القائدة الشيوعية تمار غوجانسكي لـ <الاتحاد>:
الهستدروت ولجان العمال شــــــركــــــاء في <الركود النضالي> ضد الخطة الاقتصادية


*وتفسّر: الحكومة استطاعت اسكاتهم بالقليل من الفتات مثل  اسكات عمال الموانئ عبر الوعد باعطائهم أسهم للشركات الخاصة التي ستدير الموانئ بحسب خطة خصخصة هذه الاخيرة*

توزيع الطعام كأداة تخدم الاغنياء

أصحاب راس المال يتعاونون مع نتنياهو على خلق وهم حول مساهمتهم في معالجة الوضع الاجتماعي الصعب، فهم يموّلون جمعيات توزع الاكل على الجياع وتحوّل هذه الجمعيات الى اداة في ايدي اصحاب راس المال الذين يقولون للجياع: " كيف تناضل ضد من يطعمك؟"*

البطالة، في خدمة من؟

*اصحاب راس المال يستفيدون من البطالة لزيادة أرباحهم.. فهم يحددون ويخفضون الاجور، مستغلين بذلك وضعية انعدام فرص واماكن العمل، واستعداد العاطلين عن العمل للعمل في اية ظروف*

3 مليارات شيكل للشركات

الخطة الاقتصادية خفّضت ضريبة الشركات من 36% الى 30 %، على مدى عدة سنوات. مما يعني رفع ارباح الشركات الكبرى وخسارة الدولة سنويا ما معدله ثلاثة مليارات شيكل والتي تذهب للشركات على حساب اصحاب المدخولات المنخفضة، وتقليص مستحقاتهم من التأمين الوطني

- - - - - - - - - - - - - - - - - -

قال أبو ذر الغفاري مرة: "عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج للإنس شاهرًا سيفه".
كم يصدق هذا القول في هذه الايام، على كافة الاصعدة. فالكثيرون لم يعودوا قادرين على شراء حتى المواد الاساسية للعيش بكرامة. كم من الصور والتقارير الصحفية رأينا وسمعنا وقرأنا، يظهر فيها اناس بجانب ثلاجاتهم الخاوية، التي بالكاد نجد فيها زجاجة ماء او رغيف خبز جاف!!
الى جانب هؤلاء الناس الذين يتزايدون باستمرار في "دولتنا الأبية"، بلاد السمن والعسل، نرى أولئك المصابين بالتخمة من كثرة المال. فبدل الثلاجة الخاوية، لديهم أساطيل من السيارات واليختات وربما بعض الطائرات.
مع ذلك كله، لا يتحرك احد من الفقراء لاعادة ما يستحقونه من الحد الادنى من العدالة الاجتماعية، فلا مظاهرات ولا اضرابات ولا تعطيل البلاد وسد الشوارع، فما الذي ينتظره المسحوقون لاعادة حقوقهم المسلوبة؟
الفروق الاجتماعية في هذه الدولة وصلت حدا لا يطاق، فهنالك ناس تقتلها التخمة، وهنالك من يقتله الجوع. وهنالك من يحصل على معاش شهري قيمته مئات آلاف الشواقل، وفي المقابل تجد الذي يحضر الى بيته في نهاية الشهر "معاشا" لا يتعدى الالفي شاقل او اكثر بقليل، من مخصصات البطالة او ضمان الدخل.
مع هذه الفروق في المداخيل، والفروق المترتبة على ذلك في نمط ونوعية ومستوى الحياة، وبالتالي في الخدمات مثل التعليم والصحة والمسكن، يأتينا وحش كاسر، اسمه حكومة اليمين وخطتها الاقتصادية الجديدة، مدعومة من كل وزراء حكومة الحرب وراس المال، ليقول للفقراء: "تكفيكم قطعة خبز واحدة وكاسا واحدة من الماء، بدل الرغيف والزجاجة"، وفي المقابل يقول للاغنياء: "مساكين انتم. عليكم مضاعفة ارباحكم عشرات المرات حتى تنجحوا في انقاذ البلاد من مشاكلها".
وما يستفزني، ويستفز آخرين بالتاكيد، هو سكوت ملايين المسحوقين، عربا ويهودا في هذه الدولة، على ما يجري، على انعدام العدل في توزيع الثروة، على حصول مدير بنك "العمال" على معاش شهري قيمته مئتا الف شاقل، اي معاشا شهريا يعيل خمسين عائلة على الاقل، بكرامة، دون ان تحتاج هذه العائلات الى مد الايدي لطلب لقمة خبز تسد رمق أطفالها.
كم تصدق مقولة ابي الذر الغفاري في هذا المضمار. لماذا لا يتحرك وينتفض الجائعون او العاطلون عن العمل او العمال المسحوقون او... او... او... ولا تنتهي القائمة..
فمدراء البنوك وشركات التأمين والشركات الكبرى في القطاعين العام والخاص يظلون آمنين طالما لم ينتفض احد. وهم يبتسمون طول الطريق الى مكاتبهم المحاطة بالزجاج ليستطيعوا رؤية الجياع وهم يموتون جوعا على ارصفة الطرقات، دون ان يهتز لهم جفن، ودون ان تختفي تلك الابتسامة السمجة الوقحة عن وجوههم.
ويبقى الجياع جياعا، والفقراء فقراء، وتبقى آلة جني الارباح تعمل دون كلل ودون وازع من ضمير، ويظل نتنياهو جالسا على كرسيه يدخن السيجار وياكل الكافيار ويشرب اجود انواع الخمور!
ويبقى سؤال واحد في فضاء هذا الواقع المرير: ما العمل؟ هل هذا الوضع هو "كتبة" حطت علينا من السماء، وعلينا تقبيل يدنا "وجه وظهر" والقول الحمد  والشكرلله؟ ماذا على جماهير المسحوقين ان تعمل؟
فيما يلي لقاء مع القائدة الشيوعية تمار غوجانسكي، عضوة الكنيست السابقة، والقيادية اللامعة في ميادين وحركات النضال الاجتماعي.

*"الاتحاد": اشرحي لنا وللقراء قليلا عن خطة نتنياهو الاقتصادية الجديدة، وتأثيرها على المجتمع الاسرائيلي بشكل عام.
*غوجانسكي: هذه الخطة الاقتصادية هي الخطة السابعة منذ وصول نتنياهو الى الحكم والى منصبه الاخير كوزير للمالية. في مركز هذه الخطة نجد المبادرة لخفض ضريبة الشركات، التي تدفعها الشركات عن ارباحها غير الموزعة (بين المستثمرين)، من 36 في المائة الى 30 في المائة، على مدى عدة سنوات. هذه الخطة تعني ارتفاع ارباح الشركات الكبرى، اكثر مما هي مرتفعة حاليا، وتعني ان تخسر الدولة سنويا، ما معدله ثلاثة مليارات شيكل، اي تعني عمليا ارتفاع ارباح الشركات بثلاثة مليارات شيكل اضافية في السنة، على حساب اصحاب المدخولات المنخفضة. لان انخفاض مدخولات الدولة، يعني المزيد من التقليصات التي تضر بمتلقي المخصصات من التامين الوطني... وما الى ذلك. نتنياهو يقدم بذلك هدية لاصحاب رأس المال في الدولة! علينا التذكر ايضا، ان نصف الاجيرين في الدولة يتلقون معاشات تقع تحت الحد الضريبي، اي انهم غير مجبرين على دفع ضريبة الدخل، وغالبية هؤلاء الاجيرين هم من النساء، والعائلات احادية المعيل، ولذلك فانهم لا يستفيدون من التخفيض الضريبي، مع انهم اكثر من تضرر من تقليص المخصصات مثل ضمان الدخل ومخصصات الاولاد ومخصصات البطالة وغيرها.
فالذين يحصلون على التخفيضات الضريبية، بالاضافة للشركات، هم اصحاب الدخل المتوسط، اي الذي يتراوح دخلهم بين 6000 و 7000 شاقل شهريا. نتنياهو يحاول بذلك ضمان دعم هؤلاء الاشخاص له مستقبلا في اية معركة سياسية مقبلة. فهو ليس بحاجة لدعم الطبقات الفقيرة والمسحوقة. من هنا فهذه الخطة هي خطة اعدت لتخدم مصالح الاغنياء وليس الفقراء.

*"الاتحاد": ماذا بشأن البنوك والشركات الاخرى في القطاع الخاص مثل شركات التامين؟ فقد تم الاعلان قبل فترة بسيطة عن ارباح هذه المؤسسات الخيالية، ومعاشات مديريها غير الاعتيادية.
*غوجانسكي: في العادة، فان تحليل ارباح البنوك يتم بطريقة خاطئة. ارباح البنوك يجب أن يتم تحليلها على الوجه التالي: البنوك تربح سنويا مبلغا معينا، وبعد جني وحساب هذه الارباح، تقوم البنوك بتحويل قسم منها لسداد ديون زبائن لم يقم الزبائن انفسهم بتسديدها، وهذه ما نسميها "ديون ميئوس من تسديدها" او "ديون مشكوك في تسديدها"، وبعد تسديد هذه الديون، تعلن البنوك عن ارباحها، الامر الذي يعني ان ارباح البنوك الحقيقية اكبر بكثير من الارباح المعلنة!
فالصورة العامة تدل على ان قوة البنوك الاقتصادية تجعلها تتمكن من رفع ارباحها على الرغم من الوضع الاقتصادي السيء، وذلك على حساب ديون الناس وبسبب التسهيلات الضريبية التي يحصلون عليها و"بفضل" قدرتهم الكبيرة على المضاربة في البورصة. كل هذا يدل على قوة البنوك التي يستمرون في الربح على الرغم من صعوبة الوضع الاقتصادي.
هذا الامر يسري أيضًا على الشركات الكبرى الاخرى، مثل شركات التامين. فأصحاب راس المال والشركات الكبرى هم المستفيدون الاساسيون من التخفيضات الضريبية للشركات من اجل زيادة ارباحهم. اما الفائدة الكبرى التي يجنيها اصحاب راس المال فتأتيهم من انعدام فرص العمل، حيث يستطيع اصحاب العمل تحديد وخفض الاجور، مستغلين بذلك وضعية انعدام فرص واماكن العمل، واستعداد العاطلين عن العمل للعمل في اية ظروف، فيخفضون الاجور، وبالتالي يزيدون ارباحهم.

*"الاتحاد": قبل فترة ليست بالطويلة، ارتفعت اسعار الخبز، ومع ذلك لم نشهد اي رد فعل جماهيري، بينما نلاحظ ردود فعل مؤيدة للعديد من ممارسات الحكومة الاقتصادية حتى في صفوف العمال. ما الذي يحصل هنا برايك؟
*غوجانسكي: انعدام، او قلة، النضالات الاجتماعية ضد سياسة الحكومة الاقتصادية هو احد الانتصارات التي حققتها الحكومة في الآونة الاخيرة، اذ انها استطاعت تمرير خططها دون مقاومة تذكر تقريبا. والهستدروت ولجان العمال كانوا شركاء في "الهدوء النضالي"، اذ ان الحكومة استطاعت اسكاتهم بالقليل من الفتات، فعلى سبيل المثال استطاعت الحكومة اسكات عمال الموانئ الذين ناضلوا ضد الخصخصة، بتقديم وعودات للجنة العمال باعطائهم أسهم للشركات الخاصة التي ستدير الموانئ بحسب خطة خصخصة هذه الاخيرة.
وهنالك مشكلة اخرى تؤدي لانعدام النضال الاجتماعي ضد سياسة الحكومة الاقتصادية، وهي ان اصحاب راس المال يتعاونون مع نتنياهو على خلق وهم حول مساهمتهم في معالجة الوضع الاجتماعي الصعب، فنرى ان اصحاب راس المال يموّلون جمعيات تقوم بتوزيع الاكل على الجياع في كل انحاء البلاد (مثل حملة توزيع المواد الغذائية في فترة عيد الفصح العبري الاخير)، وبالتالي تكون هذه الجمعيات اداة في ايدي اصحاب راس المال لمعالجة "الالم الموضعي"، مما يعطي اصحاب الثروة فرصة "للكبت الاخلاقي"، اي ما معناه: " كيف تستطيع النضال ضد من يطعمك؟"، وذلك على الرغم من ان هؤلاء الذين يطعمون الجياع، هم السبب الرئيسي في جوعهم! ولهذا تزيد الشركات الكبرى من نشاطها في اوساط الفقراء من اجل المساهمة في كبتهم.
هنالك نقطة اخرى في تفسير قلة النضالات الاجتماعية، وهي دور الصحافة الاسرائيلية التي تتعاون مع اصحاب راس المال، فتقوم بتسويق ما يريد هؤلاء، مثل دورهم في "اعانة المحتاجين"!
فوق كل هذه الامور ياتي الوضع السياسي العام، الذي يعمل كوسيلة إلهاء أساسية عن النضال الاجتماعي، فالناس متركزون في الوضع السياسي المتأزم وفي سبل حله، مما يجعلهم يضعون الوضع الاقتصادي في المرتبة الثانية على سلم الاولويات.
علينا ان ننتبه الى أن الدولة تستغل كل هذه الامور، مثل انعدام النضال الاقتصادي، حتى تضرب ما تبقى من وسائل نضالية في أيدي العمال، فتحاول الآن ضرب حق الاضراب بواسطة سن قانون يقيّد استخدام هذا الحق من جماهير العمال.
في هذا الوقت بالذات، يقع واجب على عاتق الحزب الشيوعي والجبهة الدمقراطية بان يكونا المبادرين لقيادة النضال ضد سياسة الحكومة الاقتصادية، وضد افقار الفقراء واغناء الاغنياء. على الشارع أن يبدأ بالتحرك، وعلينا نحن أن نكون محركه.


حاورها: خليل حداد
السبت 17/4/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع