ربيعيات (9)
رجوعيات


(2)

هذا الأدب المقاوم كان يهدف بصورة، لا لبس فيها الى التحريض والتعبئة وتكوين الوعي القومي والوطني، وايجاد اتجاه عام، ورأي عام يساند قضية النضال ويدعمها ماديًا ومعنويًا.
فالتحم الاديب والفنان والشاعر بالناس، ووجودهم الملتزم بقضية التحرر، مناضلين مقاتلين، واهبين أرواحهم ودماءهم لقضية الكفاح. وأصبح اندماجهم العشقي في الأرض، منارة للخطاب الشعري والأدبي، حتى أصبح النضال العربي الفلسطيني قضية الشعر العربي الاولى، واستطاع هذا الشعر أن يحول النضال الفلسطيني، الى نضال انساني عالمي دولي. وأصبح هذا الجيش الجبار من الشعراء والأدباء يقف مع الجيش المحارب جنبًا الى جنب وأصبح لا غنى عنه مطلقًا لقهر الأعداء.
وقد تميز القرن العشرون بالدور الهام للمثقفين في معارك ونضال الشعوب وبامكاننا أن نتعلم من تجارب الشعوب ان كان في الصين، واسبانيا وفرنسا وفيتنام وغيرها من البلدان التي كانت فيها الكلمة أقوى من الرصاصة خاصة الكلمة الشعرية حيث أفرزت لنا مراحل النضال الانساني في هذا القرن اروع الشعر، واكثره قيمة وثراء من خلال نتاج كواكب كثيرة من الشعراء على رأسهم بول ايلوار، بابلو نيرودا، ولويس اراجون وناظم حكمت ومجموعة من الشعراء الفيتناميين ومجموعة الشعراء الفلسطينيين الذين ساهموا مع شعراء النضال الانساني في وضع مفهوم متطور لشعر النضال وشعر المقاومة وشعر الصمود.
وحينما تحقق القصيدة فعلها الانساني، وحين تتحول الى شرارة ثورة.. ثم الى قوة فاعلة وفعالة.. تتغلب على مأساتها وتنطلق قوية عاصفة صاعقة محركة للارادات في الفعل ورد الفعل الصائب الواعي المنتصر حتما.
فبالرغم عن النكبة والتشريد والحلم بالعودة وحاجة التواصل وحرارة التلاقي.. بقي حلم الرجوع، يداعب كل مشرد ومُبعد عن الوطن، وصدح صوت الفارس الراحل الشاعر توفيق زياد في ديوانه "أشد على أيديكم" بصرخة الرجوع النداء المجلجل والصوت الذي فتح أشرعة سفن الرجوع والعودة، على اشتهاءاتها لمداعبة الريح وشق البحار نحو موانئ حيفا ويافا وعكا. وكانت قصائد "رجوعيات" الطلقة الاولى في نداء العودة المقدس..
"أحبائي!
برمش العين،
افرش درب عودتكم،
برمش العين
وأحضن جرحكم،
وألم شوك الدرب
بالجفنين
وبالكفين
أصحن صخرة الصوان،
بالكفين
ومن لحمي
سأبني جسر عودتكم
على الشطين"
(توفيق زياد قصيدة "جسر العودة" ديوان أشد على ايديكم ص 48 – 49)
ويبقى ينتظر..

"أحبائي!
أنا بالورد، والحلوى
وكل الحب انتظر
أنا والارض، والقمر
وعين الماء، والزيتون، والزهر
وبياراتنا العطشى
وسكتنا
وكرم دوال.
والف قصيدة خضراء
منها يورق الحجر
أنا بالورد والحلوى
وكل الحب أنتظر
وأرقب هبة الريح التي
تأتي من الشرق
لعل على جناح جناحها
يأتي لنا خبر
لعله ذات يوم يهتف النهر:
"تنفس!
     أهلك الغياب
         يا مصلوب
               قد عبروا!"
(قصيدة المصلوب توفيق زيّاد ديوان "أشد على أيديكم" ص 49 – 50)
ويعدُهُم بالصمود والبقاء!
"بأسناني،
سأحمي كل شبرٍ من ثرى وطني،
بأسناني
ولن ارضى بديلاً عنه،
لو علقت
من شريان شرياني.
انا باق
أسير محبتي لسياج داري،
للندى، للزنبق الحاني.
أنا باق
ولن تقوى علي..
جميع صلباني.
أنا باق لآخذكم.. وآخذكم.. وآخذكم.
بأحضاني"
(توفيق زيّاد قصيدة "بأسناني" ديوان "أشد على أيديكم" ص 46)

ورغم البُعاد.. وعدم تحقق المراد في العودة تبقى الدموع..
"دموع هذه الريح التي
تأتي من الشرقِ
محملة هتاف احبتي الغياب
مذبوحًا من الشوق
صريحًا عادي النبرات
ملء الارض، والأفق
محملة أسى الوادي،
ورائحة الندى، والدم، والرق.
على وجهي، وفي عينيّ،
في روحي، وفي حلقي.
دموع هذه الريح التي
تأتي من الشرق"
(توفيق زيّاد ديوان "أشد على أيديكم" قصيدة "ريح من الشرق" ص 39 – 40)
ورغم الصبر تبقى!
فلسطينية شبابتي،
عبأتها
أنفاسي الخضرا.
وموالي،
عمود الخيمة السوداء،
في الصحرا.
وضجة دبكتي
شوق التراب لاهله،
في الضفة الاخرى.
(توفيق زيّاد من قصيدة "السكّر المر" ديوان "أشد على أيديكم" ص 43).
وسنحملها فلسطين كما نحمل جوارحنا قلوبنا دائمًا وابدا..
سنحملها بلا يأس جراح المجد
ونصنع فجرنا شيئًا كقرص الشهد
ونملأه..
بكل حلاوة الدنيا،
     وكل الورد!
(توفيق زيّاد قصيدة "مساكين" ديوان "أشد على أيديكم ص 45).
ورغم المصاعب والنوائب سأبقى أناديكم
أناديكم
أشد على أياديكم!
أبوس الأرض تحت نعالكم
وأقول: أفديكم
وأهديكم ضيا عيني
ودفء القلب اعطيكم.
فمأساتي التي أحيا
نصيبي من مآسيكم
أناديكم
أشدّ على أياديكم..!!
أنا ما هُنت في وطني
ولا صغّرت اكتافي
وقفت بوجه ظلامي
يتيمًا، عاريًا، حافي
حملت دمي على كفي
وما نكست أعلامي
وصنت العشب فوق
قبور أسلافي.
أناديكم
أشدّ على أياديكم.
(توفيق زيّاد ديوان "أشد على أياديكم" قصيدة "أشد على أياديكم" ص 40 – 41).
والبقية ستأتي!

(والى لقاء)


يوسف حيدر
الجمعة 4/6/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع