المفكّر الشيوعي اللبناني كريم مروة:
شعار الاتحاد العربي طرحه الشيوعيون عام 1932


*أما الجامعة العربية اليوم فقد تحولت إلى مهرّج! * العمليات الاستشهادية كارثة الكوارث، لأنها استغنت عن الشعب بالشباب والأفراد. وتتحمّل حماس والجهاد الاسلامي مسؤوليتها * الذى يضحى بنفسه من أجل بلاده هو بطل حقيقى، لكن المجرم هو الذى يبعثه لكى ينوب عن شعب كامل * الإسرائيليون الذين يتجاوزون الأخطار ليدافعوا عن حق الفلسطينيين هم أبطال، ولابد أن نعترف بالحقيقة * ينبغى أن نعلمهم (اليهود) أننا لسنا أعداء لهم *

الحوار مع مفكر كبير بوزن المفكر اللبنانى كريم مروة لا يمكن أن يتوقف عند حدود مجموعة من الأسئلة التى تم تحضيرها سلفا. فهو مفكر وطني من الطراز الأول. وعندما ينساب نهر الحديث، لا يمكن للمرء إلا أن ينصت لمجموعة أصيلة من الأفكار لواحد من المفكرين الشيوعيين الذين بدأوا مبكرا فى عملية نقد الذات. حاول البحث عن بديل نابع من الواقع، ومناسب له. مراسل جريدة "فلسطين" فى القاهرة التقاه على هامش مؤتمر الاسكندرية. "الاتحاد" تنقل أجزاء من الحوار. (نشير الى أن الحوار أجري قبل اندلاع موجة المقاومة الراهنة في العراق المحتلّ).

* أية مقاومة في العراق..*

هل ترى أن المقاومة العراقية مجدية؟

كريم مروة: نعم عندك شك فى ذلك. من الذين يموتون؟ أمريكى مقابل 100 عراقى؟ بحجة أنهم يريدون أن يقولوا للأمريكان أخرجوا؟ وحتى معظم من يموتون من القوات الأمريكية معظمهم من غير الأمريكان. معظمهم من جنسيات أخرى. إذاً المقاومة التى تحصل حاليا لا أضعها جميعا فى نفس التصنيف. الذين يستهدفون الجنود الأمريكان هم من المقاومة الوطنية. لكن الذين يفجرون الفنادق، ويقتلون الشيعة فى كربلاء، وغيرها من المدن، والذين يقتلون الزعماء والقيادات العراقية، والذين ينسفون أنابيب المياه، ومحطات الكهرباء، وأنابيب النقل.. هل هذه مقاومة؟

هل هناك دخول فى دائرة الاقتتال الطائفي؟

كريم مروة: لا.. لا. أنا لست مع هذا. هذه القوة معادية فى جوهرها للمشروع الأمريكى، وهى معادية لأى تطور ديمقراطى فى العراق. يريدون أن يظل العراق خارج دائرة الاستقرار لكى تعود أشكال جديدة من أنظمة الاستبداد باسم الأفراد، أو باسم السلفيات الدينية أو سوى ذلك. ولذلك أستغرب من الكلام الذى يردده بعض القوميين، وحتى اليساريين بأن كل هذه المقاومة بطلة..

تقتل الشعب العراقى، وتقتل مستقبله. وينبغى أن يكون عندنا موقف واضح من هذه المقاومة لكى نخرج الأمريكان.

هل تعنى أنه يجب أن يتغير نوع المقاومة؟.

كريم مروة: أنا برأيى أن المظاهرات السياسية التى يقوم بها الشيعة أكثر فعالية. ومن يطالبون بأن يكون العراق ديمقراطيا، وأن يكون تعدديا، وأنا بعكس ما يقوله البعض أعتقد أن الدستور المؤقت أفضل من كل الدساتير العربية فى ثلاث نقاط أساسية.

ما هي؟

كريم مروة: أولاً لأن الدين ليس المرجعية الأساسية بل هو واحد من المرجعيات. النقطة الثانية أنه أعطى للمرأة 25% من المؤسسات. هذا غير موجود لا فى مصر ولا حتى فى لبنان عندنا. الثالث أنه نص على أن العراق دولة متعددة الأعراق والطوائف. يعنى هناك دولة لأول مرة يعترف دستورها بوجود أقليات عندها حقوق دستورية. اضافة لأمور أخرى. إذا كان الأمريكان وضعوا لنا دستورا أحسن من الدساتير التى وضعناها فهل يجب أن نرفض هذا الدستور لأن الذى وضعه الأمريكان.

*أية ديمقراطية نريد*

البعض يرفض أى طرح أمريكى؟

كريم مروة: فى مؤتمر المثقفين الذى انعقد فى العام الماضى، وقف أحد النواب الناصريين فى أحد الجلسات وقال حديثا غريبا عن الديمقراطية. قال إننى ارتاب مما اسمع. هناك حديث عن الديمقراطية فى الوقت الذى تتحدث فيه أمريكا عن الديمقراطية.. فقامت القيامة كلها عليه. هل لأن أمريكا تطالب الديمقراطية ينبغى علينا التخلى عنها. هذا الفكر لابد أن نقاتله، ونحاكمه، ونقضى عليه لكى ننتهى من هذا الذى نحن فيه. منذ 50 عاما ونحن ننتظر معركة قومية لتحرير فلسطين. ولكن ما الذى حصل باسم القتال ضد العدو؟ ذهبت فلسطين، وتعرض شعبها للقتل. وما زال يتعرض للقتل. وافتقرت بلادنا، ووضعتنا الحكومات فى السجون. والآن ما زلت اسمع بعض الناس يكتبون ويقولون حتى الأمس فى مؤتمر الإسكندرية ينبغى أن نقاتل الأمريكان، وأن نوحد أسلحتنا ضد الأمريكان، ونوقف الديمقراطية.

الرئيس مبارك نفسه قال تصريحات بهذا المعنى. قال إنه لا يقبل بأجندة أمريكية للإصلاح الديمقراطي، ونحن أدرى بظروف بلادنا.

كريم مروة: أنا برأيى ينبغى أن نكون حذرين من أمرين: أولا ينبغى ألا يخدعنا الكلام القادم من الخارج. و ينبغى أن نعرف ما هى مسؤولياتنا، وما هو برنامجنا. وأن نناضل لتحقيق هذا البرنامج. وبرنامجنا واضح. نحن نريد استقلال بلادنا استقلالا تاما. نريد سيادة بلادنا سيادة تامة عن الخارج. نريد نظاما ديمقراطيا حقيقيا. نريد مؤسسات ديمقراطية. نريد قانونا حقيقيا لصالح الشعب، ولصالح الديمقراطية. وأن تلغى كل القوانين الاستثنائية. نريد نظاما قانونيا تداوليا. لا يجوز أن يبقى حكام مدى الدهر. وأنا قلت ذلك فى مؤتمر الإسكندرية. هناك نظام جمهورى ونظام ملكي ونظام الجمهوريات الملكية الوراثية. هؤلاء يأتون ويتوارثون السلطات، ويبقون طول الدهر. كفى. يجب أن نخرج من هذه الدائرة. وهذه مهمتنا نحن. فى مؤتمر الإسكندرية خرجنا ببيان ممتاز وضعنا فيه كل ما قلناه فى اللجان الخاصة. حددنا طبيعة الاصلاحات التى نحن بحاجة إليها بقرارات الحكومة. لكن الحكومة لن تنفذها. وهذا دورنا نحن. علينا أن نتبنى هذا البرنامج، ونناضل من أجل فرضه على الحكومة. أستطيع أن أضع حداً للتدخل الخارجى بمقدار ما أعمل لتحقيق برنامج التغيير فى بلادى.

*فلسطين، الحكّام سيحررونها؟!*

البعض يربط ما بين عملية التغيير أو الاستقرار و الديمقراطية بحل المشكلة الأساسية فى منطقة الشرق الأوسط وهي القضية الفلسطينية، ويعلقون حل كل هذه المشاكل على مشكلة حل القضية الفلسطينية؟

كريم مروة: هذا مضحك ومبك. هم يريدون أن يوهمونا بأنهم سيحررون فلسطين. هؤلاء الذين استبدوا بنا، وحرمونا حرياتنا. فى رأيى أن تحرير فلسطين سيتم على عكس ما يجرى. لن تعود فلسطين إلا إذا استعادت الحياة السياسية و الديمقراطية صحتها. وبدأ الشعب يمارس دوره فى كل ماله علاقة بمستقبل بلاده. ما نسميه تضامنا عربيا ينبغى أن يتحول إلى اتحاد عربي.

لماذا لم يحصل حتى الآن اتحاد عربي؟ والبلدان العربية تقول إن لدينا تاريخ مشترك، ولغة مشتركة، وثقافة مشتركة. أوروبا اتحدت. وبالمناسبة إن الشيوعيين اللبنانين والسوريين والفلسطينيين سنة 1932 عقب مؤتمرهم العام وضعوا بيانا وطالبوا باتحاد الجمهوريات العربية القائم على الحرية، وعلى الاستقلال الكامل، والحرية. شعار الاتحاد طرحه الشيوعيون. أما اليوم فها هى الجامعة العربية تحولت إلى أراجوز. لن تكون هناك جامعة عربية بدون اتحاد عربي حقيقي، إلا إذا تحرت شعوبنا من أنظمتها الاستبدادية. وهذه العملية هى العامل الأساسى الذى يساعد الشعب الفلسطينى فى تحرره. تحرير فلسطين سيتم عبر تحرير الشعوب العربية أولا.

هل نستطيع أن نقول أن هذا تواطؤ من الأنظمة العربية أم أنه مجرد خضوع للإرادة الأمريكية؟

كريم مروة: كلمة تواطؤ كلمة أخلاقية. والواقع أن البلدان العربية ضعيفة لدرجة أنها لو أرادت أن تقوم بعمل فهى عاجزة. ولذلك فهى مستسلمة للإرادة الأمريكية.

تصاعدت وتيرة الممارسات الوحشية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى. ويتخوف البعض من حدوث صراع فى الداخل الفلسطينى هل تتوقع أن يحدث نوع من الاقتتال الفلسطينى بسبب مثل هذا المخطط؟

كريم مروة: المشكلة الأساسية فى الوضع الفلسطينى أنه لا يوجد اتفاق بين الفلسطينيين. هناك رأى يقول: لا أقبل بأى حل للقضية الفلسطينية قبل أن أستعيد أرض فلسطين بأكملها من الماء إلى الماء. هذا كلام عبثي عدمي. هذا كلام يجعل الشعب الفلسطينى يموت تدريجيا، هناك آخرون يقولون نعم نريد دولة فلسطين على حدود 67. أنا أرى أن هذا الكلام أيضا غير صحيح. لكنني أقول ما لم يتفق الفلسطينيون على برنامج واحد هو إقامة دولة فلسطين على الأرض التى احتلت عام 67.

في العودة لقرارات الأمم المتحدة؟

كريم مروة: قرارات الأمم المتحدة نعم. قد لا نستطيع أن ننفذ جميع القرارت. ولكن علينا أن نأخذ الأساس، هذا على الصعيد المرحلى. ربما لا تستطيع الدولة الفلسطينية أن تكون سيدة منذ اللحظة الأولى. نتذكر الحرب العالمية الثانية ووضع اليابان وألمانيا المهزومتين. ولكن خلال سنوات قليلة صارا قويتين. ينبغى أن نتعامل بالسياسة. ينبغى أن يعمل الفلسطينيون على تحديد برنامجهم. هذا التحديد يجعلهم قادرين على ممارسة النضال بكافة أشكاله. بالسلاح عندما تكون هناك ضرورة، وبالتفاوض أيضا. المؤسف أن هذا الاتفاق غير موجود حتى بداخل المنظمات الفلسطينية المختلفة. كل منظمة عندها برنامج خاص، ولا يوجد برنامج عام حتى فى داخل السلطة الفلسطينية لا يوجد اتفاق. وأعتقد أن الانتفاضة الشعبية كانت رائعة، وتحويلها من انتفاضة شعبية إلى انتفاضة مسلحة برأيي كان خطأ تاريخيا، لأن موازين القوى لا تسمح بممارسة الكفاح المسلح. فلننظر ماذا حدث فى خلال سنوات الانتفاضة المسلحة. تم ضم الشعب الفلسطينى، وتم ضم الدولة الفلسطينية، وأصبحت السلطة الإسرائيلية أكثر توحشاً من أى وقت مضى. يضاف إلى ذلك العمليات الاستشهادية، التى أعتبرها كارثة الكوارث، لأنها استغنت عن الشعب بالشباب والأفراد. وهذه كارثة.

نظرية الإنابة فى النضال.

كريم مروة: هذه كارثة حقيقية، ويتحمل مسئوليتها حماس والجهاد الإسلامى، والمنظمات الإسلامية. طبعا الذى يضحى بنفسه من أجل بلاده هو بطل حقيقى، لكن المجرم هو الذى يبعثه لكى ينوب عن شعب كامل.

هناك مشكلة فى أننا ننظر إلى الآخر على أنه كيان واحد، لا  نرى التفصيل. لا نعرف من هو الآخر. ولا نستطيع أن نفرق بين من هو الصديق ومن هو العدو. و نتعامل مع الإسرائيليين على أن كلهم أعداء وهذه مشكلة المفهوم العربي.

كريم مروة: الوصول إلى الدولة الفلسطينية ينبغى أن يتم بالشكل، وبالطريقة، وبالنضال الذى يؤدى فعلا إلى هذا، وليس إلى إعاقتها. لأن العمليات الفوضوية العدمية هذه ستؤخر هذا الحل. هناك من يريدون أن يرموا الإسرائيليين فى البحر. وهذا مستحيل. وعلى الإسرائيليين أيضا أن يتحروا من أيديولوجيتهم العنصرية لكى يجري بعد وجود دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل البحث فى كيفية الخروج نهائيا من هذا الصراع التاريخى بين العرب واليهود. وأن ينشأ داخل فلسطين كيان فلسطيني. وحتى إذا قامت الدولة الفلسطينية لا يمكن أن تنشأ إلا إذا حصل نوع من التقارب من المصالح والمشاعر بين العرب واليهود. ينبغى أن نعلمهم أننا لسنا أعداء لهم.. وأنهم مثلما تعرضوا للقتل فى الحروب السابقة، يقتلون هم الشعب الفلسطينى. من هنا أعتقد أن الخطأ الأساسى الفادح فى الموضوع الفلسطينى هو أنه لا توجد استراتيجية، ولا خطة راهنة ولا استراتيجية بعيدة المدى للوصول إلى الحل الذى يحرر هذا الشعب الفلسطينى المقهور المذبوح. أنا برأيى أن هؤلاء الإسرائيليون الذين يتجاوزون الأخطار ليدافعوا عن حق الفلسطينيين هؤلاء أيضا أبطال ولابد أن نعترف بالحقيقة.


أشرف محمود - مصر
السبت 17/4/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع