ربيعيات (11)
توبةُ لربيعِ القلبْ

احلام شهريار:
قبل رحيلِكِ أفتحي الأبواب للغد ولو قليلاً.. قليلا..
تَعبتُ من البحثِ في البحار وفي الينابيع من عطورك البخورية السحرية.. ترَكْتني نحو الفضاءْ.. بلا أرضِ ومنفى بلا سماءْ.. ومأساة تراب.. من بنفسج الفضاء أختار وزناً لدمي، وأصقلها قصائد حبٍ مجنونة مفقودة متأججة.
إعترافات شهرزاد:
موْلاي..
روح قصيدتي لم تولد بعد..
تتجمد في غيوم الرموز، وتنهمر سُحب اشعاري شامخة، حافرة إعصاراً في رومي ونفقاً لقطارات الغد المستوحش.. فوق حروف قصيدتي، ريح لك... وحدك.. وبابٌ لفردوس جسدي.. المكتمل كالبدر فاستقر على فِراشي هادئاً كالقصيدة.
وعلى جناح الريح المرجانية أسْنِد عرشَكَ وأكتافك العريضة... وأطلق نِسركَ وسِرَك في بيداء الأساطير والألغاز.. وأنحني نحو تاجكَ مُفتخراً بآتٍ مُقبلٍ مُدْبرٍ.. هادئ..
مَوْلاي..
جسدي لكَ وحدكْ..
راقصاً بالأشعار حتى الموت الأعظم في هيكلك البلوري، يا أمير الطير أفي ميزانك الربّاني عدلٌ للموتى؟ أم عينٌ سواداء كَحْلى، ام سكين أَم نعيم يزول وقيامة باقيّة؟
لا تحزن يا مولاي فمَعنا القمرْ.. ونجمة الضحى وبساتين الزَهرْ.. وحيداً كنتَ مولاي كقطرة المطر.. ووحدَك يُنبت في الحجرِ الشجرْ.. ويرسم الغد من اوتار السَحْر..
مَوْلاي...
لا تحزن.. خيولي أقبلت من ضفاف التاريخ..
ومن عيون الرمال الذهبية المغدورة.. حين وُلد لنا الملك مخلوعاً فُتح جُرح الهزيمة من جديد.. وضاعت عصانا السحرية في الجهاتْ.. من المحيط الصامت حتى البحر الساكت.. فوَيْحنا وآهٍ منكَ يا فُراتْ..
مَوْلاي..
بينَ حُبي لك ورغبة امتلاكي النرجسية أناديك مَلكي لا حبيبي.. وأحميكَ من شمس المرارة.. والطيور الغابرة الكاسرة.. ومن أيائِل العين وألْبسُ روحك كما هي.. وأصيرُ نحوكَ شهية حايلة في اكبر شهوة.. وألبسُ عنكَ روحك وأوْجاعها لأداري حزنك وغضبك العاصف، وأرقصُ في ردهة نشوتي أمام نخلتك المائلة، والمتغاوية الراقصة.. أما آن للرقص أن ينتهي؟ وكيف له أن ينتهي، وقد تداخلتْ أبجديتُك في جسدي، وفي طيور بحري وبَري..
موْلاي..
يا قاطفاً غضَبهُ من النار..
يا محمولاً على عرش القرابين العظيمة، أرفع كأسك لِنشرب نخب النشوة العابرة لأحلامنا القديمة، كأسٌ وامرأةٌ وليلٌ يخبئنا من فضيحة النشوة.. أتيتُكَ من البحر كالامواج ومن هدأَةِ الأعماق كالصدف، وفوق شواطئ وجودي يزهر الربيع "وفينا يزهر ربيع الحياة". لا وقتَ للتذكّر.. فقد ضاعَ المفتاحْ، ولا أتوبُ.. فوشاحي المطرز من الندى نوره يقطر دماً، ينسابُ طيباً على الجراحْ..
موْلاي..
عندما أنسلخت عن نفسي كما تنسلخ الحية عن قشرتها.. وجدتُ نفسي أنا نفسي.. قبل أن يعبق بخور الصلاة.. بخَيْيبتي وشقائي.. وقبل أن تنكشف أجنحه روحي للعاصفة الهوجاء.. وقبل أن أتعطر بأريج الحياة الخالدة.. وقبل أن أتمتع بتألق الندى.. وهدير الموج.. شهدت لي الأنهار والأزهار والشموس والاقطار.
قبل تَوْبتيِ.. وجدتُ نفسي انا نفسي.. ومَشت معي نحو محرابي وصلاتي.. وطافت معي حول مَكةَ روحي وحقي عند استقرار قلبي وعند قُرص حظي..  ورفعت معي قرباناً للوجود، وأناشيد شجية للكونْ..
موْلاي..
حنانيكَ.. سنرتوي من كأسك..
وسرابك المقدس وسنشرق في الحياة.. قيامةً للأبرارْ..
" موْلاي..
ربيعنا يمضي مع الفصول
اما ذاك الربيع
فلا تُبصره العيون،
ولا تغمضُ عنه جفون العقل،
ولا تغرب فيه شمس الأزل
هو ربيعك مولاي
وليست رومي سوى زهره
تفتقت من التراب
في مسيرة ربيع اقدامك"
(كمال جنبلاط ديوان فرح ص 33)
لأن كلمتي حفيدة معرفتي، تكلمت ونطقت، شاهدة على عصر هجين لا بد أن نُضرم فيه عنفوان التغيير.. فمن نار خُرافاتي ألهبتُ حجرةً حيرتك.. حتى اضطربت نفسك.. وغبتَ في الصمت مُنعدماً من جسدْ.. ومن حياة..
مُخلاً ومتوارياً في المرتقيات.
مَوْلاي..
أغداً ألقاكَ.. وتسيرُ فينا الرايات الحمراء مُرفرفة..
وتقسو علينا نوائب التطبيق فنُظلم كالضعفاء المساكينْ.. في ثورة الاحرار ويرتوي الباشق الكاسر من دمنا العصفوري ونموتْ.. فانتظر لحظة غيمٍ وشوقٍ ونموتْ.. فانتظر لحظة غيم وشوق ونموتْ.. متلحفين المطر والاقحوان والياسمينْ..
"موْلاي
آه لسكر خمر الشباب
وعثرة الخيول
في مراكب البطولة!
آه للزمهرير
يطوي الاسارير
في عتمة رؤية العشاق
وإنبلاج شهود العروس الأزلية
في مسابح الآلهة
(من قصيدة "غداً" لكمال جنبلاط ديوان فرح ص 54)
من القهر الساطع والغضب الطالع فينا.. أدخلتُ الزمن في ثنايا الحجرْ.. ومزجتُ الحلم بالأرض.. وبنيت بالكلمة انحناءات واستدارات القدرْأتُأخِر جدّليه الرعد.. حلاوةَ البرق في زناد الريح..
أتهجرُ يمامات الصباح نوافذ الوطن المُفدى. عندما يشتدُ الأنين وتشتدُ خيبة الوعدْ.. أيحضُر الزمن الغائب في ذاكرة الحالم؟
وتزهر عواسج النوافذ من حكاياتنا.. ويتوقف نزيف البحر عند تجليات حواري البحور السبعة.. وعند اقتراف النوارس التحليق وتراشق الخفاءْ..
موْلاي..
انا طفلة النخل والومضات المبكرة..
وحين يغيب عني آخر الحالمين.. أسرجُ خيل ظنوني وأشتعل كاشتعالات امرأة كنعانية.. بأغاريد الحب وأرفض منفاي وغُربتي.. واكون الزمن الآتي واُصبح هتافك ومهرجانك وكل جمهورك.. وأمنياتك العابرة الصغيرة.. والكبيرة للارض ولجدارِ حمتكَ..
أترجُمُ الكنعانية الحبلى بالبحر في ربيع الغضبْ؟
وسنابلها مليئة بطقوس الخبز، واجراسها الثقيلة في ليلتك الظلماء ترِن بخفةٍ كالقصبْ.. وعلى ضفاف جرحك تكتب في دفاتر المطر آيات لطقوس البراءة.. امام سقوط الظل العالي..
موْلاي..
خُبزي الحار الطازج أوزعهُ للفقراء..
ففي ميراث الزمن المرتد لنا بقية من حصاد الألم.. وآهاتنا الحميمة نبعثها غير مُكترثين الى الله.. الى الرفض الى استفاقات الشفقة في خلوها بالذبيحة.
من أغرق العالم بالدم؟
أَاَنت الشاهد الوحيد على الحقيقة الضائعة.
تمدد بفوضوية.. ولا تسلّم نفسك من المعاشرة الاولى.. وأجمع نبضاتك لتقرع اجراس عالم يغرق.. وسأبوح لك وحدك عن أعماق احزاني.. التي اختزنها قلبي.. وجسدي تأكله الرؤى:
رأيت العمر كما ارى الحب..
ورأيت الحمام كما ارى السلام..
رأيت الخبز كما ارى قاع العالم المعيوش..
هل نرى ما حولنا.. هل نصف ما حدث.. آهٍ ما حولنا..
موْلاي..
نشوانة أنا.. أرْفُلُ بالذنوب..
وتسحقني خافيات الدوافع.. فأنت خمري وطيبي.. وحُطام كأسي وجنتي بعد موتْ..
عاديةُ أنا... من قبلاتك.. تعال إليّ..
ما تغيرتُ.. ما تحررتُ من القيود.. ومن يديّ..
وسآتي اليكَ من أعالي الصمتْ..
حالمةٌ على المشهد.. طالعة من تحتِ حِبرك أسكُبه بدلَ دمكَ..
على البيارق التعبة.. المُشرعة على النصر القادم..
موْلاي..
صمتٌ.. صمتْ..
قاتلٌ يلف عُمرنا.. وحانت ساعة الاعتراف.. على ايقاع ليلك الرمادي..
تترنم ارواحنا – الألِقة..
وتكونت فصول المهزلة الكبرى..
ونغيبُ في.. حفَرنا.. نسافر بلا تذاكر موتْ..
بلا مراسيم نعي..
بدوت أصوات.. بدون صرخاتٍ – بصمتٍ.. بصمتْ.. صمتْ.. صمت..
"شربتُ انا كل قلبٍ،
شربتُ كأني أنتشيتْ،
وقلتُ أنجبِلْ..
يا وجودي.. وكُن ما اشتهيتْ"
(ادونيس: من قصيدة "يقولون اني انتهيت" مجلد 1 ص 53)
يوسف حيدر
الأثنين 28/6/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع