الحرب على صناديق التقاعد


*هكذا تجري السرقة في وضح النهار: البنوك الكبرى في البلاد تزيد من سيطرتها على السوق الاسرائيلية بواسطة امتلاك جزء كبير من صناديق التقاعد.. وهكذا يتم بيع املاك الجمهور الواسع، لشركات عابرة للقارات، بالضبط مثلما يريد البنك الدولي ومثلما تريد الرأسمالية العالمية* وفي النتيجة: المتضررون هم أنتم!*

يعمل الانسان أفضل سنوات حياته، من اجل ان يعيش السنين المتبقية من عمره، بعد ان يخرج الى التقاعد، في امان اقتصادي اجتماعي، وفي رخاء نسبي يحميه من الاتكال على اي انسان، حتى لو كان اقرب الناس اليه. وحتى ينجح في هذه المهمة الصعبة، يقتطع العامل من معاشه الشهري نسبة معينة يحولها الى صندوق تقاعد، ويحول المشغل مبلغا اضافيا الى هذا الصندوق، فيتجمع على مر السنين في صندوق التقاعد مبلغ لا بأس به يتحول الى رواتب شهرية تحول للمتقاعد.
هذا الوصف ان بقي كما كتب على الورق، لكان امرا جيدا جدا. الا ان الامور ليست بالبساطة التي تكتب فيها، فهي امور معقدة وشائكة، وعادة تأتي بالضرر على جمهور العاملين المؤمّنين في صناديق التقاعد.

"إصلاح" كما يسمونه!

في العام 1995 بدأت الحكومة الاسرائيلية في انتهاج سياسة "اصلاح" في مبنى صناديق التقاعد (واستمرت بسياسة "الاصلاح" هذه في العام 2003). هذه السياسة نقلت صناديق التقاعد من المبنى الذي تكون فيه مرتبطة بمعاش العامل وبعدد السنين التي عملها، الى المبنى الذي لا يكون مبلغ التقاعد معروفا منذ البداية، ولا يكون مرتبطا بالمعاش وبعدد سنين العمل فقط، وانما ايضا بالارباح التي تحصدها صناديق التقاعد على مر السنين من المضاربة في اسواق المال!
اتباع هذه السياسة جاء بناء على "الجهود" (الضغوطات) التي يبذلها "البنك الدولي" في "اقناع" (اجبار) بلدان العالم، وخاصة تلك البلدان التي تكون بحاجة للحصول على قروض للتنمية من هذا البنك، بـ "حماية انفسها من التفجر السكاني في قطاع المسنين"، وذلك عن طريق اقامة جهاز تقاعد اجباري يدار بالشكل الثاني (المضاربة في اسواق المال) وبايد خاصة!
البنك الدولي يحاول ربط قضية تأمين التقاعد الاجباري، بقضية الادارة الخاصة لصناديق التقاعد.
الطريقة المقرر اتباعها في اسرائيل، هي طريقة بناء صناديق التقاعد على النمط الثاني، اي: العامل والمشغل يحولان مبالغ شهرية للصندوق، اما ادارة الصناديق فتتم عن طريق شركات خاصة، لا تمثيل للعاملين فيها، ومبلغ التقاعد المستقبلي يتقرر بواسطة كم الارباح الذي تجنيه هذه الشركات من خلال المضاربة باسهم صناديق التقاعد في اسواق المال!

"تأميم" بهدف الخصخصة!

في العام 1995 اقيمت عدة صناديق تقاعد جديدة، واقر ان تبقى الصناديق القديمة، ولكن ان تجمد، اي ان لا ينضم اليها اعضاء جدد! الصناديق الجديدة اقيمت لتستوعب العاملين الجدد (اي الشبان، بحسب منطق البنك الدولي الذي يريد ان يمنع الانفجار السكاني المسن!)، واقرت ان تكون رسوم ادارتها 8% من المبالغ المحولة اليها، اي ان يحصل من يديرها على 8% من كل مبلغ يحوله العامل والمشغل لها!
صناديق التقاعد القديمة بقيت بادارة نقابة العمال العامة (الهستدروت)، اما الجديدة، فمن خلال "الاصلاحات" التي اقرتها الحكومة، فقد اممتها الحكومة عام 2003، بدعوى انها في خطر الانهيار، مع ان الحقيقة تدل على ان هدف "تأميمها" كان بيعها لشركات التأمين (خصخصتها)، والحصول مقابلها على قروض من شركات التأمين هذه بواسطة الاموال المدارة في صناديق التقاعد، مما يعود بالارباح على هذه الشركات من الفوائد التي تجبى على هذه القروض، وبالتالي تكون البنوك شريكة في هذه الارباح، لانها شريكة في اسهم شركات التأمين، الامر الذي يزيد ارتباط الدولة بالقطاع الخاص! وهذا ما حصل في النهاية!

الصناديق القديمة هي الأفضل

بربارا سفيرسكي، مديرة مركز "ادفا- معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في اسرائيل"، تقسم جمهور العاملين الى ثلاثة قطاعات. الاول هو جمهور العاملين المؤمّنين في صناديق التقاعد القديمة، والثاني هو جمهور العاملين المؤمّن في صناديق التقاعد الجديدة، اما الثالث فهو جمهور العاملين الذي ليس لديه تأمين تقاعد في اي صندوق من الصناديق.
حول القطاع الاول تقول سفيرسكي: "لقد تضررت دفعات التقاعد التابعة لاعضاء صناديق التقاعد القديمة عام 2003، عندما قررت الحكومة "تأميم" صناديق التقاعد، الا ان العاملين المؤمّنين في هذه الصناديق، لا تزال لديهم الشروط الافضل من بين كافة انواع صناديق التقاعد، حيث ان هذه الصناديق لا تهدف الى الربح، ورسوم ادارتها تبلغ 3.5% من المبلغ الذي يحوله العامل والمشغل اليها. لذلك انا انصح ان يتمسك المؤمّنون في هذه الصناديق بتأمينهم هذا بايديهم وباسنانهم وبارجلهم، وان لا يفرطوا به ابدا، حتى لو جاءهم وكيل تأمين وعرض عليهم "صفقة مغرية" للانضمام الى صناديق التقاعد الجديدة التي تديرها شركات التأمين، لانهم سيحصلوا حينها على مبالغ اقل مستقبلا مما سيحصلون عليه ان هم بقوا في الصناديق القديمة".
وتضيف سفيرسكي: "بخصوص المؤمّنين في الصناديق الجديدة، التابعة اليوم لشركات التأمين، فان الصفقة التي حصلوا عليها في هذه الصناديق هي اقل جودة من الصفقة في الصناديق السابقة الذكر، ولكنها في المنظور العام ليست اسوأ ما يكون. عندما باعت الحكومة هذه الصناديق لشركات التأمين في شهر نيسان 2004، من خلال انظمة لم تمر في مرحلة التشريع، تغيرت رسوم ادارة هذه الصناديق، (من الجدير بالذكر ان رسوم الادارة هي اكثر ما يؤثر على المبلغ المستقبلي الذي يحصل عليه العامل عند خروجه للتقاعد)، حيث ادعى موظفو وزارة المالية انهم يخفضون هذه الرسوم من 8% الى 6%، ولكنهم "نسيوا" ان يضيفوا بانه يضاف الى رسوم الادارة هذه 0.5% من املاك الصناديق بحساب سنوي، اي ان حسابا بسيطا سيقود الى نتيجة مفادها ان جباية رسوم الادارة قد تبلغ سنويا نسبة 12% بدل 8%".
وقالت سفيرسكي: "لحل هذه المعضلات، يمكن ان يقوم العاملون يتحويل مبالغ الى صندوق التقاعد "مكيفت"، الذي ما زال صندوقا لا يهدف للربح، او الانتظار حتى نجاح العملية التي تقودها الهستدروت، من خلال التفاوض مع وزارة المالية، والتي تحاول من خلالها اقناع وزارة المالية بان تحول شركات التأمين قسما من رسوم ادارة الصناديق اليها، حتى تعيده الهستدروت الى العمال مستقبلا، او الانضمام الى صناديق التقاعد الصغيرة التي لم تباع لشركات التأمين".
وردا على سؤال "الاتحاد" حول وضع العاملين الذين ليست لديهم اي تأمين تقاعد، قالت سفيرسكي: "وضع هذا القطاع من جمهور العاملين هو الاسوأ. والحل هو اقرار قانون تقاعد اجباري، لكن لا يمكن سن مثل هذا القانون في هذه الظروف التي فيها رسوم ادارة الصناديق هي الاعلى، انما يجب سن القانون مع بند ينص بوضوح على تحديد رسوم الادارة بمبلغ معين نسبته قليلة. هذا الرأي يشاركنا فيه البروفيسور افيا سبيفاك، نائب عميد بنك اسرائيل، ولكن من منطلقات مختلفة. منطلقاته هي انه لا يريد ان تمول الدولة مخصصات لمن عبروا سن التقاعد وليس لديهم تأمين تقاعدي، عن طريق التأمين الوطني، ولذلك فانه يرى انه يمكن التنازل عن رسوم الادارة العالية، مقابل التوفير في مخصصات الشيخوخة وتكملة الدخل التي تضاف لمخصصات الشيخوخة لمن ليس لديه تأمين تقاعد. علينا العمل على سن قانون التقاعد الاجباري، مع البند الذي يحدد نسبة رسوم الادارة".

بين الحياة الكريمة وبين العيش مهانًا

عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الاسرائيلي والنائبة السابقة، تمار غوجانسكي، تقول بان الخطوة التي قامت بها الحكومة لبيع صناديق التقاعد لشركات التأمين، بعد ان "اممت" هذه الصناديق التي كانت تابعة للهستدروت، هي خطوة تدل على عمق عملية الخصخصة المنتهجة حاليا، والتي تمس كافة نواحي حياتنا اليومية، حتى اماننا الاقتصادي المستقبلي، وهو امر لا يعد من الكماليات وانما هو امر يفصل بين الحياة الكريمة وبين العيش مهانا وانت في آخر عمرك.
وتقول غوجانسكي: "صناديق التقاعد هي صناديق مليئة بالاموال، وتلائم الاستثمار في اسواق الاموال. الحكومة كانت تحصل على القروض من صناديق التقاعد، وتعيد هذه الاموال بفائدة سنوية نسبتها 6.5%. هذه علاقة مهنية ممتازة للطرفين، حيث تستفيد الحكومة من أموال مضمونة وكثيرة، ومن الناحية الاخرى، فان صناديق التقاعد تعطي قروضا لجسم هي متأكدة من انه سيعيدها باضافة الفائدة عليها".
وتضيف: "هذه العلاقة استمرت حتى جاء الوقت الذي قررت فيه الحكومة بأنها تريد التنازل عن هذه الصفقة، وتريد نقل الصناديق لملكية اجسام خاصة، كجزء من عملية الخصخصة، فاعلنت الحكومة قبل خمس سنوات عن اغلاق صناديق التقاعد القديمة امام المنضمين الجدد، واعلنت عن اقامة صناديق تقاعد جديدة. في هذه الحالة بقيت صناديق التقاعد القديمة غارقة في ديونها، وبقيت مع زبائنها المسنين الذين يحصلون على الاموال، ولا يحولون اموالا  لها، اما الصناديق الجديدة فقد بدأت من الصفر دون اية ديون، وبزبائن صغار السن".
"اما المرحلة التالية" تقول غوجانسكي، "فكانت بيع صناديق التقاعد الجديدة لشركات التأمين. شركات التأمين بصفتها شركات خاصة لا تحكمها سوى قوانين السوق، تستطيع التصرف في اموال صناديق التقاعد بالطريقة التي تريدها، مثل الاستثمار في البورصة في اسرائيل، او في اسواق المال في العالم، اي انه يمكن لهذه الشركات ان تخرج هذه الكميات الضخمة من الاموال من البلاد وتستثمرها في الخارج، حيث لا يستفيد مواطنو الدولة من هذه الاموال!".
وردا على سؤال "الاتحاد" حول المبالغ التي يحصل عليها المتقاعدون مستقبلا من هذه الصناديق، وكيفية حسابها، تقول: "المتقاعد يحصل على امواله دون ارتباط بعدد السنين التي عمل فيها او بكمية الاموال التي حوّلها لهذه الصناديق، بل بحسب الارباح التي جنتها هذه الصناديق من خلال المضاربة باموالها في اسواق المال، بما معناه انه اذا خسرت صفقات المضاربة هذه، فأن المؤمّن يخسر ايضا، وان ربحت فيربح المؤمّن. هذه مراهنة على مستقبل جماهير العمال".


شركات التأمين وصناديق التقاعد:
 الصفقات التي تدر ارباحا خيالية!

في الشهر الماضي اشترت شركة التأمين الاكبر في اسرائيل، "منورا"، صندوق التقاعد الجديد الاكبر في البلاد، "مبطاحيم الجديدة"، مقابل مبلغ قدره 710 مليون شيكل! بهذا تكون "منورا" قد حصلت على صندوق تقاعد يدير توفيرات مقدارها 10 مليارات شيكل، تابعة لـ 400 الف عامل، ويدر دخلا مقداره ملياري شيكل سنويا.
اما شركة التأمين "مجدال"، وهي الثانية في الحجم، فقد اشترت صندوق التقاعد الجديد الثاني في الكبر في اسرائيل، "مكيفت الجديدة"، مقابل 200 مليون شيكل.
اصحاب شركة التأمين "منورا" هم شركتان اجنبيتان، حيث تملك هاتان الشركتان 78% من اسهم "منورا"، الا ان من يديرها فعليا هو "بنك هبوعاليم" (بنك العمال!!)، بواسطة امتلاكه 6% من اسهم الشركة.
اما ثلثا اسهم شركة "مجدال"، فتملكها شركة التأمين الايطالية- الاوروبية "جنرالي". اما شريك "جنرالي" في الملكية فهو "بنك لئومي".
من هنا نستنتج ان ملكية شركتي التأمين الاكبر في البلاد، هي في ايدي شركات اجنية، والبنكين الاكبر في الدولة، الامر الذي يدل على ان الخصخصة تعجل بيع املاك الجمهور الواسع، لشركات عابرة للقارات، بالضبط مثلما يريد البنك الدولي (الذي يدير الاقتصاد العالمي فعليا) ومثلما تريد الرأسمالية العالمية. ويمكن الاستنتاج ايضا، ان البنوك الكبرى في البلاد، تزيد من سيطرتها على السوق الاسرائيلي بواسطة امتلاك جزء كبير من صناديق التقاعد.
هذه الحقائق تقودنا الى سؤال ضروري: حتى متى تنتظر جماهير العمال للانتفاض ضد من يسرقها؟ المجرم معروف، وهو يسرقنا في وضح النهار. فإلى متى نصمت؟

(المعلومات الاخيرة مقتبسة من مقال نشرته تمار غوجانسكي في العدد الاخير من الشقيقة "زو هديرخ")  

 

ما لم تذكره المالية!

ادعى موظفو وزارة المالية انهم يخفضون رسوم من 8% الى 6%.. ولكنهم "نسيوا" ان يضيفوا بانه يضاف الى رسوم الادارة - واكثر ما يؤثر على المبلغ المستقبلي الذي يحصل عليه العامل عند خروجه للتقاعد - 0.5% من املاك الصناديق بحساب سنوي، اي ان حسابا بسيطا سيقود الى نتيجة مفادها ان جباية رسوم الادارة قد تبلغ سنويا نسبة 12% بدل 8%".

 

تمار غوجانسكي: "بيع صناديق التقاعد لشركات التأمين هو مرحلة اساسية في عملية الخصخصة التي تنتهجها الحكومة"!

 

   بربارا سفرسكي: "يجب على المؤمّنين في الصناديق القديمة التمسك بهذه الصناديق بأيديهم وباسنانهم".. وتحذّر الجميع من صفقات وكلاء التأمين مهما كانت مغرية!


خليل حداد
السبت 11/9/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع