فلسطينيون, لدينا اليميني واليساري, والمطلوب الان بعد ذكر الحقيقة المتفق عليها أن  نذكر الخبر: والخبر في الجملة هو الأمر المفيد: هل أنت قومي تقدمي, قومي إشتراكي, قومي لبرالي، قومي يساري..؟ هذا هو السؤال. لأن هنالك الكثير ممن تغنوا بالقومية وباعوا بلادهم في أول سوق للنخاسة, وهنالك قوميون, من شدة قوميتهم قادوا شعوبهم لحافة الجوع أو للجوع نفسه.
ألجبهة هي اطار يجمع الوطنيين التقدميين, والجبهة منحازة للمظلومين بين الشعبين  وتعمل على تجنيد أوسع القوى السياسية الاجتماعية من أجل تحقيق  حقوق الجماهير العربية ومن اجل العدالة الاجتماعية للجماهير العبية واليهودية في البلاد.

وكيف من الممكن الحديث في هذا الاطار عن الوحدة  الدمقراطية اليهودية العربية؟

فقط قوانين الغاب هي التي تفترض ان مصلحة شعب يجب ان تكون على حساب شعب آخر. ومن جهة اخرى فهذا الطرح المنغلق يعني استمرار الصراع حتى يُخضع طرف الطرف الاخر، ولذلك فالنضال والعمل اليهودي العربي بالنسبة للجبهة ليس موقفاً لحظياً تقتضيه المرحلة الراهنة بل هو موقف استراتيجي.
وفي ظروف التمييز القومي الذي تواجهه الجماهير العربية في اسرائيل، في ظروف تعمق الشوفينية وانتهاج اوساط متنفذة منحى الابرتهايد، هنالك حاجة لتعميق هذه الوحدة اليهودية العربية، لأن هذه الاتجاهات المعادية للعرب تمس في نهاية الامر بالجماهير اليهودية.
تبني هذا الاتجاه، فقط في فترة الازمات من قبل اوساط سياسية في الشارع العربي، يؤكد مصداقية الجبهة في طرحها المثابر لهذا الموقف، حتى في الفترات العصيبة التي واجهت الجماهير العربية، امام استهجان اخرين لمجرد هذا الطرح.

ولكن ما هو سبب عدم قدرتكم، بالرغم من كل تصريحاتكم، عن التوسع في الشاع اليهودي؟

ومن حيث العمل السياسي، وحتى بدون أن يتم ترجمة ذلك إلى انجازات انتخابية في الكنيست أو الهستدروت فإن مواقف الجبهة اليوم بغالبيتها هي مواقف اوساط واسعة في الرأي العام الاسرائيلي. وحتى في هذه الأيام حيث يتسع المد اليميني والترانسفيري في الشارع اليهودي, فإن مواقف الجبهة تحظى بمكانة هامة في أوساط الرأي العام الاسرائيلي, وعندما يتم "قحط" قشرة الرفض والشوفينية نجد, في السطر الاخير, أن أغلبية الشعب اليهودى في اسرائيل تقبل بالحل الذي طرحته وتطرحه الجبهة.

من الضروري التأكيد هنا أن قوة الحزب (والحركة الثورية) لا تكون فقط بمدى الانجازات التي تحققها على المستوى الانتخابي المحض, إنما تكون أيضاً بمدى انتشار أفكار هذا الحزب  وتبني هذه الافكار من قبل هيئات سياسية وإجتماعية.  ولذلك عندما نرى اليوم أحزاباً وحركات سياسية واجتماعية تتبنى خطنا السياسي, بهذا المدى او ذك, فهذا الأمر هو دليل لعمق قبول افكار الجبهة. 
ولذلك ورداً على سؤالك اقول ان هذا الوضع يتطلب من كوادر الجبهة دراسة مستفيضة في البحث الجدي عن الاسباب لعدم استطاعتنا ترجمة الاجواء الايجابية نحو الجبهة في الشارع اليساري اليهودي الى انجازات انتخابية.
هنالك العديد من الاجوبة لشرح هذه الحالة وفي مركز ذلك حالة الانقطاع الموجودة بين اليهود والعرب في الحقل السياسي الفكري، وهذا الأمر هو انعكاس لصراع قاس تغذيه حالة الاحتلال والتمييز والشوفينية، وتتقبله برحابة صدر الاوساط المتطرفة في االشارع العربي، وبالطبع الاغلبية الساحقة جداً في الشارع اليهودي. لا شك ان اليسار الاسرائيلي تلقى ضربة عنيفة بسبب مواقف براك التي امدت اليمين الاسرائيلي بحجج كان بأمس الحاجة اليها لتبرير مواقفه المتطرفة، وهذا هو الامر الاساسي.

وهنالك، ايضاً، اجندة اوسع لليسار الاسرائيلي منها في الشارع العربي، هنالك قضية البيئة التي ما زالت في مكانة  متدنية من الاهتمام في الوسط العربي. ولكن بالرغم من ذلك هنالك عدد من الامور المتعلقة بالجبهة والحزب الشيوعي، وهذا الامر الذي يجب ان يشغلنا، اذا اردنا ان نبحث  سبب مراوحتنا في نفس المكان.

هنالك حركات احتجاج جماهيرية واسعة في الشاع اليساري اليهودي، من رافضي الخدمة ورافضي الجدار وتعايش وغيرها. الحزب السياسي الوحيد الذي يتوافق مع مواقفهم هي الجبهة، وخاصة في قضية رفض الخدمة. يجب ان نسأل انفسنا، وبصراحة وبجرأة لماذا لا يجدون مكانهم في الجبهة. وهذا الامر يتطلب بحثاً شاملاً وجريئاً.

هنالك في اوساط الحزب والجبهة من يتهم النائب محمد بركة بالتوجات القومجية؟

كل عضو كنيست عربي متهم بالقومجية وبالسعي للقضاء على دولة اسرائيل. انا اعتقد ان محمد بركة وقيادات الجبهة هم ابناء مخلصون لشعبهم الفلسطيني، معتزون بانتمائهم القومي، وفي الوقت نفسه يحملون الفكر التقدمي الدمقراطي. منذ ايام خالدي الذكر توفيق زياد واميل توما واميل حبيبي، ورفيقنا العزيز توفيق طوبي، اطال الله عمره، كانت هنالك محاولات لدمغ مواقفنا بالتطرف والقومجية، وهذا الامر يصب في مصلحة السلطة، التي تحاول ان تدمغ كل نضالنا الوطني بالتطرف والعداء لليهود.

محمد بركة هو ابن بار لشعبه، وهو صوت عالٍ وقامة منتصبة ضد موبقات السلطة، وفي نفس الوقت هو قائد امين لمواقف جبهته، الداعية الى نضال دمقراطي وطني، وهو يقف بحزم، في المحافل المختلفة ضد كل المزايدات وشعارات الصالونات التي تضر بقضية شعبنا، وكان صوته واضحاً ضد كل موقف خاطىء في اية ممارسة فلسطينية. ولذلك من يريد دمغ بركة ايضاً بالتطرف فهو يصب في خانة اليمين.  والسؤال الذي يجب ان يشغلنا جميعاً من المستفيد من دمغ رفاق قياديين بأنهم قومجيون ومعادون للعمل اليهودي العربي المشترك.

بالنسبة لشكل تنظيم الجبهة هل تعتقد ان هنالك حاجة لاجاء فحص ومراجعة للجانب التنظيمي في الجبهة؟

 اولاً هنالك ظروف جديدة نعيشها.
مضى عهد احتكار المعلومات وبالتالي يجب ان يمضى عهد احتكار اتخاذ القرار. ربما يعز على البعض أنه مضى، لأن امتلاك المعلومات، أو بالأحرى احتكارها، وقصرها على مجموعة معينة هو المفتاح للسلطة. ولكن عندما تكون المعلومات في حوزة الجميع ستنشأ هنالك قيادة من نوع اخر، قيادة واعية، وهذه القيادة قادرة أن تصحح نفسها، بسرعة أكبر وخسائر أقل.
الشعار هو المشاركة، ليس المساواة. المساواة هامة ولكنها من حيث الفعل خاملة، المشاركة هي العامل المنشّط، هي العامل المحفز. المشاركة تكون أولاً بتقاسم المعلومات.
هل هو الطبع الانساني فقط؟ أم هنالك حاجة مادية لمشاركة الجميع في اي عمل أو في اية مبادرة من أجل انجاحها؟ عندما يأتي القرار من فوق، حتى وان كان صائباً، يغيب الحماس لدى تنفيذه، عندما يُتخذ القرار بمشاركتك، فلديك دوافع أخرى لتنفيذه؟ لماذا؟ لان القرار اصبح جزءاً منك، وانتهت حالة الاغتراب بينك وبين القرار.
"الملكية العامة" للمعلومات، اقتسام الحق في اتخاذ القرار، في نهاية الامر يدفع بطاقات كبيرة للعمل الجماهيري، والامتحان أمام الجبهة، وربما امام كل حركة جماهيرية، هو في القدرة على جذب كوادرها الى العمل الحزبي والجماهيري.
هذا الامر يتطلب التفكير ملياً في شكل تنظيمنا. لا نستطيع التخلي عن الشكل التقليدي للتنظيم الهرمي (العامودي): الفروع- قيادات الفروع- المؤتمر العام- المجلس- السكرتارية- المكتب. الجبهة كأية حركة سياسية بحاجة الى هذا الشكل من أجل وضع مواقف عامة ملزمة لها في المواضيع الاساسية، مع اتاحة هامش كبير للنقاش والتعددية لكوادرها.

ولكن هنالك حاجة ماسة، الان، أن يتم تشكيل تنظيمنا، بالاضافة الى المحافظة على الشكل الاول، بشكل تتم فيه مشاركة الاخرين، وهذا يعني اقامة التشكيلات الافقية الواسعة من القواعد ومن الهيئات العليا، التي تجمع عدداً  كبيراً من الرفاق، حسب الموضوع أو حسب المجال، من اجل اتخاذ مواقف والقيام بفعاليات فيما بعد، بموجب القرارات في التشكيلات الافقية.

وهذا الأمر من الممكن اتباعه على مستوى المواضيع المطروحة، مثل في قضايا السلطات المحلية، أو الاغاثة، أو النضال النقابي.. لا يمكن بحث قضية السلطات المحلية دون مشاركة اولئك المرتبطين بذلك القرار، مثل النشيطين في العمل البلدي. وبنفس القوة وأكثر على مستوى المجالات المحددة، مثل: الشباب والجامعيون، النساء.. والاهم أن يتم اعطاء الزخم والمصداقية للقرارات المتخذة في هذه الاطارات.

ما هو رأيك بالنسبة للتعددية داخل الحزب الواحد وخاصة ان هنالك مواقف متميزة ومختلفة في عدد من القضايا؟

توجد ثوابت مركزية لا يمكن لحزب ان يتهاون في الحصول على اجماع حولها وأن تكون الموافقة عليها مقياس العضوية في الحزب.  في الجبهة برنامج واضح في قضية السلام مثلاً، هذا البرنامج يلزمنا جميعاً. ولدينا كذلك موقف واضح في جملة من القضايا، التي تشكل المبادىء الاساسية لبرنامج الجبهة، لا يمكن الا أن نكون متفقين عليها، وإلا لا يمكن أن نشكل حزباً واحداً.
ولكن، في اطار القضية المتفق عليها، والموقف الجبهوي فيها واضح، هنالك مستجدات تطلب الرد اليومي، وهنا يمكن بل ومن الضروي أن ينشأ نقاش لدينا لاستيضاح المواقف. وهذا بالتالي ما يميز الموقف الجبهوي حتى عن الاحزاب الاخرى.
في القضية الفلسطينية مثلاً فإن تعامل الجبهة مع المستجدات المطروحة هو ما يميزها عن الاحزاب الاخرى التي تتخذ نفس الاسس لحل القضية الفلسطينية. ما هو الموقف من قرارات القيادة الفلسطينية؟ هل نملك الحق ان نقرر للقيادة الفسطينية وجهتها (وربما ايضاً المزاودة عليها، كما يفعل البعض) أم ان معركتنا هي إلزام حكومة اسرائيل بانتهاج سياسة سلام؟ ما هو موقفنا من العمليات الانتحارية؟ هل يكون الصمت بحجة أننا يجب ان لا نقدم الاعتذار لشارون  كل اثنين وخميس (وفي المحن ان نصدر بيانات خاصة تنديداً)، أم نقول لشعبنا موقفاً واضحاً تجاه هذا الاسلوب غير المقبول انسانياً وسياسياً ويضر بمصلحة الشعب الفلسطيني في نهاية الامر؟

وفي قضايانا المحلية، هنالك مساحة واسعة للنقاش، في الانتخابات الماضية بين شارون وبراك، كان هنالك نقاش واجتهادات. في جملة من القضايا التفصيلية، هي على هامش القضايا المركزية أو هي افراز لها، يتضح الموقف الجبهوي المتميز المنصب دائماً لصالح الجماهير، من خلال النقاش واختلاف الاراء.
ولذلك تحليل الموقف واتخاذ الموقف المناسب هو جزء من الخطاب الحزبي الذي يتطلب مشاركة فعالة من قبل كوادر الحزب، ومن هنا فإن التعددية في هذا الاطار لا تعني تعددية المبدأ بل هي الاجتهاد في قراءة الصورة بشكل صحيح وبالتالي اتخاذ الموقف الصحيح.

في جملة من القضايا هنالك مواقف، في اساسها واحدة، ولكن تتمايز فيما تؤكد عليه وتحاول ابرازه: في قضية الحرب العدوانية على العراق وسقوط نظام صدام والبعث، هنالك موسيقى مختلفة عندما يتحدث كل رفيق. هنالك رفاق يؤكدون أهمية الوقوف بشكل واضح ضد الاستعمار، وأن اساس الشر في العالم هو التدخل لاستعماري، ورفاق آخرون لا يختلفون عن ذلك ولكن التأكيد لديهم على دمقرطة النظم السياسية والاجتماعية وحرية الفرد وكرامة الانسان كأساس لا غنى عنه في اتخاذ موقف من اية حركة سياسية.

ما هو الموقف من خارطة الطريق؟ يوجد للجبهة موقف واضح، ولكن هنالك مجال واسع للنقاش حول المبادرة، حول الاصل الامريكي لها، حول حكومة ابو مازن، حول "حماس" الامريكيين لحكومة ابو مازن وما الى ذلك. ورفاق يؤكدون في نفس السياق الحكمة الفلسطينية في سحب البساط من تحت اقدام الرفض الاسرائيلي من خلال قبول الشعب الفلسطيني بخارطة الطريق.
لذلك هذه هي الجبهة: مكان واسع للاجتهاد، التزام بمبادىء انسانية عامة، وتراث نضالي حكيم يشع على مجالات عملنا المختلفة.

هنالك من يقول ان الجبهة والاحزاب بشكل عام تفقد دورها لصالح الجمعيات، او ما يسمى مؤسسات المجتمع المدني، كيف تقيم ذلك، وكيف تعمل الجبهة في هذا الظرف؟

لا اريد الدخول في تحليل الخلفية السياسية الاقتصادية لنشوء الجكعيات، نتيجة رفض الدولة الرأسمالية معالجة قضايا الجماهير في مختلف المجالات. ولكن بالنسبة لنا فللجمعيات دور هام في المجالات الحياتية للناس، في التثقيف والرياضة والمساعدة الانسانية. هذا اذا كانت تنفذ دورها بدون الارتباط مع اتجاه سياسي يحصد ثمار عملها في الانتخابات. هنالك الكثير من الجمعيات التي تقوم بهذا الدور، بالشكل الموضوعي، وهنالك جمعيات تقوم بدور اخر، بالاضافة للدور المعلن، وهو خدمة حزب سياسي بشكل سافر. 
اننا في الجبهة نسجل موقفاً ايجابياً من العديد من الجمعيات التي تنفذ دورها باخلاص في خدمة الاهداف التي وضعتها. نعم نريد للجمعيات ان تطور عملها، في خدمة الجمهور، وندرك ان هنالك قيادات في العمل الاهلي تقوم بدور بالغ الاهمية، في اطار الجمعيات، في خدمة جماهيرنا، ولا تقحم، لا من قريب ولا من بعيد، انتماءها الحزبي في عملها المهني.

ما دامت الجمعية او مؤسسة العمل الاهلي لا تخدم حزباً، ولا اقول موقفاً فكرياً، فهذا الامر مقبول علينا، وهو امر ايجابي. ما يؤسفنا ان هنالك تحت ستار الجمعيات والتوجه الموضوعي يتم وبشكل فاضح، ومهين للموضوعية خدمة هذا الحزب او ذك بشكل سافر. وهذا الامر يضرب مصداقية هذه الجمعيات ويضرب دورها واستقلاليتها.

تشهد الجبهة والحزب الشيوعي نقاشا عميقاً حول وضع الحزب والجبهة واشكالية العلاقة في وجود هذين التنظيمين، وهنالك قلق بين القواعد الشعبية حول المستقبل، ما هو ردك؟

برأيي, هنالك في الكوادر الجبهوية "وحدة حال" ما بين الجبهويين والحزبيين. يعني إذا كان هنالك نقاش في قضية ما, فالانقسام بين المتناقشن هو انقسام أفقي, إذا صح التعبير, وليس إنقساماً عامودياً. هذا يعني أنه في القضية العينية المتناقش عليها تجد جبهويين وحزبيين يحملون موقفاً واحداً ومقابلهم تجد جبهويين وحزبيين يحملون موقفاً مختلفاً.

يجب أن نذكر أن الجبهة التي إقيمت قبل أكثر من رُبع قرن, تغير الكثير من ملامحها, ومن بينها أن أعضاء الجبهة الذين لا ينتمون للحزب الشيوعي فهم لا ينتمون ايضاً لأي تنظيم حزبي أو هيئات شعبية وأن الالتزام الوحيد لهؤلاء هو للجبهة.
والاهم انه بعد 27 عاماً من تأسيس الجبهة، بعد عشرات وربما مئات المعارك التي خاضتها الجبهة قطرياً ومحلياً، في معارك الانتخابات ومخيمات العمل التطوعي التي شملت العديد من قرانا ومدننا، وفي المواجهة الحازمة مع الحركات الرجعية، بعد هذه المسيرة يوجد لدينا، الآن، شخصية جبهوية مميزة وتوجد لدينا قواسم مشتركة. والحاجة ملحة بعد 27 عاماً على تأسيس الجبهة هنالك حاجة لاعادة نظر في مجمل عملنا:

1- اعتمدت الجبهة عند تأسيسها على وجود عدة مركبات للجبهة بالاضافة الى شخصيات اجتماعية. هذا الامر غير موجود الان، والجسم الوحيد المنظم داخل الجبهة هو الحزب الشيوعي. وفي المقابل وفي ظل تغييرات واسعة المدى هنالك اتجاه فكر سياسي عام موحد للجبهويين، الشيوعيين منهم وغير الشيوعيين.
2- في السنوات الاولى لقيام الجبهة تم اعتماد مبدأ الاجماع في اتخاذ القرارات، اليوم تتصرف الجبهة على اساس بنية حزبية كلاسيكية، باتباع مبدأ الاغلبية، وفي قضايا بالغة الاهمية تم الاخذ بهذا المبدأ، واحياناً بمعارضة المؤسسة العليا في الحزب الشيوعي- اللجنة المركزية. وبطبيعة الحال فإن الانقسام حول القرارات داخل الجبهة لم يكن بين الشيوعيين وغير الشيوعيين بل بين شيوعيين وغير شيوعيين من جهة وبين شيوعيين وغير شيوعيين من الجهة الاخرى، تماماً كما هو الوضع في اي حزب سياسي.
3- كانت مرجعية القيادة الشيوعية المتمثلة في المكتب السياسي خلال سنوات طويلة مُرشدة لمجمل عمل الجبهة، وكان هنالك اقتناع واسع لدى اوسع الاوساط اللا حزبية داخل الجبهة بهذا الدور المميز، وبدون أن يتم تثبيت ذلك في دستور، بل نتيجة التجربة المتراكمة والثقة بقدرة هذه القيادة.
مع تطور الجبهة وتغير الظروف، ومع الاجواء الجديدة التي تدعو للمشاركة فإن هذا الامر اخذ في التراجع بشكل ملحوظ. وبشكل عيني يتم هذا الأمر في انتخابات مرشحينا للكنيست، بشكل دمقراطي، في مجلس الجبهة، ويمتنع الحزب عن بحث من سيوصي بالمرشحين، وهكذا نجد مرشحين ينافسون على نفس المركز، وهم اعضاء في المكتب السياسي للحزب.
الجبهة منذ اقرار دستورها عام 1992، والذي وضع لها الاسس المركزية لعملها كحزب، وضعها في اشكالية يجب التخلص منها حالاً، خاصة في ظروف اشتداد النقاش حول مساحة ودوائر عمل الحزب والجبهة. الجبهة تعيش ازدواجية تحد من امكانية انطلاقها، من جهة هي حزب، من حيث مواقفها السياسية ومن حيث دور وفعالية قيادييها، ولكن في المقابل فهي لا تملك زمام امور نفسها، من الناحية التنظيمية لان هنالك تشابك لا مثيل له بين مؤسسات الجبهة ومؤسسات الحزب، ومن حيث ان هذين الجسمين يناقشان نفس القضايا السياسية والتنظيمية والمحلية وقطرياً. وفي المقابل ففي الفروع لا يوجد هذا التواصل مع المؤسسات القطرية الجبهة. يوجد رأس ولكن دون الارتباط التنظيمي بالجسم.
الجبهة بحاجة الى صقل تنظيمها، وفي قضية حاسمة مثل الاحصاء القطري، نجد هنالك جبهات محلية ونجد عضوية في الجبهات المحلية (أو في عدد منها)، لكن لا يوجد عضوية للجبهة القطرية. العضوية هامة، من الناحية المالية ومن ناحية الانتماء للجبهة.

ولكن هنالك التزام وتضحية اكبر لعضو الحزب الشيوعي من عضو الجبهة؟

المنطق الاساسي في العمل الجبهوي، بالنسبة للحزب الشيوعي في بدايات تأسيس الجبهة أنه يجب عدم تحميل الناس، على الاقل غير الشيوعيين، فوق طاقتهم، في الوقت الذي اراد فيه الحزب  جذب اوسع القوى الى العمل الكفاحي. وفعلاً ففي الظروف التي سادت انذاك حيث كانت عضوية الحزب الشيوعي تتطلب التزاماً تنظيمياً عالياً وتطلبت التضحية والعمل المتفاني، في تلك الظروف كانت العضوية في الحزب الشيوعي امراً بالغ الصعوبة على كثيرين حتى وإن وافقوا ان يكونوا الى جانب الحزب في نضالاته.

التطور الكبير الذي حدث في العام 75 بعد انتصار بلدية الناصرة وبعد يوم الارض تطلب من الحزب وضع استراتيجية توافق الظروف. والهدف واضح وهو استيعاب التغييرات التي جرت، وذلك من خلال تشكيل اطار مرن، اطار لا يحمل في داخله الحزم التنظيمي العالي، وتم ذلك من خلال الجبهة. وفي حينه، وهنالك من يواصل ذلك اليوم ، كان التوجه للجبهة بصفتها اطار يتيح للوطنيين، كل حسب قدرته المساهمة في العمل الكفاحي، وهكذا وخلال سنوات قليلة بعد انجاز قيام الجبهة شاهدنا مداً جماهيرياً كبيراً.

من الضروري الآن بعد هذه التجربة السؤال، هل نستطيع الاستمرار بنفس هذا النهج؟ برأيي ان هنالك حاجة لدراسة التطورات العميقة التي جرت، على اساس، وكما قد ذكرت انفاً، ان تجربة 27 عاماً قد خلقت اتجاها فكرياً سياسياً مشتركاً لدى الجبهويين. والذي إعتُبر في حينه امتيازاً لصالح اللا حزبيين من حيث عدم انخراطهم في العمل والشراكة الكاملة، اصبح اليوم حاجزاً وعقبة أمام تطور الجبهة واندماج الجبهويين داخل اطر الجبهة.

من جهة اخرى فإن التنظيم داخل الحزب الشيوعي نفسه، تغير بشكل بعيد المدى واختفى ذلك الحزم التنظيمي الذي ميزه، وتقلصت الى حد بعيد الالتزامات المفروضة على عضو الحزب. اليوم من حيث الواجبات، لا يختلف عضو الحزب عن اللاحزبي في الجبهة.

التغيير ذو الدلالة البالغة الذي جرى في دستور الجبهة عام 1992، وجعل من الجبهة حزباً بكل معنى الكلمة، من حيث اعتماد مكانيزم داخلي لاتخاذ القرارات ومن حيث بناء هرمية واضحة، هذا التغيير في الدستور وضع اللبنة الاساسية لبناء الجبهة، ولكن البناء لم يكتمل بسبب غياب العضوية للجبهة داخل الفروع وعلى المستوى القطري، وبغياب التواصل بين الكوادر والهيئات القطرية للجبهة وبسبب الازدواجية في العمل.

يقول الرفاق ان هذا بالضبط يعني الغاء الحزب الشيوعي ودوره؟

يجب التحذير من اطلاق الاحكام، لان ذلك يخنق كل امكانية للنقاش والابداع.  اولاً وجود الحزب الشيوعي فرضته وتفرضه الظروف الموضوعية وهو تعبير عن الارادة الجماعية لاعضاء الحزب. وثانياً فتاريخ الحزب الشيوعي المجيد ترك بصماته على نضال الجماهير العربية، وفي مختلف محطات هذا الشعب هنالك الكثير مما يمكن ان نتعلمه من مواقف هذا الحزب وتاريخه المجيد. ولذلك كل طرح حول خطر موهوم بالغاء هذا الحزب يمس بهيبة الحزب وبنضاله. ويجب ان نؤكد ان للحزب الشيوعي خصوصة ايدلوجبة لا يمكن شطبها والغاؤها فهي توجهه وتقود مسيرته على مختلف الاصعدة.

من جهة اخرى لا شك ان الاسئلة المطروحة ليست سهلة وهي تتطلب اجوبة، والاجوبة لا تأتي من العدم، بل هي نتيجة الاجتهادات والنقاش، وهذا الامر هو اكسجين الحركة الثورية وبدون ذلك لا يمكن ان تتقدم. وهذا النقاش ليس وليد الساعة، هو نقاش امتد لسنوات طويلة، اكثر من 10 سنوات، وهنالك رفاق قياديون في المكتب السياسي الحالي للحزب الشيوعي تبنوا حتى فترة قريبة فكرة توحيد الاطارين- الجبهة والحزب.
ولذلك من الضروري عند طرح هذا النقاش ان نتيح اكبر قدر من حرية الرأي والامتناع عن وصم كل من يناقش في هذا الجانب او ذك، باوصاف لا تفيد النقاش بل تربكه. ومن جهة اخرى يجب ان نطرح موقفاً موضوعياً، وان لا يكون الموقف رهين بموضوعات اخرى غريبة عن الموضوع ذاته.

واخيراً اعتقد ان التحدي الاكبر امامنا، هو كيف نستطيع ان نوسع تأثير هذا التيار الوطني الدمقراطي بين جماهيرنا العربية؟ كيف من الممكن ان تجد شعبية افكار الجبهة وطروحاتها التعبير الجماهيري عنها داخل الجبهة؟ كيف نجعل من الجبهة ذلك الاطار القادر على اجتذاب الاف وعشرات الاف الشباب والشابات الى نهجنا مقابل حركات تزرع التقوقع والتعصب والانغلاق.

هذا هو الامتحان. رصيدنا يؤهلنا لذلك، فهل ادواتنا التنظيمية قادرة ان تواجه هذه المهمة؟ هذا هو امتحان الجبهة الاكبر.


الخميس 30/9/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع