خريطة محمد علي طه التي احفظها عن ظهر قلب

الاخوة في مؤسسة الاسوار الثقافية،
سلاما ايها الاهل،
عموا مساء وفرحا وابا علي..

 واسمحوا لي ان اغبط الحبر والورق، لانهما ينقلان عني فينقلان لكم على الاثير، في زفّة المحبة والتكريم لمحمد علي طه. كأن من اقدارنا الا نتذكركم ولا تتذكرونا الا مشفوعين بدمعة الشجن والانفعال. فمن كا يصدّق ان الشجرة التي انشطرت قبل منتصف القرن الماضي، ظل عودها يحن الى قشره، منذ ان ذرف ابو سلمى دمعة الحنين الاولى، حتى رسم ابو علي خريطة جديدة لوادي النسناس. فيما ارتجف قلب الولد الفلسطيني وتلفّت وهو يقول: ربّوني وانا اعرف اهلي....
 كان من شأن محمد علي طه ان نستحضره دائما بما هو اهل، قاصا ومسرحيا وساخرا وارضا تزغرد في عمقها الينابيع، الا انّ حضوره الجميل يأبى الا ان يأتي مشفوعا بعبق الميرمية في فنجانها الساخن ابدا. ومن الميرمية والفيجن والعطرة ينداح الكلام على هيئة رسائل المشردين الى ذويهم. واذا كنت مشرّدا من حيفا، فهو عبّاد الشمس الذي يولّي وجهه شطر ميعار. ولكنّ ذلك لم ينتقص لحظة من انه ابن كابول ايضا. تماما كما هو ابن حيفا كاتبا وصحفيا ومعلّم مدرسة. وهي مناسبة لاذكر- ساحمني الله، وهل نسيت حتى اذكر؟- كيف اخذني منذ ان وقع قلبي على حجارة وادي النسناس اول مرة، الى تلاميذه وتلميذاته في مدرسة الروم الحيفاوية. وهكذا وضعني ابو علي وجها لوجه امام فتيان مدينتي وفتياتها، وقال لي: قل شيء... فوجدتّني اقول كل شيء..
 يومها، يا ابا علي، كان المدّ الابيض قد غزا رأسينا، فلم نلحق بعائد الميعاري وهو يبيع المناقيش في تل الزعتر. ولكن تلميذاتك وتلاميذك النجباء تمكنّوا من اقالة عثرتنا. فرأينا وردة المستقبل تهمس عن حق لا يموت ووراءه مطالب..
 لقد اريد للمأساة الفلسطينية المعاصرة، ان تضرب صفحا عن تاريخ وجغرافيا واحلام. ولكنّ اقلامكم الخضراء شقّت الصخر وكتبت بدم القلب. فاستجاب الصدى على الفور. واصبح في الثقافة العربية ما يسمّى بأدب الداخل، او.. ادب المقاومة.. وصار لنا ما نتباهى به وندلّ به على اقراننا العرب. فنحن من بلد محمود درويش واميل حبيبي وسميح القاسم ومحمد علي طه وحنا ابي حنا وراشد حسين. وكان يسعد ارواحنا ان يكون توفيق زياد في رأس الكوكبة. ولا انتقاص من شأن الاعلام الذين لم اذكرهم في هذا السياق. فهذه امثلة مضيئة من عنقود الفرح والعطاء الذي يزهر في كل المواسم.
اخي ابا علي .. اخوتي، واخواتي
 لا ابارك بالشهادة لك الا بقدر ما ابارك لها بك. واذا نلت اليوم هذه الشهادة، فكم من رسالة واطروحة وبحث كتبها الفلسطينيون في ادبك وأدب أشقائك. لقد مرّ حين من الدهر علينا، كنا فيه نشكو وتشكون من سوء الفهم آناَ ومن ظلم ذوي القربى في كل آن. اما اليوم، فلنا ان نتباهى بكم ونقول
اولئك اخواني فجئني بمثلهم  اذا جمّعتنا يا جرير المجامع
 ولم تجمعنا المجامع الى اليوم. ففلسطين مجهدة وقلبها ينزف. والحصار يطبق على رئيسنا ورمزنا كما هو مطبق علينا جميعا. وعليكم كما علينا حديد. ولكننا نهزم الحديد بالنشيد. فنحن الوجه والمرآة بغض النظر عمن هو الوجه ومن هو المرآة.
 لهذا يا ابا علي، اوصيك بأن تقف أمام المرآة، وأن تلمس حجرا من ذلك البيت المهدّم في وادي النسناس، فقد رسمت الخريطة يوما، وانا احتفظ بها..
 تحياتي اليك- اليكم جميعا. وسلّموا لي على حيفا.

اخوكم الحيفاوي المنتظر: احمد دحبور


أحمد دحبور
الأربعاء 23/6/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع