تلفزيون الواقع والواقع العربي


بين الفتى اليافع من "ستار اكاديمي" وهو يقلي بيضة، وبين شعب يحترق في الفالوجة توزّعت الكاميرات.. وكم أنتم محظوظون يا أهل الفالوجة في الحصول على كاميرا واحدة، وكم هنّ محظوظات المجندات الأمريكيات اللواتي عثرن على أسلحة الدمار الشامل تحت ملابس السجناء العراقيين!

لو أطلقنا قمراً اصطناعياً إلى الفضاء وأقمنا عدة محطات تتم مشاهدتها من جميع أنحاء العالم تقريباً ، وأدخلنا مجموعة من الفتيات الجميلات أو مجموعة من الفتيان الموهوبين أو حتى الفئتين معاً - لو أدخلناهم لبناية صُممت خصيصاً لهذا الغرض ووضعنا الكاميرات في كل زاوية ممكنة لنقل ما يجري على مدار الساعة وطلبنا من الناس عموماً والشبيبة على وجه الخصوص أن يتركوا أعمالهم واهتماماتهم ويشاهدوا ثم يصوتوا .. ويشاهدوا ويصوتوا .. ويشاهدوا ويصوتوا ،
 فماذا يسمى كل هذا ؟؟
     هذا يسمى تلفزيون الواقع كما وصلنا من المصدر ..
 ولو أحضرنا أمّة بأكملها وقسمناها إلى 22 قطعة :  واحدة نضعها في حفرة عميقة ونهيل عليها التراب ، وأخرى نبني حولها جداراً عالياً ونتركها تموت برداً وجوعاً ، وثالثة ننزع عنها الثياب على مرأى من العالم أجمع ، ورابعة منهمكة في التحضير لبطولة الشطرنج معتقدة أن بإمكانها الرد على الجولات الخاسرة ناسية أن رأس الملك هو المطلوب هذه المرة ، وأما الخامسة فغارقة في بحر من التخلف والرجعية ...
فماذا يسمى كل هذا ؟؟
هذا يسمى الواقع العربي ، وبين الواقع العربي وتلفزيون الواقع فضاء واسع تملؤه الأكاذيب والمظاهر التي تشوّه الواقع وتبقي على الواقع ، وتخلّد الواقع وكل هذا باسم الواقع الذي أوقع العراق في مستنقع الدّماء ، وأوقع المسلمين في شباك من يدّعون محاربة الإرهاب ...
 ويبقى السؤال المحيّر : ماذا عن القمة العربية؟  متى وأين وكيف ستعقد هذه القمة ؟ قبل اختيار السوبر ستار أم بعده ، بعد تتويج ملكة الجمال أم على هامش إحدى الحفلات الأسبوعية ، فلو اتفق وزراء الدول العربية على المبدأ يختلفون على الزمان والمكان ، وان اتفقوا على ذلك يختلفون على جدول الأعمال، وإن اتفقوا على ذلك يختلفون على البيان الختامي..!
 سؤال آخر: هل هناك حاجة إلى أن يصوّت 80 مليون عربي لنكتشف  "خفّة دم" محمد عطية ؟ وأن يصوّت الملايين أيضاً لنعرف أن ملحم زين موهوب وصوته جميل ، ألم يظهر ذلك جليّاً في الظهور الأول له على الشاشة وأمام أساتذة الفن ؟! 
 لماذا لا تصلح أصواتنا إلا للبرامج التلفزيونية واختيار المطرب الأفضل والممثلة الأحسن والملكة الأجمل ، بينما تصاب بالبحة ولا تصلح للاستعمال في الانتخابات وطرح الرأي والفكرة ، وتحرم حتى من الصراخ..!
 لم لا نكن واقعيين وديمقراطيين في التعامل مع أمريكا وإسرائيل ؟  فنحارب الأولى  بدلاً من إرضائها ولقاء الثانية سرّاً في الليل ، وما هما سوى راعيين واحد يذبح العراقيين كالبقر والثاني يذبح الفلسطينيين كالغنم!
 بين فتى يافع يقلي بيضة وشعب يحترق في الفالوجة توزّعت الكاميرات ، وكم أنتم محظوظون يا أهل الفالوجة في الحصول على كاميرا واحدة، وكم هنّ محظوظات المجندات الأمريكيات اللواتي عثرن على أسلحة الدمار الشامل تحت ملابس السجناء العراقيين!
 أما آن الأوان لأن نغلق تلفزيون الواقع ونذهب للنوم على أمل أن نشاهد بدلاً من ذلك واقعاً آخراً على شاشة الأحلام، حيث لا توجد رقابة ولا محاسبة ولا تصويت! وحيث النجوم الحقيقية التي تحمل لنا فجراً جديداً..

أسير في سجن عسقلان المركزي


نمر شعبان الصفدي*
السبت 22/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع