ادب الاطفال على الشاشة لنا ام علينا؟

هذا هو العنوان الذي اخترناه ليومنا الدراسي لهذه السنة، بهدف اثراء عالمنا وعالم طالباتنا زهرات التربية في كلية "اورانيم" الاكاديمية للتربية، ذلك لأننا في هذه المؤسسة التربوية نرغب في ان يكون طلابنا وازهار التعليم من خيرة المعلمات والمعلمين في البلاد.
ولأننا نحاول جاهدين ابراز الملامح الطيبة في ادبنا المحلي وتكريم ادبائنا ممن حملوا راية ادب الاطفال منذ سنوات طويلة، مقدمين ما امكنهم من ابداع للاجيال الطالعة والتي كنت واحدا منها اي ممن قرأ من ادبهم في صغره.
ولأننا نعيش في عالم غير العالم الذي عاشه آباؤنا، وسيعيش ابناؤنا في عالم غير العالم الذي نعيش فيه فمن الضروري دراسة والتوقف على مدى تأثير المخترعات الحديثة على هؤلاء الاطفال، ومن الضروري التوقف على فوائدها وعلى اضرارها اذا وجدت.
فمن جهة يقول الدكتور نبيل راغب الخبير في مجال المعلوماتية في مصر ".. لا يخفى على احد كيف فشلت الوسائل التقليدية حتى الآن في تحقيق حد ادنى من النجاح في تربية الطفولة في جميع المجتمعات العربية، وعلى مستوى جميع الفئات الاجتماعية" (ثقافة الطفل العربي ص 197).
ومن جهة اخرى نحن نعيش في ارجوحة من التفاؤل والتشاؤم بالنسبة لكل التكنولوجيا الجديدة، وكأني ارى تأثير متشائل اميل حبيبي يعيش بيننا في هذه الموضوعة، فهذا زميل في المدرسة يقول ضاربا اخماسا بأسداس لقد خربت الشاشات اولادنا فمن التلفاز للسينما، من الصور المتحركة، الى "ستار اكاديمي" ضاع اولادنا وضعنا.
الى قائل: "انه لا يمكننا ان نتقدم اذا لم نحسن استعمال الحاسوب والتلفاز ومشاهدة السينما".
الى قائلة: "ربنا هب لنا من لدنك رحمة لنستطيع الخروج من هذه الحيرة، انستعمل الحاسوب والتلفاز ام لا؟".
الى منقب في تراث السلف الصالح مخرجا التخريجات اللغوية والدينية والاخلاقية في صلاحية وشرعية مشاهدة الحاسوب والتلفاز، واي البرامج محلل لنا وايها محرم علينا النظر اليه؟ وهل ننظر اليه او الى شاشته نظرة واحدة وهي لنا ام اكثر وهي علينا؟ وقصدت هنا بالأساس النقاش المستمر حول هذه القضية في مجتمعنا وبيوتنا وبين المربين في مدارسنا.
ونحن في هرج ومرج بين مادح وقادح يتطور العالم، ويصبح تلفاز "الانتينة المحلية" تلفازا للديغتال وما ادراك ما الديغتال، وباصبع السبابة لأصغر اطفالنا نجوب محطات العالم ونرى من عجائب دنيانا ما لم تره جداتنا واجدادنا في احلى احلامهم، ولا في اقسى منامهم.
واعود للمتخصص الدكتور نبيل راغب في وادي النيل ليعبر عن هذه الظاهرة اكاديميا قائلا: "..مع ظهور كل تكنولوجيا جديدة، يسارع البعض بترديد صيحات الاعجاب والتأييد، والاسراف في اطلاق الوعود والآمال، في حين يردد البعض الآخر صيحات النذير والتنديد بالمخاطر والعواقب، وعادة ما يتم تضخيم الجوانب الايجابية للتكنولوجيا البازغة والتهويل من آثارها السلبية، وعلى الجميع في ظل الاضطراب الفكري، ان يختار موضعه على ارجوحة التفاؤل والتشاؤم.." (ثقافة الطفل العربي ص 199).
وهكذا لم يحل لنا الاكاديمي المصري معضلتنا وابقانا في تشاؤلنا، ولذلك نتساءل بشكل اعمق نحن طلاب ادب الاطفال، هل ما يقدم في التلفاز من برامج تربوية نحتسبه ادب اطفال؟ وهل نستطيع تقديم ادب الاطفال من خلال التلفاز او المذياع؟ ام ان ادب الاطفال هو ذلك الادب المكتوب نثرا ام شعرا فقط؟
وقبل ان نتيح الفرصة لضيوفنا الاعزاء بودنا ان نشير الى ان التلفزيون يستخدم اليوم وسيلة تربوية وترفيهية، وما يهمنا هو استعماله من منظور تربوي، وهو في الواقع يتحرك في اتجاهين: الاول، الاستخدام المغلق في المدارس والصفوف التعليمية وبهذا يقدم المعلم والمدرسة ما يقرونه كمربين في هذا البلد او ذاك وهم بذلك يتحكمون بضوابطه وبضبطه معتقدين ان رقابتهم هذه تقلل الضرر، وهناك القنوات الفضائية المتخصصة في ترفيه او "تربية" الاطفال وتعليمهم وتثقيفهم، وكثيرا ما تفغر الام فاها قائلة: اهذه الثقافة التي اريدها لابنتي او ابني؟ اهذا هو التعليم؟ والبعض يعتقد ان عجز المحطات المحلية في تقديم ما يجذب وما يهم الطالب هو الذي بالتالي يعيده الى المحطات الاجنبية التي لا يفهم طفلنا رساءلها بدقة ولا خلفياتها التربوية وبذلك يسيء الفهم.
اما عن الحاسوب وشاشته فحدث ولا حرج، ففي حين دخل الى العالم المتقدم من اوسع ابوابه ما زال عندنا يئن تحت وطأة عدم توفر الحد الادنى من الفهم لدوره ولكيفية استعماله وكذلك للبنى التحتية الملائمة واللازمة لطلابنا.
واخيرا وكما ترون ما زلت متشائلا في نظرتي لهذه الاجهزة الحديثة بشكل عام، ولدورها في تقديم ادب الاطفال والحث على قراءته بشكل خاص، ولنخرج من يومنا الدراسي هذا بعافية وفائدة.

* نص المداخلة التي قدمها المربي مفيد صيداوي، في يوم دراسي حول الموضوع "ادب الاطفال على الشاشة" في كلية اورنيم الاكاديمية للتربية. واتت هذه المداخلة لتبرز الاشكالية لا ان تضع لها حلا.


مفيد صيداوي
السبت 17/4/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع