اولئك اخواني

السيدات والسادة،
الاصدقاء والاحباء،
في قصة مولد النبي صلعم، وهي قصة جميلة ورائعة، يقول مؤلفها ان الله سبحانه وتعالى حينما خلق القلم وأمره قائلا: "اكتب يا قلم" انشق القلم الى نصفين من مهابة الله. واجيز لنفسي، بعد هذه التجربة الغنية في هذه المغامرة الخطيرة التي اسمها "فن الكتابة" ان اضيف "انشق القلم الى نصفين من مهابة الله اولا ومهابة الكتابة ثانيا". اقول ذلك، وانا على ثقة بأن صديقي واخي فضيلة قاضي القضاة لن يشكوني الى الأزهر الشريف، ولا خطورة بأن يأمر علماؤه بالتفريق بيني وبين رفيقة عمري، مع ان رفيقة عمري لها الحق بأن تشك في نيتي خاصة انها قبل ايام سمعت امي التي تسْعنتْ، اطال الله عمرها، تنصحني بأن اتزوج فتاة شابة فرفورة وامورة. ولما سألتها: لماذا؟ اجابت: زوجتك شاخت. وكأنني ما زلت في نظرها شابا لم يغز الشيب شعري ولم يرافقني فتَيا العصر، السكري وضغط الدم العالي... ولا عجب فكل واحد منا في عيني امه غزال.
قبل حوالي الف عام قال الشاعر المشاغب دعبل الخزاعي انه يحمل خشبته منذ اربعين عاما ولا يجد من يصلبه عليها، الا ان الوالي اختار لها نهاية اقسى من الصلب واذل من الاسر. واما انا فأقول ان الكاتب او الشاعر او الفنان يختار الصليب منذ دخوله مغامرة الابداع وعليه ان يعيش ويتعايش مع المعاناة ويتحمل وخز الدبابيس واوجاع المسامير وعمى الحجارة.
واصارحكم، بأنني منذ مارست الكتابة، قبل اربعين عاما وحتى اليوم ما وجدت شيطانا بجوار علّيقة ليلهمني وما وجدت جنّيا في ظل صخرة ليلقنني ولكني وجدت تراثا عربيا اسلاميا انسانيا غنيا لأنهل منه وما زلت احاول واجرب واجتهد كي اكون جزءا في مسيرة هذا التراث.. ولا ادري الى اين سأصل. ولكنني ادري ان الموهبة هي العمل كما قال الكاتب الكبير انطون تشيخوف واومن "انه لا بد ان يأكل الكرسي من مؤخرة الكاتب "كما قال صاحب رواية الأم".
في 10 حزيران 1997 نشرت مقالا عن تجربتي القصصية انهيته بالجملة التالية: والكتابة مهنة صعبة، متعبة، مؤرقة لا تعطي صاحبها الراحة ولا كمال فيها. فمهما بلغ العمل الادبي من الرقي يبق ناقصا. ما زلت ابحث عن القصة الجيدة والرواية الجيدة ولو فتحت السماء بابها لي ليلة القدر او لو عثرت على خاتم شبيك لبيك لكان مطلبي الوحيد ان اكتب قصة جيدة او رواية جيدة.
ولكني لا اؤمن بالمعجزات في هذا العصر بل اعتمد على الكرسي الذي يأكل راقات من مؤخرتي".
لن اطيل عليكم،
ولكن اسمحوا لي ان اعترف امامكم بأنني اشعر بالسعادة في هذا اللقاء، والسعادة نادرة في حياتنا بعد ان صادرها برابرة العصر الذين سرقوا احلامنا وزيتوننا وزعترنا ومفاتيح بيوتنا.
واسمحوا لي ايضا ان اذكر لكم ان ختيارا قال مرة لأحد مرشحي الرئاسة لانتخابات المجلس المحلي "يا ولدي اذا كانت زوجتك تحبك فلا يعني ان اهل بلدتك يحبونك"..
واما في موقفي هذا، في مكاني هذا، في الساعة هذه فتأكدت من جديد ان لي احبابا واصدقاء كثيرين. غمروني ويغمرونني بالمحبة... ويطل علي من العصر الاموي بيت الفرزدق:
اولئك اخواني فجئني بمثلهم           اذا جمعتنا يا جرير المجامع.
فشكرا لكم..
شكرا لمن بادر ونظم...
شكرا للمتحدثين..
شكرا للحاضرين..
شكرا لمن كانوا السبب في هذا اللقاء..
(نص الكلمة التي القاها الكاتب في الاحتفال به في 16 حزيران الجاري)
محمد علي طه
السبت 26/6/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع