توأمان في قلب ‏نَيسان‏‏

ها هو نيسان... نيسان يلبس حلة الذاكرة، ربما يجتاز جسر الصمت ويلملم بقايا خيبات العروبة المزركشة بحروف الذل والضّعف.

نيسان.. منذ سنوات لم يخلع ثوب الحزن، هذا الثوب المفصل على قياس الشعب الفلسطيني منذ نكبته واحتلال ارضه، الزمن يبتلع الايام والسنوات وتصبح الذاكرة سيدة الموقف. عندما نجلس في أيام نيسان الاولى لنرى نيسان العربي يحترق في مدينة المساجد وتبتلع النيران الامريكية الاطفال والنساء باسم الحرية والدمقراطية والاحتفال بمرور سنة على سقوط النظام الدكتاتوري كما يدعي باول.

نعم... النيران الامريكية تبتلع الاخضر واليابس في الفلوجة، ولكن لم تبتلع ارادة الشعب العراقي، كما لم تبتلع ارادة ابطال مخيم جنين منذ عامين في نفس دائرة الوقت والتاريخ. توأمان في دِشداشة العجز العربي.

يا للعجب نيسان يرسم بالوانه حللاً جميلة. حلل الاعياد والامان والحرية، ويوزع لاطفال العراق وفلسطين - اطفال الفلوجة... واطفال مخيم جنين حلة واحدة بلون واحد.. لون الدم.

وها هي العروبة يا سيدي العربي تفصل ثوبا آخر من اثواب الحزن لشعب العراق لتقول له بإيجاز انت خارج الوطن. وتعري كلماتها على الملأ عبر شاشات التلفاز يجب ان تعقد الجامعة العربية من اجل بحث الاوضاع المزرية في مدينة الفلوجة.

يا للعار.. يا للعار ستمائة قتيل وألف جريح خلال اسبوع وربما اكثر وطائرات امريكا تسوّي البيوت بالارض على ساكنيها. والعروبة يا سيدي لم تقرر بعد ان كانت هناك حاجة لاجتماع الجامعة العربية.

يا للعجب.. ولمَ العجب! بالامس ليس بالبعيد في مثل هذا الشهر نيسان الاسود.! وكم من نيسان اسود مر في تاريخ العروبة يا عرب. ألم يكن سقوط بغداد في نيسان، ألم تكن مجزرة مخيم جنين؟ ألم يفعل الاسرائيليون كما فعل الامريكيون؟ الم يقتلوا نفس العدد؟ ألم ينتهكوا الحرمات؟

ماذا فعلت العرب يا اهل الفلوجة لأهل مخيم جنين؟ لا تتأملوا منهم شيئا فهم جثث حنّطتهم امريكا بداء الذل والصمت المخزي.

يا لمرارة طعم العذاب عندما يفيض جرح القلم على الاوراق، ويودّ البوح بكلمات لا تسعها اوراق العالم بأسره.

يا لغرابة الحزن عندما تشتد وطأته على حامله، فيتغير لون كل الالوان في عينيه ويصبح البياض أشد سواداً.

نعم يا عزيزي العربي يا بطل التاريخ. نيسان اليوم يضع وجهه على خارطة الوطن يفصّل مقاييس الزمن على تغيير التضاريس الداخلية لخارطة الشعوب، ويهندس الحلم العربي في العقل اللاواعي للأمة. فهل يوما ما ستكون ثورة اللاشعور واللامبالاة على العين المجردة فوق اشلاء زعماء الأمة؟!

هل ستساهم بتقليب صفحات الصحف الصباحية، حينما تبحث بين طياتها على تغيير وجه الوطن الاسود؟

ام أنك ستبقى وراء الكواليس تغسل يديك من ذلك القرف غير العادي الذي علق منذ مئة عام... فإذن نيسان جنين وبغداد والفلوجة لن يغفر لك على مدى التاريخ.

نم ايها العربي المحنط في قلب البحر الاسود ربما يفيض يوما ما ويتحول الى بحر حرية. حينها اخفِ وجهك حياءً من دماء الاطفال والنساء.

(طمرة)


وفاء عياشي - بقاعي
الجمعة 23/4/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع