اليهود يمولون 60% من حملة جون كيري الانتخابية


*اليهود يدعمون كيري بـ 600 مليون دولار *الجالية العربية والاسلامية تدعم في حدود 3 ملايين دولار على الأكثر *جورج بوش سيحصل على اقل من 30% من اصوات اليهود *لايهم اسرائيل ماي مرشح سيفوز بقدر الاهتمام بالحفاظ على قوة اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة *د. خليل جهشان: "نحن امام اكثر الحملات الانتخابية الامريكية تكلفة وقد تصل الى ملياري دولار" *د. ايلان بابي: سياسة بوش ساعدت على الدفع في اتجاه محاولة تحقيق الحلم الصهيوني للقضاء على القضية الفلسطينية*

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الامريكية، التي ستجري في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، ومعها سيجري انتخاب جزء من اعضاء مجلسي الشيوخ (السينات) والكونغرس، تتسلط الاضواء على المؤثرات المركزية التي ستساهم في حسم النتيجة.
وكما في كل عام، وعلى الرغم من ان اليهود لا يشكلون سوى 2% من السكان في الولايات المتحدة، ووزنهم الانتخابي الفعلي حوالي 3%، بسبب ارتفاع نسبة التصويت بينهم، إلا انهم يعتبرون من أكبر المؤثرات داخل الساحة الامريكية، لعدة اسباب، نستعرضها في هذا التقرير، الذي يشمل ثلاث لقاءات مع ثلاثة خبراء في هذا المجال، وهم المحلل السياسي الاسرائيلي المقيم في واشنطن، نتان غوتمان، والمحاضر الفلسطيني في الولايات المتحدة الدكتور خليل جهشان، والمحاضر الاسرائيلي ايلان بابي الذي يستعرض مدى تأثير سياسة جورج بوش على اسرائيل وصراع الشرق الاوسط.
وقد دلت نتائج استطلاع اجراه الحزب الديمقراطي بزعامة مرشح الرئاسة جون كيري، بين اليهود، على ان 30% فقط من اليهود سيصوتون لجورج بوش في الانتخابات المقبلة. وبقدر ما يظهر هذا الرقم قليل نسبيا، نظرا لسياسة جورج بوش، إلا انه يشكل ارتفاعا غير مسبوق بالنسبة لتأييد اليهود لمرشح رئاسة من الحزب الجمهوري.

ما يؤثر على تصويت اليهود ليس فقط السياسة تجاه اسرائيل


المحلل السياسي الاسرائيلي نتان غوتمان، والمقيم حاليا في العاصمة الامريكية واشنطن، يرى ان نتائج استطلاع الحزب الديمقراطي مبالغ بها، إذ ان ما سيحصل عليه جورج بوش هو اقل من ذلك.

"الغد"- هل تعتقد ان الاستطلاع الذي تحدث عن ان 30% من اليهود فقط سيصوتون لجورج بوش واقعي؟

غوتمان: من الصعب اجراء استطلاع واقعي بين اليهود في الولايات المتحدة، فاليهود هنا يشكلون 2% من مجمل السكان، وهذا يصعّب عملية حصرهم ضمن استطلاع والتوصل الى نتائج حقيقية، ولكن النتائج المعلنة تبدو منطقية، فإذا في العام 2000 صوت 19% من اليهود لجورج بوش، فالآن لا بد ان يكون ارتفاع ليصل في حدود 25%، وعلى ما يبدو لا أكثر من هذا.

"الغد"- كيف تفسر انه بعد هذه السياسة التي انتهجها جورج بوش، حتى الآن، ينتظره تأييد قليل نسبيا من اليهود؟

غوتمان: اولا، صحيح ان بوش هو مؤيد كبير لاسرائيل، ولكن كيري ابدى جهدا جديا وكبيرا في الأشهر الأخيرة ليثبت تأييده لاسرائيل. وعمليا فقد تبنى سياسة بوش، في كل ما يتعلق باسرائيل، وهو يؤيد ضمانات بوش لاريئيل شارون، ويؤيد خطة الانفصال (خطة الانسحاب من قطاع غزة وبعض مناطق شمال الضفة الغربية)، ويؤيد الجدار الفاصل، وعمليا فقد بذل كيري جهدا ليثبت انه لا أقل تأييد لاسرائيل من جورج بوش.
والأمر الثاني ان اليهود في الولايات المتحدة لا يصوتون فقط بناء على تأييد المرشح لاسرائيل، لأن لديهم سلسلة من المطالب الداخلية. وتقليديا فإن الحزب الديمقراطي هو اقرب لليهود من الحزب الجمهوري، من ناحية المطالب الداخلية.

"الغد"- ماذا تقصد بالمطالب الداخلية؟

غوتمان: لليهود، مثلا، مهم الفصل بين الدين والدولة، وهذا ما يتساهل معه الديمقراطيون اكثر من الجمهوريين، كما تهم اليهود مسألة العدالة الاجتماعية وفي هذا المجال هناك تفوق للديمقراطيين. كذلك فإن اليهود يؤيدون حق الاجهاض، وزواج مثليي الجنس، وكل هذه المطالب المتعلقة بحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية، وهي مهمة بالنسبة لليهود، بأن الحزب الديمقراطي يتعامل معها بشكل أسهل، خاصة وان هناك طابعا اشكاليا لدى جورج بوش، في كل ما يتعلق بفصل الدين عن الدولة.

"الغد"- ولكن عفوا انت تتحدث عن هذه المطالب لليهود، وقسم كبير من هؤلاء إما يحملون جنسية اسرائيلية، او انهم مرتبطون باسرائيل، وهذه المطالب ليس فقط انها غير موجودة في اسرائيل، بل ان المؤسسة الاسرائيلية الحاكمة، تحاربها فعلا فكيف تفسر هذا؟

غوتمان: حقيقة ان اليهود في الولايات المتحدة ليبراليون أكثر من اليهود في اسرائيل، وهذا اولا، لانهم يعيشون في مجتمع اكثر ديمقراطي من اسرائيل، وثانيا فإن توزيع اليهود بين التيارات في الولايات المتحدة يختلف عن اسرائيل، فالكثير منهم يتبعون التيار الاصلاحي، والاصوليون اليهود في اسرائيل هم قلة، ويشكلون 10% من اليهود في الولايات المتحدة، بينما وزنهم في اسرائيل اكبر. عدا هذا فإن اسرائيل مبنية على اساس عدم الفصل بين الدين والدولة، والولايات المتحدة مبنية على خلاف هذا.

"الغد"- هل هناك حركات داخل اليهود في الولايات المتحدة تعارض سياسة جورج بوش في الشرق الأوسط؟

غوتمان: طبعا، فالمنظمة الاكبر بين اليهود هي حركة الاصلاحيين اليهود، وتمثل أكثر من 1,2 مليون يهودي، وقد بعثت برسالة الى وزير الخارجية كولن باول، في الشهر الماضي، تعرب فيها عن تحفظها من ان الولايات المتحدة لم تسهم كثيرا في حل الصراع الدائر في الشرق الاوسط، كذلك تحفظت من ان القرارات التي اتخذها الكونغرس في الآونة الأخيرة تميل أكثر لاسرائيل، وليست متوازنة بما فيه الكفاية من ناحية الفلسطينيين.
الى جانب هذا هناك حركات صغيرة جدا مثل حركة "يهود من اجل السلام في اسرائيل وفلسطين"، وحركة "امريكان لدعم السلام الآن"، التي تدعم حركة "السلام الآن" في اسرائيل. وهناك حركات صغيرة أخرى تنشط في هذا المجال.
ولكن عمليا فإن التيار الغالب لدى اليهود لا يعترض على سياسة البيت الابيض عادة.

"الغد"- هل هناك احصائية لعدد اصوات اليهود في الولايات المتحدة؟

غوتمان: لا توجد هناك احصائية واضحة، فالمعروف ان عدد اليهود في الولايات المتحدة هو 5,7 مليون يهودي، وليس معروفا كم من بينهم يحق لهم التصويت، ولكن ما هو معروف، هو انه إذا كان معدل التصويت القطري في يوم الانتخابات حوالي 50%، فإن نسبة التصويت بين اليهود تفوق الـ 70%.

"الغد"- هل تعتقد انه إذا انتخب جورج بوش ثانية سيتأثر من نسبة تصويت اليهود له، ويغير في سياسته؟

غوتمان: كلا لا اعتقد هذا، ولكن إذا اعيد انتخابه فإنه سيتصرف كرئيس ولاية ثانية لن يخوض الانتخابات ثانية، فهو سيعمل وفق ما يراه هو، ولن يقلق بشأن الانتخابات المقبلة، وامام معادلة كهذه، فإنه إما يواصل سياسته القائمة، او انه يقرر تغييرها في ما يتعلق بالشرق الأوسط، ولكن حتى الآن، لم يظهر اية ملامح لأي تغيير قد يُقدم عليه مستقبلا.


ما سيؤثر في هذه الحملة الانتخابية هو اقتصاد الانتخابات


الدكتور خليل جهشان من الشخصيات المعروفة والبارز بين اوساط الجالية العربية في الولايات المتحدة، وقد ترأس في السنوات الثلاثين الماضية عدة جمعيات عربية سياسية واجتماعية، وهو اليوم محاضر في جامعة بابيرداين ومدير مكتبها في واشنطن.

"الغد"- ما هو تعليقكم على استطلاع الحزب الديمقراطي بشأن عدد اصوات اليهود؟

د. جهشان: نتيجة ممكنة، لأن ما يجري هو كالتالي، تقليديا في الولايات المتحدة كان 90% من اصوات اليهود يصوتون للحزب الديمقراطي، وهذا لعدة اسباب فالطائفة اليهودية في الولايات المتحدة من النواحي المبدئية والايديولوجية والماليا والسياسية، ارتبطت بالحزب الديمقراطي، لأنه بالاساس منفتح أكثر على الاقليات العرقية والمهاجرة، والاقليات الدينية، لهذا فإن الطائفة اليهودية تغلغلت في صفوف الحزب وهيمنت عليه، وتحول الحزب الديمقراطي الى البيت السياسي لليهود، واصبح لهم تأثير قوي عليه.
في عهد رونالد ريغان في سنوات الثمانين، بدأ الحزب الجمهوري يتأثر بظاهرة المسيحية الصهيونية الاصولية، التي بنت علاقة تحالف مع المنظمات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة، فبدأ نوع من التنافس، ولأول مرة، بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في تلك السنوات، على الصوت اليهودي، واصبح يدور جدل داخل الجمهوريين، حول لماذا يتم ترك اصوات اليهود للديمقراطيين ليسيطر عليها، ويسيطر على تبرعات اليهود. وقيل انه إذا ما ابدى الحزب الجمهوري تعاطفا أكثر مع اسرائيل فإنه سيحصل على اصوات أكثر من اليهود، وحقا فإنه في العام 2000، صوت 19% من اليهود لجورج بوش، والآن بسبب تأييده غير المشروط لاسرائيل فإن هذا الرقم قد يرتفع.
انا شخصيا اعتقد ان رقم 30% هو مبالغ فيه، ولكنه لا شك أنه سيرتفع عن 19%، ولهذا اعتقد انه سيحصل على ما بين 20% الى 24%، وهذا رقم واقعي أكثر.

"الغد"- ولكننا نتحدث عن رئيس يبدي تأييدا غير مسبوق بدرجته لاسرائيل؟

د. جهشان: هو غير مسبوق بحدته، لأنه ولا مرّة كان في الولايات المتحدة رئيس جمهوري مؤيد لاسرائيل بهذا الحد الأعمى، مثل بوش، ثانيا، فإن الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة تغير عن طابعه المعروف، واصبح دور المجموعات المحافظة، التي اسميها الاصولية الدينية، اكثر هيمنة على الحزب الجمهوري. واصبح نوع من "زواج المتعة" بين الحركات الصهوينية، وبين هذه المجحموعات الاصولية المسيحية، لانه تاريخيا كانت هاتان الشريحتان في حالة عداء بينهما، وكانت الطائفة اليهودية تتهم الاصوليين المسيحيين باللاسامية، وفجأة تغاضى الصهيونيون عن هذه الاتهامات، وتقربوا للاصوليين المسيحيين من اجل الحصول على دعم أكبر من الجهات اليمينية. ونتج عن هذا عمليا دعم من القوى اليمينية في الولايات المتحدة لقوى اليمين في اسرائيل على اساس ايديولوجي، وهذا ما لم يكن في الماضي إذ ان كل الدعم من الولايات المتحدة كان يذهب الى حزب "العمل" الاسرائيلي، ولدعم عملية السلام في الشرق الأوسط.

"الغد"- ما هو الحجم الذي لعبه الجانب الاقتصادي في هذه المعادلة؟

د. جهشان: الاقتصاد لا يلعب دورا في هذه المعركة بقدر ما يلعبه اقتصاد الانتخابات، بمعنى ان اليهود، وعلى الرغم من انهم يشكلون اكثر بقليل من 2% من سكان الولايات المتحدة، إلا ان التبرعات التي يسيطر عليها اليهود، إما على مستوى الافراد او المجموعات او تبرعات الحركات السياسية الفاعلة بين اليهود او من شركات امريكية يرأسها او يملكها يهود، تصل الى 60% تقريبا من ميزانية الحزب الديمقراطي، وهذا يعني حوالي 600 مليون دولار، ولهذا فإن تأثيرهم ليس ايديولوجيا او ذكى زائد، وانما تأثير ناجم عن تنظيم محكم وسخاء دون اي حدود، فمن يدعمهم يدعمونه دون اي شروط وبكميات هائلة، لأنه حاليا فإن اكبر تأثير على المرشحين هو المال، ولهذا يقولون هنا إن المال هو الزيت الذي يدير عجلة السياسة الامريكية.

"الغد"-هل تشعرون بوجود حركات يهودية تعارض سياسة جورج بوش في الشرق الاوسط؟

د. جهشان: طبعا، إذا نظرنا الى المعارضة الديمقراطية هناك دور بارز لليهود فيها، ولكن مشكلة اليهود إذا ظهر امامهم رئيس جمهوري مؤيد للصهيونية مثل جورج بوش.
نستطيع القول ان غالبية الحركات اليهودية في الولايات المتحدة لا تؤيد سياسة جورج بوش في الشرق الاوسط، ولكن شهدنا لأول مرة في الشهر الماضي رسالة من حركة الاصلاحيين اليهود التي تعلن بوضوح معارضتها للانحياز الامريكي لسياسة حكومة اسرائيل، وهناك حركات أخرى تشارك هذا الرأي ولكنها لم تصل الى حد الجرأة لاعلانه بوضوح. وان تدعو للعودة الى دور الوساطة الحقيقية والى دفع العملية السياسية، وباعتقادي ان هذه وجهة نظر غالبية اليهود في الولايات المتحدة. واليهود يعرفون ان لا مستقبل لسياسة بوش، وعلى الرغم من هذا فإن جون كيري وجورج بوش تنافسان على من منهما اكثر تطرفا في تأييده لشارون.

"الغد"- لا شك ان موضوع العرب والمسلمين في الولايات المتحدة هو قائم بحد ذاته، ولكن في هذا السياق ما هو دورهم الآن، وما هو حجمه؟

د. جهشان: الصوت العربي والاسلامي ضعيف، فاليوم يوجد في الولايات المتحدة ثلاثة ملايين عربي و6,5 مليون مسلم، وبينهم هناك مليون شخص مشترك، ولو اتحدوا، لاصبحت قوتهم أكبر، المشكلة هي ان الجالية الاسلامية خاصة في الولايات المتحدة حديثة العهد نسبيا ومقارنة مع وجود اليهود، فاليهود يعملون في السياسة منذ مئة عام وأكثر، وهناك يهود وصلوا الى هنا مع اكتشاف امريكا.
اما من حيث الجانب المالي، فإن العرب والمسلمين يقدمون حوالي ثلاثة ملايين دولار للمعركة الانتخابية الرئاسية كابعد حد، بينما اليهود يقدمون أكثر من 600 مليون دولار. ونحن امام حملة انتخابية هي الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، وهناك من يقدر انها ستكلف ملياري دولار، وهذا يشكل ضعفي ميزانية فلسطين.

كيري يتكلم بخلاف عن جورج بوش ولكنه في النهاية سيفعل مثله

الدكتور ايلان بابي، محاضر في جامعة حيفا، ورئيس قسم الشرق الاوسط في كلية العلوم السياسية فيها، ويعمل مع عدة جامعات في العالم، وهو معروف كشخصية يسارية مناهض للصهيونية، واكاديمي بارز جدا على المستوى الاسرائيلي والعالمي، ويواجه ضغوطا من المؤسسة الاسرائيلية بسبب مواقفه، خاصة بسبب دعوته، مؤخرا، لجامعات في العالم لمقاطعة اسرائيل اكاديميا بسبب اغلاقها للجامعات الفلسطينية وتعطيل عملها، كما انه من ابرز مؤيدي حق العودة الفلسطيني الى مناطق 1948.

"الغد"- ما هو دور المؤسسة الحاكمة في اسرائيل في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الامريكية القادمة؟

د. بابي: بالتأكيد ان دورا كهذا لا يظهر علنا، لأن الناطقين الاسرائيليين يهتمون دائما باعلان الحياد، والقول انهم لا يتدخلون في مسألة الترشيحات للرئاسة ولا للكونغرس او لمجلس الشيوخ، ولكن بشكل غير مباشر، من خلال اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة "ايباك"، هناك تدخل عميق، في كل ما يتعلق بانتخاب اعضاء لمجلس الشيوخ والكونغرس، وهذه المنظمة على علاقة وثيقة باسرائيل، وهي عمليا سفارة أخرى لاسرائيل في الولايات المتحدة، وتعمل على ضمان وجود مجموعة كبيرة من مؤيدي اسرائيل في المجلسين البرلمانيين. وهذا لا يقل عن الرئاسة من حيث مراكز القوة في الولايات المتحدة.
والأمر الثاني، فإن المرشحين للرئاسة يطلقان تصريحات واضحة جدا مؤيدة لاسرائيل، عشية الانتخابات، وهما متأكدان من ان اية انتقادات لاسرائيل لن تضمن لهما الفوز بالرئاسة.
ولكن برأيي فإن التدخل الابرز هو في انتخابات مجلس الشيوخ والكونغرس. حيث يتواجد تأثير اكبر لاسرائيل.

"الغد"- ما نفهمه من الاستطلاعات هناك ان الاغلبية الساحقة من اليهود تصوت للحزب الديمقراطي على الرغم من سياسة جورج بوش، هل تعتقد ان حكومة شارون معنية بولاية ثانية لجورج بوش؟

د. بابي: اعتقد انه صحيح ان الادارة الامريكية تعتبر من حيث الحكومة الاسرائيلية القائمة، ادارة مريحة جدا لاسرائيل، واعتقد انه إذا تم انتخابه ثانية فإنه سيخدم مصالح حكومة شارون، ولهذا سيكون ضغطا معينا للانتقال من التصويت للديمقراطيين الى الجمهوريين، وربما ان بادرة اولى لهذا الأمررايناها في اعلان رئيس بلدية نيويورك الاسبق كوتش، وهو عضو بارز جدا في الحزب الديمقراطي، وهو من اليهود البارزين في الولايات المتحدة، بأنه سيصوت هذه المرة لجورج بوش، على الرغم من انتمائه الحزبي، وهذا بسبب دعمه لحكومة اسرائيل، وهذا نموذج واحد، ومن ناحية أخرى فأنا ارى ان الشعور السائد لدى حكومة اسرائيل انه حتى لو تم انتخاب جون كيري فلن يكون تحول جذري  وهام في السياسة الامريكية تجاه اسرائيل.
ولهذا فإن اسرائيل مهتمة أكثر بالحفاظ على منظومة "ايباك" وطرق عملها، من مسألة من يتم انتخابه، ليكون بامكان "ايباك" مواصلة الضغط على اي رئيس سينتخب، وان يكون عليه الأخذ بعين الاعتبار وجود "ايباك" على الساحة الامريكية كمركز قوة.

"الغد"- كيف سينعكس فوز جورج بوش بولاية ثانية على اسرائيل وصراع الشرق الاوسط؟

د. بابي: اولا وقبل كل شيء، هناك خطر كبير من انه إذا تم انتخابه مرة ثانية فإنه سيشعر انه حر من اي ضغط ناخبين، لأنه لن يخوض اي انتخابات أخرى. ونحن نعلم من التاريخ ان الرئيس الامريكي في الولاية الثانية يفعل ما لم يفعله في الولاية الاولى بسبب تخفيف الضغوط عليه، وفي ما يتعلق بالشرق الاوسط، قد يكون من نتائج انتخابه لولاية ثانية، سياسة عدائية اكثر في هذه المنطقة، على الرغم من انه سيبدو وكأن الادارة الامريكية تعلمت من درس العراق بأن السياسة العدائية لن تفيد، ولكن بالذات بوش سينظر في الولاية الثانية الى ايران وسوريا كدولتين مستهدفتين، وان يدعم اسرائيل اكثر حتى مما هو عليه الآن.
بكلمات أخرى، فإنه إذا تم انتخاب بوش مرة ثانية سنراه كما هو اليوم ولكن بصورة اسوأ. من حيث الفلسطينيين، واستقلالية العرب، وايضا من حيث مجمل الشعوب في المنطقة.

"الغد"- هل بالامكان تلخيص اسباب دعم بوش لحكومة اسرائيل فقط من الجانب الايديولوجي والمسيحية الصهوينية، أم ان هناك اسبابا أخرى؟

د. بابي: ما يجب ان لا ننساه هو ان جورج بوش متدين محافظ جدا، وهو قريب لما يسمى بـ "المسيحية الصهوينية" وهذا تيار يجمع اكثر من 40 مليون امريكي ناشطين جدا، ويرون باسرائيل كمقدمة لقدوم المسيح الى العالم، كذلك فإن بوش مرتبط ايديولوجيا باليمين المحافظ، وهو تيار  نما خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وعملوا على تأجيج الحرب الباردة، والآن، بعد ان تلاشى الاتحاد السوفييتي، حولوا نشاطهم ضد الاسلام والعالم العربي. وبوش مرتبط كثيرا بهذا التيار.
والأمر الثالث هو ان بوش واع جدا للوبي الاسرائيلي "ايباك"، بمعنى آخر ان السياسة الامريكية ترتكز على مثلث، اللوبي الاسرائيلي والمسيحية الصهوينية واليمين المحافظ. وطبعا فإن احداث 11 سبتمبر شكلت ذريعة وسهلت عمل هذا الثلاثي.

"الغد"- ولكن اين الجانب الاقتصادي في هذه المعادلة؟

د. بابي: بالنسبة للجانب الاقتصادي، فإن جورج بوش يؤمن بأنه من خلال سياسة عدائية ومؤيدة لاسرائيل يضمن أكثر الجانب الاقتصادي في الشرق الاوسط، الذي يتلخص بالنفط، والولايات المتحدة هي المستهلك الاكبر للنفط في العالم، فما كان متبعا تقليديا في الولايات المتحدة، حتى لدى جورج بوش الأب، هو ان تأمين النفط يتطلب علاقات جيدة مع الدول العربية، ولكن لدى جورج بوش الأبن، انقلبت هذه المعادلة، وقال انه لا حاجة له بهذه العلاقات، وان بامكانه استخدام القوة، ومن ناحيته حكما امريكيا في العراق افضل من حكم عربي مؤيد لامريكا.

"الغد"- كيف بالامكان تلخيص ولاية جورج بوش المنتهية في ما يتعلق باسرائيل وصراع الشرق الاوسط؟

د. بابي: اعتقد ان ادارة بوش، اعطت حكومة شارون، فرصة سانحة لتنفذ من جانب واحد استراتيجية هذه الحكومة، دون الأخذ بعين الاعتبار الجانب الفلسطيني، ولا اي جهة أخرى في العالم العربي، وتقضي هذه الاستراتيجية بالشيطرة كليا على مساحات واسعة من فلسطين الانتدابية، اي مساحات واسعة من الضفة الغربية، وتهيئة الارضية لضم الكتل الاستيطانية الكبيرة الى اسرائيل، وابقاء فلسطين على شكل مخيم اعتقال كبير يسمى "قطاع غزة"، وسجن كبير اسمه "الضفة الغربية"، وحتى الضفة الغربية ستكون عبارة عن مناطق جغرافية منفصلة عن بعضها. وبتأييد امريكي تريد اسرائيل ان يعرف الناس فلسطين في هاتين المنطقتين فقط، دون اي حل لقضية اللاجئين، الى جانب سيطرة اسرائيلية مطلقة على القدس، وعدم تفكيك المستوطنات.
وشارون يؤمن ان الادارة الامريكية برئاسة جورج بوش اعطته "شيكا" مفتوحا لتنفيذ ما يريد، وهو ليس على قناعة ان جون كيري سيمنحه هذه الفرصة. وهذه اخبار سيئة وقاسية بالنسبة للشعب الفلسطيني لانها تعني خطوة كبيرة جدا في طريق القضاء على حلم اقامة الدولة الفلسطينية، وايضا ضربة قاسية للشعب الفلسطيني وحياته اليومية، ونحن نعلم من التاريخ ان نهجا كهذا لا يحل الصراع وانما يعمقه.

"الغد"- وهنا السؤال، هل تعتقد ان من مصلحة الولايات المتحدة ديمومة الصراع في الشرق الاوسط؟

د. بابي: بوش يؤمن ان بامكان شارون القضاء على القضية الفلسطينية، وعدم حلها، فنظرية شارون تقول انه إذا كانت لديه القوة والدعم الامريكي والجمهور الاسرائيلي، فحينها ستقتنع اوروبا انه لا مكان لكيان فلسطيني، ويجب ان تعلم ان هذه هي النظرية الصهيونية، فمنذ ان ادرك الصهاينة انه يوجد شعب فلسطيني "خرّب" عليهم الحلم الصهيوني، فالحل الأمثل من ناحية الصهيونية هو ان لا يكون شعب فلسطيني.

"الغد" هل تعتقد ان فوز جون كيري  سيضيء له الضوء الأحمر، بمعنى ان بوش خسر الرئاسة بسبب السياسة الخارجية، ولهذا عليه ان يسلك طريقا آخر، مثل مسار بيل كلنتون؟

د. بابي: نعم، فنحن منذ الآن اصبحنا نعلم من هو الطاقم الذي سيكلفه جون كيري للعمل في الشرق الاوسط، وهو سيعيد معظم الموظفين الذين عملوا في فترة كلينتون، وهذا مؤشر على استمرارية لسياسة كلينتون، واعطاء وزن للجانب الفلسطيني.
ولكن على الرغم من هذا فأنا أحذر من تفاؤل زائد في هذا المجال، فجون كيري هو مؤيد متحمس لاسرائيل، ليس من منطلقات بوش، وانما من منطلقات استراتيجية وهذا أسهل، ولكن بكلمات قليلة اقول، انني افضل فوز جون كيري، على الرغم من ان اصدقاء لي في اليسار العالمي يقولون ان كيري هو مثل الحزب "العمل" الاسرائيلي، فهو يقول ما هو مختلف عن جورج بوش، ولكن في النهاية يفعل ما فعله بوش، كما أن حزب "العمل" يتكلم بشكل مخالف عن حزب "الليكود" ولكن في النهاية يفعل ما يفعله "الليكود"، والفلسطينيون واعون لهذا الأمر.


برهوم جرايسي
عن صحيفة
السبت 18/9/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع