في ذكرى صدور <الاتحاد>

في هذه الايام تحل الذكرى الـ 60 على صدور جريدة "الاتحاد" المجيدة، راية كفاح الطبقة العاملة العربية في فلسطين - في عهد الانتداب البريطاني - وفيما بعد في اسرائيل بعد العام 1948، وحتى يومنا هذا، واذا جاز لي الحديث او الكتابة عن هذه المناسبة العطرة فذلك لأنني شهدت صدورها يوم 14/5/1944 وكنت وكيلها الاول في القدس واحد مراسليها وكتابها وحملتها وايصالها للعمال ولبيوتهم وقرأتها لهم في تجمعاتهم بعد العمل، وبعد ذلك عملت في صفوفها وطباعتها مدة 38 سنة، من اواسط عام 1948 - 1987. ولم ارتبط في حياتي بشيء مثل ارتباطي بجريدة "الاتحاد" وحزب جريدة الاتحاد.
في اوائل الاربعينات من القرن العشرين، وكانت الحرب العالمية الثانية قد مر على نشوبها اكثر من عامين نشأت حاجة ماسة لوجود تنظيم نقابي للعمال العرب الذين كانوا محرومين بسبب سياسة الكبت التي تمارسها سلطات الانتداب ضد العرب بينما كان للعمال اليهود منظمتهم النقابية القوية (الهستدروت). ولهذا كانوا محرومين من حقوقهم الاولية مثل تحديد ساعات العمل والعطل والمكافآت والتعويضات عن الاصابات وغيرها الكثير والتي كان العمال اليهود وغيرهم يحصلون عليها، وبسبب الحرب وحاجة القوات البريطانية والحكومة الى الايدي العاملة فقد ترك كثيرون من الرجال قراهم واشتغلوا في معسكرات الجيش وفي الورش التابعة للصناعات العسكرية. فبادر الحزب الشيوعي الفلسطيني الى تجنيد عدد من اعضائه واصدقائه للقيام بانشاء جمعيات عمالية لتنظيم العمال العرب والدفاع عن حقوقهم، وكان لي شرف ان اكون احد سبعة رفاق من القدس كنا اول من بادر الى طلب ترخيص من دائرة حاكم لواء القدس لانشاء جمعية عمال، وبعد عمل طويل وصعوبات جمة ووفق لنا ان ننشئ جمعية باسم جمعية العمال العرب الفلسطينية تبعها بعد ذلك مثيلتها في يافا، وبعد ذلك اخذت جمعيات العمال العرب تنتشر في غالبية مدن وقرى فلسطين.
في تلك المرحلة اضطرت حكومة الانتداب ان تنشىء دائرة العمل وتشرع بعض القوانين. الا ان العمال العرب بقوا متخلفين عن العمال اليهود في الاجور وشروط الاستخدام بسبب عدم وجود تنظيم نقابي قوي ومتمرس وعدم تعود العمال العرب على التنظيم والانضباط وعدم وجود صحف عمالية ترشد وتوعي العمال للمطالبة بحقوقهم وشروط استخدامهم العادلة.
وحتى الصحف العربية التي كانت تصدر في فلسطين آنذاك مثل "الدفاع" و "فلسطين" وغيرهما لم تكن تؤيد مطالب العمال العادلة، بادعاء ان حصول العمال على اجور اكثر وشروط استخدام عادلة يضر بالاقتصاد الوطني، وكانت تنحاز الى جانب اصحاب العمل عندما ينشأ خلاف حول مطالب العمال. وفي مرات كثيرة كانت هذه الصحف ترفض نشر اخبار نضالات العمال متهمة قادة الحركة العمالية العربية بأنهم يعملون على اقامة نظام شيوعي مثل الذي في روسيا.
في مثل هذه الاوضاع التي بلغ فيها التنظيم النقابي بين العمال العرب درجة متقدمة وكبيرة وكانت قيادات جمعيات العمال العرب تمتاز بوعي نقابي وسياسي وتمارس دورها الطليعي حتى في مجال النضال الوطني ضد الانتداب البريطاني وضد مطامع الصهيونية كان لا بد لها من ان تصدر صحيفة تنطق باسم العمال وتدافع عن حقوقهم ومطالبهم وتكون منارة تهدي مسيرة الطبقة العاملة العربية المجيدة وترفع صوتها حتى في المجال الدولي بين عمال العالم.
وفي 14 أيار من عام 1944 صدر العدد الاول من "الاتحاد" يحمل شعار: لسان حال العمال العرب في فلسطين، وكان حسب القوانين الموجودة يجب ان يوضع اسم صاحب الجريدة ومحررها المسؤول، فكان طيب الذكر الرفيق اميل توما هو صاحب الجريدة ومحررها المسؤول، والذي كان احد القادة الشيوعيين واحد مؤسسي "اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب في حيفا". وهكذا صار للعمال العرب جريدتهم وصوتهم المسموع ومنارتهم التي تهدي سفينتهم الى الطريق الصحيح والسليم.
وعلى الرغم من كل الصعوبات والتضييقات التي مارستها حكومة الانتداب البريطاني وفيما بعد حكومات اسرائيل المتعاقبة على "الاتحاد" ومحرريها وكتابها، الا انها عاشت وشقّت طريقها في اصعب الظروف والاوضاع في الوقت الذي ماتت فيه عشرات الصحف الصفراء وصحف الاحزاب الاخرى لأن من حقائق الحياة ان الذي يبقى هو ما ينفع الناس.
وثبات "الاتحاد" هذه السنوات الطوال والصعبة لأنها ارتبطت بالشعب الثابت والباقي في وطنه وبالطبقة العاملة التي لها المستقبل - مستقبل السلام والحرية والمساواة والسعادة.
فالى الامام يا صحيفة "الاتحاد" ولسنوات عديدة مديدة في خدمة الشعب والانسانية والتقدم.

 (القدس)


عودة الاشهب
الجمعة 14/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع