عشيّة الذكرى الـ - 28 ليوم الارض الخالد:
الأحياء العربية في المدن المختلطة – غيتوات <جزيرة الدمقراطية>!


* جدران عازلة تقام حول الاحياء العربية في المدن المختلطة، بوحي (وشرعية) جدار الفصل العنصري حول المناطق الفلسطينية، تحولها الى غيتوات، مخيمات لاجئين، "مدن مستهدفة"، يختلط فيها التمييز الحكومي الرسمي (العام) مع تمييز السلطات المحلية في تلك المدن (الخاص)!

يافا – حسن مواسي – على شرف الذكرى الـ 28 ليوم الارض الخالد – نظم "المركز العربي للتخطيط البديل"، بالتعاون مع اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية و "شتيل" ومركز "مساواة" لحقوق المواطنين العرب و "الرابطة لشؤون عرب يافا"، امس الاول الاربعاء، المؤتمر السنوي الرابع حول قضايا الارض والسكن بعنوان: "المواطنون العرب في المدن المختلطة" وذلك في قاعة المركز الجماهيري اليهودي العربي في يافا بمشاركة اكاديميين ومختصين في مجالات التنظيم والبناء والمدن المختلطة.

* مخيم لاجئين *

افتتح اليوم الدراسي مدير عام الرابطة لشؤون عرب يافا، عبد القادر سطل، مرحبا بالحضور قائلا: نرحب بكم جميعا في يافا عروس فلسطين، ودرة الشرق "العنيدة" كما سماها ابن يافا شفيق الحوت، والتي تحولت الى مخيم لاجئين.
واضاف: مؤسسة الرابطة تعمل منذ 25 سنة بهدف الحفاظ على الوجود العربي الفلسطيني في يافا كأبناء للاقلية القومية العربية الفلسطينية، وتسعى للمحافظة على معالم المدينة العريقة ومبانيها التاريخية، اذ يعود قسم منها الى مئات السنين، وهي محط انظار الطامعين والغاصبين الذين يريدون تقطيع اوصالها ويشوهون جمالها كأنها سلعة تشترى وتباع.
واضاف سطل: الرابطة لرعاية شؤون عرب يافا رفعت شعار "كلنا اخوة وكلنا اصدقاء، لا للتحزبات والطائفية". وقد كان تأسيس الرابطة نقطة تحول في تاريخ يافا الحديث، وخصوصا من خلال تجاربها التي خاضتها في شتى المجالات، وتحديدا في قضايا السكن والمخططات، بدءا من رفع الدعاوى القضائية في المحكمة العليا الاسرائيلية ضد مخططات الهدم وطم البحر. وقد حققنا نجاحا هاما في العام 1987 بحصول العرب على اعتراف في مئات الدور السكنية للازواج الشابة بعد انتفاضة المسكن سنة 1995.
واضاف سطل: لقد استضافت الرابطة جماهيرنا العربية في ذكرى يوم الارض الـ 22 سنة 1998، لنقول: لا لتوطين العملاء بيننا، ولنرمم اكثر من 230 منزلا في يافا بين الاعوام 1998 – 2003، لمواجهة ومحاربة المخططات ضد عرب يافا.
واستعرض سطل معاناة الجماهير العربية في المدن المختلطة، حيث تتعرض اسماؤها واحياؤها وشوارعها لحملة تهدف الى طمس احيائها وهويتها العربية بكل الطرق والوسائل. حتى المجاري التي كانت تابعة لشركة السكب الفلسطينية حتى العام 1948 لم تسلم من هذه السياسة.
واشار الى ان عدد سكان يافا العرب يبلغ اليوم حوالي 20 الف نسمة من مجمل سكان المدينة، "ونحن نتعرض لسياسة تهدف الى تهجيرنا او وضعنا داخل غيتوات، كما هو الحال في اللد والرملة ايضا".
واطلق سطل اسما جديدا على المدن المختلطة هو: "المدن المستهدَفة"، مبينا ان الجماهير العربية في المدن المختلطة مستهدفة. ودعا لجنة المتابعة العليا والنواب العرب في البرلمان الاسرائيلي الى وضع قضية المدن المختلطة على جدول اعمال الرأي العام الاسرائيلي والعربي "قبل فوات الاوان"، كما قال.
واكد سطل ان جميع المدن المختلطة، بما فيها بئر السبع ونتسيرت عيليت وحيفا وعكا وغيرها، تعيش ازمة حقيقية تستهدف قضية المسكن والتعليم والهوية، فالتمييز واضح للعيان والسياسة المتبعة لا تبشر بالخير، في ظل المخططات التي تضعها البلديات والسلطات الحكومية والهادفة الى تشريد وترحيل سكانها العرب عنها، عن ارض الآباء والاجداد.
وقال: "وعلى الرغم من ذلك، نحن نقول ان حجر الكركار في يافا لا يزال ينطق بلغة الضاد، رغم كل المؤامرات والمخططات التي تهدف الى اقتلاعنا. ونحن نقول لهم ان جذورنا عميقة تلتف حول صخرة اندرميدا وسبيل ابونبوت ومسجد حسن بيك والقلعة وتصل جذورها حتى روبين وسيدنا علي والخيرية"!

* معركتنا: حقوقنا غير منقوصة *

والقى شوقي خطيب، رئيس لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، تحية اللجنة للمؤتمر، مؤكدا ان لجنة المتابعة واللجنة القطرية تقفان في صف اهلنا في المدن المختلطة في معركتهم ضد التهجير والترحيل القسري الذي يفرضه واقع المخططات السلطوية الهادفة الى محو المعالم العربية في مدننا المختلطة.
واضاف خطيب: قضية عرب المدن المختلطة ترتبط ارتباطا واضحا بقضية شعبنا كله وقد وصلنا الى قناعة تامة واضحة بضرورة العيش المشترك بين اليهود والعرب، الفلسطينيين والاسرائيليين. وكنا نحن اول من رفع شعار "دولتان للشعبين" ولا نزال نصر عليه، ولكن هل وصل المجتمع اليهودي الى هذه القناعة؟
واضاف خطيب: نحن على اعتاب ذكرى يوم الارض، وعنوان هذا اليوم هو بقاء الانسان في ارضه ووطنه، وان يعيش باحترامه في هذه الدولة. ونحن في لجنة المتابعة، مع الرابطة لشؤون عرب يافا، نعمل لبناء التواصل والتعاون مع جمهورنا في المدن المختلطة. وتطرق خطيب الى مبادرته لتنظيم لقاءات مع اعضاء البلديات العرب في المدن المختلطة، مشيرا الى ان لجنة المتابعة تعمل على وضع آلية للعمل المشترك من اجل ضمان تمثيل مناسب لهم في مؤسسات اللجنة.
واستذكر خطيب اجواء اكتوبر 2000. وقدم شرحا حول توصيات لجنة التحقيق الرسمية التي عينتها الحكومة آنذاك، والتي تتطرق الى عمق التمييز بحق المواطنين العرب مشيرا الى ان عرب المدن المختلطة يعانون من التمييز مرتين.
ودعا خطيب الحكومة والمؤسسة الرسمية الى الاصغاء لصوت الجماهير العربية متطرقا الى التحريض ضد الجماهير العربية في اعقاب قرار اللجنة تنظيم مظاهرة ضد الاغتيالات.
وتساءل خطيب: لماذا يحق لبيرس ولبيد وبوراز معارضة الاغتيالات بينما نحن لا؟! وقال سُئلت بالامس حول مطالبة احد اعضاء الكنيست بمنع المظاهرة، وكان ردي انه عليه الذهاب ليتعلم درسا في المواطنة.
وانتقد خطيب اصرار رئيس الحكومة على هدم جميع المنازل العربية في اللد، وتجنّد وسائل الاعلام العبرية ضد المواطنين العرب. وصرختنا هي صرخة مواطنين يريدون مواصلة العمل بأكبر مساحة ممكنة ضمن القانون، للحصول على حقوقنا غير منقوصة.

* الخلفية التاريخية للمدن المختلطة *

وقدم د. عادل مناع، مدير "مركز دراسات المجتمع العربي في اسرائيل" مداخلة حول الخلفية التاريخية للمدن المختلطة. وقال: ظاهرة المدن المختلطة في فلسطين حتى عام 1948، ثم لاحقا في اسرائيل منذ ذلك الحين، اصبحت تمتاز بالدينامية والمتغيرات الكثيرة التي طرأت عليها خلال الاجيال الاخيرة.
واكد مناع ان الثابت في هذه المدن المختلطة منذ العام 1948، هو محاولات تهميش العرب ومحاولات السلطات تحديد عدد العرب ونسبتهم في كل واحدة من تلك المدن بطرق ووسائل مختلفة. واضاف مناع: ظاهرة المدن المختلطة، التي يسكنها العرب واليهود معا، ليست جديدة في فلسطين، فخلال مئات السنين من الحكم الاسلامي وحتى اواخر العهد العثماني سكن اليهود الى جانب العرب في القدس، الخليل، صفد وطبريا، لا بل ان بعض العائلات اليهودية سكنت في القرى العربية، وخاصة في الجليل كالبقيعة وكفر ياسيف وشفاعمرو وغيرها.. ولم تكن في فلسطين مدن او قرى يسكنها اليهود فقط، فعدد اليهود في فلسطين ظل ضئيلا حتى القرن الـ 19. وعلى سبيل المثال، حتى العام 1800 شكل اليهود نسبة 2% من مجمل السكان. وقد ازداد عدد اليهود مع زيادة النفوذ الاوروبي في المنطقة، ووصل حتى 5% عشية بدء الاستيطان الصهيوني في فلسطين العام 1882.
واضاف مناع: لقد ادخلت الحركة الصهيونية، منذ مباشرتها المشروع الاستيطاني، نوعا جديدا من القرى الزراعية "موشفوت" يسكنها نشطاء الحركة الذين هاجروا الى فلسطين، ثم بدأت منذ العام 1908 باقامة مدن يهودية كان اولها تل ابيب، واختلفت نشاطاتها بعد الحرب العالمية الاولى في ظل الانتداب البريطاني حيث اقامت انواعا مختلفة من المستوطنات الزراعية (كيبوتسات وموشافيم)، بالاضافة الى المدن الاربع (القدس، الخليل، طبريا وصفد) حيث سكنها اليهود تاريخيا الى جانب العرب. ومع الهجرة اليهودية، بدأ القادمون الجدد يسكنون مدنا فلسطينية كحيفا ويافا، وبشكل عام سكنوا في احياء منفردة. ومع حرب الـ 48، حصلت تغييرات جذرية في البنية الديمغرافية للبلاد عموما، وهذه المدن خصوصا. حيث كان لحرب فلسطين عام 1948 وقيام دولة اسرائيل على 78% من مساحة البلاد، انعكاسات واسعة النطاق على الشعب الفلسطيني العامة واماكن سكنه المختلفة في القرى والمدن الفلسطينية. فقد تم اتباع سياسة التهجير وتدمير اكثر من (400) قرية فلسطينية، تحول سكانها الى لاجئين في فلسطين وخارجها، وقد نالت المدن الفلسطينية ايضا نصيبها من تأثيرات سياسة التهجير والتدمير.
واضاف مناع: هنا يدور الحديث عن ثلاثة اصناف اختلف مصيرها خلال النكبة، وفي اعقابها وهي:
أ‌. مدن الضفة الغربية وغزة، التي سلمت من التدمير، لكنها تحولت الى ملجأ لمئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين وابرزها نابلس، غزة، جنين، طولكرم، بيت لحم ورام الله...
ب‌. مجدل عسقلان، ومدن الجليل صفد وطبريا وبيسان، حيث تم تهجير سكانها العرب تماما، وتم اسكان اليهود في اماكنهم. وذكر ان مجدل عسقلان تم طرد سكانها سنة 1950 حيث هجروا الى غزة، والناصرة هي الوحيدة التي سلمت من التدمير.
ج. المدن المختلطة وهي عكا، حيفا، اللد، الرملة ويافا، حيث تم تهميش سكانها العرب، وتم عزل سكانها في غيتوات معزولة.
اما بالنسبة للقدس، فقد تمت تجزئتها الى شقين: عربي تحت الوصاية الاردنية حتى العام 1967، وبعدها تم ضم الجزء العربي منها الى اسرائيل. ولكن هذا لا يغير واقع وحقيقة ان القدس العربية هي جزء من الضفة الغربية.
وتطرق مناع الى فرض الحكم العسكري على العرب مواطني اسرائيل وسلبهم الحقوق الاساسية وابسط مقومات الحياة. وقال مناع خلاصة هذه الاعمال هي اتباع سياسة التهميش والتمييز بحق العرب في هذه الدولة.

* قصة المواطن خالد سواعد، مثلا *

واستعرض د. حنا سويد مدير عام "المركز العربي للتخطيط البديل" قضية العرب في المدن المختلطة و"البلدات الجماهيرية" التي هي، في الحقيقة، مستوطنات (مناطر) تقام على اراض عربية، متطرقا الى قضية خالد سواعد من قرية الكمانة غير المعترف بها، بالقرب من كرميئيل. واضاف: نريد وضع تحليل اساسي لهذه السياسة كون سياسة الحكومة المتبعة واضحة في هذا المجال وانا لا اتحدث عن قضية عائلة قعدان، بل اتحدث عن قضية مواطنين عرب يسكنون على اراضيهم وتقام في منطقتهم بلدات جماهيرية.
واضاف د. سويد: تعود قصة الشاب خالد سواعد الى وراثته ارضا عن والده في سنة 1984. وقد تم وضع مخطط لمستوطنة "متسبيه مخمنيم" على جزء من ارضه، لاقامة مبان، واصبح لخالد شريك في ارضه – الدولة.وفي سنة 1988 تقدم خالد بطلب للوكالة اليهودية باعتبارها المشرفة على المشروع، ليكون كجزء من البلدة، ولكن طلبه رفض كون الارض زراعية. وفي العام 1991 قدم خالد طلبا لخارطة هيكلية ورفض طلبه ثم قدم الالتماس الى لجنة التنظيم اللوائية ورفض حتى ان وزير المالية آنذاك اراد مصادرة ارض خالد للصالح العام للبناء. لكن اعتراض خالد على المخطط لدى المحكمة العليا منع هذه المصادرة.
واضاف د. سويد: في سنة 1994 عاد خالد وقدم طلبا لخارطة هيكلية، لكن طلبه رفض مرة اخرى، وتم اخراج ارض خالد خارج الخارطة. وفي سنة 1998 اقيمت لجنة لتقرير مصير ارض خالد، ولكن اللجنة لم تقرر، وفي ظل ضغط قانوني وسياسي رخصت الخارطة رقم 8321.
وفي سنة 1998 قيل لخالد: لا نريد ان يسكن عرب هنا. وعليه قدم خالد اعتراضا للمحكمة المركزية، وطلب من المحكمة المركزية ان يقوم بتحضير اعتراضات وتقديم تصليحات في الخارطة. وفي سنة 2000 رفض طلب خالد في اللجنة المحلية لكنه قبل في اللجنة اللوائية، ولكن مع تحفظات. وفي سنة 2002 انضم الى معارضة الخارطة كل من رئيس مجلس "مسجاف" الاقليمي، اضافة الى الوكالة اليهودية، ودائرة اراضي اسرائيل. وفي العامين 2004 – 2003 قدمت دائرة اراضي اسرائيل خارطة رقم (ج 12688) ولا تزال قضية خالد سواعد قيد البحث في المحكمة.
وقال د. سويد: قصة خالد سواعد هي صورة عن الوضع القائم الذي يعيشه المواطنون العرب في البلاد من جراء سياسة التمييز على اساس قومي. ونحن نعمل جاهدين لوضع حد لهذه السياسة العنصرية.

* جدران عازلة بين المواطنين، العرب واليهود!*

وفي الجلسة الاولى من المؤتمر التي كانت بعنوان "معاناة المواطنين العرب في المدن المختلطة"، تطرق المهندس نخلة شقر الى ظاهرة جديدة هي ظاهرة الجدران العازلة بين المواطنين العرب واليهود. وقال: اليهود اليوم يبحثون عن مناطق يمكنهم تحسين ظروف حياتهم فيها. واعطى مثالا على قضية الجدار الفاصل بين "موشاف نيرتسفي" وحي بيارة – شنير في اللد.
واتهم شقر المؤسسات الرسمية بوضع كل المخططات لسلب الارض العربية. وفي يافا، عندما قرروا القيام بمشروع ترميم الاحياء، روجوا له وكأنه جاء لترميم احياء يافا ومساعدة العرب. ولكن، مع الاسف جاء هذا المخطط من اجل تسريع وتنفيذ مخططات تهويد المدينة، اذ قامت شركة "جديش" بوضع المخططات الهادفة للاستيلاء على الاراضي العربية في المنطقة الغربية من يافا. واضاف شقر: نحن مع تطوير واقامة الاحياء المشتركة، ولكننا ضد تهويد الاحياء العربية في يافا وتحويل احيائنا الى غيتوات.

* سياسة "الجدران الامنية" في المدن الاسرائيلية، ايضا!*

وفي مداخلتها حول "سياسة التطويق والجدران الفاصلة" استعرضت شولي هارتمن من "جمعية بمكوم" (مخططون من اجل حقوق التخطيط) تحول بناء الجدران العازلة الى سياسة في اسرائيل 2000.
فقبل عام، اقدم موشاف "نيرتسفي" على بناء جدار فاصل بينه وبين حي بيارة – شنير، بحجة "تخفيف الضوضاء". وبدل ان يتم بناء جسر للتعاون والتعايش والتفاهم يتم بناء جدران للفصل والتمييز.
وعددت هارتمن الجدران التي اقيمت او التي بوشر ببنائها، مثل الجدار الفاصل بين شنير ونيرتسفي، وبين جسر الزرقاء وقيساريا، والجدار بين حارة "جاني دان" وحي الجواريش في الرملة وكذلك بين "يفيه نوف" والجواريش.
واضافت هارتمن ان سياسة بناء الجدران العازلة، والمدعومة من قبل السلطات المحلية والهيئات الرسمية هي سياسة مرفوضة كونها تزيد من حدة تفاقم الازمة داخل طبقات المجتمع الاسرائيلي وتزيد الازمات والفوارق بين طبقاته. واكدت هارتمن ان سياسة بناء الجدران تحولت الى "حل للمشكلة" بالنسبة للسلطات، على الرغم من كونها هي المشكلة، حيث يتم العزل بين الطبقات الغنية والطبقات الفقيرة وعلى اساس اثني. والحجة هي: الامن والدفاع عن النفس.
واضافت: مع الاسف الشديد، وعلى خلفية بناء الجدار العازل في الضفة الغربية، تأخذ قضية بناء الموانع والجدران شرعية من قبل المؤسسة الرسمية، وهي في لبها قضية عنصرية. وحذرت هارتمن من تحول المجتمع الاسرائيلي الى العيش داخل احياء منعزلة (غيتوات)، مما سيؤدي الى تدمير وتمزيق النسيج الاجتماعي لهذا المجتمع.
ودعت هارتمن المؤسسات الحكومية والشرطة ولجان التنظيم الى وقف هذه السياسة لمنع تصاعد العنف وتفشي الظواهر السلبية مستقبلا، كما دعت وزارة الداخلية الى وضع مخططات بديلة تضمن التمييز التفضيلي للطبقات الفقيرة.

* الهدف: اضطرار العرب الى الرحيل!*

واستعرض المحامي نسيم شقر النواحي القانونية لقضية السكن الشعبي من خلال تجربة عرب يافا، وبدأ حديثه قائلا: نحن العرب في المدن المختلطة نعاني من التمييز مرتين، مرة كأقلية قومية داخل مدينة مختلطة ومرة اخرى كجزء من الاقلية العربية الفلسطينية في اسرائيل.
وقدم شقر خلفية تاريخية عن تطور الامور والاحداث في يافا بعد العام 1948، وانتقد اهمال البلدية المتعمد للاحياء العربية، متطرقا الى اقامة مستوطنة داخل الحي العربي في يافا.
واضاف شقر: يعيش في يافا اليوم حوالي (20) الف نسمة، طبعا هناك نواقص كبيرة في جميع مجالات الحياة اليومية، وقد كانت سياسة البلدية واضحة وهي استهداف عرب يافا واجبارهم على الرحيل. فخلال الفترة الواقعة بين 1975 و 1987 تم هدم (3.140) وحدة سكنية تعود ملكيتها لعرب يافا، وكل ذلك في ظل ازمة سكن وتزايد طبيعي يصل الى (450) ولادة جديدة سنويا. وفي سنة 1987 باشرت البلدية بمخطط "ترميم الاحياء". وطبعا كان الهدف جلب اليهود الى  يافا وتهويدها. ونحن بدورنا قمنا بمحاربة هذه السياسة والحملة التي تتركز على سياسة شارون فرض "الامر الواقع". وقد تم تسويق يافا بواسطة "دائرة اراضي اسرائيل".
واضاف شقر: يعاني المواطنون العرب في يافا من ازمة خانقة في مجال السكن. وفي شهر 5/1995 قررنا شن معركة جماهيرية لتوفير المسكن لنا، وخلال (6) ايام قمنا بالاستيلاء على مئات المنازل الفارغة. وقد اضطرت البلدية وادارة دائرة اراضي اسرائيل الى الجلوس معنا، ووقعوا اتفاقا يقضي باتاحة الفرصة لنا للحصول على مساكن، حيث وقعوا على اتفاق لاعطائنا (450) وحدة سكنية لحل مشاكل عرب يافا. ولكن هذه الدولة لا تحترم الاتفاقيات، ويبدو ان هنالك حاجة الى شن معركة من اجل تنفيذ الاتفاق.
واضاف شقر: مع الاسف، حتى 1998/1 لم يحصل اي مواطن عربي في يافا على اية شقة سكنية.، وتطرق الى مشروع (ابن ِ بيتك) حيث حاولت السلطة والبلدية توطين العملاء ضمن هذا المشروع. واكد شقر على اهمية شن نضال جماهيري من اجل تحصيل حقوق المواطنين في يافا، واستغلال المجال القضائي كون الحكومة غير معنية بحل اي مشكلة من مشاكل المدن المختلطة، وحقنا في السكن يعطينا الحق والامكانية للعيش بكرامة.

* مناطق صناعية بالقرب من الاحياء العربية *

وفي الجلسة الثانية التي تمحورت حول "دور المواطنين العرب في التأثير والتغيير" استعرض يوفال تماري وبدرية بيرومي مشروعا مشتركا لمنظمتي "شتيل" و "بمكوم" والمركز العربي للتخطيط البديل، في المبادرة الى التخطيط البديل للاحياء العربية في الرملة. واستعرض تماري معطيات حول الاحياء العربية الاربعة في الرملة وهي: الجواريش، جان حكال، البلدة القديمة و "ابناء الاقلية" (هميعوطيم). وقال انه من المتوقع ان يصل عدد سكان هذه الاحياء في سنة 2025 الى (17) الف نسمة، بينما لا تقوم البلدية بوضع مخطط  لضمان تطور المنطقة ووضع تصور مستقبلي. ويتلخص وضع هذه الاحياء في ازمة السكن الحادة وتقوم البلدية بوضع سياسة غير شرعية تهدف الى سلب عرب الرملة حقهم في التطور، بل حقهم في العيش بكرامة، غير آخذة بعين الاعتبار تطورات الزمن والتكاثر الطبيعي.
ثم استعرضت مخططة المدن بدرية بيرومي القضايا الاجتماعية التي تواجه سكان الاحياء العربية في الرملة، ومنها انعدام فرص العمل للنساء والنقص في الخدمات للاطفال، بالاضافة الى غياب التكاتف الاجتماعي.
وتطرقت بيرومي الى قضية "العدل البيئي" من خلال اقامة المناطق الصناعية بالقرب من الاحياء السكنية العربية وتخطيط الشوارع الرئيسية كحواجز لمنع تطور هذه الاحياء، وتحديدا شارع رقم (431). واشارت الى انعدام الاطر التربوية والاجتماعية للمجموعات المختلفة كالاطفال والشبيبة والنساء.. مما يهدف الى  طمس الهوية العربية في مدينة الرملة وهجرة المواطنين اليهود من البلدة القديمة، وقيام البلدية برفض الرموز التي تؤكد على الهوية العربية للرملة وكذلك تهويد المجال العام وتسمية الشوارع  باسماء عبرية.
ودعت بيرومي المؤسسات المختصة الى وضع حد لهذه السياسة وايجاد حلول فورية لأزمة السكن وكذلك لالغاء مخطط الجدران والحواجز الفاصلة والعمل على تقوية الهوية العربية للمدينة.

* تمييز الحكومة وتمييز السلطة المحلية!*

واستعرض عضو بلدية اللد، المهندس عارف محارب، التجربة العملية المكتسبة من اعداد مخطط حي شنير. واتهم محارب البلدية والحكومة بتعمد الاهمال بحق المواطنين العرب في المدن المختلطة عامة وفي اللد خاصة. وبيّن وجود نوعين من التمييز بحق العرب: الاول: تمييز سلطوي حكومي والثاني: التمييز من قبل السلطة المحلية.
واشار محارب الى ان البلدية معنية بتدهور الاوضاع في الاحياء العربية، وخصوصا مشكلة المخدرات وتجارة السموم. واستعرض قضية اقامة الجدار العازل بين حي شنير وموشاف نيرتسفي. وانتقد صمت البلدية على مثل هذا المخطط.

* اشراك المواطنين العرب في التخطيط... سؤال للبحث! *

وتحدثت المحامية منال توتري – جبران في مداخلتها عن مشاركة المواطنين العرب في تخطيط حي وادي النسناس في حيفا، واكدت ان انماط مشاركة المواطنين العرب في عملية التخطيط والبناء في المدن المختلطة تطرح امامنا سؤالا للبحث وهو: هل يمكّن قانون التخطيط والبناء الاسرائيلي، من اشراك المواطنين العرب في عملية التخطيط؟
وتطرقت الى الخلفية التاريخية لمخطط توسيع "جادة الصهيونية" – شارع الجبل وقالت: في شهر 12/2001 اقرت اللجنة المحلية الثانوية للتخطيط والبناء في حيفا ايداع المخطط المدعو ح.ف/م.ح/1807 – مخطط توسيع "جادة الصهيونية".
وتعود ملكية الارض الواقعة في حدود المخطط الى مالكين افراد، وكذلك للدولة وبلدية حيفا. والنتيجة الحتمية لتنفيذ هذا المخطط هو هدم (54) منزلا وبناية سكنية وتجارية في حي وادي النسناس وشارع الجبل وشارع الخوري وشارع شحادة شلح، بينما تؤوي هذه البنايات (94) عائلة. وهذا المخطط له اسقاطات وخيمة على الحي.
واضافت توتري: الهدف المعلن لهذا المخطط هو تحويل "شارع الجبل" الى ممر رئيسي بين مركز الكرمل والبلد التحتا. والهدف الثاني حل ازمة السير في المنطقة. وقد تم تقديم (36) اعتراضا، بين اعتراضات شكلية واعتراضات جوهرية. وتتطرق الادعاءات الى النقاط التالية:
1. عدم استيفاء عملية الاعلان عن المخطط الحد الادنى من الشروط التي ينص عليها القانون.
2. عدم ارسال رسائل لاصحاب العقارات تعلمهم بذلك
3. عدم صلاحية اللجنة الثانوية البت في الموضوع
4. عدم اشراك السكان في مرحلة تحضير المخطط
5. تجاهل المخطط للوضع الاجتماعي لسكان الحي
6. تجاهل الطابع الخاص للحي ومتطلبات السكان فيه.
ولخصت توتري قائلة: استنادا الى الادعاءات التي قدمها السكان المتضررون من المخطط، فأن الادعاء القانوني العام يتركز حول حقيقة ان مبدأ اشراك المواطنين في عملية التخطيط، والمنصوص عليه في قانون التخطيط والبناء الاسرائيلي سنة 1965، لا يمكّن السكان العرب من الاشتراك في عملية التخطيط، وذلك على الرغم من ان قانون التخطيط والبناء ينص على ذلك، لكن تطبيقه على ارض الواقع له تأثيرات مختلفة على فئات المجتمع المختلفة.

* الاحياء العربية في المدن المختلطة – الشاهد الحي الوحيد *

وقدم مدير مركز "مساواة" لحقوق المواطنين العرب في اسرائيل، جعفر فرح، مداخلة حول الاحياء العربية بين التخطيط، الخصخصة والحقوق التاريخية. وقدم حيفا كنموذج.
وقال فرح: تشكل الاحياء العربية في المدن المختلطة الشاهد الحي والوحيد على الوجود العربي الفلسطيني تاريخيا في المدن المركزية في اسرائيل، وسياسة طمس الوجود العربي الفلسطيني التاريخي رافقتها سياسة تخطيطية واقتصادية وتمييزية في الممارسة من قبل بلديات تلك المدن.
واضاف فرح: يسير مشروع محو تاريخ المعالم العربية في المدن المختلطة في مسارين: الاول – يأتي في اطار محاولات طمس الحقيقة التاريخية وشطب الآثار العربية. وهو من الناحية الثانية مشروع يميز ضد من بقي في هذه المدن وقبل المواطنة. ويمكننا اعتبار واقع هؤلاء المواطنين بمثابة الشاهد الاساسي في السياسة التمييزية الاقتصادية الاجتماعية والقومية الممارسة ضد الجماهير العربية عامة. وتشمل السياسة التمييزية مجالات التربية والتعليم والخدمات الاجتماعية والخدمات الرياضية والخدمات الدينية والاقتصادية وغيرها.
وبين فرح ان التمييز في اوضاع الاحياء السكنية التاريخية في حيفا يتجسد في الحقائق التالية:
1. 65% من عقارات هذه الاحياء هي بملكية الشركات الحكومية مثل "عميدار" وغيرها.
2. ظروف السكن الرخيصة في املاك تعتبر "املاك غائبين".
3. يلزم القانون شركات السكن الشعبي بتقديم خدمات ترميم الاحياء للمنازل المأهولة، ولكن هذه الشركات تستغل حالة الفقر التي يعيشها السكان ومحدودية قدراتهم الاقتصادية والقانونية للمماطلة وعدم تطبيق القانون.
4. نتيجة هذه السياسة، تم اخلاء مئات الوحدات السكنية بحجة انها "تشكل خطرا على سكانها" وقامت هذه الشركات باغلاق الوحدات السكنية او ابقائها مفتوحة لتتحول الى بؤر لتعاطي المخدرات والسموم.
5. تحول الاحياء من احياء عربية – يهودية الى احياء فقر عربية تتميز ببنية تحتية سيئة.
6. النقص الحاد في الخدمات، الاساسية وغيرها.
واشار فرح الى قيام السلطات البلدية بمحاولات خصخصة الارض، واتباع سياسة المصالح التخطيطية لصالح القطاع الخاص. واستعرض خرائط تصف الوضع التخطيطي والعقاري في حي وادي النسناس في حيفا.
وطرح فرح الحل قائلا: يكمن الحل لهذه المشاكل في الامور التالية:
1. حل محاور يتم فيه الاعتراف بالحقوق التاريخية الثقافية للعرب في الاحياء العربية.
2. منح مؤسسات التخطيط الحق في بلورة برنامج يطور نمط هذه الاحياء بشكل يتجاوب مع طموحات سكانها.
3. وضع مخططات لايجاد حل للقضايا الملحة لبناء مشاريع سكنية.
4. وضع مخطط متكامل لبناء مؤسسات مجتمعية وتعليمية وترفيهية.
5. التأكيد على التمييز بين المناطق السكنية والمناطق التجارية.
وفي نهاية المؤتمر قام مدير عام الرابطة لشؤون عرب يافا، عبد القادر سطل، بتنظيم جولة ميدانية في يافا.


حسن مواسي
الأحد 28/3/2004


© كافة الحقوق محفوظة للجبهة الدمقراطية للسلام والمساواة
حيفا، تلفاكس: 8536504-4-972

صحيفة الاتحاد: هاتف: 8666301 - 04 | 8669483 - 04 | فاكس: 8641407 - 04 | بريد الكتروني:aletihad.44@gmail.com

* المقالات والتعليقات المنشورة في موقع الجبهة تعبر عن آراء كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع