من ذاكرة القائد الشيوعي عبد الحميد أبو عيطة (3 – 3)
وما هي الا لحظات حتى تعالت الاصوات منذرة بإصابة أحد الشبان..


*.. وكان الشهيد رأفت الزهيري، شهيد يوم الارض في الطيبة* أبو عصام: "كما كان مخططا، توالت الاجتماعات التحضيرية في المثلث والجليل والنقب وأخذ الناس يتلقفون بفارغ الصبر اخر البيانات الصادرة عن الاجسام والمؤسسات الوطنية الفتية ، التي تحدثت بكل وضوح عن سياسة مصادرة الارض والعبث بأملاك الغائبين والتمييز القومي.."*

لم يتوقف ابو عصام، طوال الطريق الى ساحة البلدة القديمة، عن التغني بعشرات الاجتماعات الشعبية والفعاليات الثقافية والسياسية المتنوعة، التي شهدتها هذه الساحة قلبا نابضا بالحياة والعطاء. فهذه الساحة هي الشاهد على مقاومة الحكم العسكري وعطاء الشيوعيين وحلفائهم في الشارع،  بين الناس وفي المجلس المحلي، وهي الشاهد على قتل الشهيد رأفت الزهيري عند اعتابها بدم بارد في يوم الارض الخالد.
واصل ابو عصام انتشاءه بتلك الايام الى ان أطلت اليه  الساحة  ضجرة نعسى، عبر الحواري الضيقة المعتقة،  فأطل هو بغصة معتذر اسفة. هي، كانت تشق بشق الانفس مكانها النابت تحت الشمس من بين العشب البري الاشعث والنفايات المتراكمة من زمن. هو، كان يحدق  بنصب تذكاري متواضع، انتصب عند طرفها دون ان يزيد ارتفاعه عن المترين بكثير، وبلا تزيينات زائدة، حُفر على قطعه الرخامية "الشهيد رأفت الزهيري، تخليدا لذكرى شهداء يوم الارض الخالد"
"كنا في المجلس لا نرضى بان تنبت عشبة واحدة، بان ترمى ورقة واحدة، والساحة كانت دوما مضيئة وهاجة.. كانت مركزا ثقافيا وسياسيا هاما، الى ان خرجنا من ادارة المجلس وبدأت السنون العجاف مع بدء العقد المنصرم" يقول ابو عصام معتذرا عما لم يصنعه او يتسبب به." فقط لو يعلمون اليوم كم كلفنا هذا النصب وقتها، ليس ماديا انما معنويا، فهذا كان من اول انجازاتي رئيسا للمجلس وجوبه بداية بالرفض من السلطات التي لم تصدق على بنائه ثم تراجعت عندما استوعبت الغضب المتأجج بين الناس، وارادة المجلس الحقيقية ببناء النصب". وأضاف، ربما ليقول ان لا زال في الدنيا خير، "اما نحن في الحزب والجبهه، فنتردد الى هذا النصب سنويا منذ اقامته، نضع اكاليل الورد، نشحذ الهمم ونواصل المسير".

بعد في الدنيا في خير!  

"هكذا يصرع العليق ولا يصمد الا السنديان"
باستذكار التحضيرات الاخيرة ليوم الارض الخالد، يتوقف ابو عصام عند الضغوطات السلطوية الهائلة التي مورست ضد رؤساء السلطات المحلية العربية والجماهير كافة لافشال الاضراب، " كان الحزب وقتها جزءا من الائتلاف في مجلس الطيبة المحلي وكنت نائبا للرئيس عبد الرحيم حاج يحيى. للتاريخ اقول ان هذا التحالف حمل لاهالي الطيبة عددا لا بأس به من المشاريع الهامة والحيوية كما ان رئيس المجلس كان نشطا حقا وبارعا في دق الابواب وتحصيل الميزانيات. وكان قد انتخب عضوا في سكرتارية لجنة الدفاع عن الاراضي الى جانب القس شحادة شحادة، صليبا خميس، حنا نقارة، محمد مصطفى محاميد واخرين من القادة الوطنيين، الا ان الضغط السلطوي أثمر على ما يبدو فاخذ عبد الرحيم يتأتئ كلما اقتربنا من يوم الارض اكثر الى ان تأكد لنا، قبل اسبوع من تاريخ الاضراب المحدد بانه لن يلتزم به. اما نحن في الحزب،  فأقمنا مهرجانا جماهيريا ضخما في مدرسة ابن رشد، لتهييء الجماهير لما هي مقبلة عليه من تحد ومواجهة، وقد حضره الالوف من ام الفحم شمالا وحتى كفر قاسم جنوبا، وتحدث قادة الحزب في المنطقة، اذكر من بينهم الان الرفيق الراحل ابو العفو".
 "وتماما كما كان مخططا، توالت الاجتماعات التحضيرية في المثلث والجليل والنقب وأخذ الناس يتلقفون بفارغ الصبر اخر البيانات الصادرة عن الاجسام والمؤسسات الوطنية الفتية ، التي تحدثت بكل وضوح عن سياسة مصادرة الارض والعبث بأملاك الغائبين والتمييز القومي. بينما واصلت السلطات ضغوطاتها بالمقابل الى ان انجلت الامور واتضحت كعين الشمس في اجتماع رؤساء السلطات المحلية في شفاعمرو، في 25.3.76 وفي صرخة توفيق زياد الشجاعة المدوية "الشعب قرر الاضراب!".

اقتحام الطيبة، واستشهاد رأفت الزهيري

في الثلاثين من اذار كان اعضاء الحزب الشيوعي في الطيبة يتجولون في شوارع القرية لمراقبة سير الاحداث من جهة وللتحضير للمظاهرة القطرية أمام الكنيست (التي لم تنظم بسبب الاعتداءات البوليسية)."في الصباح"، يسترجع ابو عصام "وبينما كنا برفقة عشرات الشباب في ساحة البلدة فوجئنا باقتحام قوات كبيرة من الشرطة للقرية. رجال الشرطة المسلحين أحاطوا الشبان العزل وأمروهم بالتفرق حالا، ثم بدأوا باطلاق النار العشوائي والكثيف دونما مبرر، مما استفز الشباب - الذين ضاقت نفوسهم بالكبت والظلم وامتلأوا غضبا جراء ما عاشوه وسمعوه عن ممارسات البوليس في القرى المجاورة وفي الجليل، لا سيما حادثة الاعتداء على بيت وأهل توفيق زياد- وما هي الا لحظات حتى تعالت الاصوات منذرة باصابة احد الشباب، وكان الشهيد رأفت الزهيري.."
"رأفت كان يعيش في مخيم طولكرم، الا انه اكثر من التردد الى الطيبة، بلده الثاني،  لزيارة اصدقائه واقربائه، خاصة في طريقه من والى العمل في مصنع للبسكوت في بيتاح تكفا."
"سقوط رأفت الزهيري اثار الغضب في صدور الناس، ليس فقط ضد البوليس،  انما ضد كل من لم يحترم الاضراب، فتوجهت وقتها مجموعات من الشباب الى بناية المجلس المحلي لحث من فيه على احترام الاضراب وتم الاعتداء على مارسيديس الرئيس."
"في هذه الاثناء اصدر فرع الحزب في الطيبة بيانا نعى فيه الشهيد وأعلن الحداد على سقوطه كما أعلن انسحابه الفوري من الائتلاف البلدي الذي ما عاد يحترم المواطنين وارادتهم، وفي 15.4.78 تم انتخاب عبد الحميد أبو عيطة ، المرشح عن الحزب الشيوعي رئيسا لمجلس الطيبة المحلي.

وللحديث بقية، بقاء السنديان!!

في نهاية تسجيلي لهذه المقتطفات من ذاكرة القائد الشيوعي عبد الحميد أبو عيطة لا بد أن من التنويه الى بعض الملاحظات. منها ما سبق وذكر في الحلقة الاولى، وما العودة اليها الا للتأكيد.
أولا:على القارئ ان يعذرني ان تقافزت بين السنوات دونما مراعاة لهيبة الزمن ووقاره، فذلك يعود الى ما اسعفتنا به ذاكرة ابي عصام من جهة، والى ارادتي من جهة ثانية، نقلها على ما هي عليه مع اقل ما يكون من تدخل لعدم افساد نكهتها وحيويتها، ومن هنا عودة الى تأكيدنا الاول ان هذه المادة الشخصية جدا، والعامة بلا حدود لا تعد بأي شكل مادة تاريخية مع انها قد تبدو، وهي كذلك، مسودة لمشوار تأريخي اطول وأشمل.
ثانيا:  توافقا مع الملاحظة الاولى لا بد من الاعتذار الى الرفيقات والرفاق من طلائعيات وطلائعيي الحزب في المنطقة والذين لم تفهم هذه الحلقات حقهم. وللتأكيد ثانية اقول ان هذه الحلقات لم تف حق احد، حتى صاحبها ابي عصام، فهو (والآن افشي سرا)، كان يتحدث عن عبد الحميد ابو عيطة (الذي هو نفسه!) بضمير الغائب كأن يقول (وقد نفي الرفيق عبد الحميد ابو عيطة الى برطعة) والحق يقال ان هذا الاسلوب لم يترك بداية اثرا طيبا في اذن المستمع الى ان تأكد بعدما عرف مكلمه بعمق، ان هذا الاسلوب متوافق الى حد بعيد مع تربية وثقافة اولئك الطلائعيين المتألقين بنفي الذات!
ثالثا واخيرا، لا بد من الانهاء بالتأكيد على لسان ابي عصام ،الذي استكثر على الماضي كلتا عينيه، لتظل احداهن متربصة بالغد، لا بد من التأكيد على لسانه ان جذور شجرة الحزب في البلاد أعمق جذورا واينع خضارا براقا ودائما.
والى اللقاء في لقاءات اخرى مع ابي عصام ورفاقه.
والى اللقاء في 22.5.2004 في أمسية تكريم ابي عصام، التي يعقدها فرعا الحزب والجبهة، ولجنة المنطقة الحزبية في المثلث،  في نادي عثمان ابو راس في الطيبة.

الى القاء، مع بقية الحديث


حاوره: أمجد شبيطة
السبت 8/5/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع