أبدًا على طريق <<الاتحاد>>

اليوم الجمعة، هو الرابع عشر من أيار، وفي مثل هذا التاريخ، قبل (60) عاما، رأى العدد الاول من جريدة "الاتحاد" النور ويتصدره شعار: "يا عمال العالم اتحدوا"، ومنذ عددها الاول وحتى هذا العدد، و "الاتحاد" نور وهاج وساطع، ينير الدرب امام المظلومين والمسحوقين من العرب واليهود، ويدعوهم لولوجه لأن السير فيه حتى النهاية يضمن لهم الحياة الانسانية السعيدة المفعمة بالسلام والمحبة والاحترام المتبادل ورغد العيش والعمل والتطور والعدالة الاجتماعية.
لقد صدرت "الاتحاد" في احلك الظروف، وتاريخها سجل ناصع لتاريخ نضال شعب عقد العزم على نيل حقوقه وتحلى بقوة الارادة والعزيمة وتسلح بالكلمة الصادقة والواقعية والحكيمة، ومنذ يومها الاول حافظت على موقف سياسي صلب واقعي وواضح، اثبتت الحياة والتجربة صحته.
وفي هذا اليوم بالذات، الرابع عشر من ايار، يتذكر الواحد منا، السواعد القوية والأكف السخية والارادات الفولاذية، والنفوس الأبية والضمائر الحية النقية، للشيوعيين الاوائل الذي اصدروا "الاتحاد" ووزعوها واصروا على استمراريتها، رغم ملاحقات وضغوط القوى الظلامية الحاقدة، التي فرضت انظمة الحكم العسكري، والاقامات الجبرية، فزال الحكم العسكري وموبقاته وكُنِس الى مزبلة التاريخ وسجلاته السوداء، بينما ظلت "الاتحاد" شعلة وهاجة، لم تنكّس الراية ابدا وظلت ولا تزال وستظل عالية حمراء خفاقة من اجل العدالة الاجتماعية والمحبة بين الجماهير والشعوب والحرية والكرامة الانسانية.
ان استمرارية الاتحاد في الصدور يوميا يثير الاستغراب في العديد من الاوساط، وسأذكر ما حدث معي شخصيا، انني اعمل محررا في "الاتحاد" منذ سبع عشرة سنة، وكانت في الجريدة في التسعينيات زاوية: "لقاء اليوم"، وكان من نصيبي اجراء اللقاء ثلاث مرات اسبوعيا، ومع أي مسؤول بغض النظر عن انتمائه السياسي، فالمقرر هو مدى ارتباط المسؤول بالموضوع الساخن والبارز في ذلك اليوم الذي سيجرى فيه اللقاء، وكان اللقاء يجري هاتفيا وليس وجها لوجه، ولقد اجريت عدة لقاءات لهذه الزاوية، مع د. يوسي بيلين، وقبل الانتخابات البرلمانية قبل الاخيرة، طلب مني رئيس تحرير "الاتحاد" في حينه نظير مجلي، اجراء مقابلة موسعة مع وزير القضاء في حينه د. يوسي بيلين، لنشرها في الملحق، فاتصلتُ هاتفيا به وقلت له، د. بيلين، اريد اجراء مقابلة موسعة معك وجها لوجه وعلى الاقل اريد من وقتك ساعة فأين من الممكن مقابلتك وفي أي يوم واية ساعة، ففاجأني قائلا: انا سأحضر اليك في حيفا، فأين موقعكم وفي أي شارع، ففوجئت من ذلك، ولاحظ د. بيلين، انني غير مستوعب ذلك، فاعاد السؤال اين موقعكم وانا ساحضر اليك. واتفقنا على الموعد، وابلغته بمكان عملي اين يقع، وبالفعل في اليوم الذي اتفقنا عليه جاء برفقة سائقه ومساعده، وبعد الاستقبال لهم واطلاعهم على اقسام الجريدة، جلسنا، وبعد الترحيب بهم قال د. يوسي بيلين، هل تعرفون لماذا جئت انا الى هنا وليس هو الذي جاء الي، فقلنا له، تفضل تكلم، وبعد ان اثنى على عملنا لأننا ندقق في النشر قال حرفيا: لقد جئت الى هنا لأعرف ما هو السر في ان جريدة "الاتحاد" هي الجريدة العربية الحزبية الشيوعية الوحيدة في الشرق الاوسط لا تزال تصدر يومية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي!! ولنفرض ان حضور د. يوسي بيلين الى "الاتحاد" بريء مئة بالمئة وعن نية طيبة، الا ان ذلك يجب ان يدفعنا الى الحذر واليقظة من مكائد السلطات التي تستغرب استمرار صدور "الاتحاد" يوميا.
لقد جلجل ولا يزال وسيظل صوت "الاتحاد"، جرس انذار يدق مدويا دفاعا عن المظلومين والمسحوقين، ومحذرا من نهج وممارسات واعمال وافكار ومخططات الظالمين الحاقدين والاستغلاليين، لقد جلجل صوتها في احلك الظروف وتعتز بكل إباء وشمم بدورها الاصيل في حماية البقاء والتجذر للاقلية العربية الفلسطينية في وطنها، وان تعتز انه من بين ظهرانيها خرج وعلى يديها ولد اعلام الثقافة الوطنية الفلسطينية في جميع ميادين الادب، فأرست بذلك اساسا لصرح الثقافة الدمقراطية وقدمت مساهمة فلسطينية جليلة وهامة في نهضة العرب الثقافية خلال عمرها الطويل.
تتميز "الاتحاد" عن غيرها من الصحف الصادرة في البلاد، بأمر جوهري واساسي يتجسد في انها تخاطب عقل القارئ لا عواطفه، وتسعى لتعميق انسانية الانسان ورؤية المشترك بين الناس بغض النظر عن الانتماء واللغة والدين والجنس، وانها مشعل وهاج يبدد ظلمات الحقد والكراهية والعداوة والاستغلال والحروب، ينير الدرب امام الجماهير للقضاء على نظام الاستغلال والكوارث والاستهتار بالناس، ولذلك فإن يوم مولدها هو يوم عيد لدعاة وانصار السلام والمساواة والدمقراطية والعدالة الاجتماعية والتآخي والتعاضد والتعاون من اجل اقامة جنة الانسان في هذا الوطن وللقضاء على الواقع القائم الذي هو نتيجة حتمية لسياسة الظلم والتمييز والاحتلال، وهذا الواقع المر ليس منزّلا وليس قضاء وقدرا، ويمكن تغييره جذريا من خلال تبني وتذويت وتنفيذ ما تطرحه "الاتحاد" كممثل للحزب الشيوعي، من افكار ومبادئ ومفاهيم تنفع الناس.
اليوم تبدأ "الاتحاد"، اليوم الاول في عقدها السابع، مواصلة السير في طريق الخلاص الانساني من الظلم والاضطهاد والاستغلال والاحقاد، ورايتها حمراء خفاقة تقول خفقاتها: واما الزبد فيذهب جُفاء واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض، والاتحاد هي ما ينفع الناس فقوّوها، ونحن نقول: وابدا على هذا الطريق.
سهيل قبلان
الجمعة 14/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع