أراغون شاعر كبير ومشروع مقاومة – جدير بالاقتداء

اراغون مشعل ثوري وهّاج غطّت خيمةُ ضوئه فضاء العديد من شعوب العالم، خاصة في سنوات القحط والخراب والموت التي عاشتها واكتوت بنارها الانسانية في الحرب العالمية الثانية حينما هيمنت على ميدانها آلة الدمار النازية.

هبّ أراغون بحسّه المرهف كشاعر كبير وبايمانه الراسخ بدين الانسانية وأطلق صرخاته المدوية ضدّ جبروت الظلم والقهر وضد اغتيال الحياة. وتجلّى ذلك واضحًا بكل كتاباته الشعرية التي حذا بها حذو الشعر الهوميري في القرون الوسطى، فجعلها قصيرة، واضحة العاطفة ليسهل نسخها وتناقلها وحفظها، وهذا ما ساعد شاعرنا ان يجعل الحياة اغنية والألم شامخًا كالمارد، كل ذلك في فترة رمادية وحالكة عاشها ابناء شعبه الفرنسي، فترة الانهيار والهزيمة الكبيرة، فقام وقرر ان يخوض معركة المقاومة والنضال ساعة اثر ساعة دون راحة ودون وهن أو كلل.
وقد بنى استراتيجيةنضاله ومقاومته على أرضية دعامتها الاساسية تقوم،  على اعادة الثقة بالنفس الى ابناء شعبه الرازحين تحت عبء الهزيمة، ليجعلهم كأمةٍ واحدة يتحسسون ويحسّون بنبض انبعاثهم حتى يتمكنوا من العثور على قوتهم الحقيقية الرابضة فيهم من الوريد الى الوريد، وقدرتهم الصلبة التي تمكّنهم من الرفض والتمرد والمقاومة، كل ذلك على أساس من القناعة الذاتية التامة بوجوب تضحية المرء بنفسه، ودفع أي ثمن، ولو كان ذلك هو الموت بعينه في سبيل التحرر واستعادة الكرامة والحرية المفقودة لشخصه وللآخرين. وهكذا رفع أراغون عاليًا، صوت الايمان والقدرة وصوت عدالة قضية شعر يعاني من نير الاحتلال وظلمه، وقد وظّف الكلمة الثورية المقاتلة وجعلها الآلية والخندق المنيع الذي ينظم ويبلور فيه وسائل نضاله العادل والعنيد - فدأب على كتابة القصائد التي تشحن الرجال بالاصرار على مواصلة المقاومة ووزّع على الكوادر ما كان يصدره من "مناشير منتصف الليل".
كما قام بتأسيس "اللجنة الوطنية للكتاب" وكذلك شكّل ما عرف: بـ "جبهة فرنسا الثقافية"، وهذا ما جعله، بالرغم من الانهيار الكبير ان يحتفظ بروح الحرية نابضة متأجّجة في أمّته، وباصرارها على مواصلة معركة الاستقلال والبعث الجديد.
لذلك كان جديرًا في حينه ان يلقّب بشاعر "الحرب الكونيّة الثانية" لأنه ساهم في انتصار العدل والكرامة وفي انتصار الحياة والانسان.
اخواتي! اخوتي! حقًا ان أراغون، شاعر فرنسا الكبير، كان في مشروعه النضالي مدرسة ومعلّم طريق معبّدة بفسيفساء رسمت أروع لوحة للعطاء والتضحية – ولا بد أن يعلم كل "جبّار عنيد" انه ما دامت هناك مصادرات وانتهاكات واغتيالات للحقوق والحريات والكرامات وتطلعات الشعوب ستظل هناك حاجة ضرورية وملحّة لبقاء المدرسة الأراغونية مفتوحة وفعاّلة لان صفوفها ستعجّ بحشدٍ كبير كبير من تلاميذها البررة الذين رضعوا حليب عشق الحرية والحياة والعيش في "بيت" أساسه الاستقلال.

(حيفا)


رشدي الماضي
الجمعة 25/6/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع