أأُلْْهوجة السلام في <البحث عن سلام القلب> لدى الاستاذ اسامة مصاروة

كان الدكتور احمد سعد قد طلب مني ان اكتب تعليقا على كتابٍ قدّمه لي، وهو كتاب شعر باللغة الانجليزية من نظم الاستاذ اسامة مصاروة الذي لم أتشّرف بمعرفته شخصيا حتى الآن. وبعد ان لبّيت طلب الدكتور سعد بكل ترحاب، قرأت الكتاب ووجدت فيه الكثير مما يستحق الدراسة والتعقيب.

يتضح من مضمون قصائد الديوان ان الكاتب يركّز على قضية السلام المفقود في هذه الديار حيث تتمحور هذه القصائد برمّتها على موضوع المعاناة الناشئة من انعدام السلام وتفشي أحداث الحرب والعنف بين أبناء الشعبين في هذه الديار. وهذا ما ينعكس على الاسم الذي اختاره الاستاذ مصاروة لكتابه الذي يحمل عنوان:
(البحث عن سلام القلب)  “Quest For Peace of Heart”
حيث نرى الشاعر يضع نفسه في قلب هذه المعاناة وهذا الابتئاس الناجم عن الظروف العصيبة القاهرة التي يعيش في اجوائها ويتألم لوجودها لا سيما وان الانسان هو الضحية الاولى لمثل هذه الظروف المأساوية.
ان اللافت للنظر من قراءة قصائد الديوان هو ان الشاعر يتماثل ويتماهى مع مبدأ السلامية واللاعنفية (Pacifist) أي معارضة الحرب او العنف ورفض اللجوء اليهما في حل النزاعات، وذلك من منطلق ايمانه بان العنف لا يمكن ان يُبرّر ابدا، ولذلك فان الوسائل السلمية يجب ان تستخدم دائما لتسوية النزاعات، فالكاتب يعارض الحروب واستخدام القوة، ويؤيد الجهود لاحلال السلام ونزع السلاح من خلال دعم الاعمال السياسية البعيدة عن العنف في ظل القانون والاعراف الانسانية وذلك كأي انسان سلمي لاعنفي ?Pacifist)) يدين بهذا المبدأ سواء اكان هذا المعتقد دينيا او علمانيا.
يستهل الشاعر كتابه بقصيدة "السلام – تلك الكلمة السحرية"
Peace – The magic Word)) حيث يقول في احد مقاطعها:
لو كنت الها للحظة
لجلبت السلام والسعادة
ولأوقفت كل جدلٍ
عبثي لا طائل منه.
(ص4)
ويضيف في القصيدة نفسها متسائلا:
ما الذي يجعلنا مستعبدين لماضينا؟
ولماذا لا نقدم على بداية جديدة؟
وما الذي يجعلنا نفقد حساسيتنا؟
ولماذا ينقصنا الابداع والخلق؟
ثم لماذا ننزع ونميل دائما الى الرفض؟
(ص 5)
ان الشاعر هنا يهفو ان يكون صانعا للسلام حيث يتبادر الى اذهاننا قول السيد المسيح " طوبى للساعين الى السلام، فانهم ابناء الله يُدعَون". كما ان الشاعر يوجه نقدا مبطنا الى اهل هذه الديار وشعوب المنطقة بصيغة السؤال حول ضياع الحساسية الانسانية التي يجب ان تتمثل بالتسامح وابتكار الحلول السلمية دون رفض مبدأ التفاهم والوئام ويؤكد شاعرنا فكرة السلام التي يصبو اليها في قصيدة "الدوري الصغير" (Little Sparrow) حيث يقول: انها رسالة الى كل العالم
اننا لا نستطيع ان نعيش فقط على السيف.
(ص7)
* ألهوجة= فكرة تتملك الانسان وتعاوده = هاجس.
وعلى هذا الاساس يختتم الشاعر هذه القصيدة مفعما بالامل ويقول:
اننا سوف اطير واحلق في الحال، يحدوني الامل
ان اتوقف عن الشعور بالالم الفظيع
لانه، بالتأكيد، ما زال هناك امل في الجعبة،
كما انني لن اشعر بالخوف بعد الآن.
(ص8)

ان شاعرنا يتوق الى الحرية بأصفى معانيها كطائر الدوري، فهو يعشق الحرية ويقدسها في اجواء من الامان والسكينة والطمأنينة، وهو لا يفقد الامل في نيلها فيما لو تحققت احلامه وتجسدت مبادىء السلام التي يدعو اليها، وعليه فان طابع هذه القصيدة تفاؤلي مبشر بمستقبل زاهر زاخر بالانطلاق والتحرر. ولكن الكاتب يعود الى نغمة مختلفة تعتريها نظرة تشاؤمية بشأن تحقيق السلام وذلك في قصيدة "الضوء الاخير" (The Last Light) التي يقول في بدايتها:
ان السلام، ذلك الضوء الاخير، بعيد عن انظارنا
ان لنا اعينا لا ترى نوراً
لا جدوى من هذا القتال الذي لا نهاية له
اذا كان بمقدورنا اخيراً
ان نتوصل الى النتيجة نفسها
بالمقارنة مع اوهامنا.
(ص 14-15)
ويعبر الشاعر في قصيدة بعنوان "لا يُصدّق" (Unbelievable) عن ألمه وشعورهِ بالغبن حيث ينتابه الاحساس بأنه مواطن من الدرجة الثالثة مهضوم الحقوق، وهو يصرخ محتجا بأنه ابن هذه البلاد وليس عبدا، ويخلص الى القول ان:
البغضاء تؤدي الى البغضاء
اننا نريد ان نعيش في سلام وانسجام
وليس في صراعات وتوتر وألم
(ص 17)
ويتساءل شاعرنا في قصيدة "الحديث" (The Chat) عن كيفية دوام الحب بين عاشقين من كلا الشعبين في ظلال انعدام السلام واستمرار سيل الدماء حيث يقول:
كيف يمكن ان نكون متأكدين
من ان هذا الحب سوف يستمر
في وسط بحور من الدم
لم تتوقف ابدا عن السيلان؟
(ص18)
ومع ان شاعرنا يعتقد ان السلام يُذبَح يوميا بقسوة، فانه يؤمن بأن السلام يمكن تحقيقه على المدى البعيد:
انا اؤمن بان السلام ما زال قابلا للتحقيق
لانه امر محتوم على المدى البعيد
(ص25)
ويخاطب الشاعر محبوبته بالقول:
اننا دائما نضخم اختلافاتنا
ونهوى ان نتوارى خلف دفاعاتنا
اننا جميعا ضحايا، فحاولي ان تفهمي
انه يجب علينا ان نسير جنبا الى جنب، يدا بيد
يجب علينا ان نقاتل أولئك الذين يشنون الحروب
وبهذا نقصي الرعب الى عتبات الابواب
(ص26)
وهنا تتجلى رغبة الشاعر في ان يكون فعالا وناشطا في ميدان محاربة العنف والدعوة الى الاسلوب السلمي اللاعنفي. وهذا يذكرنا بما جاء في دستور منظمة اليونسكو الصادر في 16 تشرين الثاني عام 1945 والوارد فيه انه "من حيث ان الحروب تبدأ في عقول الناس، فان الدفاع عن السلام يجب ان يبنى في عقول الناس ايضا".
ويتحدث شاعرنا في قصيدة له عن القُبلة التي كانت له مع محبوبته حيث يختم هذه القصيدة بروح السلام المنشود قائلا:
أريد ان اكون حمامةً
أطير في الاعالي
حاملةً غصن الحب
والسلام الذي نحن بحاجة اليه.
(ص34)
وفي قصيدة "عِشْ، ودَع الآخرين يعيشون"
(Live and Let Live )
يبدو الشاعر متفائلا مع ان اغنياتهِ قاتمة وحزينة كما يقول في هذه القصيدة:
ان اغنياتي قاتمة وحزينة، وهذا حقيقي،
لكني مفعمٌ بالامل ومتفائل ايضا.
دَع الناس يعيشون، انهم فقط يريدون العيش،
ليس بمقدورك ان تكون حراً، الا اذا كانوا هم أحراراً.
ولن تستطيع العيش، الا اذا عاشوا
ولن تستطيع الاخذ، الا اذا انتَ اعطيت.
(ص 41)
وهنا تبرز نظرة الشاعر الانسانية الى حتمية التبادلية بين الانسان وأخيه الانسان من كلا الشعبين بهدف العيش السوي المشترك القائم على المحبة والعدل والتفاهم بين الشعوب، والبعد عن الانانية وحب التملك النفعي.
ويجد الشاعر في الصداقة منفذاً  وطريقا الى الولوج نحو السلام بين الشعبين في هذه البلاد المقدسة حيث يقول في قصيدته عن "الصداقة" Friendship)):
الصداقة الحقيقية تتجاوز الحقد
وتتغلب على العداء
معاً وباخلاصٍ صافٍ
نستطيع ان نجعلَ من السلام واقعا أكيداً.
(ص 51)
ولكن شاعرنا يشدّد على كرامة الانسان، ويرى أن السلام هو ان يعيش الانسان عيشة حرة كريمة، يتمتع فيها بحريته وكرامته وعزّتِه، وهذا ما يشير اليه في المقطوعة التالية:
لن تستطيع ابدا ان تستحوذ على نفسي وعقلي،
اذا كنت لا تزال تجرح كرامتي وكبريائي.
انني استطيع ان اغفر لك كل اخطائك وزلاتك
اذا تعلمت كيف تأخذ وكيف تعطي.
(ص 51-52)
ويصّر شاعرنا على ان السلام لا يزال مستحوذا على تفكيره ونفسه وروحه رغم كل الصعوبات والمضايقات التي تعترضه وتقف حائلا بينه وبين تحقيق امانيه في السكينة والاستقرار:
وفي غضون ذلك، انني احاول ان لا اكون
فريسةً سهلة للاكتئاب
مع انه من الصعب الركض او الهرب
تماما كالسلام الذي ما زال هاجسي.
(ص 61-62)
وفي قصيدة "دراكولا" (Dracula) يتحدث شاعرنا عن مساوىء وويلات الحرب وما تجره من شرور ودمار معها، ويدعو الناس الى نبذها والعمل على الخلاص من دوافعها، وها نحن نسمعه يردّد هذه المعاني قائلا:
الحرب تؤدي دائما الى الدمار
والتي بدورها تؤدي الى اعاقة
كل الجهود لصنع السلام،
هكذا نحن فقط نتكلم ونتكلم.
ان الكراهية مدمرةٌ للانسان،
فاكبح جماحها على قدر ما استطعت.
ان الكراهية، مهما كانت الاعذار لديك
 تنتج الشر.
ليس هناك شيء مقدس بشأن الحرب،
وليس هناك شيء انساني، فالمال هو جوهر الامر.
(ص 84)
وانطلاقا من كل هذه المعاني والدلالات التي يسوقها شاعرنا لنبذ الكراهية والاحقاد، والسعي بالكلمة الحّرة لصنع السلام واجتناب الحرب والدمار والحفاظ على كرامة الانسان وازدهار حياته، ومن ثم افشال واحباط المخططات السياسية التي لا تراعي مصالح الشعوب – فانه يحضرني هنا هذه الابيات الشعرية للشاعر الكبير معروف الرصافي التي تُجمل وتعكس كثيرا من الافكار التي يطرحها وينادي بها الاستاذ اسامة مصاروة في كتابه الشعري الذي نحن بصدده حيث جاء فيها:
أمنَ السياسة ان يقتل بعضنا
     بعضا ليُدرك غيرُنا الآمالا
او كلما طمِع القوي شراهةً
     اكل الضعيف تحيّفا واغتالا
امنَ المروءة ان نريق دماءنا
     سفها لمطمع طامع، وضلالا
ماذا جرى بيني وبينك قبل ذا
     مما يجر خصومة وجدالا
فاربأ بنفسك ان تكون من الألى
     زحفوا جنونا للوغي وخبالا
وكما قال العالم الكبير اينشتاين: "ان السلام لا يمكن المحافظة عليه بالقوة، انه يتحقق بالتفاهم فقط"، وهذا ما اراده شاعرنا ان يقوله لنا من خلال الكثير من قصائده الواردة في هذا الديوان.
ولا بد لنا ان ننوه هنا انّ تشابه موضوعات القصائد في هذا الديوان والتي تتناول موضوعاً واحدا يدور حول السلام وارهاصاته، وتكرار القول فيه كان لا بد ان يؤدي الى تقارب ملامح كثير من القصائد تقاربا شديدا، وهذا دليل على شمولية الفكرة التي عالجها الشاعر والتي هي جديرة  بكل عناية واهتمام على شتى الصعد لا سيّما وان الشاعر يكتب من واقع تجربته ومشاعره في هذه الديار.
وأخيرا وليس آخرا، فانه من الملاحظ ان شاعرنا قد احسن استخدام التقنية(Rhyming)  في قصائد الكتاب، فكانت ذات ايقاع وجرس موسيقي مؤثر في أذن ونفس القارىء، وحافظ  بذلك على الموسيقى الخارجية والداخلية لاشعاره لانه كما قال (جان جيرودو) ان "القافية افضل طبل"
Rhyme is the best drum))
او ان "القافية هي طبل اللغة"
(Rhyme is the drum of the language)
وختاما، نتمنى للاستاذ اسامة مصاروة مزيدا من التوفيق والتقدم والعطاء مع أطيب واصدق التحيات.

(كفر ياسيف)


دراسة للدكتور منير توما
الجمعة 16/7/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع