الثلاثاء 6 حزيران 1967: <الإتحاد> تصدر رغم اعتقال هيئة التحرير

 

"بعد هذه السنوات الطويلة، يعتز المرء بأنه حمل هذه الراية وهذه الشعلة"، كانت تلك الجملة الأولى التي قالها عباس زين الدين (أبو عصام)، في منزله في شارع الخوري في حي وادي النسناس العريق.
عمل أبو عصام في "الإتحاد" لمدة خمسة وثلاثين عاماً، "بدأت العمل في شهر آب من العام 1966"، ولكن مشواره مع الجريدة بدأ قبل ذلك بكثير: "انضممت الى الشبيبة الشيوعية في الناصرة عام 1949، وكان بيع الجريدة إحدى أبرز مهام رفاق الشبيبة، وكان علينا قراءتها قبل الذهاب الى الناس للتمكن من خوض أي نقاش حول أي موضوع إذا دعت الحاجة. كنا نذهب الى القرى المجاورة التي لم يكن فيها تنظيم حزبي، كدبورية واكسال وعيلوط وعين ماهل، وكنا نذهب سيرًا على الأقدام إذ لم تكن هناك سيارات ولا حتى طرق معبّدة بل كنا نجتاز الطرق الوعرية، ورغم التعب والإرهاق كنا نتنافس فيما بيننا من سيبيع أعدادا أكثر".
يصعب على الشيوعيين المخلصين نسيان رفاق دربهم، خاصةً إذا كانت وعرية وشائكة، "أتذكر كيف كنا نتفرق الى مجموعات.. جزء من الرفاق فارقوا الحياة، كغسّان حبيب ويوسف صباغ وحبيب عيسى ونقولا ورور وصبحي سروجي. والجزء الآخر تألف من نصرالله كردوش وعلي كايد ونقولا عاقلة وشوقي مزبر ومحمد موسى عودة المختار وآخرين – أطال الله أعمارهم جميعًا – أما الرفيقات فكانت مهمتهن بيع الجريدة في أحياء مدينة الناصرة، وأتذكر منهن لولو صبّاغ وسميرة خوري وأوديت نمر. أرجو ألا أكون نسيت أحد، آه تذكرت: الرفيق سهيل نصار كان المسؤول من قبل الحزب عن توزيع الجريدة وإيصالها الى جميع القرى في منطقة الناصرة".

*كانت الجريدة وسيلة لإثبات حضورنا الميداني أيضًا*

وعن ذكرياته الكفاحية في فترة الحكم العسكري البغيض يقول أبو عصام: "في بداية سنوات الخمسين كان الحكم العسكري على أشده، وكانت ظروف الناس صعبة جراء الإضطهاد والإعتداءات والبطالة المتفشية. وكان الحاكم العسكري وأعوانه يشنون عمليات لتخويف أهالي القرى المجاورة للناصرة، لذلك حتى المتعاطفين معنا مع خط الحزب والجريدة كانوا يشترونها بحذر. كنّا نستغل تجولنا في القرى أيضًا لمناقشة الناس.. فكنّا نجمع التوقيعات على العرائض، ومنها "نداء ستوكهولم" لتحريم القنابل النووية".

"حدث ذات مرة شجار بين رفاق الشبيبة وأعوان الحكم العسكري خلال لعبة كرة قدم بين فريق الشبيبة وفريق محسوب على حزب "مباي" السلطوي، وتم الإعتداء على سكرتير الشبيبة غسان حبيب. فقامت قيادة الحزب بتطويق المشكلة وبدأنا نعود الى النادي الذي كان في حي السوق، وإذ بأحد اعوان السلطة يحاول استفزازنا قرب الكازانوفا، فدافعنا عن أنفسنا ولقنّاه درسًا، ما أدى الى اندلاع المواجهات بين الحزب وأعوان الحكم العسكري. وقمنا بالدفاع على نوادي الحزب، ورغم انهم كانوا مسلحين فيما لم نملك إلا الحجارة، نجحنا في صدّهم. بعد ذلك ببضعة أسابيع توجهت مجموعة كبيرة من رفاق الحزب والشبيبة بشكل تظاهري لبيع الجريدة في منطقة الكراجات، فحدثت مواجهات وأصيب بعضنا بجراح. ما أريد قوله هو ان الجريدة كانت أيضًا وسيلة لإثبات حضورنا الميداني، كان هذا تحديا بالنسبة لنا، خاصةً ان الحكم العسكري كان ينتهج سياسة الإرهاب وكنّا نعرف انهم يريدوننا عدم الخروج الى الشارع".

*"الإتحاد" ساهمت في كسر عزلة الشيوعيين الذي نفاهم الحكم العسكري*

انتقل أبو عصام الى حيفا عام 1952، وعمل في جمعية "قوت الكادحين" التعاونية، التي كان تضمن توزيع المؤن على المواطنين. "كان مدير التعاونية سركيس ابريان، ونشط فيها العديد من الرفاق كجوزيف عبدو وتوفيق الأسعد ونور الدين العباسي وعصام العباسي وعلي عاشور وعساف حناني وتوفيق صليبا وديب فرح. ومن خلال الجمعية والنشاط في صفوف الشبيبة الشيوعية كنا نتعرف الى أوضاع الشبيبة العاملة العربية التي كانت تأتي من قرى الجليل الى حيفا بحثًا عن العمل في المطاعم والمقاهي، وكنا نجند الشباب لتشكيل وفود والتوجه الى منظمة "الشبيبة العاملة والمتعلمة" لضمان حقوقهم، حيث كانوا عرضةَ للإستغلال وكانوا يبيتون في أماكن عملهم. وكنا نكتب عن أوضاع الشبيبة العربية في "الإتحاد" وكذلك في"كول هعام"، صحيفة الحزب باللغة العبرية".
واصل أبو عصام بيع الجريدة بعد انتقاله الى حيفا أيضًا، "كنت أذهب كل يوم جمعة لبيع الجريدة في حي الكبابير، كنت أستقل الباص من الهدار الى مركز الكرمل وأتابع المشوار سيرًا على الأقدام، كما توليت مهمة بيع الجريدة في قريتي دالية الكرمل وعسفيا. وفي حيفا تولت مجموعة من الرفيقات مهمة بيع الجريدة أتذكر منهن سلمى عاشور ويسرى عويّد-جمّال (أم أنور) ونظلة خوري-عطيّة وماري سمعان واولغا طوبي ووردة حبيب وماغي كركبي ورفيقة دربي المرحومة أم عصام (عفيفة زين الدين)". 
يواصل أبو عصام حديثه المشوّق: "في سنوات الخمسين كان الحكم العسكري ينتهج سياسة نفي الشيوعيين، وكان هناك مجموعة من الرفاق المنفيين من الطيبة الى عسفيا، أذكر منهم المرحوم محمد حسنين. وكانت قيادة الحزب الشيوعي تهتم بالرفاق المنفيين فأوكلتني مهمة إيصال الغذاء والجريدة إليهم، حيث كان أحد أهداف النفي قطعهم عن العالم ولكن الجريدة ساهمت في كسر عزلتهم".
ويتابع أبو عصام: "في سنوات الستين السبعين كنت أوزع الجريدة في قرية جسر الزرقاء، وخلال التجوال سألني أحد المواطنين عن الفرق بين "الإتحاد" والصحف الأخرى كـ"اليوم" و"الأنباء" و"المرصاد"، التي كانت تصدرها أحزاب السلطة "مباي" ومبام". فأريته أحد العناوين الرئيسية في الجريدة والتي كانت "جريمة هدم ثلاثة بيوت في طمرة" وقلت له أنني أتحدى ان تصف أية جريدة اخرى هدم البيوت بالجريمة، وهذا هو الفرق، لأن "الإتحاد" هي جريدة مدافعة عن قضايا الجماهير".

وعن استهداف السلطة لـ"الإتحاد" وللعاملين فيها يقول أبو عصام: "مع بداية العدوان الإسرائيلي على الدول العربية عام 1967، وفي صبيحة يوم الإثنين الخامس من حزيران حضر الرفيق زاهي كركبي وأبلغنا بانه سمع في الأخبار ان الحرب اندلعت. بعد ذلك ببضع ساعات داهمت المخابرات دار الجريدة في شارع الخوري، واعتقلت هيئة التحرير، اعتقلوا علي عاشور وسميح القاسم وآخرين ولم يبق احد منهم ليحرر عدد يوم الثلاثاء. فذهبت بسرعة الى الرفيق جورج طوبي وأخبرته عمّا حدث، فاستدعى عصام العباسي وقررنا إصدار الجريدة، وأوصلتها بنفسي الى جميع الفروع في منطقة الناصرة ومنطقة شفاعمرو ومنطقة عكا. وهكذا صدرت "الإتحاد" ووصلت الى الناس وكانت صرخة مدوية ضد الحرب العدوانية رغم الإعتقالات التي كان غايتها منع صدور الجريدة".
"وفي نفس العام أصدر وزير "الأمن" في حينه، موشيه ديّان أمرًا يقضي بمعاقبة كل من يشتري "الإتحاد" بالسجن ستة أشهر وبغرامة مالية قدرها ألف ليرة. وكنا نخشى ألاّ تقوم شركة "إيغد" بإيصال الجريدة الى القدس العربية، فكلّفتني الادارة بإيصالها الى القدس العربية، وبالفعل رزمتها بشكل محكم وسافرت الى القدس العربية المحتلة وسلّمتها هناك الى الشخص الذين كان يبيعها، وكانت تباع بشكل سري للقراء المداومين فقط. كانت مخاطرة ولكن كان هذا واجبي الذي لا اتوانى عنه ناهيك عن كونه أمرا حزبيا".
"وكانت مطبعة الجريدة ومقرات ونوادي الحزب مستهدفة من قبل زعران حركتي "حيروت" و"ألموغ" اليمينيّتين. كانوا يحاولون الإعتداء علينا كلما أجرينا مظاهرة، سواء في أول أيار أو احتجاجًا على مهاجمة السفارة السوفييتية أو ارتفاع أسعار الخبز. وكان الرفيق اسكندر عطية على رأس المتصدين لهذه الإعتداءات العنصرية، الى جانب داوود تركي (أبو عايدة) ووديع خوري (أبو سليم) وغيرهم".

*المنبر الشامخ دفاعًا عن الأوقاف الإسلامية*

الى جانب عمله في الجريدة، نشط الرفيق عباس زين الدين خلال سنوات السبعين على عدة أصعدة: "في العام 1974 جاءت الرفيقة بنينا فاينهاوس باقتراح لإقامة لجنة للعمل البلدي في حيفا لخدمة قضايا المواطنين عامةً والعرب منهم خاصةً، والتقى هذا الإقتراح بفكرة سميح القاسم إقامة هيئة للدفاع عن المقدسات الإسلامية، والتي تبلورت في أعقابها "جمعية المبادرة الإسلامية" التي نشطت في الدفاع عن المقدسات الإسلامية من مساجد وأوقاف ومقابر كانت تستباح وتنتهك وتباع دون أي حسيب أو رقيب من قبل السلطة بالتواطىء مع أذنابها من الزعامات التقليديّة. وكانت "الإتحاد" عنصرًا حيويًا في إنجاح عملنا وكانت منبر لجميع نشاطاتنا، حيث كان هناك تجاوب ممتاز من المحررين فيها لا سيما صلاح دباجة وسلمان ناطور ونظير مجلي. ومن خلال النشر في "الإتحاد" كانت الأخبار تصل الى الناس وصارت الصحافة العبرية أيضًا تهتم بتغطية أخبار العمل البلدي والأوقاف الإسلامية".

*وردة للشعب وشوكة لأعدائه*

ويروي أبو عصام القصة التالية: "في أحد الأيام سافر أحد الوجهاء السلطويين الى خارج البلاد، فقامت حراس المطار بإجباره على التعري، ما أثار ضجة إعلامية كبيرة، وكتب سالم جبران خبرًا مفاده انه تم تعرية ذلك الوجيه السلطوي من ثيابه وهو عارٍ أصلاً من الكرامة. فرفع الوجيه دعوى قضائية على الجريدة وفرضت المحكمة على "الإتحاد" تعويضه بمبلغ ضخم يبلغ 300 ألف ليرة، فأطلقنا حملة تبرعات مالية وكان شعارها "الإتحاد – وردة للشعب وشوكة لأعدائه"، وما زال هذا الشعار يلازم الجريدة ويعبر عن الحقيقة اليوم أيضًا".

* درويش والقاسم وعاشور "يهددون" حنا نقّارة!*

قد يصعب إيجاد رديف لأبي عصام في أرشفة الكثير من المعلومات عن مسيرة "الإتحاد"، فهو يتذكر مقراتها ودُورها على مختلف الفترات: "صدر العدد الأول من درج الموارنة 16 كما هو مكتوب عليه، وفي العام 1948 أي بعد النكبة وقيام دولة اسرائيل وفيما عكف الشيوعيون العرب واليهود على ايواء المواطنين العرب الذين طُردوا من بيوتهم في بيوت أخرى، استأجروا غرفتين للجريدة في نادي الأرمن، انتقلت الجريدة الى شارع الخوري 24، وكانت عبارة عن غرفتين مستأجرتين في نادي الأرمن، وصار الموقع يعرف لاحقٌا بـ"بستان الشيوعية" لكثرة المهرجانات والإجتماعات الشعبية. وفي العام 1968 أو 1969 انتقلنا الى نادي "مؤتمر العمال العرب" في شارع ما يوحنا، حيث قامت البلدية بهدم البناية، وكانت تنوي شق شارع ولكن الرفيق توفيق طوبي تدخل وطالب بإقامة ملعب لأطفال الحي، وما زال أهالي حيفا يسمّون الملعب "بستان الشيوعية" حتى يومنا هذا. في العام 1972 انتقلت الجريدة الى شارع الحريري رقم 9".
وخلال سنوات عمله الطويلة في "الإتحاد"، عاشر أبو عصام الكثير من المحررين والعاملين فيها: "عند انتقالنا الى نادي المؤتمر في شارع ما يوحنا تكونت هيئة التحرير من اميل حبيبي واميل توما ومحمود دوريش وصليبا خميس وسميح القاسم وجبرا نقولا، كما كان توفيق زيّاد وسالم جبران ومحمد خاص وعلي عاشور يعملون في تحرير "الجديد" وغيرها من الإصدارت الأدبية، وتولّى الرفيق المرحوم يوسف صبّاغ مهمة إدارة الجريدة".
ومن ضمن المواقف الفكاهية التي كانت تحدث في "الإتحاد" يتذكر أبو عصام: "كان لدى هيئة التحرير (خصوصًا سميح القاسم وعلي عاشور ومحمود درويش) تقليدًا يتمثل في كتابة بعض أبيات الشعر ثم دعوة محامي الأرض والشعب، المرحوم حنا نقّارة (أبو طوني)، وتهديده – على سبيل المزاح طبعًا – بالإدعاء أنه هو الذي كتبها تغزلاً بالنساء وإعلام زوجته بالأمر، وكل هذا من أجل تناول صحن حمص مع أبي طوني، كان هناك العديد من المواقف خفيفة الظل هذه".

*لم أعرف في حياتي من هو أكثر تواضعًا من اميل توما*

وعن المؤرخ والمفكر الشيوعي العريق، د. اميل توما، والذي ارتبط اسمه باسم "الإتحاد" منذ صدور عددها الأول في 14 أيار 1944، والذي اختار الآية القرآنية الكريمة "وأمّا الزبد فيذهب جفاءً وأمّا ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" لتتصدره، يقول أبو عصام بحرارة: "قليلون هم أمثال اميل توما، كان إنسانًا متواضعًا جدًا. لم أعرف في حياتي من هو أكثر تواضعًا منه، كان يصر على ترتيب غرفته وتنظيفها بنفسه، وكذلك الأمر بالنسبة لتحضير قهوته وضيافة الزوار. كما كان يمشي من بيته الى المطبعة في أيام الجمعة، في الساعة الثانية من بعد منتصف الليل ليرزم الجريدة، كانت الماكنات بدائية تطبع صفحة واحدة ونقوم نحن برزمها وتحضيرها للإرساليات"، ويضيف أبو عصام: "وفي أيام الثلاثاء كان علي عاشور ويوسف صباغ يتناوبان على الرزم، وكان صباغ يحضر خصيصًا من الناصرة".
وعن اميل حبيبي يؤكد أبو عصام انه كان يتمتع بروح الفكاهة وكان يكثر المزاح مع العاملين، "إلا إذا كان غاضبًا من شيء". ويقول: "لم يغادر الى الناصرة قبل التأكد من وصول صفحات الجريدة الى المطبعة وان كل شيء جاهز وعلى ما يرام".
"الأجواء التي سادت كانت أجواء التضحية والتفاني، وكانت العلاقة بين العاملين تمتاز بالاحترام المتبادل. كانت الأجور متدنية ولكن المقابل الحقيقي لم يكن ماديًا، بدليل ان "الإتحاد" خرّجت كبار الأدباء والشعراء وكان على كل صحافي حقيقي أن يتعلم في هذه المدرسة النضالية".

*وكأن "الإتحاد" أحد أفراد العائلة*

لم تقتصر العلاقة "الغرامية" مع "الإتحاد" على أبي عصام فقط: "كانت زوجتي المرحومة تحضّر الجريدة لإرسالها الى المشتركين خارج البلاد وتبيعها في الحي. ومن المواقف الطريفة انها كانت تتحايل على الجارات أيام الثلاثاء والجمعة وتقول لهن أنها بحاجة للمساعدة في تحضير صدر كنافة، وعند حضورهن كن يجدن ان صدر الكنافة او الطبخة عبارة عن صفحات "الإتحاد"!"، وظلت أم عصام تبيع الجريدة حتى صارت يومية، وكان جميع أبنائي، عصام وعادل وعبير وإلهام يشاركون في توزيع الجريدة في الحي. كانت "الإتحاد" وكأنها أحد أفراد العائلة".

"أخيرًا أريد أن أقول أنني اعتز بمشواري الطويل مع "الإتحاد" الذي يدوم من أكثر من 55 عامًا، وأنتهز هذه الفرصة لإرسال تمنيات الصحة والسلامة لجميع الزملاء الذين عملوا في الجريدة، التي ستبقى المنارة لدرب المكافحين والمناضلين".


*واصلنا بيع الجريدة ولم نأبه بكلام الناس*

انضمت الرفيقة وردة حبيب (أم السعيد) الى الشبيبة الشيوعية في الناصرة في العام 1948، وعن تلك الأيام تقول: "في فترة الحكم العكسري كان الناس جائعين ومدقعي الفقر، وكذلك نحن من بنات العائلات الكادحة. كان الجميع بحاجة لكل قرش، ولكن عند بيع الجريدة كنّا نترك كل شيء ونجوب أحياء الناصرة، كانت البلد صغيرة وليس مثلما هي عليه اليوم. كما كنّا نجمع التواقيع على عرائض السلام من الأمم المتحدة، جمعنا آلاف التواقيع وكان التنافس بين الخلايا الحزبية شديدًا جدًا، وإذا رفض أحد التوقيع كنا نناقشه دون كلل حتى يقتنع".
وعن تجاوب الجماهير مع "الإتحاد" تروي أم السعيد: "كانت هناك نسبة لا يستهان بها من الأميين من بين كبار السن، وكنا نجلس معهم ونقرأ لهم الجريدة"، وتتابع: "من الناحية الإجتماعية كنّا نسمع الكثير من الإنتقادات، حيث ان المعتقدات السائدة كانت تقضي ببقاء الفتيات والنساء في البيوت وليس المشاركة في العمل السياسي، وبالطبع ليس بيع الجريدة والتجول في الأحياء، ولكننا واصلنا بيعها ولم نأبه بكلام الناس. وفي العام 1958 أقامت الحكومة ما يسمى باحتفال "العاشورة على الاستقلال" في الناصرة، فنظّم الحزب الشيوعي والشبيبة مظاهرات احتجاجية ضخمة وتم اعتقال غالبية الرفاق من الرجال، كما أعتدت الشرطة على الرفيقة آرنا خميس وهي حامل في شهرها الثامن. وفي ظل هذا الوضع اخذنا نحن النساء والفتيات زمام المبادرة وقمنا بتوزيع الجريدة وحدنا بمساعدة بعض الرفاق الذين لم تطلهم الإعتقالات. وفي بعض الحالات كنا نمشي على الأقدام من الناصرة حتى الرينة وكفر كنا".

*وفجأة سمعنا المعتقلين اليهود ينشدون معنا!*

تتوالى ذكريات أم السعيد عن تلك الفترة القاسية: "كنت عضوة في فرقة الطليعة للإنشاد، وذات يوم ذهبنا الى عيلبون للمشاركة في مهرجان شعبي ولم نكن نحمل التصريحات من الحاكم العسكري، فداهمت الشرطة المكان وحاولنا الهرب فسلكنا طريقًا وعرية ولكنهم ألقوا القبض علينا وأخذونا الى معتقل في مجد الكروم، كنّا قرابة السبعين رفيق ورفيقة وبدأنا ننشد الأناشيد الوطنية والأممية، وكان جزء كبير منها ذا ألحان روسية، وفجأة سمعنا المعتقلين اليهود ينشدون معنا بلغات مختلفة، فنقلونا الى معتقل آخر في عكا وحدث نفس الأمر فنقولنا مرة أخرى، هذه المرة الى العفولة حيث أفرج عنّا بعد أن تسببنا لهم بفوضى كبيرة في المعتقل. أهالينا لم يتقبلوا أن يتم اعتقالنا خاصةً الفتيات منّا ولكننا لم نهتم بل كنا في غاية السعيدة نظرًا لنجاحنا في تحويل المعتقل الى مهرجان بأناشيدنا".

*"الإتحاد" كانت المدرسة والجامعة*

"لم تسنح لي فرصة تلقي التعليم الثانوي أو الجامعي، فقد أنهيت الصف التاسع فقط، ولكن "الإتحاد" كانت المدرسة والجامعة بالنسبة لي، وصقلت وعينا وثقافتنا وربّتنا على النضال الدؤوب. أتذكر مثلاً كيف كان الحاكم العسكري يخشى الشيوعيين فيقوم بتسريع عملية إصدار التصاريح للعمال خوفًا من تحول الطابور إلى مظاهرة. كما كان لـ"الجديد" و"الغد" الدور الحاسم في تثقيفنا نحن رفاق الحزب الشيوعي وتثقيف وتوعية الجماهير بشكل عام".
حين تتأخر الجريدة في الوصول الى منزل ام السعيد في حي عباس "يتعكر نهاري، فأنا أحب أن أتصبّح فيها كل يوم. فقد أصبحت جزء منّي، إنها جريدتنا، تاريخها المشرّف من تاريخنا، وهي ترفع روح الناس المعنوية. فلولا كفاح الشيوعيين لما بقيت جماهيرنا في وطنها ولتحولنا الى لاجئين، ولولا "الإتحاد" لما وعيت هذه الجماهير وخاضت نضالاتها ضد الإحتلال والتمييز ومن أجل مستقبل أفضل".

رجا زعاترة
الجمعة 14/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع