التعليم العربي: خصوصية المشاكل في المدن المختلطة


يعاني جهاز التعليم العربي في المدن المختلطة من التمييز المتراكم والمتواصل على مستويين:

الاول: كونه جزءا من جهاز التعليم العربي في البلاد، وذلك باعتراف المسؤولين في وزارة المعارف، بعد ان كانوا لسنوات طويلة لا يصرحون بذلك، او لنقل ينكرون ذلك.

الثاني: كون التعليم العربي جزءا من جهاز التعليم العبري وتابعا لأقسام المعارف في المدن المختلطة ولا يحظى بأفضلية خاصة (تمييز تفضيلي) بل كان دائما على هامش اهتمامات اقسام المعارف والبلديات في كل المدن المختلطة.

يمكن تحديد المدن المختلطة، بالمدن التي توجد فيها اقلية عربية واكثرية يهودية، وفي كل منها جهاز تعليم عبري رسمي وجهاز تعليم عربي رسمي وفيها كذلك مدارس اهلية (خاصة). فمثلا لا يمكن اعتبار نتسيرت عيليت مدينة مختلطة بالنسبة للتربية والتعليم رغم انه يسكنها مواطنون عرب لأنه لا توجد فيها مدارس عربية، ولذلك فان جميع الطلاب العرب في "نتسيرت عيليت" يتعلمون في مدينة الناصرة الام.

نحن نتحدث عن خمس مدن وهي اللد، الرملة، يافا، حيفا وعكا. رغم ان مشاكل التعليم في هذه المدن متشابهة الا ان لكل مدينة خصوصيتها من حيث اوضاع التعليم فيها، وسأحاول التركيز على اوضاع التعليم في مدينة حيفا – كوني اعرف هذا الجهاز وعملت فيه مدة 30 سنة، وكوني رئيسا للجنة الفرعية للتعليم العربي في بلدية حيفا. سأحاول استعراض بعض المشاكل والقضايا وخصوصيات التعليم في كل المدن المختلطة:

* ظاهرة التسرب والتسريب

تبرز الظاهرة في المدن المختلطة واسبابها معروفة وخاصة في مرحلة الانتقال الى مرحلة اخرى وبالذات من الاعدادية الى الثانوية. فالتوزيع السكاني للطلاب في احياء المدينة ووصولهم الى المدرسة يعرضهم الى كثير من مغريات الشارع، فأحيانا يخرج الطالب من البيت ولا يصل المدرسة، ونرى كذلك في المدينة ورشات عمل تستوعب الطلاب واحيانا تستغلهم، فيتركون مقاعد الدراسة ويخرجون الى العمل في مرحلة التعليم الالزامي.

اما ظاهرة التسريب فهي سياسة تقوم بها بعض المدارس للتخلص من الطلاب الضعفاء في المراحل العليا حتى يحافظوا على مستوى لائق او نسبة نجاح عالية في البجروت، واحيانا يتم التخلص من الطلاب بسبب "سلوكهم الشاذ" وعدم وجود الوسائل الكافية في المدرسة للتعاطي مع مثل هؤلاء الطلاب، واحيانا وغالبا لا توجد الأطر المناسبة لاستيعابهم فيخرجون الى سوق العمل وهذا ايضا نوع من التسريب.

* العنف بين الطلاب

هذه الظاهرة تتعدى حدود الانتماء، المكان، اللغة القومية، الجنس والمكانة والمستوى الاقتصادي، ولكن مقارنة بين المدينة المختلطة والقرى العربية او المدينة العربية نجد ان العنف يبرز في المدينة ولاسباب موضوعية وليس كون سكان المدينة اكثر عنفا، بل لاسباب تتعلق بالبيئة التي يعيش فيها الطالب.

فاذكر مثلا كابن قرية في الشمال كانت البساتين والساحات العامة مكانا ملائما لاخراج طاقاتنا، فنأتي في اليوم التالي الى المدرسة لنتعلم، اما ظروف الطالب في المدينة فهي صعبة فلا يجد مكانا فسيحا في بيته او ساحة بجانب داره بالاضافة الى خوف العائلة من مخاطر الشارع. فالطاقة تبقى محصورة وغالبا بين جدران البيت، فيجد في المدرسة متنفسا لاخراج طاقاته، إما بالاعتداء على طالب آخر او حتى بالاعتداء على المعلم، ناهيك عن الظروف الاقتصادية التي يعيش بها المواطن في المدينة ومتطلبات الحياة الاقتصادية، فالمواطن يركض وراء رزقه قبل ان يسأل عن ابنه في المدرسة.

* علاقة الاهل مع المدرسة

غالبا ما تكون العلاقة نقدية، رغم وجود لجان اولياء امور للطلاب في معظم المدارس، فالعلاقة هي علاقة تباعد وليس تقارب. وهنا لا اريد الدخول في التعميم، هنالك شعور لدى بعض الاهل بأنه على المدرسة والسلطة المحلية تقديم كل شيء للطلاب وهذا غير صحيح، ونلمس في كل سنة بأن سلة المشتريات لوازم المدرسية تزداد بعد إتباع سياسة الخصخصة في الوزارات الحكومية.

* العلاقة بين التعليم الرسمي والتعليم الأهلي

في كل مدينة مختلطة يوجد جهازان للتعليم، واحد للتعليم الرسمي وآخر للتعليم الاهلي. وعادة لا يوجد تعاون، او لنقل تنسيق في المواضيع التي لها علاقة بالتربية والتعليم، فيستقطب التعليم الاهلي طلابا يدفعون الاقساط الشهرية، بحيث يكون وضع الاهل الاقتصادي متوسطا او اعلى، ويهتمون باولادهم من منطلقات مختلفة. وهكذا يتم قبول الطلاب المتوسطين فما فوق، وتسريب/ او لنقل عدم قبول طلاب ضعفاء، فتنجمع في المدارس الرسمية نسبة كبيرة من الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة.

فاذا كانت المعادلة في المدارس الاهلية     1     2     1 = % 75 (اقوياء)

فإن المعادلة في المدارس الرسمية يصبح  2     1     1 = % 75 (ضعفاء)

وكلنا يعرف ان هنالك علاقة بين التحصيل والسلوك.

* الوضع الاجتماعي والاقتصادي

يتألف سكان المدن المختلطة من مجموعات سكانية هاجرت من القرية الى المدينة طلبا للرزق (العمل) او الدراسة الاكاديمية، ما تبقـّى هم سكان المدينة الاصليون والذين بقوا فيها سنة 1948.

هذه الفئة تسكن احياء المدينة، في الاحياء القديمة المكتظة بالسكان، او في اطراف المدينة، حيث الظروف البيئية والسكنية صعبة، وبذلك ينعدم الرابط الاجتماعي، الذي يوحد سكان القرية، هذا الوضع يصعّب على المدرسة القيام بواجبها ويصبح عملها مضاعفا، وهنا تبرز المشاكل الاجتماعية، والتي غالبا لا تستطيع المدرسة ايجاد الحلول لها، فتتجمع المشاكل الاجتماعية في المدرسة، وهذا يؤثر سلبا على المناخ التربوي والتعليمي في المدرسة بل يمنع المدرسة من التطور.

* الطالب العربي في المدينة المختلطة

وضع الطالب ليس افضل من وضع عائلته، فالطالب معرض ومكشوف لعوامل خارجية، يرى امامه تقاليد وسلوك المجتمع الآخر، اماكن عمل مفتوحة لاستيعابه، فتقل الرغبة لديه بمواصلة تعليمه، بالاضافة الى الظروف الاقتصادية التي يعاني منها الطالب وعائلته في المدينة، نرى كذلك ان المدينة ولنقل السلطة المحلية (البلدية) لا تقوم بواجبها كاملا تجاه التعليم العربي، فلا تقيم الاطر التعليمية المناسبة، المهنية منها وكذلك فتح مدارس للطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، لأن هذه الاطر مكلفة وبحاجة الى ميزانيات كبيرة، فالسلطة المحلية لا ترى بالتعليم العربي في سلم افضلياتها القصوى، فيبقى على الهامش. وفي احسن الاحوال تتبع سياسة "إطفاء الحرائق"، بدلا من وضع برامج وخطط مستقبلية حول كيفية تطوير جهاز التعليم العربي في المدينة.

* الهيئة التدريسية

في معظم المدن وخاصة في سنوات سابقة كان طاقم التدريس يأتي من خارج المدينة، من القرى المجاورة، ونحن كمربين نعرف مدى اهمية وضرورة وجود علاقة مباشرة بين الطالب والمعلم وبين الاهل والمعلم، بل وجود علاقات اجتماعية مع الاهل، ومعرفة المجتمع الذي نعمل به. وقد خضت شخصيا هذه التجربة حينما جئت الى عكا ومن ثم الى حيفا للتدريس في احدى مدارسها، وكم شعرت بالغربة في المدرسة، والفجوة والبعد بيني وبين الطلاب، من حيث اللهجة والعادات والعلاقة مع الاهل ومع الادارة والهيئة التدريسية والسلطة المحلية.

* السلطة المحلية والتعليم العربي

هنا اشير خاصة الى رئيس السلطة المحلية (رئيس البلدية)، هل يتعاطف مع السكان العرب؟ ما هي نظرته الى الاقلية العربية التي تعيش في مدينته؟ ما هي مواقفه وآراؤه السياسية تجاه المواطنين العرب، واسئلة اخرى.

واخيرا اقترح بعض التوصيات للنهوض بالتعليم العربي في المدن المختلطة:

1. اقامة طاقم للتعليم العربي في كل مدينة.

2. يكون لهذا الطاقم علاقة مباشرة مع لجنة متابعة قضايا التعليم العربي.

3. اقامة جمعيات / الانضمام الى جمعيات قائمة في مجال التربية والتعليم.

4. إشراك اعضاء البلديات العرب في لجنة المتابعة وفي لجنة رؤساء السلطات العربية وفي لجنة المتابعة العليا كممثلين للسكان العرب في المدن المختلطة.

5. وضع قضية التربية والتعليم في سلم افضليات الفعاليات السياسية في هذه المدن.

6. اشراك موظفين عرب في اقسام المعارف في المدن المختلطة في طاقم مدراء اقسام المعارف في القرى والمدن العربية للاطلاع على ما يجري في اقسام المعارف المختلفة في الوسط العربي.

7. العمل على اجراء بحث شامل لاحتياجات التعليم العربي في كل مدينة مختلطة جرى بحث كهذا في يافا، ومؤخرا في مدينة حيفا.

8. زيادة التنسيق بين المدارس الرسمية والمدارس الاهلية، حسب استراتيجية واهداف التعليم في كل مدينة.

9. المطالبة برصد الميزانيات الكافية من البلدية، لاجراء مسح شامل حول احتياجات التعليم في المدن المختلطة والعمل على تنفيذ هذه الاحتياجات، من خلال طرح خطة عمل قابلة للتنفيذ.

10.  زيادة الثقة والتعاون بين الاهل والمدرسة من خلال اللجنة القطرية لاولياء امور الطلاب العرب التي تعمل في هذا المجال.

(كاتب المقال: عضو سكرتارية لجنة متابعة قضايا التعليم عن المدن المختلطة ورئيس اللجنة الفرعية للتعليم العربي في بلدية حيفا)


نبيل سمور
الأحد 4/4/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع