<أي تعليم مجاني في هذه البلاد وأي بطيخ..>


*هذا ما يقوله أحد الآباء لـ "الاتحاد"، ويضيف: تجهيز ابنائي يكلفني مئات الشواقل، وانا اقف عاجزا عن تلبية كافة مطالبهم فاكتفي بتوفير الظروف الدنيا لهم!* في ظل الظروف الاقتصادية القاسية، يتضاعف العبء على معظم العائلات في مجتمعنا، قبيل كل تاريخ 1/9 سنويًا..*

أحقا ذهبت السكرة وجاءت الفكرة؟ أحقا أنهينا كل مصروفاتنا لهذا الصيف في الافراح والاجازات والعطل، ونسينا أو تناسينا الاستعدادات للعام الدراسي المقبل؟ أنكون حقا نموذجا لكل الناس؟ قد نريد ذلك، قد نتمناه، لكن الواقع، بكل صدق، أصعب ألف مرة. فهنالك، يقال للشامتين، من قضوا هذه العطلة في منازلهم، دون الخروج الى اي عطلة، وبكثير من الخجل من الاشتراك في الافراح، لضيق ذات اليد. هناك كثر من أبنائنا كانوا يستيقظون كل صباح للذهاب الى مخيمهم الصيفي فتمر عنهم الحافلة دون أن "يرف لها جفن". هنا، هنالك من العائلات من تقتطع من صحتها وأكلها لاكمال الشهر، وهذا تحدّ غير بسيط في مثل هذه الظروف الاقتصادية الاجتماعية الشرهة الطاغية.
قبل افتتاح العام الدراسي الجديد، سيقف كل أب وكل أم امام متطلبات واسعة، في سوق جشعة، ستكلفه الوف الشواقل، فيضطر الى التساؤل.التساؤلات كثيرة والهواجس أكثر، هنا على الاقل سنتطرق الى سؤال واحد، كيف بالوسع الوقوف امام هذا التحدي المالي الضخم؟

تكلفة تجهيز الطالب الواحد 570 شاقلا!

بحسب المعطيات الرسمية لـ "مجلس الاستهلاك في اسرائيل"، الصادرة مؤخرا، فان معدل تجهيز الطالب الواحد للعام الدراسي المقبل يكلف حوالي 570 شاقلا، وفي نفس التقرير اوردت انتقادات على عدم وجود رقابة على اسعار الكتب والقرطاسية، مما يجعل القرار الاخير في أيدي التاجر، صاحب المصلحة الاولى في الربح.
في حديث لـ "الاتحاد" مع عدد من الاباء والامهات قال احد الاباء مغتاظا: "اي تعليم مجاني في هذه البلاد واي بطيخ، تجهيز ابنائي يكلفني مئات الشواقل، وانا اقف عاجزا عن تلبية كافة مطالبهم فاكتفي بتوفير الظروف الدنيا لهم".
وعن اكثر الظواهر ازعاجا في هذا المجال، يقول مركز مشروع تبديل الكتب في اللد، المربي طه الخطيب: "أنا اعلم في مدرسة اعدادية في اللد، وبوسعي القول ان ربع الطلاب تقريبا يأتون الى المدرسة دون كتبهم، فقد تحولت القضية الى تجارية بحته على أكتف الناس والعائلات". وأضاف: "في كل سنة هنالك تجديد لطبعات مختلفة من الكتب، من خلال تصفحي لعدد كبير من الكتب وجدت ان الاختلافات بين الطبعات هي شكلية لا تتعدى تغيير الغلاف وبعض الاشياء، هذا التغيير يجبر الطالب على شراء كتب جديدة في كل عام ويعيق فرصة تبديلها. أعتقد وراء هذا الامر دوافع ربحية". وهنا يخص بالذكر كتب اللغة الانجليزية والتي تتغير وتستبد في وتيرة هي الاعلى نسبيا، اضافة الى اسعارها الخاصة باهظة الاثمان".


عشرات الوف العائلات عاجزة، وكذلك االسلطات المحلية!

من هذه المبالغ الخيالية، اذا ما قورنت بمعدل الدخل الشهري للفرد الواحد ومعدلات البطالة في قرانا ومدننا العربية المختلفة يمكننا وبكل سهولة تصور أي وضع قاتم ينتظرنا عند بوابات المدارس. وفي ظل غياب اية معطيات قطرية رسمية، تشير احصائيات جمعية "صوت العامل"، بخصوص الاوضاع في مدينة الناصرة وحدها الى  ان عدد العائلات التي تعيش على مخصصات التامين الوطني هي 11009 عائلة اي ان نسبة 17.842% من عدد سكان المدينة هم من الفقراء الذين يصنفون في دائرة الفقر وفقا لمعايير مؤسسة التامين الوطني ، وهي احصائيات رسمية تعترف بها مؤسسة التامين الوطني. وجاء في الاستطلاع ان نسبة 64% من عدد العائلات التي شملها الاستطلاع قد قالت انها تعيش من مخصصات ضمان الدخل التي تتراوح بين 1800 شيكل و – 2550 شيكل، وان عدد الاولاد لكل عائلة من هذه المجموعة يتراوح بين ولدين وخمسة اولاد وانها تجد صعوبة كبيرة في شراء الحقائب واللوازم المدرسية والكتب لاولادها. وتجدر الاشارة ان الاستطلاع الذي اجرته الجمعية لم يتطرق او يشمل بتاتا مئات العائلات في الناصرة التي يعتبر المعيل الوحيد فيها يتقاضى الحد الادنى من الاجر وهو 3266 شيكل، او الى اولئك العمال الذين لا يتقاضون بتاتا الحد الادنى من الاجر، كما ان العائلات التي لا تحصل بتاتا على المخصصات وتعيش فقط من مخصصات تامين الاولاد لم يشملها الاستطلاع.
ومن جهتها فان السلطات المحلية العربية والتي تتلقى الضربات الاقتصادية المتتالية، والتقليصات تلو التقليصات، والتي أصبحت على شفا الانهيار، كما أوضح رئيس رئيس لجنة المتابعة شوقي خطيب في أكثر من مناسبة، تقف اليوم أمام هذه الظروف الاجتماعية عاجزة عن تقديم الخدمات والمعونة للمواطنين، حتى تلك الخدمات التي كانت بديهية في أحد الايام.
"الاتحاد" توجهت الى قسم الرفاه والشؤون الاجتماعية في بلدية الناصرة، اكبر البلديات في الوسط العربي، للوقوف على دور البلدية في هذه الظروف، فجاء رد مديرة القسم، امال الفار، قاسيا في وضوحه: "ندير علاقات واسعة مع عدد كبير من الجمعيات والصناديق الخيرية، وننسق فيما بينها جماهيريا لتتمكن هي من تقديم المعونة للنس، اما بالنسبة لنا كبلدية فان الدعم المالي للعائلات الفقيرة غير وارد حاليا."
وتشير الفار الى التراجع الكبير في تخصيص الميزانيات والمشاريع الحكومية، مما يقيد السلطة المحلية: "في السنة السابقة شمل مشروع "مرحبا للصف الاول" مدينة الناصرة، اما هذا العام فلا.. وزارة العمل والرفاه بما تتبعه من سياسة خنق وتقليصات حولت اقسام الرفاه والشؤون الاجتماعية، الى مجرد مراكز لعلاج الشؤون الاجتماعية الحارقة، دون اي تطلع الى رفاهية المواطن او تحسين ظروفه المعيشية".

الضائقة اُم التكاتف

ان كان المخرج الجذري من هذه الضائقة، لا يتحقق الا بطرق كل الجدران في هذا الخزان المظلم، ولا يتحقق الا بقلع عقلية هذه السياسة من الجذور، فان بعض النشاطات الرائعة المباركة تستحق الاشارة، ليس فقط على ما تحققه من حلول على المدى القريب انما لما تحمله من قيم انسانية عابرة لأكثر من مدى!

"الاتحاد" التقت مركزي اثنين من معارض استبدال الكتب. الاول في الناصرة، يميزه التعاون التام بين البلدية وابناء المدينة من كافة الشرائح والاحياء. والاخر في اللد تميزه ارادة الاهالي رغم الضائقة، ورغم تجاهل البلدية وبقية السلطات السافر لهم.

المربي طه الخطيب، مركز عمل فرع الجبهة في اللد، ومركز بازار تبديل الكتب في اللد، يحدثنا عن البازار قائلا: "يستمر عمل البازار من 10.8 وحتى 28.8 ونقوم في الاسبوع الاول بشراء الكتب المستعملة من العائلات في اللد شرط ان تكون ملائمة، ثم نقوم في الفترة المتبقية ببيع هذه الكتب. لهذه الطريقة مردود مالي جيد على العائلات التي تشتري الكتب من عندنا بأقل من نصف السعر ولتلك العائلات التي تبيعنا الكتب بمبالغ بسيطة لكنها هامة.

"الاتحاد": ما هو عدد الكتب المتوفرة لديكم في المعرض وكيف تجدون الاقبال؟

- تمكنا من جمع حوالي 5000 كتاب، وقد قمنا ببيع 500 منها في اليوم الاول للبيع. الاقبال جيد، فهذا البازار تحول الى تقليد سنوي منذ 11 عاما، اذ بدأت بتنظيمه جمعية الصبار ثم فرع الجبهة في المدينة. وأتوقع ان تزورنا مئات العائلات من اللد والرملة. نلحظ ايضا ان التجاوب معنا يتزايد سنويا، ففي المرة الاولى قبل 11 عاما اضطررنا نحن الى طرق ابواب المنازل لحث الناس على استبدال كتبها، اما اليوم فيكفي منشور واحد. كما نلحظ تغيرا في نوعية الناس الذين يزوروننا، ففي البداية كان الزوار من الطبقة الوسطى فما فوق بينما هدفنا خدمة العائلات المحتاجة أكثر..

"الاتحاد": كيف تفسر هذه الظاهرة؟

- أعتقد ان الوالد الفقير، والذي لا يريد إشعار ابنه بالضائقة كان في البداية مستعدا لأن يقوم بكل شيء الا زيارة البازار، لانه يرى في استخدام الكتب المستعملة اهانة ودوسا على كرامته، الا ان توجه الاهالي اختلف اليوم بعدما اثبت هذا البازار شرعيته وأهميته، وأصبح دخوله انجازا لأي شخص.

"الاتحاد": أي قيم يحمل هذا البازار في طياته؟

- هذا النشاط الكبير يعزز من أواصر الثقة والتعاون بين أبناء المدينة كافة من كافة الاحياء والطوائف كما انه يغرس قيما تربوية اخرى في نفوس الطلاب، كان يحفزهم للتعامل مع الكتاب كقيمة عليا والحفاظ عليه وعلى نظافته.
وان كان مشروع تبديل الكتب الرابع في الناصرة يحمل لأبناء مدينته نفس القيم الانسانية فمن الجدير التوقف عند هذه التجربة الرائدة التي تقودها بلدية الناصرة بالتعاون مع هيئات مختلفة في المدينة، ولهذا الغرض التقت "الاتحاد" مركز المعرض السيد محمود الحلو، فقال: يقام هذا المشروع للسنة الرابعة، وقد بادر اليه للمرة الاولى نائب رئيس البلدية السيد علي سلامويستمر لشهر كامل نتوقع ان تزورنا فيه اكثر من 1200 عائلة، من الناصرة وضواحيها.

"الاتحاد": من أين تمولون هذا النشاط؟

- هذا النشاط خيري نوفر فيه الكتب والقرطاسية والملابس للعائلات المحتاجة، بتبرع من العائلات التي تحضر لنا كتبها المستعملة وشركات عدة مثل شركة مكه كولا، بنك مركنتيل، صحيفة بانوراما، مجمع علي المختار واخرين..
مركزا هذين المعرضين يتوجهان عبر الاتحاد الى الاهالي لدعم هذه المسيرة التربوية الانسانية النبيلة، و"الاتحاد" بدورها تدعو القراء الى دعم اي معرض من هذا النوع قد يقام في اي قرية أو مدينة. 

       
*الاختلافات بين طبعات الكتب من سنة لأخرى شكلية لا تتعدى تغيير الغلاف وبعض الاشياء، هذا التغيير يجبر الطالب على شراء كتب جديدة في كل عام ويعيق فرصة تبديلها. وربما ان وراء هذا الامر دوافع ربحية*
*معطيات "صوت العامل": 64% من العائلات قالت انها تعيش من مخصصات ضمان الدخل التي تتراوح بين 1800 شيكل و – 2550 شيكل، وان عدد الاولاد لكل عائلة من هذه المجموعة يتراوح بين ولدين وخمسة اولاد وانها تجد صعوبة كبيرة في شراء الحقائب واللوازم المدرسية والكتب لاولادها*
*مشاريع رائعة: معارض تبديل الكتب المستعملة. ولتكن هذه دعوة للقراء الى دعم اي معرض من هذا النوع قد يقام في اي قرية أو مدينة* 


أمجد شبيطة
الثلاثاء 31/8/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع