الامبريالية وانسانية الانسان

ستون عاما على شعلة "الاتحاد" التي ستظل الدرب المنير لكل الوطنيين الشرفاء والاحرار في العالم خاصة في هذه الظروف المظلمة تبقى الشمعة المضيئة للشعوب المضطهدة وفي هذه المناسبة اهديها هذه المقالة.
سأبحث في هذه المقالة اسس الامبريالية واسقاطاتها على انسانية الانسان. تنطلق الامبريالية من بديهيتها الاساسية في ان اصل الانسان هو شر وطبيعته شريرة ولذلك تبحث الامبريالية في الوسائل والطرق الافضل لتفادي هذه الطبيعة الشريرة فمن ميكافيلي الى هوبس وستيوارت ميل تتكون الركائز لهذه الفلسفة الشريرة وهي بالفعل فلسفة شريرة لان كل ما ينتج من الشر هو شر، ميكافيلي طالب الحاكم بأن يستمر في القتال كل الوقت لان الانسان يحب القتل ويحب المقاتل ولذلك على الحاكم ان يكون مقاتلا عنيفا. وهوبس في عقده الاجتماعي الديكتاتوري المطلق يعتبر الانسان محبا للثروة والسيطرة وبالتالي يجب كبح هذه الشهوات عبر النظام الملكي ليكون الملك الآمر الناهي الوحيد. وستيوارت ميل في تنظيره لليبرالية والحرية الشخصية يطالب بنظام حر، نظام يعتبر الحرية الشخصية هي الاهم ولذلك يطالب بنظام دمقراطي كتحصيل حاصل للحفاظ على الحرية الشخصية للفرد، اين تكمن حدود هذه الحرية لم يظهرها ولم يبينها الا في حدود النظام الدمقراطي كما اراد.
ومن هنا ومع تطور هذا الانسان – الانسان الامبريالي ووجود بعض العيوب في النظام الموجود يبحثون عن نظام آخر ونظام اقل عيوبا لهذا الانسان.
1. الانسان الامبريالي – حكم – تملك - استهلاك
تنطلق الامبريالية من ان الانسان يحب الحكم والسيطرة عن طريق التملك المؤدي الى الاستهلاك، وبالتالي الامبريالية في مراحلها الاولى بحثت في نظام الحكم الافضل وبعد ذلك رأينا التملك وحب المال هو الاساس المحرك للانسان وفي هذه المرحلة يبدأ الاستملاك الذي لا حدود له ولذلك رأينا هؤلاء الامبرياليين يبحثون في فلسفتهم عن القضايا الاساسية للتملك والاستهلاك ومشاكله.
اعتمد هذا النظام في ركائزه الاساسية لقوانينه الاقتصادية في ان الدولار هو السيد وهو الآمر الناهي وبالتالي نرى نظرياتهم الاقتصادية تتمحور في هذا الاتجاه بالذات اي تجميع الدولارات اكثر وطرق الوصول اليها. وايضا نراه في قوانين السوق الحرة التي يسمونها يعتمدون قانون الغاب الذي فيه القوي يأكل الضعيف والقوي هنا من يملك دولارات اكثر وبالتالي اتاح هذا النظام بناءً على هذه الركائز – الدولار هو السيد – قانون الغاب – للانسان الامبريالية كافة الوسائل لتحقيق غاياته. وبالطبع كل الوسائل متاحة ضمن هذا القانون ويمكن تبريرها ضمن اللغة القانونية المصطنعة المبنية على اسسه القانونية والدستورية وما شابه ذلك.
هذا المناخ وهذه الظروف تعطي مساحة كبرى لعمليات القتل المنتشرة في تلك المجتمعات ولتبرير ذلك اصطنعوا العالم السفلي – وكأن هناك عالمًا سفليًا وعالمًا علويا – فهؤلاء القتلة يعيشون في عالمهم الخاص – العالم السفلي – وبذلك تنتهي القضية متناسين انهم بالاساس بشر يعيشون في هذا العالم. وظواهر الغش والخداع المنتشرة في العالم العلوي حسب تعريفهم يتم تبريرها بالظروف الآنية ومشاكل الحياة اليومية.
واما الدعارة والتجارة بالنساء يتم التغاضي عنها لاسباب مهنية يعتبرونهما ظواهر خارجة عن القانون وايضا يضعونهما في خانة العالم السفلي الذي اصبح كقميص عثمان وفي كل مرة تظهر هذه الظواهر يلوحون بقميص عثمان.
تجار المخدرات وآفاتها على المجتمع فيعتبرونهم مجرمين يجب محاكمتهم ويتناسون انهم وقعوا في معضلة وفي تناقض ذاتي حين قانون الغاب والدولار هو السيد فلماذا تتم محاكمتهم اذن!! اذا كان همّ تجار المخدرات بالاساس هو تجميع الدولارات كي يكونوا اقوياء في قانون الغاب وبالطبع هذا طبيعي في عرف الامبريالية فلماذا يطاردونهم ويحاكمونهم!! وتحت مظلة الحفاظ على المجتمع يتم تبرير تلك المحاكمة، اما ان يأتي طفل في امريكا ويحاصر مدرسته ويقتل داخل جدران المدرسة يؤدي الى تأثر الامريكان تأثرا شديدا ولا يجدون الحل ماذا نفعل في هذه الظاهرة؟؟؟
وان يقوم حيوان ليس انسانا في القدس بقتل طفلته التي لم تبلغ السنة من عمرها يؤدي الى القشعريرة لدى الاسرائيليين، وان يقوم زوج اسرائيلي بقتل زوجته بعد 35 سنة من الزواج لا تجد الجواب لها حتى لدى الفلاسفة الامبرياليين ازاء هذه الظواهر.
عمليات الاغتصاب اليومية التي تحدث في النظم الامبريالية لا تجد لها من يحدد كيفية معالجتها. وان يقوم شاب في امريكا باصطياد البشر لا لشيء وانما لمجرد التسلية والقتل – الذي كان يصطاد البشر مستعملا سيارته – ظواهر اللواط والسحاقيات المنتشرة بكثرة داخل هذه الانظمة لا تجد من يجيب.
عديمو المأوى في امريكا لا تجد حتى امريكا حلا لهم – اكثر من 5 ملايين من عديمي المأوى في امريكا يُنظر لهم بانهم ضعفاء حسب النظريات الامبريالية لأنهم لم يكونوا اقوياء حتى يستطيعوا مجاراة هذا العالم والعيش فيه.
الفقراء والمعدمون الذين يعيشون في كنف هذه النظم يتم تبرير هذه الظاهرة عبر نفس الفلسفة اي كونهم ليسوا اقوياء كفاية ليعيشوا في هذا العالم متناسين ان حق الحياة فوق اي نظام واي فلسفة.
2. الليبرالية الجديدة
وحتى يتم القفز فوق هذه الآفات الاجتماعية في النظم الامبريالية يتم استخدام نظريات جديدة متمثلة في الليبرالية الجديدة التي تعتبر حقوق الانسان فوق كل شيء وفوق كل اعتبار لينشغل العالم بهذه الموضة القديمة الجديدة – حقوق الانسان – متغاضين عن الآفات الاجتماعية الموجودة في المجتمع الامبريالي.
ويتم تبرير الحروب في العالم تحت هذه المظلة – حقوق الانسان – في النهاية تم تبرير الحرب على العراق بأنها من اجل حقوق الانسان لأنهم لم يجدوا اسلحة دمار شامل ولان العراق لم يتورط في الارهاب بالمفهوم الامبريالي.
ونرى تخبطات النظم الامبريالية حتى داخل نطاق هذه المظلة لانها هي نفسها لا تحافظ على حقوق الانسان في غوانتناموا وابو غريب، ونرى هنا نفس المعضلة ونفس التناقض فالنظم الامبريالية لم تعتبر الانسان كانسان وكيف تحافظ على حقوق الانسان!!
واراهن انه في المستقل القريب سيخترعون نظرية اخرى لاشغال الناس بامور ثانوية بدل البحث في الامر الاساسي وهو انسانية الانسان. التعامل مع هذا الانسان وفق هذه الركائز والفرضيات – الدولار هو السيد – قانون الغاب – انتجت انسانا مصطنعا خاليا من القيم وخاليا من الانسانية اي انسان شكلي من الخارج انسان وفي داخله غرائز وافكار حيوانية هي التي تسيره. انسان مع امكانية قتل اخيه الانسان اذا تعارض مع مصالحه، انسان مع غرائز حيوانية هي التي تسيره هذا ما يفسر كثرة عمليات الاغتصاب واللواط والسحاقيات التي سببتها النظم الامبريالية وفلسفتها الشريرة.
الانسان المخادع الغشاش الذي يبحث دائما عن التملك باستعمال كافة الوسائل. انسان يجيز الدعارة والتجارة بالنساء لارضاء السيد دولار، والمخدرات والتجارة بها تصبح امرا ثانويا لكي يكون قويا حسب نظام الغاب واما تأثيرها على المجتمع وعلى الانسانية بشكل عام يصبح امرا ثانويا لا اهمية له ارضاءً للسيد دولار.
انسان ينظر للفقراء والمعدمين وعديمي المأوى بانهم انسانيون حسب فرضيات النظام الامبريالي. هذا هو الانسان حيب انسانية الامبريالية المصطنعة، واسأل ماذا يبقى من هذه الانسانية أو بالاساس لم يبق هناك انسان ولا يليق ان نطلق عليه لقب الانسانية او صفة الانسانية؟؟

(كابول)


محمد جمل
الثلاثاء 18/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع