عن الماضي من اجل الحاضر والمستقبل

عندما تبدأ "الاتحاد" عامها الحادي والستين، يبدأ العام الثاني والخمسون من عمر نشاطي في خدمة القضايا التي من اجلها تأسست واستمرت. وقد كانت "الاتحاد" احد اهم العوامل التي اوصلتني الى اطار هذا النشاط الذي لا بديل عنه - حزب الشيوعيين الاممي، وانقذتني من اوهام الفكر الغيبي والقومي الانعزالي اللذين يطمسان الانقسام الطبقي في المجتمع. فحولتني الى اممي متحزب للكادحين ولكل المضطهدين مهما كانت انتماءاتهم القومية او العرقية او الدينية. كما علمتني ان ارى في مأساة شعبي جزءا من مآسي الشعوب المبليّة مثله بتحكم طغاة راس المال الامبرياليين وعكاكيزهم من قوى وانظمة الاستبداد الطبقي. مهما كانت انتماءاتهم القومية او العرقية او الدينية ايضا.
لم يكن هذا نصيبي وحدي من افضال الاتحاد. فقد شملت هذه الافضال المئات والالوف من بنات وابناء الاقلية العربية في اسرائيل - قرائها الاساسيين.
تسليح الادمغة بالوعي الوطني التقدمي، وبروح الصمود والتحدي والاستعداد للتضحية دفاعا عن الكرامة والحقوق، وبروح التضامن الاممي، تلك هي المهمة العظيمة التي نهضت بها الاتحاد بين جماهير الاقلية العربية في اسرائيل. ولذا قاومها اعداء هذه القيم من حكام وزعانف حكام، كما قاوموا حزبها، بكل وسائل القمع المتاحة.
ومن الذكريات التي لم تقدر على محوها سنين تقارب نصف قرن، حادثة من اكوام الحوادث التي تعرض لها مناضلو الحزب، موزعو الاتحاد، في سنوات الحكم العسكري، عندما كان احدهم - واسمه عبد رضا - مطاردا من "حماة الامن". وشاءت الصدف ان يضبطه ضابط الشرطة وهو يوزع الاتحاد. فبادره الضابط: وكمان بتوزع الاتحاد؟! فرد عبد: آ شو فيها.. جريدة مرخصة.. مش سلاح مهرب.. مش مرتينة! فاستشاط الضابط غضبا: ولك هذي اخطر من المرتينة...
هكذا نظر ارباب سلطة راس المال المتوحش ونشيطو اجهزتهم الى جريدتنا، فقاوموها. قاوموها ليس فقط بالقمع وبالتهديد المباشرين لموزعيها ولمن استطاعوا ارهابه من قرائها. فبعد انقضاء عهد حكم القمع المكشوف - الحكم العسكري - لجأوا الى وسائل اخرى، اكثر ذكاء واشد خبثا.
لقد كانت الاتحاد صادقة مع الجماهير. ولهذا صمدت. ولكنها اغضبت السلطان. فهذا السلطان لا يريد للجماهير ان تصحو على اضاليله ولا ان تجرؤ على مقاومة ظلمه. والاتحاد، بما تنشر، تزرع الوعي وتبعث الجرأة، وترسم طريق الخلاص امام جماهير المستغلين والمضطهدين.. ولذا فمن حق السلطان الظالم ان يغضب. وغضبه شهادة شرف للاتحاد وطريقها.
ان الانجاز الاكبر للاتحاد وحزبها لا ينحصر في ترسيخ جذور الاقلية العربية في تراب وطنها وحسب، ولا في الحفاظ على هويتها القومية فقط، وانما ايضا بتحويل هذه الاقلية الى كتلة بشرية دمقراطية مكافحة. مكافحة ضد التمييز القومي اللاحق بها، دون السقوط في مهاوي التقوقع القومي. مكافحة ضد الظلم الاجتماعي، كجزء فعال من القوى المكافحة ضد هذا الظلم في المجتمع الاسرائيلي. ومكافحة من اجل الحقوق المشروعة للشعب الذي تنتمي اليه، دون التنكر لحقوق الشعب الآخر الذي غدت شريكة له في اطار دولة اسرائيل.
لم يكن من قبيل الصدف ان يغدو شعار "سلام ومساواة" عنوان ومحور كفاح هذه الاقلية، بهيئاتها التمثيلية وفي مقدمتها اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية.
بهذه الوضعية التي تبلورت بعد يوم الارض الخالد بشكل خاص، غدت هذه الاقلية القومية النشيطة سندا وشريكا هاما للقوى الدمقراطية والعقلانية في شعب الاكثرية. سندا وشريكا في الكفاح من اجل تحقيق السلام العادل للشعبين وللمنطقة.
وهذا ما اقلق كل المغتنين والمترزقين من الاستبداد بشعوب المنطقة ومن نهب ثروات اوطانها. الفاعلين ذلك تحت قناع "العداء القومي" اليهودي العربي. فمن السيد الاعظم القاعد في واشنطن، الى حليفه الاستراتيجي في اسرائيل، الى حلفائه الاقل استراتيجية في العالم العربي المنهوب، اقلقهم ويقلقهم نشوء وتنامي الشراكة الكفاحية بين جماهير الاقلية العربية وبين القوى الدمقراطية والعقلانية في شعب الاكثرية في اسرائيل، لأنها - هذه الشراكة - تهتك قناعهم ذاك الذي مرهوا ويمرهون به استبدادهم بشعوب هذه المنطقة وبثرواتها.
ولذا هبوا لتطويق هذا الخطر المحدق بقناعهم ذاك. وعمل كل طرف بوسائله للتأكيد بان الصراع في المنطقة قومي - يهود ضد عرب وعرب ضد يهود. وان على اليهود ان يحافظوا على اخوّتهم - وكأنه لا فرق بين صالح شاباتي وادموند دي روتشيلد، ولا بين فيكي كنافو وستيف فارتهايمر! وان على العرب ان يحافظوا على اخوتهم - وكأن لا فرق بين جمال الدرّة والوليد بن طلال (امير روتانا)!
واما سيد البيت الابيض فنصّب نفسه، وبموافقة الجميع، راعيا لعملية السلام بين اليهود والعرب!!
هذا بعض ما جرى خلال العقدين الاخيرين من السنين لافقاد الاقلية العربية في اسرائيل وزنها النوعي ودورها الخاص الذي راكمته تجربتها وثقافة الاتحاد وحزبها عبر عقود من السنين. وخلال العقدين المذكورين عبرت على مجتمع هذه الاقلية ظواهر "منّو وفيه" خدمت، موضوعيا، نفس الهدف. فمن "فلسطينية الجذور" الى "الاسلام هو الحل" الى "ضد الاسرلة" الى مطلب "تمثيل لعرب الـ 48 في الجامعة العربية"!
فهل قدمت هذه المواقف - وكلها كما ترون تدور في خانة الانعزالية القومية والطائفية - ولو قيد شعرة قضية الشراكة بين الاقلية العربية والقوى الدمقراطية والعقلانية في شعب الاكثرية من اجل تغيير السياسة الرسمية لحكام اسرائيل؟! ام ان اصحاب هذه المواقف يعتقدون ان هذا التغيير يمكن ان يتم دون مشاركة شعب الاكثرية؟!
ان بامكان الاقلية العربية في اسرائيل، ان تؤدي واجبها الخاص في اخراج شعبي البلاد - بشقيها الاسرائيلي والفلسطيني - من دوامة الدم التي دفعتها اليه الامبريالية الامريكية وشركاؤها الحاليون والقدامى. فوضعها الخاص يؤهلها لاداء هذا الواجب، باستثمارها العلاقات الخاصة والمتشعبة القائمة بينها وبين شعب الاكثرية في اسرائيل، من اجل تغيير السياسة المجرمة لحكامها بحق الشعبين. وهي تستطيع اداء هذا الواجب فقط اذا تغلغلت ثقافة الاتحاد في وعيها، او في وعي اكثريتها على الاقل.
وهذا ما ينبغي ان يغدو هدفا فوريا لاصحاب الاتحاد ولمقدري دورها. واليهم، الى رفاقي في الحزب الشيوعي، والى الاصدقاء اعضاء الجبهة الدمقراطية غير الحزبيين، والى كل الوطنيين الصادقين المصرّين على حقوق شعبهم ولا يغمطون الشعب الآخر حقوقه، اتوجه بالنداء: ساهموا بانتشار الاتحاد على اوسع ما يمكن. افعلوا ذلك بكل ما للواحد منكم من علاقات مع الآخرين حيثما كانوا. لا يصح ان يظل انتشار الاتحاد بين جماهير يزيد عددها على المليون، مثل ما كان عندما كان تعداد هذه الجماهير نصف مليون.
سلحوا المزيد والمزيد من هذه الجماهير بثقافة الاتحاد تحّصنوها من العثرات التي يبثها اعداء الشعوب.
وكل عام و"الاتحاد" بخير..
نمر مرقس
الجمعة 14/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع