آن لهذا الموت الكبير أن يرحل

لم يبق بينكِ وبين الله، يا مدينتي الا كلام!! لكي نظلّ قادرين على مواصلة سرد فصول الرواية، حتى وإن لم يكن في بعض الاحيان، هذا الكلام مسموحًا به او مباحا. خذي عن جدار الحكمة مرآة شيشرون.وتعالي نعد، وقد حلّت بنا لعنة الايام اللئيمة، الى بئرٍ من آبار التاريخ في جغرافيا الزمن السحيق، لنلقي فيه بدلونا ونغترف حفنة من الكلمات، ولتكن هذه المرة من "بقجة" فيلسوفنا روسو الذي  ذات يوم قال: "كل شيء يتدهور في أيدي البشر".

صدقت يا من يحق لنا ان نضمّهم الى أسرة "انبياء العزاء" في زمن القلق النازف، تصوّر أيها العزيز!! ان "الرحم الدفيئة" عندنا صار رحم حصار، ولا ينمو فيه الا ما يُقذف به من صُلب الهدم والدمار.
رعشات الموت زخّات يومية، وأوبئة الهلع والبؤس والاطمئنان المفقود، الى كل العناوين وصلت، نعم وصلت من سعاة  بريد غرباء!!!

سقطت أقنعة الاحداث وأصبح تأثيم الانسان "عملة متداولة"، اما سفّاح الذاكرة فقد انقلب هنا قديسًا نقيًا؟!! وكيف لا!! ودارنا تحكمها طقوس العنف والهستيريا العرقية..

قُبّحت من عصر، أعرف انهم دشّنوك حفلاً للابادة، لكن كيف نسيت وغاب عنك انه حتى للتاريخ المنهوب، نعم للتاريخ المنهوب له له ارادة. اناديك يا هوغو ان تعود، أن تعود وتذكره: اننا طلّقناها بالكبيرة، مهنة التسوّل والتسكّع في أزقّة الاساطير والخرافات، وبأننا لم نعُد أطيب ما يحبه الجنّ من حكايات... اما علاقة الفقدان مع الوطن فقد تركناها. تركناها في آخر محطة للذكريات.

وخبّره يا هوغو! خبّره كذلك بأننا احترفناها بامتياز مهنة اختراع الانسان الحيّ القادر!! ولا يضرّ يا هوغو!! ان عدت ثانية واكدت، اننا مثلك انت، نعم مثلك يا هوغو!! "قوّة تمضي الى قُدّام الأمام" وبأن كل انسان منا صار كما أراده فيلسوفنا لوكاتش: "يمشي على الارض ويروّض النجوم"...

أبشرْ يا جورجي زيدان أبشر!! أنهى عربينا الجديد المشوار وتوقّف، توقّف لانه قد وجده، نعم، وجد معناه الضائع، أتعرف أين؟! وجده في هذا الحاضر البديل حاضر تتابع الولادات والامل - حتى ماضينا الذي جدّدنا صقله تصالح وتمازج مع هذا الحاضر والمستقبل الآخر.

هيّا يا ربعي!! وسّعوها، وسعوا نوافذ الشروق، لتشد النور وتستقبل صحوتنا الكبرى التي بدأناها، لكي يقوم هذا الموت الدخيل، يقوم ويرحل!!!

(حيفا)


رشدي الماضي
الأربعاء 21/4/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع