نساء في التاريخ
اسم تركي لشاعرة عربية نازك الملائكة (اميرة الشعر العربي)

قبل منتصف الليل بخمس دقائق، وفي محلة العاقولية ببغداد، في ليلة حارة خانقة، الاربعاء، الثالث والعشرين من آب سنة 1923، وكانت ليلة الاول من محرم، وُلدت فتاة سمراء ليس في وجهها ما يدل على ذكاء او جمال، حيث قوطع فرحُ ما بعد الولادة، بأصوات النساء الباكيات في بغداد كما هي الحال في المحرم من كل عام. وُلدت نازك، واختير لها اسمها تيمناً بنازك العابد السورية الثائرة على الفرنسيين في ذاك الزمان.

الام في الرابعة عشرة!! فتاة يافعة، مغرمة بالقصص والشعر العذري، والاب في الثامنة والعشرين، مدرس للنحو وعارف بشؤون الفقه والمنطق والشعر عملي واقعي محب ومحبوب.
نازك في المدرسة طالبة من نوع آخر:
لماذا لا تلعبين مع الاطفال؟؟ أأنتِ حجر؟؟ هكذا سألتها والدتها وخلعت عليها ألقابا من قبيل "مسخوطة" او "متوحشة"، كانت خجولة، منعزلة، جدية، لم تستطع ان تجد لها صديقة من زميلاتها غير نفسها، هادئة تنفر  من الأطفال، تكره المزاح والعقاب، مهما كان نوعه، أحبت الشعر والادب، وكرهت العلوم والرياضيات لدرجة المقت والتقزز.
في صفها الرابع، بدأت نسائم الرومانسية والخيال والشعر تهب على قلب نازك، التي تعبر عتبة المراهقة، اختبأت خلف الحلم والمطالعة، وتفوقت في دروس الانشاء والمحادثة لدرجة ابهرت معلمتها، في البيت، خاملة لا تفعل شيئا، تأثرت تأثرا عميقا بقصص مثل، لويس فيليب، ملك فرنسا النبيل، وقصة الامير الذي احترقت عروسه الاميرة ليلة زفافها لأنها حاولت التدخين سرا، قصة سميراميس ملكة بابل وكيف التقطها الراعي ورباها، قصة كليوباترا وقيصر وغيرها.
ولطالما طاب لنازك المراهقة، الاختلاء بكتاب مجنون ليلى، وحفر في قلبها الغض الصورة المطبوعة على غلاف الكتاب فنظرت اليها برومانسية منقطعة النظير، وضمتها الى صدرها الذي يفيض شعرا، ليلى الجالسة في ضوء القمر، وقيس الاعرابي الجاثي على ركبتيه!!

مولد شاعرة وصداقة الأم الشاعرة
في ذات يوم، دخلت نازك الصف، وكانت في العاشرة من عمرها آنذاك، فوجدته خاليا، وكان هناك على اللوحة كلمات "نزهة في زورق" فأمسكت بالطباشير وشرعت تكتب، ولم تدر انها كانت تكتب اول قصيدة في حياتها!!
عشرة ابيات من الشعر، احدثت في المدرسة ضجة كبيرة، حيث ولدت شاعرة صغيرة..
وعندما كبرت الشاعرة نازك، اختارت صداقة والدتها الشاعرة ايضا، فكانتا تقرآن قصائد بعضهما بعضا، وتبديان النقد، وقد يحتد النقاش، لاختلاف الميول والاذواق ما بين القديم والحديث.

نازك متعددة الألسن متعددة المواهب
اضافة الى اللغة العربية، تعلمت نازك الملائكة اللغات الفرنسية وقرأت قصص الفونس دودية وموباسان ومسرحيات موليير ودرست اللاتينية والادب اليوناني والانجليزية فقرأت شعر شكسبير ومسرحياته وشعر بايرون وشيللي، وعشقت العود وتعلمت العزف عليه، وتعلمت التمثيل، درست المثولوجيا الاغريقية بكل تفاصيلها الدقيقة ومداخلها ومخارجها فدرست اسخيلوس وسوفوكليس ويوربيديس واريستوفان، درست الادب المقارن والنقد تعلمت وأتقنت وبرعت.

مشوار العلم والعمل والزواج
نازك امها الشاعرة (سلمى عبد الرازق) صاحبة ديوان "انشودة المجد" وابوها (صادق جعفر الملائكة)، الذي درّس اللغة العربية في مدارس بغداد زهاء ربع قرن من الزمان، تخرجت فيما بعد في دار المعلمين العالية عام 1944، ثم واصلت دراستها في جامعة (وسكونسون) الامريكية، حيث تخرجت منها عام 1954، وكانت شديدة الولع بدراسة الادب القديم.
عادت شاعرتنا من امريكا، الى بغداد، لتعمل مساعدة في الجامعة، ثم ارتحلت الى البصرة وجامعتها، وقدمت لنا روائعها من دواوين الشعر عاشقة الليل، شظايا ورماد، قرارة الموجة، شجرة القمر، وكتباً قيّمة (قضايا الشعر المعاصر) و (الادب والغزو الفكري) و (محاضرات في شعر علي محمود طه). وغيرها الكثير.
شارك نازك في حياتها زوجها الدكتور (عبد الهادي محبوبة) حيث تزوجا عام 1962 الاستاذ بجامعة بغداد ورئيس جامعة البصرة.

الحصاد المر
نازك الملائكة، شاعرة الحزن، تطلب الكمال في الحياة، وعندما لا تجده، تشعر بالخيبة، وتعدّ القضية قضيتها الشخصية، فتتخذ الكآبة موقفا إزاء الحياة، وتؤمن ان الحزن اجمل وانبل من الفرح!!
اشد ما حزنت له نازك ونال منها حزنا فتّت قلبها، مرض امها، التي احبتها كما لم يحبب مخلوق مخلوقا آخر على هذه الارض وانتقالها الى لندن للعلاج عام 1953، ووفاتها هناك، كانت تواجه الموقف العصيب وحيدة حزينة باكية متألمة حيث وجدت شاعرتنا نفسها الرقيقة امام احتضار امها، الموت والدفن، والرحيل بلا عودة.
كما زارها الحزن بقوة حينما نُحي زوجها عن رئاسة جامعة البصرة، كما نُحيت نازك عن تدريس الادب العربي، فلم يكن بد من الرحيل، رحلا الى الكويت، وعملا في جامعتها، ومنحت الجامعة شاعرتنا اجازة تفرغ  للعلاج بعد ان عانت وضعا صحيا حرجا ونفسيا متدهورا عام 1985.
بعد مشوار حافل مع الشعر والادب والتدريس في الجامعات، حزمت شاعرتنا، وقصائدها، مع زوجها وابنها الوحيد واختارت الاقامة في القاهرة ما تبقى من عمرها. بعد ان سجل التاريخ ان نازك الملائكة ثالثة المجددين في الشعر بعد البياتي والسياب...
ها هي نازك الملائكة ذات الحياة الملائكية... والحزن النبيل...

(ابو سنان)


دينا سليم مطانس
الثلاثاء 8/6/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع