<الاتحاد> شباب متجدد!

كان صدور صحيفة "الاتحاد" الغراء قبل ستين عاما استجابة لحالة موضوعية تشكلت على ارض فلسطين الانتدابية. كانت الطبقة العاملة العربية الفلسطينية قد اتسعت ونمت صفوفها بشكل ملموس، بخاصة خلال سني الحرب العالمية الثانية. والمهم في الامر انها بلغت مرحلة "البلوغ" السياسي، بحيث غدت هذه الطبقة تعي قوتها وتعي بالمقدار نفسه رسالتها الطبقية والوطنية. وكان ذلك في غاية الاهمية، حيث تصادف وقوع ذلك في مرحلة بالغة التعقيد في تاريخ القضية الوطنية الفلسطينية.
في البدء، طرحت الاتحاد باعتبارها لسان حال الطبقة العاملة الفلسطينية، مشروع الدولة الدمقراطية لسكان فلسطين دون تمييز، بعد انهاء الانتداب وجلاء جيوشه، وكانت اول من طرحه، وكان هذا اول علامة فارقة على الاستقلال السياسي للطبقة العاملة الفلسطينية، وكان هذا الاختراق السياسي الجريء يمثل آنذاك تحديا سافرا للفكر السياسي التقليدي السائد، للقيادة الفلسطينية السابقة، هذا الفكر الذي اسهم بنصيبه نتيجة تخلفه في وقوع نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948. وحين افلحت مؤامرة القيادة الصهيونية والانتداب البريطاني، بتجاوب غبي من القيادة الفلسطينية السابقة، في اشعال نار الاحتراب العربي - اليهودي، عقب صدور قرار التقسيم في 29 تشرين ثاني 1947، امتلكت "الاتحاد" الجرأة السياسية لتغيير الهدف والمطالبة بقيام دولتين جنبا الى جنب، وفق قرار التقسيم، انطلاقا اولا وقبل كل شيء من مصلحة الشعب الفلسطيني وفي محاولة لتجنيبه هول المؤامرة الكارثية التي كان يجري تحضيرها له. وكان هذا يمثل تحديا آخر بالغ الجرأة ضد الفكر السياسي التقليدي السائد آنذاك في الساحة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته تحديا آخر بالغ الجرأة ضد الفكر السياسي التقليدي السائد آنذاك في الساحة الفلسطينية، وفي الوقت ذاته تحديا ومحاولة جريئة لقطع الطريق على مخططات الانتداب البريطاني، والقيادة الصهيونية التي صممت على سد الطريق على تنفيذ قرار التقسيم باقامة دولتين متجاورتين. ولاحباط هذا التحدي الجريء الذي انفردت به "الاتحاد" عطلت حكومة الانتداب في 15/1/1948 مطبعة النصر التي كانت تطبع "الاتحاد" لمدة اسبوعين.
 ومع نهايتهما الغى حاكم لواء اللد امتياز صحيفة "الاتحاد" لاسكات هذا الصوت الشجاع والمتميز، الذي انفرد في ادراك وفضح ابعاد المؤامرة، وذلك في ادق واخطر ايام تلك المؤامرة.
وبعد النكبة، تضاعفت مسؤولية "الاتحاد" لتغدو المنارة المشعة التي يهتدي بها ما تبقى من شعب فلسطين داخل اسرائيل، في ظروف تبلغ حد الاعجاز في قساوتها وخطورتها: ظروف الحكم العسكري التعسفي ونهب الاراضي ومخاطر التهجير. وحينها، لم يكن بالأمر اليسير، توجيه وتعبئة هذه الجماهير لرفض الخضوع للأمر الواقع الاليم وفي الوقت ذاته اختيار اكثر وسائل النضال المتاحة فعالية، دون التورط في روح المغامرة التي يمكن لها ان تقدم الذرائع لحكام اسرائيل لارتكاب المزيد من جرائم التهجير.. وبهذا يكون اعظم انجاز تاريخي لمدرسة "الاتحاد" هو تصليب ارادة الصمود في ارض الوطن. لكن مدرسة "الاتحاد" الطموحة والرائدة، اقرنت هذا الانجاز التاريخي بآخر بالغ الاهمية، وهو التصدي ومنذ البدء لمحاولات طمس وتذويب الهوية والثقافة والتقاليد العربية الفلسطينية لدى الاقلية القومية داخل اسرائيل. وفي هذا الميدان ايضا انتصرت الاتحاد بامتياز. ومن مدرسة "الاتحاد" تخرجت قوافل الكتاب والشعراء والصحفيين، الذين يملأون اليوم الساحة، بغض النظر اين استقر بهم المقام. ولو لم يكن للاتحاد الا هذا الانجاز لكفاها فخرا اليوم، في عيد ميلادها العطر، وكان هذا رد "الاتحاد" على مخطط حكام اسرائيل بتحويل الاقلية القومية العربية داخل اسرائيل الى حطابين وسقاة ماء. واذا اراد المرء تلخيص دور "الاتحاد" في هذا الميدان، فلا افضل من استذكار ما قاله الشيخ عبد الله نمر درويش، "لولا صحيفة الاتحاد لنسينا اللغة العربية"!
وحين وقع الاحتلال البغيض في حزيران 1967، وانفتحت قنوات الاتصال من جديد بين ثلاثة اجزاء اساسية من الشعب الفلسطيني، داخل اسرائيل والضفة الغربية وقطاع غزة، واصلت "الاتحاد" دورها الرائد، والذي استفاد منه كثيرا سكان الاراضي الفلسطينية المحتلة في التعرف على اساليب حكام اسرائيل في مجالات الاضطهاد والتآمر والتخريب. ومن الاتحاد تعلمنا دروسا عن معركة الصمود، ممن سبقونا في هذا الميدان، باعتبار الصمود مفتاح المعركة ومقررها.
لكن الاهم من ذلك هو ان الاتحاد كانت، ومنذ البدء وفي احلك ايام الظلام وغطرسة المحتلين، هي التي شرعت شعارات: سلام الشعوب بحق الشعوب، وان لا سبيل الا الاعتراف بالشعب الفلسطيني وبقيادته، في وقت كانت غولدا مئير وحتى عام 1973 تتساءل باستهزاء: اين هذا الشعب الفلسطيني، والاتصال بممثلي الشعب الفلسطيني يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون.
واليوم، فحتى شارون الذي يمثل آخر ما في ترسانة اليمين الاسرائيلي من ادوات البطش والتدمير، يضطر صادقا او كاذبا هو وحليفه الرئيس الامريكي بوش للاعتراف بوجود هذا الشعب وبحقه في دولته المستقلة.
ولهذا يحق "للاتحاد" اليوم، في عيد ميلادها الستين، ان تفخر برصيدها البالغ الغني حين تلقي نظرة الى الوراء، لكن مواصلة المسيرة النضالية المجيدة التي اختطتها الاتحاد، كفيل بتجديد شبابها، يحدونا الامل والثقة بأن القائمين على الاتحاد اليوم سيصونون ويعززون هذا الصرح التاريخي الشامخ، باعتباره امانة في اعناقهم، وباعتباره وقفا لكل الشعب الفلسطيني.

(القدس)


نعيم الاشهب
الجمعة 14/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع