28 بلدة عربية ليس باستطاعتها استقبال الطلاب في مدارسها


*18 سلطة محلية عربية فقط حصلت على قسم من الميزانيات المخصصة للبناء من وزارة المعارف في العام 2004 * يقابل المعلم كل صباح 40 طالبا، مكدسين كالسردين في الصف، بدلا من ان يكون في الصف 25 طالبا، تقسيم مجهود المعلم على 40 طالبا يقلل من نجاعة التعليم بشكل كبير*

التمييز ضد العرب في اسرائيل امر منهجي، ومتبع في كافة مناحي الحياة. وبالنسبة لاسرائيل، فان نجاح هذا التمييز المنهجي، مرتبط بضرورة تغلغله في الجوانب الاساسية التي تشكل القاعدة لتطور اي شعب يهوى الحياة على هذه الارض.

قالها بن غوريون مرة، ولا زال حكام اسرائيل يحاولون تنفيذ هذه المقولة بحذافيرها: "علينا بتجهيلهم لابقائهم حطابين وسقاة ماء". ومن هذه الجملة يمكن فهم جوهر السياسة الاسرائيلية لضرب تطور وبالتالي حياة الاقلية العربية: التجهيل يعني قطع مسار التطور،  وهو يتم عن طريق التمييز المنهجي في التعليم، الذي يعد حجر الاساس في انطلاق الشعوب نحو مستقبل افضل. وبما ان الجهل والفقر توأمان سياميان لا يفترقان، عرفت حكومات اسرائيل ان انجح طريقة لابقاء العرب فقراء هي تجهيلهم، وان افضل طريقة لابقائهم جاهلين هي افقارهم. دائرة مفرغة تحتاج عصا سحرية لكسرها، واين هذه العصا؟!

الجهاز..

جهاز التعليم العربي في البلاد، هو جهاز ضخم، بكل المعايير، فعدد المدارس والمؤسسات التربوية العربية في البلاد، هو 630 مدرسة ومؤسسة تربوية من مجمل المدارس والمؤسسات التربوية التي يتجاوز عددها 3700 مدرسة. اما بالنسبة للعامل الانساني، فان عدد المعلمين العرب في البلاد هو 25 الف معلم، من 127 الف معلم في البلاد، وعدد الطلاب العرب هو 430 الف طالب في كافة المراحل من اصل مليوني طالب في البلاد. اي ان نسبة الطلاب والمعلمين والمدارس العرب في البلاد تتجاوز نسبة المواطنين العرب في الدولة، وهو امر، ان بقي في هذا الشكل، يدعو للتفاؤل. الا ان الموضوع لا ينتهي هنا، فمن اجل بناء جهاز تعليم حديث وحضاري بكافة المعايير، علينا الاخذ بالحسبان الميزانيات المخصصة لهذا الجهاز، وعدد الغرف في الدرسة ومواضيع التخصص وساعات التعليم وعدد الطلاب في الصف الواحد، وتأهيل المعلمين العرب الذين يخوضون غمار التجربة التدريسية، وفوق كل هذا انجازات طلابنا العرب التي تؤهلهم للارتقاء بمجتمعهم الى مصاف الامم المتطورة. وفي هذه الامور، وضعنا لا نحسد عليه!

والغرف..

بخصوص عدد الغرف في المدارس، فان جهاز التعليم العربي تنقصه 1500 غرفة حتى يصل الى المستوى المطلوب في مدى رفاهية الطالب في الصف، ومدى راحة المعلم او المعلمة، في نقل المواد للطلاب، وبالتالي تحسن انجازات الطلاب. فحسب التقرير الذي اصدرته لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، والذي ارسلت نسخة منه الى مكتب رئيس الحكومة، فان هنالك 28 بلدة عربية ليس باستطاعتها استقبال الطلاب في مدارسها مع افتتاح السنة الدراسية، حيث تنقص فيها 206 غرف دراسية. وجاء في ذات التقرير ان هنالك 18 سلطة محلية عربية فقط حصلت على قسم من الميزانيات المخصصة للبناء من وزارة المعارف في العام 2004.
وجاء في ذات التقرير، مطالب آنية بحاجة لمعالجة سريعة، هي معالجة عينية وتحضير خطة تدخل حالي للسلطات التي بحاجة ماسة لغرف التعليم، مثل سخنين وعين ماهل وعيلوط والطيبة ودير الاسد ورهط والجديدة المكر والمشهد وغيرها. وطالبت اللجنة ايضا بتحويل كافة الميزانيات المخصصة للبناء لسنة 2004 للسلطات المحلية العربية. كما طالبت بتغيير طريقة تحديد الميزانيات للبناء، وتوزيع الميزانيات عن طريق وزارة التربية والتعليم، بحيث تصبح طريقة توزيع هذه الميزانيات متعلقة بعدد الطلاب في كل بلدة.
ومن الجدير بالذكر ان التصديقات المالية المخصصة لبناء المدارس، وصلت المجالس المحلية في شهر حزيران الماضي، على الرغم من اقرارها في بداية السنة المالية الحالية، الامر الذي جعل استغلال الميزانيات للبناء خلال شهرين صعبا، وبالتالي فان عدم استغلال ميزانية السنة الحالية للبناء يجر الميزانية المخصصة للبناء لهذا العام لسنوات قادمة، و"يوفر" على الدولة تخصيص ميزانيات في السنوات القادمة، لان السلطة المحلية ما زالت تستغل ميزانية العام السابق او الذي قبله!!
في العام 2004، خصصت الحكومة مبلغ 239.05 مليون شاقل كميزانية للبناء في المؤسسات التعليمية في البلاد، منها مبلغ 94.6 مليون شاقل ميزانية للبناء في المدن والقرى العربية. هذه الميزانية لا تغطي الحاجة ببناء قرابة 315 غرفة، التي اقر بناؤها في الخطة الخمسية، وبالطبع فانها لا تغطي احتياجات التكاثر الطبيعي والتعليم الخاص وصفوف البستان وما قبل البستان. كل هذه المشاكل تضاف الى قضية تحويل الميزانيات المعدة للبناء بتاخير كبير الذي منع استغلالها!

والعامل الانساني..

حتى الآن لم نخض الا في موضوع التمييز في ميزانيات البناء. اما في المواضيع الاهم، والمتعلقة في العامل الانساني في التعليم، وهو المعلمون والطلاب، فان الوضع يزداد سوءا!!
يمكن البدء في هذا الموضوع من عدة نواح، فبالنسبة للميزانيات، نشرت صحيفة "هآرتس" في موقعها على الانترنت في بداية الشهر الجاري، تقريرا اعتمد بحثا نشره مكتب الاحصاء المركزي، يؤكد ما قلناه ونقوله يوميا منذ قيام الدولة، فبات على لسان كل مواطن عربي في هذه الدولة: "انا لا اساوي المواطن اليهودي في هذه الدولة، والدليل الاستثمار المادي في الانسان العربي الادنى نسبة للاستثمار في الانسان اليهودي"!! التمييز واضح وبارز، والتقرير المذكور جاء ليؤكد هذا الامر: تخصيص الميزانيات من الدولة يميز ضد الطالب العربي بالنسبة للطالب اليهودي المتدين او العلماني، حيث تبين ان معدل مدخول الطالب المتدين في العام الدراسي 2000/2001 كان 7150 شاقلا، بينما كان هذا المدخول للطالب العلماني 2100 شاقل. الطالب العربي، كما كان دوما، موجود في ادنى سلم حسابات هذه الدولة، حيث تخصص الحكومة لكل طالب عربي مبلغ 550 شاقل، اقل بـ 13 مرة من مخصصات الطالب المتدين (انظروا ص 8). هنا لا زلنا نتحدث عن التمويل الرسمي، دون التطرق الى التمويل غير الرسمي من المؤسسات او الجمعيات. اي ان الطالب العربي بنظر الحكومة يساوي اقل من نظيره اليهودي في جهاز التعليم الديني او العلماني على حد سواء!!
ولا يختلف اثنان على ان التمييز في الميزانيات وفي المبالغ المخصصة لكل طالب، يؤدي الى خلل في ميزان الانجازات. وهذا الامر واضح في المعطيات التي نشرت حول تحصيل الطلاب في البلاد في امتحانات "الميتساف" (مقياس النجاعة والتطور والنمو في المدارس)، حيث كان معدل العلامات في امتحان الرياضيات لصفوف الثوامن في الامتحان بين الطلاب العرب 44- مقابل معدل 60 بين الطلاب اليهود. وفي امتحان اللغة الانجليزية يتسع هذا الفارق في المعدل، حيث ان معدل الطلاب العرب هو 49 ومعدل الطلاب اليهود هو 73. اما في امتحان لغة الام، فان المعدل في المدارس العربية كان 54 وفي المدارس اليهودية 70!! ولا يمكن القول ابدا ان الطالب اليهودي اذكى من الطالب العربي، والا فاننا ندعم نظرية التفوق العرقي لشعب معين على شعوب اخرى، بل من الضروري الكشف عن المشكلة الحقيقية وتسليط الضوء عليها، وهي ان الطالب اليهودي يحصل على العناية اكثر بكثير من الطالب العربي!!

والمعلم..

واذا خضنا في الجانب الثاني من العامل الانساني في جهاز التعليم العربي، وهو المعلم او المعلمة، فنجد ان الوضع لا يقل سوءا عن ما ذكر حتى الآن. عدد المعلمين كما ذكرنا في بداية التقرير هو قرابة 25 الف معلم في المدارس والمؤسسات التربوية العربية. هذا المعلم او تلك المعلمة يعملون 35 عاما حتى يحصلوا في النهاية على مخصصات تقاعد لا تتعدى 4500 او 5000 شاقل شهريا، وهو مبلغ متوسط لا يكفي لاعالة عائلة. فقدان المردود المادي الملائم لنوع العمل الذي يقوم به الشخص، يؤدي بالضرورة الى فقدان هذا الشخص للرغبة في القيام بعمله على اكمل وجه، وكم بالحري عندما يدور الحديث عن 35 عاما يقوم فيها المعلم بنفس العمل ويقابل نفس الوجوه كل صباح، ليصبح القاء الدرس جزءا من حياته، يفقد مع استمراره يوميا الدافع للقيام به!
في الدول التي تضع التعليم على راس سلم اولوياتها، مثل كندا، فان المعلم يخرج الى التقاعد في جيل 45. بالاضافة الى انه يحصل على راتب يعادل اضعاف راتبه في اسرائيل! هذه الامور وغيرها تجعل المعلم يحس بانتماء لمهنة التعليم، وبالتالي يعطي الطلاب ما يحتاجونه من مواد بشكل افضل.
في المدارس العربية تضاف الى الاشكاليات العامة التي تواجه المعلم، اشكالية النقص في الميزانيات وفي غرف التدريس، حيث يقابل المعلم كل صباح 40 طالبا، مكدسين كالسردين في الصف، بدلا من ان يكون في الصف 25 طالبا. تقسيم مجهود المعلم على 40 طالبا يقلل من نجاعة التعليم بشكل كبير، ويمنع الاهتمام بكل طالب بشكل فردي. وهنالك امر لا يحصل في اي مكان في العالم، هو عبور مسألة تعيين المعلم او المدير العربي، في اروقة جهاز "الامن" العام (الشاباك)، الذي يصدق على التعيين او يرفضه!!!

والعامل الذاتي..

بالاضافة الى هذه العوامل الموضوعية، هنالك العوامل الذاتية التي تؤثر على التعليم العربي سلبا، مثل قضية تصرف بعض المدراء في مدارس عربية مع المدرسة وكأنها ملكه الخاص، فيصبح فيها الحاكم بأمر الله، يأمر وينهي ويصول ويجول، ويفضل هذا المعلم على ذاك، وهذه الطالبة على تلك! وايضا نرى ان قسما جديا من الطلاب الذين يتوجهون الى العمل في سلك التعليم، هم الطلاب ذوي المستوى المتوسط في التحصيل العلمي، حيث يتوجهون للتعليم لانعدام البدائل لديهم. السبب في عدم توجه اصحاب الانجازات المتفوقة في تحصيلهم العلمي الى العمل في سلك التعليم عادة، هو عدم توفر الشروط الجيدة كالراتب او ساعات العمل وما الى ذلك في جهاز التعليم!

والحل..

الحل لهذه الامور يجب ان يكون مرتبطا بشفافية السلطات المحلية، لتقوم هذه بتدعيم اقسام المعارف فيها والتعامل مع رسالتها التربوية بنزاهة، بالاضافة الى العمل بشكل جدي لتحويل مهنة التعليم من مهنة متوسطة يقصدها "من لا يقدر على غيرها"، الى مهنة مطلوبة تعكس شروطها ما يقدمه المعلم لطلابه، والمجهود الذي يبذله من اجل نجاح هؤلاء الطلاب.    


معطيات

* عدد المدارس والمؤسسات التربوية العربية في البلاد، هو 630 مدرسة ومؤسسة تربوية

* عدد المعلمين العرب في البلاد هو 25 الف معلم، من 127 الف معلم في البلاد

* عدد الطلاب العرب هو 430 الف طالب في كافة المراحل من اصل مليوني طالب في البلاد

* معدل العلامات في امتحان الرياضيات لصفوف الثوامن بين الطلاب العرب 44- مقابل معدل 60 بين الطلاب اليهود.

* في امتحان اللغة الانجليزية معدل الطلاب العرب هو 49 ومعدل الطلاب اليهود هو 73

* في امتحان لغة الام، فان المعدل في المدارس العربية كان 54 وفي المدارس اليهودية 70!! 


خليل حداد
الثلاثاء 31/8/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع