توفيق زياد قاصاً:
السخرية والضحك في <حال الدنيا>


عرفنا توفيق زياد (1929 – 1994) شاعرا من شعراء المقاومة، وعرفناه سياسيا وقائدا جماهيريا من خلال عضويته في الحزب الشيوعي الاسرائيلي (راكاح)، ومن خلال رئاسته بلدية الناصرة لسنوات طويلة. وعرفه دارسو الادب الشعبي واحدا من المهتمين بهذا الادب الذين عملوا على تجميعه ونشره، واحيانا على اعادة صياغته. وقليلون هم الذين عرفوه كاتب قصة قصيرة، وما يدل على هذا ان دارسي فن القصة لم يدرسوه قاصاً، وان الذين اشرفوا على اصدار مجموعات قصصية لكتاب فلسطينيين، الا ما ندر، ادرجوا اسمه في قائمة كتاب القصة او اختاروا له قصة ضمن المختارات.

وعدا القصص القصيرة التي نشرها زياد في "الاتحاد" و "الجديد" صحيفة الحزب الشيوعي ومجلته، فقد اصدر في حياته مجموعة "حال الدنيا" (1974)، وهي مجموعة تضم ثلاث عشرة قصة، اسماها زياد قصص فولكلورية. وزياد لم يؤلف هذه القصص، وانما جمعها واعاد صياغتها وقارن بين روايات رواتها. هذا ما نخمنه اعتمادا على ما كتبه تحت عنوان "لننقذ ادبنا الشعبي من الضياع".
وقد التفت الى هذه المجموعة الشاعر علي الخليلي وهو يدرس النكتة العربية، وكتب عنها في كتابه الذي عنوانه "النكتة العربية" (1979)، ودرس السخرية فيها، واظن ان دراسة علي ليست اكثر من لفت نظر الى هذا الجانب فيها، واظنه لو اراد دراستها بتفصيل لكتب عنها صفحات كثيرة، ولخص قصصا اخرى لم يأت عليها.
والتفت الى هذه المجموعة، في فترة متأخرة، الناقد نبيه القاسم، ورأى في زياد قاصاً ذكياً، وقد اتى عليها في كتابه "مراودة النص: دراسات في الادب الفلسطيني"، وهو كتاب صدر في السنوات الاخيرة (2001).
ولعل من اهم ما يميز هذه المجموعة هو حس الفكاهة والدعابة والسخرية. وأظن ان الدارسين، في هذا الجانب، لم يعطوا هذه القصص حقها. انها في هذا الجانب لا تقل كثيرا عن رواية اميل حبيبي "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل: التي صدرت في العام نفسه الذي صدرت فيه "حال الدنيا" – أي في عام 1974.
وربما يتذكر المرء وهو يقرأ عناوين قصص زياد بعض عناوين المتشائل. فمن هو الذي قرأ النصين ولا يربط بين عنوان قصة "كيف اصبح الحمار شيخا للعسكر "وعنوان فرعي في المتشائل هو "سعيد يعلن ان حياته في اسرائيل كانت فضلة حمار". وربما ايضا يتذكر المرء قصة اخرى لزياد هي قصته "عن الباشوات والبكوات والحمير". ثمة ربط بين البشر والدواب.
وقد لا يكون التشابه بين الكاتبين غريبا، فعدا انهما من جيل واحد، وعدا انهما انتميا الى حزب واحد، وعدا انهما أقاما في مدينة واحدة، وعدا انهما تعرضا للاضطهاد القومي، عدا هذا كله تشربا ثقافة واحدة وتغذيا بنصوص فكرية واحدة. قرأ كل منهما التراث العربي القديم، ودرس كل منهما الفكر الماركسي. وكان ما ينشر على صفحات "الاتحاد" و "الجديد" مكونا من مكونات ثقافة كل منهما. واذا ما تذكرنا ما يقوله ادباء الارض المحتلة عن مصدر ثقافتهم في الخمسينيات والستينيات من القرن الـ 20، لا نبعد عن الصواب فيما ذهبنا اليه. ذكر الشاعر سميح القاسم في مقابلة اجرتها معه الفضائية الفلسطينية، وأعادت بثها في 20/4/2004 ان المثقفين في تلك الايام اذا ما حصلوا على كتاب جديد، جاءهم من العالم العربي، قاموا بنسخة وتوزيعه فيما بينهم.
لماذا درست رواية اميل حبيبي واستقبلت استقبالا واسعا في فلسطين وفي العالم العربي وترجمت الى العديد من اللغات العالمية مثل الانجليزية والالمانية والفرنسية والعبرية، ولم تدرس مجموعة زياد "حال الدنيا"، ولم تستقبل استقبالا واسعا، وظلت طبعاتها، قياسا الى طبعات المتشائل، محدودة؟ ولماذا لم تترجم الى اللغات التي ترجمت اليها المتشائل؟ ربما تحتاج الاجابة عن هذين السؤالين الى مساءلة الدارسين والمترجمين!! وربما يعود السبب الى ان اميل حبيبي عرف قاصا وروائيا، في حين ان زياد عرف شاعرا اولا، قبل ان يعرف قاصا.
في "حال الدنيا" جوانب عديدة تستحق ان تدرس، ابرزها صلتها بالادب العربي والتاريخ العربي والثقافة الاسلامية، وهي في هذا الجانب لا تختلف عن "المتشائل". ثمة نصوص اعتمد عليها الكاتبان دخلت في نسيج كتابتهما، وشكلت جزءا منها. وهكذا تداخلت نصوصهما مع نصوص آخرين. ومن الجوانب التي تستحق ان تدرس ايضا هي شكل القصة في "حال الدنيا" وصلتها بشكل الحكاية. هنا يختلف زياد عن حبيبي، فاذا كان الاخير جرد من ذاته ذاتا اخرى، واخذ يكتب اليها رسائل، وكانت روايته مجموعة رسائل كتبها سعيد ابو النحس الى الضمير في "إلي"، فإن زياد، وهو يقص، لا يجرد من ذاته ذاتا اخرى يحكي لها، وانما كان يفترض باستمرار – بخاصة راوية – جمهورا يصغي اليه. يبحث الراوي عن مستمع، ولا بد من ان يكون هذا المستمع جمهورا، لا فردا، ولهذا نجد الأنا والنحن الراوية تخاطب الانتم الذين يصغون. وربما لا يعجب المرء لحضور هذه الصيغ، فالقصص فولكلورية، وهي قصص اخذها من ابناء الشعب شفاها وصاغها كتابة. انها قصص غير بعيدة عن الحكاية، هذه التي تُروى شفاها، ويكون فيها، دائما، طرفان، فكيف اذا كان الكاتب اديبا شعبيا مهتما بالادب الشعبي ويوجه أدبه للشعب. ومن الجوانب الاخرى التي تستحق ايضا دراسة جانب الفكاهة والدعابة والسخرية. حقا ان علي الخليلي اتى على هذا الجانب، ولكني اظن انه لم يوفه حقه. لقد فسر الخليلي سبب لجوء، القاص الى هذا الجانب، واتى على طبيعة زياد وانتمائه، والتشكل الاجتماعي لنسيج المجتمع الفلسطيني، ولكنه اكتفى بذكر ثلاثة نماذج، دون ان يخوض كثيرا في قصص اخرى، او دون ان ينظر، بالتفصيل، في اشكال السخرية في المجموعة. ولعلني هنا اضيف قليلا الى ما كتبه الخليلي، ولعل دارسا آخر يضيف الينا معا، ويتعمق اكثر مما تعمقنا.

بعض جوانب الفكاهة والدعابة والسخرية:
تحضر الفكاهة والدعابة والسخرية في ادبنا الفلسطيني في نصوص كتاب وشعراء معروفين، وتحضر ايضا في ادبنا الشعبي الذي تدرج هذه القصص ضمنه، وقد فعل زياد هذا حين نعت قصصه، على الغلاف، بأنها قصص (فولكلورية): "حال الدنيا: مجموعة قصص فولكلورية". وربما يكون هذا هو السبب الذي جعل كثيرين من دارسي القصة ومن المشرفين على اعداد مختارات منها، يستبعدون زياد من عالم القصة، وهم يدرسون القصة القصيرة ويعدونها جنسا ادبيا له ملامحه وخصائصه، وتحديدا القصة المكتوبة بالفصحى.
تحضر الفكاهة والدعابة والسخرية في نصوص ابراهيم طوقان وفي اعمال اميل حبيبي وكتاباته النثرية. وفي فترة لاحقة كتب نصوصا ساخرة كل من محمد علي طه وسلمان ناطور ومحمود درويش وسميح القاسم ورسمي ابو علي، وفي الفترة الاخيرة، فترة الانتفاضة، محمود شقير الذي بدت مجموعته الاخيرة (2004) التي نشر اكثرها على صفحات الكرمل والايام، قبل ان يجمعها في كتاب، انقلابا في كتاباته القصصية القصيرة، حيث يحق لنا ان تقول انه في منحاه الكتابي اتخذ اتجاها آخر مختلفا كليا عما يكتب.
ولا يخلو الادب الشعبي من دعابة. ويلحظ هذا من قرأ الادب الشعبي او من اصغى اليه في الافراح التي كانت تقام. ان حواريات الزجالين حول البيضاء والسمراء والفلاحة والمدنية تبعث على الضحك لما فيها من دعابة قلما يخلو منها الادب الفصيح.
ولا تخلو قصص زياد "حال الدنيا" من دعابة وسخرية وتهكم تبعث على الضحك. انها مبثوثة في اكثر القصص، وقد اتخذت اشكالا عديدة. تبدو الشخصية، من خلال سلوكها، باعثة على الضحك او مدعاة للسخرية. وتبدو طريقة نطق الشخصيات ولغتها احيانا باعثة لذلك، ويمكن قول الشيء نفسه، احيانا، عن طريقة السرد. ويختار زياد احيانا كائنات حية، مثل الدجاجة والبقرة والحمار، لتكون ابطالا ويحاكي سلوكها سلوك البشر الذين يريد ان يسخر القاص منهم. وغالبا ما ينعت هؤلاء بنعوت تعبر عن سخرية وتدعو الى الضحك، فالحمار ذكي، والضابط يعجب من ذكائه – أي الحمار -، ولذكائه يغدو شيخ العسكر ايضا كما سنرى.
تطالع القارئ في قصته "حال الدنيا" شخصيات تميل الى الفكاهة. يداعب خياط القرية الشيخ الذي يفصل، كل عيد، جبة جديدة ويتلكأ الخياط في انجازها، ويكاد الشيخ، لهذا، يخرج عن طوره، ويفكر في الاعتداء على الخياط الذي يفاجئ الشيخ بانجاز الجبة في اللحظة الاخيرة. والخياط، في القصة، ماهر وانسان صادق، يتميز بالامانة والنخوة و "كان خفيف الروح والظل بشكل نادي "ولذا تقبّله اهل القرية على علاّته. بل وتقبله الشيخ في النهاية، وذلك على الرغم مما قاله له الخياط، وهو يقارن بين انجازه الجبة، وخلق الدنيا في ستة ايام. حين يقول الشيخ للخياط ان الله – سبحانه وتعالى – خلق الدنيا في ستة ايام، يجيبه الخياط قائلا: انظر الى حال الدنيا كيف هي. ولنقرأ الفقرة التالية:
"سبحانه وتعالى، الذي لك اعتراضات على ارادته في الخلق.. خلق الدنيا وما عليها في ستة ايام، واما انت "واضاف بنبرة قصد ان يستصغر بها شأن الخياط بالنسبة لخالقه –"  انت.. تلا.. ته.. اشهر.. على جبة..؟".
وانفجر الخياط في موجة شديدة من الضحك:
"خلقها" تقول خلقها في ستة ايام..؟! لقد عجقها عجقا.. انظر حالك في المرآة يا سيدنا "قال في زهو، ثم اضاف في استخفاف ومرارة: "وانظر.. حال.. الدنيا" (ص14).
وطريقة نطق الشيخ والخياط – وطريقة نقل زياد لها في القصة تبدو مختلفة عن بقية اسطر القصة – توضح ان كلا منهما يسخر من الآخر ويتهكم عليه. بل ان استبدال الخياط مفردة عجق بمفردة خلق على قدر كبير من السخرية من حال الدنيا. وتبدو السخرية ايضا من خلال المقارنة التي تبعث قدرا من المفارقة. حال الدنيا التي خلقها الله لا تسر، فيما حال الجبة التي انجزها الخياط تبعث على السرور.
يمكن ان نتوقف امام قصته "عن الباشوات والبكوات والحمير". واول ما يبعث على الضحك والسخرية العنوان نفسه الذي يجمع ما بين الباشا والبيك والحمار، ووضع هؤلاء في سلة واحدة.
مناهج عسكرية جديدة، وحصل على اوسمة كثيرة، وقد ذيل هذه الرسالة باعتذار لأنه كتبها بالدم، بعد ان فرغت قنينة الحبر وكان بجانبه ضابط اسير من الاعداء. وفي الرسالة السادسة يكتب انه اصبح "شيخ العسكر".
وهنا تقرر الدجاجة والبقرة العودة الى بلدهما، فالدنيا آخر وقت. ينتهي المقطع الخامس/ الاخير من القصة على النحو التالي:
"مؤخرة: اما ان الحمار اصبح شيخا للعسكر ام لم يصبح، فهذا ما لا نستطيع ان نجزم به لا نحن ولا البقرة والدجاجة. الواقع انه الذي كتب ذلك في رسالته السادسة. اما من ناحيتنا فنحن نستبعد ان يكون شيخ العسكر حمارا، ونحن لا نقول ذلك، وانما نقص حكايتنا بناء على الرسائل التي كتبها هو للبقرة والدجاجة.
ولذلك فإذا كتب ان فيما نقوله أي خطأ او تجن فالحق عليه وحده. وعلى فطنة – لم يكتب هو ان شيخ العسكر اصبح حمارا، وانما كتب انه هو الحمار.. اصبح شيخا للعسكر، وفي هذا، كما ترون، فارق كبير" (ص 68).
وكما لاحظنا فإن اول ما يبعث على السخرية والضحك هو العنوان نفسه، ولكن هناك اشياء اخرى تبعث على الضحك، منها استبدال مفردات باخرى، يعرف نقاد القصة انها تتكون حين تكون قصة تقليدية من بداية ووسط ونهاية، وقد يطلق على النهاية الخاتمة، وزياد هنا لم يفعل هذا، لقد استبدل مفردة مؤخرة بمفردة نهاية. وهذه اللفظة تبعث على الضحك لدى قارئها، ولمفردة مؤخرة مدلولات عديدة. انها ذات حمولات ساخرة ذات مغزى، فهناك، عندنا، من يتحدث عن مؤخرة ثقافية، وهناك من يردد: طيز بتفكر وعقل بشخ، وهناك مؤخرة الجيش ومقدمته، وهناك مؤخرة الانسان ايضا.
اما السخرية فتكمن في ان يغدو الحمار شيخا للعسكر، لا ان يغدو شيخ العسكر حمارا. ربما يستسيغ المرء ان يغدو شيخ العسكر حمارا، ولكنه قد لا يستسيغ ان يغدو الحمار شيخا للعسكر. وربما ما يحتاج الى قراءة خاصة، في اثناء قراءة هذه المجموعة، الصورة التي رسمها زياد للحاكم. يبدو هذا في قصة "الشاهدان والمئذنة" تافها وسخيفا ومتسلطا، ويبدو في قصة "حكاية عن الحياة والموت" غبيا ذا عقل ساذج. وهنا نتوقف امام قصة "هكذا نحن".
تجري احداث هذه القصة في اثناء بداية حكم بريطانيا فلسطين. يجمع الحاكم البريطاني وجوه اهل حيفا، ويطلب منهم ان يفصحوا عن رأيهم في الحكم الجديد واختلافه عن الحكم العثماني الذي ولى. ويمدح هؤلاء بريطانيا ويذمون الاتراك. ويلحظ الحاكم ان بعض الحاضرين آثر الصمت، فيطلب من بشير الحيفاوي الملقب بأبي الميناء، ان يتكلم. ولم يكن هذا مثل بقية الوجهاء الذين يمدحون الحاكم الحالي.
لا يبدي ابو الميناء رأيه مباشرة، ولكنه يقص على الحاكم والحضور قصة جرت في احراش حيفا ملخصها ان امرأة يحضر لديها فتيان وفتيات حتى يمارسوا الحب معا. ويأتي، ذات يوم، فتيان آخرون لممارسة الحب مع الفتيات، وهنا تنشأ معركة بين الجهتين، وحين تصرخ بعض الفتيات تخاطبهم المرأة قائلة:
"اخرسي انت وإياها. فخّار يكسّر بعضه.. انهم يقتتلون عليكن.. وانتن تولولن. ما يهمكن اذا تغلب هؤلاء او هؤلاء! على كل الحالين.. انتن من حصة الغالب..".
ويضيف ابو المينا الى ما قالته المرأة:
"وهكذا نحن يا سيدي.. في العهد الماضي مركوبون وفي عهدكم مركوبون.." (ص111) ويغادر المكان.
وكما يلاحظ فثمة سخرية من وجهاء المدينة الذين يمالئون الحاكم، وثمة سخرية ايضا من الانتداب.
على ان هذه القصة لا تخلو من قصة اخرى ساخرة. في الايام الاخيرة للحكم العثماني يعتدي جندي عثماني على العمال فيوسعه ابو الميناء ضربا، وحين يأتي الجنود لمساعدته ينالون حظهم ايضا من الضرب. ويعلم الضابط بما ألم بجنوده ويذهب الى الميناء، وحين يصغي الى العمال يشتمون الدولة العلية، لم يفعل شيئا، بل انه أوجد مبررا لضرب جنوده. لقد نزل الى الميناء وجمع العمال، ووسط ابتساماتهم الساخرة اعلن ان الحق على التركي ولولا ذلك لشنق العمال كلهم" (105).
وما قاله ليس سوى رد فعل العاجز الضعيف. ثمة سخرية واضحة من هذه الشخصية التي تدرك انها غير قادرة على فعل شيء، وحتى تنقذ نفسها من المهانة تلوم ذاتها او من يدور في فلكها.
ولعل عبارة ابي الميناء "وهكذا نحن يا سيدي.. في العهد الماضي مركوبون وفي عهدكم مركوبون "عبارة تبعث على الضحك لدى القارئ. وهذا سرعان ما يفقس في الضحك كما فقّس السلطان من الضحك وهو يرى البكوات اكثر من الحمير.
وكما ذكرت لا تبدو السخرية من خلال الشخصية وحسب، او من خلال المفارقة في السلوك، وانما تبدو ايضا من خلال طريقة القص، ومن خلال استبدال شخصيات البشر بالحيوانات التي تنعت بما ينعت به البشر. نقرأ في قصة "حال الدنيا".
"وحسب الاتفاق حضر سيدنا بعد شهر لاستلام الجبة. ولكن تحسبه كان في محله، استلمه الخياط الابليس، بعينين تومضان في مكر، وهات يا أهلا وسهلا.. ويا حلاوة ذقنك يا سيدنا.. وضحكة من هنا.. ونكتة من هناك.. وتمليس ذقن سيدنا المحناة.. وقبلة على رأسه...
وبين تهديدات سيدنا وكلماته الواقفة اقسم الخياط بذقنه – ذقن سيدنا – او بعدمها، ان سيبر بوعده هذه المرة. ولكن ما لنا ولطول السيرة.. بدأت المرجحة.." (ص11).
ولعل من يصغي الى الراوي، وهو يقص، لا يمسك نفسه من الضحك. ثمة ما يبعث على الضحك في طريقة القص وما يصاحبها من حركات، وثمة ما يبعث على الضحك ايضا من خلال اللغة المستخدمة. وفي القصة نفسها نقرأ عن الشيخ نفسه الذي يلفظ لقب ابي ذر على النحو التالي "ابو در" او "ابو زر"، ونقرأ تعقيب الراوي على طريقة النطق "ابو در هذا او ابو زر – على حد سواء هو اقوى الشياطين" (ص8)، وهو تعقيب لا يخلو من سخرية.
الخلاصة:
السخرية والتهكم والضحك ملامح بارزة في هذه المجموعة التي لم يلتفت اليها الدارسون قدر التفاتهم الى رواية اميل حبيبي "الوقائع الغربية في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل" (1974). ولعل هذه المقالة تعيد الاعتبار الى "حال الدنيا" وتلفت الانظار اليها، لعلها تُنصفها كما انصفت مقالات ودراسات عديدة رواية حبيبي.


د. عادل الأسطة
السبت 29/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع