<الاتحاد> المرجع والمرجعية لمسيرة التاريخ الكفاحي لجماهيرنا

"واما الزّبد فيذهب جُفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض"، بهذه الآية الكريمة روّس خالد الذكر الدكتور اميل توما صدْر العدد الاول من "الاتحاد" الذي خرج الى النور قبل ستين سنة، في الرابع عشر من ايار عام 1944. وحتى تكون نافعة للناس وأهلا للحياة والتطور اختارت "الاتحاد" هويتها المميزة ايديولوجيا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا كصحيفة ثورية تقدمية متحزبة في موقفها النضالي دفاعا عن قضايا ومصالح الطبقة الكادحة وجميع المضطهدين في مجتمع الاستغلال الطبقي والاجتماعي والقومي والجنسي، دفاعا عن حق شعبها في الحرية والاستقلال الوطني ومن اجل السلام العادل والدمقراطية والعدالة الاجتماعية. وانطلاقا من هويتها المميزة تحولت "الاتحاد" الى جامعة للثقافة الوطنية ونشر الفكر والادب الوطني التقدمي الفلسطيني والعربي والانساني العالمي التقدمي وتخريج كوكبة من الكتاب والشعراء والنقابيين والباحثين والقادة السياسيين الذين يعتز بهم شعبنا واكتسحت شهرتهم الآفاق منطقيا وعالميا.
لقد صدق خالد الذكر د. اميل توما عندما قيّم "الاتحاد" انها "يوميات شعب"، فالاتحاد كانت ولا تزال المرجع والمرجعية لسيرة ومسيرة كفاح الجماهير العربية، الاقلية القومية العربية الفلسطينية في اسرائيل، التاريخية، في شتى مجالات التطور والنضال. فبهدى هويتها الفكرية السياسية كصحيفة ملتزمة، شيوعية في منهجها ونهجها، ما كانت "الاتحاد" يوما مجرد عين راصدة للاحداث ونقلها بشكل تجريدي، بل كانت ولا تزال تساهم في بلورة الخبر بشكل يساعد على رفع مستوى الوعي الجماهيري لادراك مضمون ومدلول الخبر او الحدث وذلك بهدف التجند والتجنيد لمواجهة الحدث. ولهذا ليس من وليد الصدفة ان الكثير من المؤرخين والباحثين وطلاب الجامعات يعودون الى "الاتحاد" المرجع والمرجعية، للتزود بالحقائق عن المسيرة الكفاحية للجماهير العربية في مواجهة سياسة القهر القومي والتمييز العنصري السلطوية في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية.
خلال ستين سنة من عمرها المتجدد الطويل كان في مركز اهتمامات "الاتحاد" ثلاث قضايا مركزية.
* القضية الاولى: الموقف من قضايا الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني - العربي وانجاز الحقوق الوطنية الشرعية للشعب الفلسطيني  وفقا لقرارات الشرعية الدولية. فقبل النكبة الفلسطينية وبعد قيام اسرائيل، عندما كانت الاتحاد احد اعلام "عصبة التحرر القومي الفلسطينية" الكفاحية وبعد ان اصبحت احد اعلام الحزب الشيوعي الاسرائيلي الكفاحية، لم تنكس ابدا "الاتحاد" علمها الكفاحي، تماما مثل حزبها الشيوعي، من اجل حل عادل نسبيا للصراع الاسرائيلي - العربي الذي قضيته المحورية الرئيسية هي القضية الفلسطينية. وفي هذا المجال كان على "الاتحاد" ان تواجه وتفضح التحالف الثلاثي الدنس المعادي للحقوق الشرعية الفلسطينية وللسلام العادل في المنطقة. ان تواجه وتفضح السياسة الرسمية الصهيونية لحكومات اسرائيل المتعاقبة التي تتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية وتحتل منذ السبعة والستين الضفة والقطاع وتمارس الاستيطان الكولونيالي للارض الفلسطينية وابشع الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. اكدنا ونؤكد انه لا يمكن ابدا احلال السلام والامن والاستقرار في المنطقة على اساس مقولة وبرنامج "ارض اسرائيل الكبرى"، على اساس مصادرة الحق الشرعي للشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال الوطني واقامة دولته السيادية وعاصمتها القدس الشرقية وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين وفقا لقرارات الشرعية الدولية. كما اكدنا ونؤكد عدم واقعية وعدم مصداقية مقولة "ارض فلسطين الكبرى" في الظروف الواقعية القائمة. ونحن نعتز بان شعار "دولتين لشعبين - اسرائيل وفلسطين" الذي رفعناه على مختلف منابر الكفاح اصبحت تحتضنه اليوم الاسرة الدولية كمخرج لا بد منه من حمام دم الصراع. كما فضحت وتفضح "الاتحاد" الانحياز الامبريالي، وخاصة الامريكي، الى جانب حليفه الاسرائيلي العدواني في معاداة الشعب الفلسطيني وحقوق الشرعية، معاداة المصالح الحقيقية لشعوب المنطقة. كما فضحت وتفضح "الاتحاد" مواقف الانظمة العربية الرجعية المتعفنة المتواطئة مع الامبريالية والصهيونية والمتخاذلة في موقفها من كفاح الشعب الفلسطيني العادل من اجل تحرره واستقلاله الوطني.
* القضية الثانية: من يراجع تاريخ مسيرة "الاتحاد" يلاحظ انها كانت رفيق الدرب المواكب لمراحل تطور الجماهير العربية في مواجهة سياسة الاقتلاع والتمييز القومي والعنصري السلطوية. ففي العقد الاول بعد النكبة وقيام اسرائيل واجهت الجماهير العربية قضية البقاء في الوطن وافشال مخططات السلطة لترحيل وتشريد البقية الباقية من وطنها وارهابها بانظمة الطوارئ الانتدابية وبالاحكام العسكرية والحكام العسكريين الذين قيدوا تنقل العربي بتصاريح عسكرية. وانطلقت "الاتحاد" وحزب "الاتحاد" تدافع عن حق البقاء، وضد طغيان ومظالم الحكم العسكري البغيض، من اجل الحق في العمل، من اجل بناء مدرسة وشق شارع، لبناء مشاريع للمياه والكهرباء في القرى والمدن العربية. انطلقت في مواجهة الهجمة الشرسة لمصادرة الاراضي العربية وتهويدها، خاصة في الجليل وفي منطقة الشاغور - البعنة ودير الاسد، مجد الكروم ونحف.
وبعد ان ربحنا معركة البقاء وافشلنا مخطط الترحيل انطلقت "الاتحاد" في المعركة من اجل المساواة بطرح قضايا الجماهير المطلبية والدفاع عنها، المعركة لالغاء الحكم العسكري البغيض، المعركة لالغاء طابع الهستدروت العنصري بادخال العاملين العرب الى عضويتها لضمان حقوقهم النقابية، المعركة لاقامة سلطات محلية عربية وبناء مدارس ثانوية عربية ورفع الحواجز التي تحد من دخول الطلاب العرب الى الجامعات والمؤسسات العليا ورفع مستوى التعليم العربي، وقد حققنا في هذه المجالات انجازات هامة.
وفي السبعينيات وحتى اواسط الثمانينيات اسهمت "الاتحاد" بدورها المتواضع الى جانب حزبها في رص صفوف الوحدة الوطنية الكفاحية على مختلف الصعد وفي مختلف المجالات، حيث اقيمت بمبادرة الشيوعيين واصدقائهم المواعين والآليات الكفاحية القطرية مثل اللجنة القطرية للدفاع عن الاراضي العربية واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية واتحاد الطلاب الجامعيين واللجنة القطرية للطلاب الثانويين وغيرها.
لقد رأت "الاتحاد" في المعركة ضد سياسة الاضطهاد القومي السلطوية ومن اجل المساواة القومية والمدنية، الجماعية والفردية، جزءا لا يتجزأ من المعركة الدمقراطية العامة، من المعركة من اجل الدمقراطية والعدالة الاجتماعية. وان هذه المعركة تستدعي الكفاح المشترك اليهودي - العربي من اجل حق الاقلية القومية العربية بالمساواة التامة. فمجتمع يمارس نظامه التمييز القومي ضد اقلية قومية وعلى اساس عرقي وعنصري لا يمكن ان يكون دمقراطيا، وقد يولد في ظل ازمته العديد من مظاهر الفاشية والعنصرية المعادية للعرب وللدمقراطية، وهذا ما هو حاصل في اسرائيل في ظل تعمق ازمة حكومة الاحتلال الاستيطاني والافقار اليمينية الشارونية.
* والقضية الثالثة: بصفتها صحيفة الطبقة الكادحة وجميع المظلومين في مجتمع الاستغلال الطبقي والاجتماعي فان الاتحاد كانت ولا تزال منبر وسلاح العاملين في المعركة دفاعا عن حقوقهم النقابية ومستوى اجورهم وظروف عملهم ومعيشتهم. المنبر والسلاح في مواجهة سياسة الافقار والبطالة، سياسة اغناء الاغنياء وافقار الفقراء التي انتهجتها وتنتهجها حكومات اسرائيل المتعاقبة والحالية. كانت الاتحاد ولا تزال المنبر والسلاح في الدفاع عن حق المرأة بالمساواة في العاقلة والعمل وفي شتى مجالات التطور، وفي مواجهة مختلف مظاهر العنف والتمييز ضد المرأة.
اننا اذ نضيء الشمعة الواحدة والستين من عمر الاتحاد المتجدد نود التأكيد بأن سر بقاء "الاتحاد" على "الساحة خيّال" كصحيفة يومية عربية وحيدة تحمل نبراس الشيوعية في بلادنا والمشرق العربي ومغربه، بينما الكثير من الصحف المحلية التي دعمتها طواغيت المال والمؤسسات الصهيونية والاجنبية غابت عن الوجود، ان السر يكمن في طابع هوية "الاتحاد" المميز كصحيفة تقدمية مقاتلة تحمل هموم الناس وتدافع عن قضاياهم، اثبتت الايام صدق ومصداقية نهجها ومنهجها فتجذّر موقعها محبة وتقديرا في قلوب الناس. وصحيفة يرعاها حزب اثبت مصداقيته الكفاحية ويساندها شعب يقدر قيمتها لا خوف عليها من مواصلة دربها كنور لشعبها ونار في وجه مضطهديه.
د. أحمد سعد
الجمعة 14/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع