منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في الاردن للمرة الثانية:
استعمار تحت اسم الاستثمار


*من اهم بنود محادثات وأجندة دافوس البحر الميت القبول بالمشروعات الامبريالية والصهيونية الاستسلامية والتصفوية رغم جرائم ابو غريب ومذابح الضفة والقطاع غير المسبوقة. وتتحول هذه اللقاءات الى وسيلة ضغط اضافية على العرب والفلسطينيين لمزيد من الرضوخ للمخططات المعادية لأمتنا وحريتنا واستقلالنا، وللقبول بقيود التبعية باعتبارها احد اشكال "الحداثة" (والدمقراطية عند اللزوم)!*

للمرة الثانية ينعقد منتدى دافوس الاقتصادي في الاردن في منطقة البحر الميت. وتتكون عضوية هذا المنتدى العالمي من آلاف الشركات الدولية العملاقة متعددة الجنسيات. ولذلك يعتبر اهم واكبر مؤسسة فكرية واستراتيجية عالمية وغير حكومية للشركات متعددة الجنسية والرأسمالية العالمية. ويعقد المنتدى دورة سنوية تستمر لمدة اسبوع تقريبا في منتجع دافوس السويسري الجبلي، ومن هنا اكتسب اسمه، ويتبادل ممثلو الجهات المنتمية للمنتدى سنويا وجهات النظر حول اهم القضايا الاقتصادية والسياسية الاقليمية والدولية، مع تركيز واضح على كل ما من شأنه تحقيق تطلعاتهم وتوسعهم الاقتصادي.

في ايام الحرب الباردة كانت لقاءات المنتدى السنوية ومقرراته وتوصياته تأخذ طابعا سريا او شبه سري، وبعد نهاية الحرب الباردة اخذ المنتدى يدعو للمشاركة في لقاءاته مسؤولين رسميين من مختلف دول العالم اضافة الى شخصيات عامة نقابية وعلمية وسياسيين وخاصة من الدول النامية. وازداد اهتمام المنتدى بشؤون العالم السياسية والاجتماعية، مع تركيزه الواضح على توسيع نطاق العولمة الرأسمالية لتشمل كل العالم ومختلف شؤونه بما في ذلك تلك غير الاقتصادية.

الشرق الاوسط والمنتدى

قد كان الصراع العربي الاسرائيلي والوضع في الشرق الاوسط على جدول اعمال المنتدى خاصة في السنوات التي اعقبت مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقيات اوسلو ووادي عربة. وساهم المنتدى بالاشتراك مع البنك والصندوق الدوليين ومجموعة من الدول في مقدمتها الولايات المتحدة في الدعوة الى وتنظيم المؤتمرات الاقتصادية لدول الشرق الاوسط وشمال افريقيا والتي عقدت في عدد من العواصم العربية وكان الهدف من هذه المؤتمرات تحقيق التعاون بين دول المنطقة بما يؤدي الى تطبيع العلاقات العربية مع اسرائيل وإدماجها اقتصاديا وسياسيا في المنطقة، والتمهيد لاقامة السوق الشرق اوسطية كبديل للنظام العربي ولاحتمالات التكامل الاقتصادي العربي. وكانت وما زالت القوى التي تقف وراء هذه الدعوة، ترى في التطبيع الاقتصادي والسياسي العربي – الاسرائيلي، مدخلا هاما يساهم في التوصل الى تسوية الصراع العربي الاسرائيلي وتحديدا تسوية القضية الفلسطينية وبما يساهم في التغلب على الصعوبات الجغرافية!! وكانت وما زالت هذه القوى تدعي ان من شأن هذه العلاقات تعزيز الثقة بين الاطراف المعنية، وبما يؤدي الى سهولة التغلب على نقاط الخلاف. ويتضح جليا ان هذه المنطلقات لا تبتعد عن مرجعية تسوية الصراع وحسب، وهي القرارات الدولية، بل التمهيد لايجاد اسس جديدة لهذه التسوية تستجيب الى الطموحات الاسرائيلية التوسعية من جهة وتتجاوز على الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني التي تقرها القرارات الدولية من جهة ثانية.

واستخدمت اسرائيل هذا التوجه من قبل المؤسسات الدولية والمرونة (او الرضوخ!) من قبل بعض الجهات العربية لتحقيق اهداف هامة، كان في مقدمتها كسر طوق العزلة الدولية الذي فرض عليها خاصة من غالبية دول عدم الانحياز في آسيا وافريقيا. واستعادة او اقامة علاقات دبلوماسية معها هذا اضافة الى نجاحها في اقامة علاقات على مستويات مختلفة بعضها معلن وبعضها غير معلن مع بعض الدول العربية اضافة الى العلاقات مع الدول التي تربطها بها اتفاقيات كمصر والاردن.  وبدلا من ان يؤدي هذا التوجه كما كان يبشر دعاته والمدافعون عنه الى إحداث تبدل في الموقف الاسرائيلي، باتجاه تسوية عادلة تستند الى القرارات الدولية، فإن العصابات الحاكمة في اسرائيل ازدادت تشددا وكبرت طموحاتها التوسعية وتعمق تنكرها للقرارات الدولية وللاتفاقات التي عقدتها مع الجانب الفلسطيني ومع بعض الاطراف العربية الاخرى. واشتدت وتعددت محاولات اسرائيل للتملص من اية روابط واتفاقات الى ان ركبت موجة احداث 11 ايلول وحملات الحرب ضد الارهاب، وتخلت نهائيا عن اية التزامات، رغم انها في الغالب لا تلبي الحد الادنى المقبول فلسطينيا، وشنت حملة عدوانية مسعورة ضد الشعب الفلسطيني بحجة مقاومة الارهاب!! وارتكبت مجازر وجرائم غير مسبوقة امام صمت دولي مريب وتأييد امريكي مفضوح وموقف عربي لا يحسد عليه اصحابه!!

ما هو الثمن!

ورغم كل ذلك، فقد بقي هناك تصميم على متابعة السير في ذات الطريق لايجاد ما يسمى بتسوية للصراع العربي الاسرائيلي او للصراع في الشرق الاوسط، بما يلبي اساسا الطموحات الصهيونية وعلى حساب الحقوق الفلسطينية والعربية المشروعة. ويتضح من مختلف التطورات والنشاطات ان الاهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الاوسط ووجود ثروة النفط فيها بكثافة وطبيعة اسواقها ومستقبلها هي وراء الاهتمام المستمر بشؤونها، ووراء تحقيق تسوية تلبي طموحات اسرائيل ومن اجل تقوية وتثبيت التحالف الاستراتيجي الامريكي – الاسرائيلي وبما يبقي اسرائيل قوية وأداة فعالة لكبح حركة التحرر العربي بمختلف فصائلها واخضاع دولها.

وتعزز هذا الاتجاه بعد احتلال العراق، حيث كشفت امريكا بوضوح ان حربها على العراق واحتلاله ستكون مدخلها لاجراء تبدلات جيوبوليتيكية في المنطقة وبما يضمن مصالحها ومصالح احتكاراتها. وتوجت ذلك بتقديم مشروع الشرق الاوسط الكبير، والذي يستهدف اجراء تبديلات تستجيب للمصالح الاحتكارية الامريكية وللقوى الامبريالية الاخرى، وسيكون هذا المشروع من ابرز واهم النقاط على جدول اعمال منتدى البحر الميت، جنبا الى جنب مع الحديث عن زرع الدمقراطية في العراق، رغم المجازر التي ارتكبتها وترتكبها قوات الاحتلال ورغم جرائم سجن ابو غريب والتي لا شبيه لها حتى في اكثر دول العالم تخلفا ووحشية.

وهكذا من اهم بنود محادثات وأجندة دافوس البحر الميت القبول بالمشروعات الامبريالية والصهيونية الاستسلامية والتصفوية رغم جرائم ابو غريب ومذابح الضفة والقطاع غير المسبوقة. وتتحول هذه اللقاءات الى وسيلة ضغط اضافية على العرب والفلسطينيين لمزيد من الرضوخ للمخططات المعادية لأمتنا وحريتنا واستقلالنا، وللقبول بقيود التبعية باعتبارها احد اشكال الحداثة!! والدمقراطية عند اللزوم!!

وهكذا فإن النتائج السياسية المتعلقة بطبيعة واتجاهات التطورات والتبدلات التي ترغب الدوائر الامبريالية والصهيونية في تحقيقها هي من اهم واول اهداف هذا اللقاء. ورغم ذلك لا يجوز اغماض العين عن بعض الاهداف الاقتصادية المتوخاة من بعض الجهات لا سيما من الاردن الذي يحتضن هذا الملتقى العالمي الهام. ولا شك ان الاردن وغيره من الدول العربية المشاركة تبذل جهودا لاستقطاب رؤوس اموال اجنبية من اجل الاستثمار، وفي سبيل التنمية، وهو الهدف الاساس المعلن لهذا الملتقى.

ورغم تفاوت المفاهيم حول دور الاستثمار الاجنبي وكيفية استقطابه، وحول طبيعة القروض والمساعدات الاجنبية، الا انه يجب الاعتراف بأن البعض يتوقع الفوز بنتائج اقتصادية على مستوى الاستثمار والسياحة وغير ذلك. ولا شك ان هذا الملتقى بجانب الاهداف السياسية المعلنة وغير المعلنة هو مناسبة للعلاقات العامة ومحاولة تسويق بعض المشروعات في هذا البلد او ذاك. كما واننا نرحب بالجهود التي تبذل لاستقطاب الاستثمارات الاجنبية شريطة الا ترتبط بأية شروط تمس استقلال الوطن وسيادته، والا تكون اداة لفرض المزيد من التبعية السياسية والاقتصادية على اوطاننا. علما اننا ندرك مسبقا ان جزءا هاما من شروط واهداف الاحتكارات العالمية سيكون محاولة دفعنا الى المزيد من الارتباط باسرائيل وبتقوية العلاقات الاقتصادية معها بهدف الاثبات ان العلاقات الاردنية الاسرائيلية هي مخرجنا من الازمة الاقتصادية، كما هو الحال مع المناطق الصناعية المؤهلة، وفي سبيل نسيان التكامل الاقتصادي العربي والتخلي عن النضال من اجل بنائه. علما ان من ابسط المفاهيم التي تحدد نشاط الرأسمال الاجنبي وتحركاته هي قضية الامن بالدرجة الاولى وعائد الاستثمار بالدرجة الثانية، كما يأتي في الموقع الثالث هو مدى امكانية تحقيق موقع احتكاري للمستثمر الاجنبي من خلال الاستثمار الجديد.

يقينا ان الوضع الامني في المنطقة لا يشجع قدوم رؤوس الاموال الاجنبية، علما ان بعضها لا يحجم فقد بل يهرب بحيث ان حصة الدول العربية من الاستثمار الاجنبي المباشر على الصعيد العالمي قد انخفضت من 2% الى 1% من كامل هذا الاستثمار. لذلك فإن قضية استدراج الاستثمار رغم اهميتها الا انها مرهونة بالتطورات السياسية في المنطقة والتي تلعب في تأزيمها دورا هاما الولايات المتحدة واسرائيل، اللتان تبذلان الجهود المعروفة لايقاع المزيد من الدول والشعوب في شركهما.

في ايام الحرب الباردة كانت لقاءات المنتدى السنوية ومقرراته وتوصياته تأخذ طابعا سريا او شبه سري

الهدف من عقد هذه المؤتمرات في المنطقة هو تحقيق التعاون بين دول المنطقة بما يؤدي الى تطبيع العلاقات العربية مع اسرائيل وإدماجها اقتصاديا وسياسيا في المنطقة.

البعض يتوقع الفوز بنتائج اقتصادية على مستوى الاستثمار والسياحة وغير ذلك. ولا شك ان هذا الملتقى بجانب الاهداف السياسية المعلنة وغير المعلنة هو مناسبة للعلاقات العامة ومحاولة تسويق بعض المشروعات في هذا البلد او ذاك..

(الامين العام للحزب الشيوعي الاردني)


د. منير حمارنة *
السبت 22/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع