افهمونا يا كبار


دعيت في اواسط ايار لألقاء محاضرة حول النكبة. وكانت الدعوة من مربية الحياة الاجتماعية في مدرسة "مسار" وأمام اطفال في الصفين الاول والثاني. الحق اقول انني ارتبكت، فهذه اول مرة اجابه فيها الطفل القابع فيّ وقد بلغت بي السنون عتيا. وكانت المعضلة أن رفض ذلك الطفل ان يهرب مني ورفضي انا ان اهرب منه. وكانت تلك المحاضرة من اصعب المحاضرات التي قدمتها.. فقمت بالاستعداد لها، حضّرت رؤوس اقلام ورؤوس افكار تناسب المقام، فلكل مقام مقال! واحترت في مسألة المدخل حتى جاء من انقذني من هؤلاء الاطفال في معنى النكبة ومعنى التشرد ومعنى اللجوء والاقتلاع، وكان هذا الطفل اصلا من اقرث او كفر برعم، لا اذكر تماما.

فلا كذب ولا دجل ولا سياسة مع الاطفال.. يقال ان الخمرة والاولاد يكشفون الاسرار... ومن هنا نبدأ سواء أكان الكلام موجها الى الكبار البالغين ام الى الصغار.الصغار الذين لا نستطيع ان نخدعهم او نكذب عليهم ثم بالتالي لا نلقنهم تلقينا انما نحاورهم  وندربهم على التحليل والجدل والاستنتاج.
كما هو الحال في "مسار". لكل طفل شخصيته القائمة بحد ذاتها.
من هنا، التعامل مع الصغار في نظري اصعب من التعامل مع الكبار وعلينا الا نتعامل معهم باستخفاف، علينا ان نفهمهم اولا وقبل كل شيء حتى ينجح هذا التعامل وحتى ينشأ عندنا جيل اكثر وعيا من سابقه وحتى... نأخذ دورنا بين الامم.
وعليه فتراني اليوم اكتب عن المسرحية الغنائية "افهمونا يا كبار" كلمات والحان هشام ابي حنا واخراج عاصم الزعبي وتنفيذ وتوزيع عوني اسبنيولي – انتاج راهبات المخلص وغوايش. وقد تم تسجيلها على ديسك باستديو الياس اسبنيولي، احتوى على سبع اغان. سبع "صرخات" موسيقية تتجسم فيها الطفولة والبراءة.
صرخات بالمعنى الايجابي... فالموسيقى الراقصة والكلمات المناسبة الخفيفة الصادقة والحركة المسرحية العفوية التي تصبو الى التكامل والتي اجتمعت مع الموضوع الملحّ والتي مفادها اننا لا نستطيع ان نفهم الاطفال الا اذا تحرر الطفل الذي فينا او تمرد :
"مش دايما اسكت
ومحلك اقعد
واسمع الكلام
من دون ما نفهم"
هكذا يصرخ الطفل متمردا بحياء!
والطفل قادر على الفهم يريد تفسيرا لكل شيء، يريد ان يستوعب كل شيء، ان يهضم أي غذاء.. وليس قديما قيل ان طفلا في الرابعة يستطيع ان يستوعب نظرية اينشطاين في النسبية اذا شرحت له بالطريقة المناسبة!
والطفل بحاجة ماسة الى تشجيعه للتعبير عن مشاعره واحاسيسه بحرية وليس الى كبته او قمعه لأننا بالتالي نريد نشئًا جديدا يجادل ويجالد هذه الحياة.. نريد جيلا لا قامعا ولا مقموعا، جيلا يعتز بنفسه وبتاريخه وتراثه وشعبه، جيلا يعتقد ان شعبه ليس بافضل الشعوب لكن ما من شعب افضل منه.
نريد جيلا يبرمج لذاته ومن داخله لا ان يبرمَج له ولنا في ذلك اسوة حسنة كما فعلت غوايش وقدمت لنا عملا رائعا فيه كشف لبعض المواهب التي لا بد لها ان تصبح نجوما تسطع في كبد السماء وتنير درب المستقبل.

(الناصرة)


وليد الفاهوم
الأثنين 5/7/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع