عن مناهضة التجنيد وقلق المؤسسة الاسرائيلية


*في الماضي عندما لاحقت السلطات الرافضين الدروز لأسباب ضميرية وقومية واعتقلتهم وحكمت عليهم بالسجن لمدة طويلة، كانت هذه الملاحقة لا تثير أصداء في وسائل الاعلام الاسرائيلية ولا يعرف عنها الا من خلال ما تنشره جريدة "الاتحاد" والبيانات التي أصدرتها "لجنة المبادرة الدرزية"*

التقرير الذي كان نشره موقع "يديعوت أحرونوت" يوم الثلاثاء الأول من حزيران 2004، وأثار عاصفة اعلامية وسياسية، لم يكشف جديدا عن ظاهرة رفض الخدمة الاجبارية بين أبناء الطائفة العربية الفلسطينية في اسرائيل، فالظاهرة ليست جديدة والرفض قائم منذ فرضت السلطات الاسرائيلية تطبيق قانون التجنيد الاجباري على هذه الطائفة العربية عام 1956، أما الجديد فهو أن الاعلام الاسرائيلي والمؤسسات السياسية والعسكرية الاسرائيلية أصبحت تتعامل مع هذه الظاهرة بقلق وخوف، مع ازدياد ظاهرة رفض الخدمة العسكرية بين الشبان اليهود أيضا.
لماذا يقلقهم اليوم ولم يقلقهم بالأمس؟
أولا: في الماضي كان الشبان الرافضون في معظم الأحيان يتهربون من الخدمة بحجج صحية أو دينية أو اقتصادية، المهم ألا يخدموا، والعدد القليل منهم من كان يعلن الرفض لأسباب مبدئية، ولكن في السنوات الأخيرة أصبح كثيرون منهم يعلنون رفضهم لاعتبارات ضميرية وسياسية وقومية، ويجاهرون بذلك حتى في المحاكم العسكرية وهم يدركون أن هذه المجاهرة من شأنها زيادة الأحكام عليهم بالسجن الفعلي أو ملاحقتهم مستقبلا، ان هؤلاء الرافضين يؤكدون على انتمائهم العربي الفلسطيني واصرارهم على الرفض القاطع للخدمة في جيش يقمع ويقتل أبناء شعبهم.
من يقف مثل هذا الموقف يحتاج الى جرأة لا حدود لها والى وعي سياسي عميق والى انتماء قومي واضح وفي الوقت نفسه الى دفيئة وطنية تصقل شخصيته ومواقفه، وليس مصادفة أن جميع هؤلاء نِشأوا في دفيئات وطنية مثل أسرة وطنية أو حركة سياسية وطنية أو حزب وطني، هذا الوعي الوطني يقلق السلطات لأنها تدرك فعله للمدى البعيد، ومدى تأثيره على فضح سياستها التضليلية خلال نصف قرن من الزمن.
ثانيا: في الماضي عندما لاحقت السلطات الرافضين الدروز لأسباب ضميرية وقومية واعتقلتهم وحكمت عليهم بالسجن لمدة طويلة، كانت هذه الملاحقة لا تثير أصداء في وسائل الاعلام الاسرائيلية ولا يعرف عنها الا من خلال ما تنشره جريدة "الاتحاد" والبيانات التي أصدرتها "لجنة المبادرة الدرزية"، ولكن اليوم مع كثرة وسائل الاعلام العربية والاسرائيلية والفضائيات العربية ووسائل الاعلام الأجنبية، والجمعيات التي تعنى بحقوق الانسان وحركات عالمية لرافضي الخدمة، ووسائل الاتصال المحررة من الرقابة العسكرية، كل ذلك جعل ظاهرة رفض الخدمة العسكرية بين شبان الطائفة الدرزية تحت الأضواء ولا يمكن تجاهلها.
ثالثا: تعميق تواصل القوى الوطنية الرافضة للخدمة الاجبارية مع أبناء الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة ودعمها للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال، وكذلك التواصل مع أبناء الطائفة العربية الدرزية في الأردن وسوريا ولبنان ومعهم مع الأمة العربية، الحضن الأم، فان ذلك يهشم الصورة التي ابتدعتها السلطات الاسرائيلية وكأن هذه الطائفة المعروفية انسلخت عن شعبها وقوميتها وانحازت الى الدولة اليهودية في سياستها وأيديولوجيتها.
رابعا: الصوت العربي الدرزي الرافض للتجنيد ولمجمل سياسة اسرائيل العنصرية، ينسف فرية: الحقوق المتساوية مقابل الواجبات المتساوية، التي تستعملها السلطات الاسرائيلية لتبرير سياسة التمييز العنصري ضد العرب من مواطنيها، فالدروز لم ينالوا من هذه السياسة الا ما ناله غيرهم من الطوائف العربية الأخرى، من التمييز والاجحاف، بل كان نصيبهم أكبر اذا أضفنا ضريبة الدم التي يدفعونها بلا مقابل.
خامسا: يلتقي هذا الرفض الدرزي الضميري مع الرفض اليهودي الضميري الذي ازداد في السنوات الأربع الأخيرة، ولا شك أن التقاء الرافضين المبدئيين من الطرفين يقوي حركة رفض الخدمة العسكرية، هذه الخدمة التي كان الاسرائيليون يرون فيها حقا وليس واجبا وكان الشاب اليهودي ينتظر باعتزاز اليوم الذي يلبس فيه بزته العسكرية، ليفاخر بها هو وأهله، ولم يكن أحد يجرؤ على اعلان الرفض الضميري اذ اعتبر خيانة وطنية. حركة الرفض "الدرزية" تدعم حركة الرفض "اليهودية" وبالعكس، ولم يعد بمقدور السلطات الادعاء أن الرافضين هم قلة هامشية ونسبة لا تذكر، مع بعض يشكلون ظاهرة سياسية رافضة لا يمكن الاستهانة بها.
هذه الأمور مجتمعة تثير قلق السلطات الاسرائيلية، وليس مصادفة أن جاءت ردود فعل نواب كنيست من اليمين سريعة، فسارعوا الى طرح الموضوع أمام لجنة الخارجية والأمن كذلك سيبحث في احدى جلسات الحكومة القريبة المقبلة، ومن يقرأ ردود فعل المواطنين الاسرائيليين على التقرير في موقع الانترنيت، يلاحظ أهمية الربط بين رافضي الخدمة الدروز وبين اليهود، فقد عبر كثيرون من الاسرائيليين عن قلقهم من أن رفض الخدمة بين اليهود ضميريا "أيقظ" الدروز ويشجعهم على الرفض. (مع أن الظاهرة بين الشبان الدروز هي الأقدم ولكن الاسرائيليين الذين لم يعرفوا عنها يعتقدون العكس).
أليوم أكثر من اي وقت مضى هناك ضرورة لتكثيف النضال ضد التجنيد الاجباري المفروض على الدروز، وخطر فرض الخدمة الوطنية الالزامية على أبناء الطوائف العربية الأخرى، ولكن لا يقل أهمية معالجة ظاهرة التطوع للخدمة العسكرية بين الطوائف المسيحية والاسلامية التي تمهد الطريق لفرض الخدمة العسكرية على جميع العرب في البلاد وتشجع الحكومة الاسرائيلية لاتخاذ قرار بهذا الشأن.
توحيد جميع القوى المناهضة للتجنيد الاجباري في الجيش الاسرائيلي هو مطلب يجب أن يدفع هذه القوى للترفع عن النزعات الطائفية والحزبية والفئوية والشخصية.


سلمان ناطور
السبت 7/8/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع