ذكريات من الماضي

في عكا:
في بداية 1945 بدأ عدد من الرفاق في تأسيس فرع لعصبة التحرر الوطني في عكا. في البداية كان عددنا قليلا، وتدريجيًا تزايد هذا العدد، ومع ازدياد عدد الرفاق اصبحت هناك خلية منظمة تجتمع بشكل منظم. وكنا نتردد على مقر الاتحاد والعصبة في درج الموارنة في حيفا، والاشتراك في الاجتماعات الشعبية والاحتفالات مثل الاحتفال بأول أيار. واخذنا نستلم عددًا محدودًا من صحيفة "الاتحاد" نوزعه على الرفاق وحلقة ضيقة من الاصدقاء ومع ان هذا العدد ازداد، الا اننا لم ننزل الى الشارع حاملين "الاتحاد" ولنوزعها علنا على الجمهور.
وفي احد الايام سمعنا ان شابا (يلبس جزمة) نزل في سوق عكا حاملا "الاتحاد" - وان اولاد الطرطوزي (أصحاب محل حلويات) اعترضوا طريقه. وقد دهشنا وخجلنا في الوقت ذاته. دهشنا لهذه الجرأة من شخص يأتي من خارج عكا ليوزع "الاتحاد" في الشارع، وخجلنا لاننا لم نقم بهذا العمل، وكان هذا الشاب الرفيق كمال غطاس. قررنا حالا النزول الى الشارع لنوزع "الاتحاد". جندنا كل رفاقنا وطلبنا منهم ان يلبسوا أفضل ملابسهم، وطلبنا عددا كبيرا نسبيًا من "الاتحاد". ونزلنا الى الشارع سوية، جماعة واحدة. ورأينا استغراب الناس ودهشتهم لانهم لم يعتادوا رؤية شباب مثقفين يبيعون صحيفة في الشارع. وبلغ الاستغراب بسيدة ان قالت: لماذا تبيعون الجرائد وأنتم  كما أرى شباب متعلمون؟ فأجبناها متضاحكين: تعلمين ان الاشغال قليلة ونريد ان نربح مصروفنا.
ولكن استقبال الشارع كان جيدًا وايجابيًا. وخلال فترة قصيرة بعنا كل ما كان معنا من "الاتحاد". فاتصلنا بحيفا طالبين كمية اضافية، ووصلت هذه الكمية الاضافية، وهي أيضًا  بيعت في الشارع.
وهكذا أصبحنا نوزع "الاتحاد" علنا في عكا، وكان عدد الصحف الموزعة يتزايد باستمرار. وان كان هناك حماس كبير بين الرفاق لزيادة البيع. وأذكر انه نظمت مباراة  في توزيع "الاتحاد"لاحقًا، بين فرعي عصبة التحرر الوطني في الناصرة وعكا. وكانت الناصرة مركزًا عماليًا كبيرًا. وفيها فرع لمؤتمر العمال العرب. ومع ان فرع الناصرة نال السبق، الا اننا في عكا نجحنا في الوصول الى ما يقارب الـ (900) عدد من "الاتحاد" وهذا بدون شك نجاح كبير.
وكنت انا وطيب الذكر رمزي خوري، نوزع "الاتحاد" يوم الاحد صباحًا في ساحة اللومان (ساحة فرحي حاليًا). وكان يشتريها في الاساس، قادمون الى عكا من قرى الجليل التي لم يكن فيها فروع للعصبة، ولم يكن فيها توزيع منظم "للاتحاد". وهكذا اخذت تصل الى قرى الجليل، وان كان بأعداد قليلة.
في حيفا:
توقف صدور "الاتحاد"، بعد ان أقفلتها سلطات الانتداب البريطاني لانها "الاتحاد"، فضحت سياسة الاستعمار البريطاني ومؤامراته ضد الشعب الفلسطيني. ولذا كان الهم الأكبر بعد رحيل الانتداب اعادة اصدار "الاتحاد". وكان من الضروري الحصول على رخصة جديدة لإصدار "الاتحاد". وتقدم الرفيق توفيق طوبي بطلب لاصدار "الاتحاد اسبوعيًا. وكان نقاش في داخل الحكومة، وكان بن غوريون من أشد  المعارضين لمنح رخصة لاعادة اصدار "الاتحاد". ولكن الرخصة منحت أخيرًا، وبدأت الاستعدادات لاصدارها.
واستأجر الرفيق توفيق طوبي من القيم على املاك الغائبين مطبعة منير حداد الواقعة في وسط وادي النسناس. وكان يطبع في هذه المطبعة مجلة "النفير". ولم يكن سهلاً طبع "الاتحاد" فالآلات توقفت عن العمل مدة طويلة، والأيدي العاملة المهنية كانت محدودة جدًا. كان الاعتماد على الرفيق متيا نصار الذي كان  يشتغل سابقًا في مطبعة. وأذكر ان كل الرفاق العرب في حيفا تقريبًا، ساهموا  في العمل في المطبعة لاصدار "الاتحاد" وصدر العدد الاول في تشرين الاول 1948، قبل مؤتمر الوحدة بين الشيوعيين اليهود والعرب الذي عقد في حيفا، في وقت قصير.
وتطلب ايصال "الاتحاد" الى الناصرة والمثلث وغيرهما جهودًا كبيرة. فالمواصلات لم تكن منظمة  والحكم العسكري كان يعمل كل ما في وسعه لمنع وصول "الاتحاد". وأذكر كيفية ايصال "الاتحاد" الى الرفاق في الطيبة، التي كان من الصعب الوصول اليها. كان خط القطار حيفا - تل ابيب يمر قرب القرية وكان يحمل أحد الرفاق رزمة "الاتحاد" ويسافر في القطار من حيفا الى تل ابيب. وكان يلقيها من القطار عند مروره قرب الطيبة، حيث يتلقفها رفيق من الطيبة. وقد قمت انا بهذا العمل عدة مرات. واستمر هذا الاسلوب مدة، الا ان تنبه الحكم العسكري لذلك، فمنع  وصول "الاتحاد" بهذه الطريقة، الا انها استمرت في الوصول بشكل منتظم الى الطيبة.
وفي حيفا، أخذنا في توزيع "الاتحاد" في وادي النسناس وفي أحياء عباس والحليصة والكبابير في البداية كان عددنا قليلا جدًا الرفاق توفيق طوبي، عصام العباسي، يوسف عبدو، سركيس ابريان، سليم شامي، فرحات ادين، متيا نصار وزاهي كركبي. والمعذرة اذا نسيت احد الاسماء. وأخذ عددنا يزداد، وازداد عدد الموزعين في البداية لم يكن التوزيع حسب الشوارع، أي لكل موزع منطقة محددة يوزع فيها وأذكر كيف كان يقف الرفاق كل واحد حاملا كمية من اعداد "الاتحاد"، يقفون امام نادي الحزب في بستان الشيوعية. وعندما كان يعطى الاذن بالانطلاق، ينطلقون بحماس لتوزيع "الاتحاد"، ولاحقًا أصبح لكل موزع منطقة ثابتة، وهذا مكّن من زيادة التوزيع. واخذنا في ارسال رفاق لتوزيع "الاتحاد" في الفريديس، وعسفيا ودالية الكرمل. وكان الرفيق أديب شرش (في كندا حاليا) يوزع "الاتحاد" في الفريديس، يسافر كل اسبوع مضحيًا بساعات طويلة وقام بهذا العمل سنوات طويلة. ولم يكن يمنعنا شيء عن توزيع "الاتحاد". ففي الثلجة الكبيرة - شباط 1950، خرجنا لتوزيع "الاتحاد" في مختلف الاحياء بما في ذلك حي عباس، الذي كان الثلج فيه كثيفًا  بشكل خاص. وبالطبع زاد هذا من احترام الناس "للاتحاد" ولرفاق الحزب. وكان الرفاق يبذلون جهودًا كبيرة للوصول الى مختلف الاماكن لتوزيع "الاتحاد" فمثلا كنت أوزع "الاتحاد" لفترة في حي وادي الجمال، كنت اسافر بالباص الاخير للحي. ولكن الرجوع الى حيفا كان سيرًا على الأقدام. وان رفاقا من الناصرة وعلى رأسهم طيب الذكر فؤاد خوري يحضرون الى حيفا ليوزعوا "الاتحاد" في باصات الناصرة، بعد ان تمتلئ بالركاب قبل سفرها الى الناصرة. وقد قمت بهذا العمل مدة طويلة، بدلا من رفاق الناصرة. والحقيقة ان سائقي الباصات  كانوا متعاونين جدًا، ويسهلون علي دخول الباص وتوزيع "الاتحاد"، وبعد ذلك يفتحون الباب الاخير للباص، لانزل منه قبل سفره الى الناصرة.
وكنا نبيع عددا لا بأس به من "الاتحاد" للرفاق العراقيين في محنيه دافيد.
كانت "الاتحاد" تصدر مرة في الاسبوع. وقد وصلنا في التوزيع في حيفا الى الف عدد اسبوعيًا. ونظمنا حفلة/ احتفالا بذلك في قهوة كراكين.
صدرت "الاتحاد" هذه السنوات الطويلة بفضل الجهود الهائلة، والتضحيات من جانب هيئة التحرير والعاملين في مطبعة "الاتحاد" وعمال مطبعة "الاتحاد" والموزعين. ونحن اذ نحتفل اليوم بمرور 60 عاما على صدور "الاتحاد"، نحتفل بهذا التاريخ المجيد، الذي سطرته "الاتحاد"، تاريخ النضال الذي لا هوادة فيه، بمبدئية وتفان واخلاص من اجل الاخوة اليهودية - العربية من اجل المساواة للجماهير العربية، دفاعا عن حقوق العاملين ومن اجل السلام العادل للشعب الفلسطيني.

(حيفا)


زاهي كركبي
الجمعة 14/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع