صحيفة مكروهة (على السلطة!)


* في ذاكرة الناصرة، المدينة والمنطقة والقلعة: "الاتحاد هي مدرسة علمتنا المبادئ والاخلاق الوطنية الثورية التي يحملها القليلون اليوم، رغم المظاهر.."*

عمرها من عمر هذا الشعب، وخرجت من صلبه ولا تزال تنطق بلسانه طوال ستين عاما. كانت ولا زالت اداة التثقيف الاساسية لابناء هذا الشعب، خرجت الكتاب والادباء والشعراء، ورسمت الخط السياسي الوطني الصادق، الذي حافظ على الجماهير وحماها من سهام الفاشية والتطرف والعنصرية التي وجهت ضدها، وقادها للسير على الطريق السليم، طريق مقاومة الظلم والنضال من اجل الحقوق.
ستون عاما من العطاء. اجيال تربت على ما قرأته في هذه الصحيفة.
نقلت كلمة الحق حتى عندما لم تكن هذه مقبولة على الغالبية.
كانت بيتا دافئا لكل عمالها وموزعيها وقرائها. لكل شخص معها ذكريات خاصة به. ولانها تضيء شمعتها الحادية والستين اليوم، ننقل بعض ذكريات الرفاق الذين عايشوها من بداية الطريق، لان لهم الحق وعليهم الواجب في نقل هذه الذكريات لاجيال قادمة ستصحو يوما وتجد ان الاتحاد اضاءت المئة عام من عمرها المتجدد.
سألناهم: ماذا تعني لكم  الاتحاد؟


حجر الزاوية
اسعد يوسف كنانة (ابو عصام)، رئيس مجلس يافة الناصرة المحلي السابق، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي سابقا، وسكرتير لجنة منطقة الناصرة للحزب الشيوعي سابقا:
الاتحاد كانت منذ قيام الدولة، وحتى قبل ذلك، حجر الزاوية الاساسي في النضال من اجل بقاء الاقلية العربية في وطنها، وساهمت في عدم الانجرار وراء اركان الحكم العسكري والسلطة من جهة، ووراء الرجعية العربية التي ارادت قيادتنا في طرق آخرها الهاوية، من جهة اخرى. الاتحاد لعبت دورا كبيرا في جميع قضايا الاقلية العربية، مثل قضية الارض والمسكن والتعليم والبطالة والحكم العسكري.
للاتحاد تاريخ مشرف، واكثرية المثقفين العرب استندوا عليها ونشروا ابداعاتهم من على صفحاتها، وكانت مؤثرة وساهمت في رفع معنويات الجماهير العربية وفي الدفاع عن قضاياها. ان كان هناك دور لأحد في بقاء الجماهير العربية ورفع معنوياتها وتطورها، فقد كان للحزب الشيوعي، ولصحيفة الحزب الشيوعي، الاتحاد.
في ذلك الوقت كانت قيادة الحزب هي قيادة جماهير، مثل توفيق طوبي واميل حبيبي واميل توما وولف ارليخ ومئير فلنر وساشا حنين وسليم القاسم وفؤاد خوري. هذه القيادة كانت قيادة فكرية وسياسية واجتماعية، الامر الذي اكسبها احترام الجماهير العربية، وكان للاتحاد الدور الاساسي في نشر مواقف هذه القيادة، ونشر مواقف هذه الجماهير وابرازها.
نأمل ان تستمر الاتحاد في هذه الدرب، على الرغم من الازمات، لان الاتحاد هي الصحيفة الوحيدة التي تضع اجندة الجماهير العربية السياسية، والتي ترسم الخط السياسي الذي تسير عليه الجماهير.
بالنسبة لي ولكل ابناء جيلي، فان الاتحاد هي مدرسة علمتنا المبادئ والاخلاق الوطنية الثورية، التي يحملها القليلون اليوم، رغم المظاهر. الاتحاد مدرسة لكل التقدميين والثوريين في هذه البلاد.

في البرد القارس والصيف القائظ
يوسف البسيوني (ابو الفضل)، ناشط سياسي عريق في صفوف الحزب الشيوعي:
لقد وزعت صحيفة الاتحاد مدة عشرين عاما، منذ عام 1948 وحتى عام 1968. بالنسبة لي، فان اليوم الذي لا أقرأ فيه الاتحاد، يكون كاليوم الذي لا تشرق فيه الشمس.
كنت اوزع الصحيفة في الناصرة، وفي الحي الشرقي تحديدا، حيث كنا نصل الى كل بيت لايصال الاتحاد، صحيفة الشعب الحقيقية.
توزيع وبيع الصحيفة، الذي كان يجري في البرد القارس كما في قيظ الصيف، كان يعد فرصة بالنسبة لنا نحن رفاق الحزب، لمناقشة الناس وايصال كلمتنا اليهم.
ذات يوم كنا نبيع الصحيفة في منطقة الكراجات، فأتى احد عملاء السلطة لاستفزازنا، وقال لنا "من يشتم عبد الناصر ساطلق عليه النار"! فاجبناه بان عبد الناصر ليس مقدسا كي لا ينتقد، وانه ليس بحاجة الى احد العملاء ليدافعوا عنه، فتطور الامر الى حد الاشتباك، الا اننا عرفنا كيف ندافع عن انفسنا. بالنسبة لنا كان توزيع الاتحاد يعد تحديا، لان عملاء السلطة كانوا يستغلون قيامنا بتوزيع الجريدة، حتى يعتدوا علينا، وحتى يبلغوا الشرطة عنا، لان الاتحاد كانت صحيفة مكروهة على السلطة بسبب فضحها لسياسة الحكومة ضد الجماهير العربية.

خلال اعتقالي اشتقت لقراءة الاتحاد
اوديت نمر، سكرتيرة حركة النساء الدمقراطيات في الناصرة، ونشيطة اجتماعية وسياسية عريقة:
اهم شيء بالنسبة لي، ان الاتحاد كانت العامل الاول والاهم في توعيتي السياسية وتعريفي على المشاكل المحيطة بنا واسباب هذه المشاكل. بدأت بالتعرف على الاتحاد قبل انتسابي للشبيبة الشيوعية عام 1951. الظروف السياسية التي احاطت بنا بعد النكبة، مثل الحكم العسكري والبطالة والفقر ومصادرة الاراضي، فهمناها عن طريق الاتحاد، مما ساعدنا في خلق السبل لمواجهتها.
الفتيات والنساء لم تشاركن في توزيع الاتحاد، لكنهن قمن بنشاطات خاصة ضد الحكم العسكري وعمليات النفي، واحدى المعارك القاسية كانت عندما حاولوا طرد مئات العائلات من الحي الشرقي بحجة  عدم وجود هويات معهم، لانهم غادروا البلاد هربا من المجازر الصهيونية، وعادوا بعد ذلك.
مشاركتي لاول مرة في معركة سياسية كانت ضد عملية الترحيل هذه. لم اكن وقتها منتسبة للشبيبة. وعندما رأيت بطولة النساء والرجال، عندما ارتموا على الارض امام شاحنات الترحيل، شعرت بالحاجة للتعرف على هؤلاء الابطال، وسألت من هؤلاء فاجابوني انهم الشيوعيون اعضاء عصبة التحرر الوطني، وعندما صدر عدد الاتحاد بعد هذه الاحداث، قرأته للتعرف على العصبة، وتعرفت على جمعية النهضة النسائية، وسمعت عددا من المحاضرات، وطلبت من بعض عضوات الجمعية الشيوعيات الانتساب للحزب الشيوعي، وقدمت طلب انتساب، فجاء الجواب ان انضم الى الشبيبة الشيوعية لانني لم اكن قد بلغت 18 عاما بعد.
صحيفة الاتحاد كانت هامة جدا لربطنا بالتنظيم السياسي الحزبي، وفي ايار عام 1958، منعت السلطات تنظيم مظاهرة الاول من ايار، الا ان الحزب قرر تنظيمها بكل ثمن. في تلك الايام جرت معركة قوية على وجه الناصرة، حيث نظمت السلطة "احتفالا" في المدينة بمناسبة مرور عشر سنوات على قيام دولة اسرائيل، الا ان رفاق الحزب فجروا الاحتفالات، ولذلك تطورت مواجهات في مظاهرة الاول من ايار بعد ايام من الاحتفال المزعوم. مهمتي كانت تجنيد اطفال المدينة للمظاهرة، وطبعا تعرض الاطفال لاعتداء الشرطة، مثل كل المتظاهرين. وعندما اعتقلت قوات الشرطة اكثر من 450 شابا من رفاق الحزب وغير رفاق الحزب، قامت النساء بتوزيع الاتحاد التي كان لها الدور الاساسي في حشد الجماهير للنضال من اجل اطلاق سراح المعتقلين.
في تلك المظاهرة، اعتقلت مع عدد من الرفيقات، وخرجت بكفالة في نفس اليوم، الا انني قدمت لمحكمة عسكرية في عكا بعدها باسبوع، وحكمت بالسجن لشهر وغرمت بدفع خمسين ليرة، "حتى تتعلمي من صغرك عدم القاء الحجارة وعدم تجنيد الاطفال للقيام بذلك" كما قال القاضي في المحكمة!! خلال اعتقالي اشتقت لقراءة الاتحاد، لكن لم يكن هنالك مجال، ويوم خروجي من السجن كان يوم جمعة، اي اليوم الذي كانت الاتحاد تصدر فيه، فذهبت مباشرة الى مقر الحزب، وشاركت في توزيع الصحيفة في منطقة السوق، واحسست بتقدير الناس لي، وتضاعف عدد الاعداد التي بيعت يومها، الامر الذي جعلني اتأكد ان سجن الفتاة ليس بالامر المعيب ان كان لسبب وطني.
في فترة سجني، كان اخي مسجونا ايضا، فكانت جدتي تقوم بتوزيع الاتحاد في المنطقة التي كنت انا واخي نوزع فيها، اي في منطقة العين، ومن الجدير بالذكر ان جدتي كانت في ذلك الحين تبلغ من العمر خمسة وسبعين عاما، وكانت خلال قيامها بتوزيع الجريدة وبيعها في المنطقة المذكورة، تجمع التبرعات للاسرى من الرفاق.
الاتحاد كانت اداة تثقيف وتوعية لنا وللناس، بالاضافة الى كونها عاملا منظما لنا.
حتى اليوم نعمل في حركة النساء على تجنيد المشتركين للاتحاد، الا ان الفترة الصعبة التي مرت بها تجعل هذه المهمة صعبة علينا. التحسن الذي طرأ على الجريدة في الفترة الاخيرة هو أمر يبشر بالخير، ونأمل ان تستمر بالتطور وتعود كما عهدناها اداة التثقيف الاولى والاساسية لجماهيرنا العربية.


رغم كل الصعاب..
نقولا عاقلة (ابو الياس)، عضو لجنة محلية في الحزب الشيوعي في الناصرة سابقا، وناشط سياسي عريق في صفوف الحزب:
بدأت ببيع وتوزيع الجريدة عام 1951، ومنذ ذلك الوقت حتى بلغت الخامسة والستين من العمر، بقيت اوزعها.
هذه الصحيفة لعبت دورا اساسيا في حياة الجماهير العربية، وكانت عاملا اساسيا في كفاح هذه الجماهير بواسطة كتاباتها.
عام 1951 في مظاهرة العاطلين عن العمل، اطلقت قوات الشرطة الرصاص على المتظاهرين، واصابت احد العمال. وشاهد الناس كيف وقفت الاتحاد بقوة الى جانب العمال في نضالهم من اجل لقمة العيش والعمل بكرامة. وبرز دور الجريدة ايضا في ايار 1958، الى جانب كفاح جماهيرنا العربية، في الرد على الدعاية الصهيونية التي ارادت تصوير الامر وكأن العرب يحتفلون بمرور عشر سنوات على قيام الدولة، وانهم راضون عن السياسة الصهيونية، فابرز كفاح الجماهير عدم الرضى عن السياسة العنصرية التي افرزت الاضطهاد القومي والحكم العسكري، ووقفت الجريدة وقفة اصيلة الى جانب هذه الجماهير، وساهمت في فضح هذه السياسة، وفي اعطاء المعنويات لصمود الافلية العربية، فكانت مرآة حركة الجماهير ضد سياسة الاضطهاد القومي، واستمرت في هذا الخط.
كنا نوزع الاتحاد باصرار وبحماس، خاصة عند تحولها من اسبوعية الى نصف اسبوعية، وعملنا كان متواصلا، الى جانب كل القوى الخيرة من ابناء شعبنا. وكان عملنا في التوزيع دون اي مقابل مادي.
في يوم الارض، احدى المحطات الهامة في حياة جماهيرنا العربية، برزت الاتحاد كمنبر اساسي لرغبة الناس، وحملت الراية وساهمت في محاربة الظلم المتمثل بمصادرة الارض والمسكن.
ومنذ يوم الارض الاول، لعبت الاتحاد دور الناطق الاساسي باسم الاقلية العربية، وكانت المحرك الابرز للدفاع عن الارض، حتى اصبح يوم الارض معلما من معالم كفاحنا وصمودنا الى الآن، وارتبط اسمه بالاتحاد عضويا، كما ارتبط اسمه باسم الحزب عضويا.
الفترة الصعبة التي مرت بها الصحيفة، جعلت الناس يتساءلون عن مصيرها، خاصة انها الصحيفة الوحيدة الصادقة غير المنافقة ولا المتلونة، ونرى اليوم التحسن فنشعر بالاطمئنان، وتعود ثقة الناس بالاتحاد شيئا فشيئا. يجب ان يساهم كل الرفاق في الحفاظ على الاتحاد وتطويرها، لانها سجل تاريخ هذا الشعب الذي بقي في وطنه رغم الصعاب.


تقرير: خليل حداد
الجمعة 14/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع